مصطلحات اجتماعية:الانتحار

 الانتحار: Suicide

شبكة النبأ: يتعلق الأمر بموضوع كلاسيكي في علم الاجتماع. وبعد ما تطرق إليه الإحصائيون (الأخلاقيون) جري ومورسلي مثلاً، كان موضوعاً (لدراسة سوسيولوجية) شهيرة وضعها دوركهايم الانتحار Le Suicide (1897). وقد أعيد النظر فيما بعد بأطروحات دوركهايم وصححت عدة مرات ولاسيما من قبل هالبواش في (Les causes du suicide) (1930) أو من قبل هنري وشورت (Suicide and homicide) (1964) تقع كل هذه الدراسات في مجرى (الإحصاء الأخلاقي) كونها تتناول جميعها الانتظام والتغيّر والفروقات في معدلات الانتحار كما تلاحظها الإحصاءات الرسمية. ومنذ فترة غير بعيدة كانت صحة هذه الرؤية الكمية موضوعاً للنقد الجذري على الأقل، إذا لم يكن مبطلاً لاسيما من قبل دوغلاس (1967).

يمكن تفسير اهتمام الإحصائيين الأخلاقيين بظاهرات الانتحار بواسطة ثلاثة أسباب. أولاً، ثمة في العديد من البلدان، أحياناً منذ البدء، وغالباً اعتباراً من النصف الثاني للقرن التاسع عشر، إحصاءات رسمية للانتحار: إنها تشكل مدونة إحصائية متميزة تسمح بالمقارنة في الزمان وفي المكان. ثانياً، كانت معدلات الانتحار تظهر بصورة عامة متصاعدة بانتظام خلال القرن التاسع عشر بكامله: أليس ثمة مادة متميزة للتأمل حول نتائج ما سيسمى فيما بعد (الثورة الصناعية)؟ ثالثاً، الانتحار هو عمل فردي دون منازع. ولكن المعطيات الإحصائية تبدو وكأنها تتميز بانتظام ملفت للنظر. ذلك أن النصف الثاني من القرن التاسع عشر يهيمن عليه فيما يتعلق بابيستمولوجيا العلوم الاجتماعية تيار طبيعي قوي (ليس ثمة فرق بين الظاهرات الإنسانية والظاهرات الطبيعية) وتيار وضعي (ينبغي أن تدرس الظاهرات الإنسانية على غرار الظاهرات التي تدرسها العلوم الأخرى ولاسيما الأولى بينها وهي الفيزياء). كانت دراسة الانتحار (مثل دراسة الجريمة) تمثل إذن فائدة خاصة من وجهة النظر الابيستمولوجية: لقد سمحت بإثبات أن الأفعال الأكثر فردية في الظاهر يمكن اعتبارها عن حق نتاج القوى (كما يقول الإحصائيون الأخلاقيون مستعيدين بمغزى، مفهوماً رئيسياً في الفيزياء) الجماعية ومظهراً لها.

إن كتاب الانتحار لدوركهايم هو بالتأكيد المؤلف الأساسي الصادر عن تيار الإحصاء الأخلاقي. فدوركهايم يحاول أن يبرهن، مستعملاً مجموعة هامة من المعطيات، أن الانتحار لا يمكن اختزاله إلى ظاهرة نفسية أو نفسانية مرضية: فلا نرى علاقة إحصائية بين معدل الانتحار ومؤشرات حدوث الأمراض العقلية. ولكن برهان دوركهايم حول هذه النقطة ليس مقنعاً كثيراً. وبالفعل، إنه يقفز فوق صعوبة التفسير التي أبرزها التحليل الأيكولوجي الكمي للترابطات المحسوبة على وحدات جماعية والانتحار لا يمكن أن يختزل حسب دوركهايم إلى التاثير الفيزيولوجي للعوامل الجوية والمناخية، رغم وجود دورات فصلية للانتحار، وبالفعل، تترافق الدورات الفصلية للانتحار بدورات أسبوعية ودورات يومية. الأولى وحدها يمكن أن ترتبط بتأثير من هذا النمط، وهذه الفرضية ايضاً يقتضي رفضها ليس إلا لأن الدورات الفصلية للانتحار أكثر بروزاً في الريف منها في المدينة. فأشكال الانتحار التي لا يمكن ربطها لا بالأسباب الفردية ولا بالأسباب (الطبيعية) ينبغي إذن أن تدرك حسب دوركهايم بصفتها أثراً لمتغيرات اجتماعية.

حينئذٍ يوسع دوركهايم نظريته الشهيرة عن الأنماط الأربعة للانتحار: إن تكيف الفرد مع المجتمع يفترض ألا تكون التفردية فظة جداً أو قصوى جداً. إذا كانت قصوى جداً، تولد فردية مفرطة يسميها دوركهايم بالأنانية. وعندما يميل الفرد لأن ينقطع عن محيطه وأن ينعزل فيتطور الانتحار من النمط الأناني. إذا كانت التفردية فظة جداً فإن الانتحار من النمط الغيري يصبح أكثر حدوثاً. من جهة أخرى، يفترض التوازن بين الفرد والمجتمع ألا تكون الضوابط الاجتماعية إكراهية جداً ولا قليلة الإكراه أو مشكوكاً فيها: إن الضوابط الشديدة الإكراه تساهم في حدوث انتحارات من النمط القدري. وإذا أخذنا مثلاً لاحقاً لدوركهايم فإن انتحار الكاميكاز من هذا النمط. وإن الضوابط القليلة الإكراه تترافق بتطور الانتحار من النمط الارتباكي. وإن عدم توجيه الفرد برؤية واضحة للأغراض والوسائل ذات القيمة اجتماعياً، يضله.. لقد قاد دوركهايم برهانه ببراعة منهجية كبيرة، وحلل تحليلاً جيداً في مقالة مهمة لسيلفان وأخترع دوركهايم مستبقاً الآخرين، ما سيسميه المنهجيون فيما بعد التحليل المتعدد التنوع، والتحليل (الأيكولوجي) الكمي، الذي ينسى مع ذلك مبادئه – كما رأينا – عندما يقود إلى استنتاجات تبدو له غير مرغوب فيها. فلكي يبين مثلاً أن الانتحار ينمو مع الأنانية، يبحث دوركهايم عن عدد معين من المؤشرات لهذا المتغير (غير المرئي) بحد ذاته: إن الديانة البروتستانتية باعتبارها تترك مكاناً واسعاً (لحرية الضمير) تبدو له أنها تدفع إلى الأنانية أكثر من الديانة الكاثوليكية. ذلك أننا نرى أن معدلات الانتحار تكون بصورة عامة أعلى في البلدان البروتستانتية، وأنها تتغّير (في المقاطعات الألمانية أو الكانتونات السويسرية مثلاً) وفقاً لنسبة البروتستانت فيها. فضلاً عن ذلك، تبرهن معطيات فردية (وغير متجمعة كما في الأمثلة السابقة) أن البروتستانت لديهم معدلات انتحار أعلى من الكاثوليكيين. وكان أن الأنانية – حسب دوركهايم – تميل إلى الانخفاض في فترات الأزمات السياسية والحرب، كذلك الانتحار الأناني فإنه يتراجع بشكل موازٍ. والمسيرة هي نفسها فيما يتعلق بالأنماط الأخرى للانتحار (لنشر مع ذلك إلى أن الانتحار القدري ليس موضوعاً إلا لملاحظة قصيرة). وهكذا يظهر دوركهايم وجود ما سيسمى فيما بعد (الترابط) بين معدلات الانتحار ومؤشرات الارتباك. فالانتحار أكثر حدوثاً مثلاً في مرحلة الازدهار الاقتصادي المفاجئ، ويكون أكثر حدوثاً في المهن المميزة للمجتمعات الصناعية الحديثة منه في المهن التقليدية. وهو يتزايد في الوقت نفسه مع الطلاق، الخ.

إن هالبواش، خلال تفحصه لنظرية دوركهايم بعد مرور ثلاثين سنة عليها، يؤكد قسماً من استنتاجاته. وهكذا، إن تنوعات الانتحار المرافقة للأزمة البولانجية (Boulangiste) ولقضية دريفوس تظهر بوضوح أن معدلات الانتحار تميل إلى النمو في فترة الأزمة السياسية. وفي الوقت نفسه، إن المعطيات الإضافية التي توفرت لهالبواش بالنسبة لدوركهايم والنقد الدقيق لنص دوركهايم سمحت له بإظهار هشاشة بعض البراهين الواردة في كتاب الانتحار والمتعلقة مثلاً بالتعارض الكاثوليكي البروتستانتي: فالدانمارك والسويد وبخاصة النروج عرفت اعتباراً من عام 1900 بالنسبة للبلد الأول واعتباراً من عام 1840 بالنسبة للبلدين الآخرين، معدلات انتحار أدنى بكثير من معدلات فرنسا مثلاً. هل كان ذلك ناجماً عن أن السويد والنروج، كانا في تلك الحقبة بلدين زراعيين؟ من الصعب قول ذلك. من جهة أخرى، يظهر هالبواش بوضوح أن استنتاجات دوركهايم بخصوص ألمانيا مشكوك فيها: فالبروتستانتيون ليسوا فقط بروتستانتيين؛ إنهم كذلك بصورة عامة، متمركزين على الأغلب في المدن مثل الكاثوليك، وتوزعهم في المدى الاجتماعي – المهني يختلف عن توزع الكاثوليك؛ وفضلاً عن ذلك ، تحتوي مقاطعات ألمانيا الشرقية أقليات مهمة من أصل بولوني. يمكن تلخيص نقد هالبواش بالطريقة التالية: ثمة العديد من استنتاجات دوركهايم كانت افترضت أن التحليل المتعدد التنوع (كما يقال في اللغة الحديثة) يمكن أن يدفع أكثر من ذلك. وكان يقتضي إدخال عدد أكبر من متغيرات الرقابة. ولكن بالنسبة لنقاط جوهرية، تكون مثل هذه الرقابة غير قابلة للتطبيق بسبب الترابط الذي تقيمه المتغيرات (التفسيرية) فيما بينها. إن الكاثوليكيين أقل تمثيلاً في الواقع من البروتستانتيين في بعض المهن وأكثر منهم في البعض الآخر. كيف يمكن في هذه الحالة، فصل أثر المعتقد على أثر المهنة؟ هل أن معدلات الانتحار عند البروتستانت أعلى لأنهم بروتستانت. أم لأنهم يمارسون أكثر من غيرهم مهناً مثيرة للضيق؟ لقد كان دوركهايم واعياً في بعض الحالات للمشكلة التي يطرحها وجود ترابط بين المتغيرات التفسيرية. ولكن في حالات أخرى، لا يرى أن هذه الظاهرة التتابعية – كما سيقال فيما بعد – يمكن أن تحول دون الحسم بين الفرضيات المختلفة جداً. وبمواجهة هذه الصعوبة، كان لديه ميل بالأحرى إلى الخيار، كما يشير إلى ذلك خفية هالبواش، بالنسبة للتفسيرات التي تظهر له بأنها الأكثر اتفاقاً مع نظريته العامة للانتحار.

فيما تبقى، تتناول مساهمة هالبواش ثلاث نقاط رئيسية. من ناحية أولى، أنه يبين بوضوح مصاعب التفسير لإحصائيات الانتحار التي تنجم عن التنوع في الزمن وفي المكان لنمط إبرازها. ومن ناحية ثانية، إنه يشير بحق إلى الأهمية الناجمة عن الأخذ بعين الاعتبار ليس فقط عمليات الانتحار (الناجحة)، وإنما كذلك محاولات الانتحار، فكلتاهما تظهران موزعتين بطريقة مختلفة ومرتبطين بمتغيرات مثل السن أو الجنس بطريقة غالباً ما تكون متناقضة. وهكذا، تكون عمليات الانتحار (الناجحة) أكثر عدداً عند الرجال، ولكن محاولات الانتحار أكثر عدداً عند النساء، ومن ناحية ثالثة، بعد أن عمل هالبواش أكثر من ربع قرن بعد دوركهايم، استطاع أن يبين أن معدلات الانتحار، التي تزايدت بصورة عامة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تميل إلى الاستقرار، وحتى التناقض في بعض البلدان من بداية القرن العشرين إلى الفترة التي كتب فيها. وإذا مددنا ملاحظات هالبواش، نذكر أن التطورات كانت من ثم متنوعة جداً من وضع إلى آخر: وهكذا، بين 1903 – 1913، 1970 كان الانتحار مستقراً في هانوفر، في هس وفي بيد – ورتنبرغ ولكنه تزايد في بافاريا ووستفاليا، (ألمانيا)؛ وكان مستقراً في لندن من 1900 إلى 1970، ولكنه يتناقص بقوة في باريس خلال المرحلة نفسها. إن مثل هذه التنوعات تستبعد دفعة واحدة كل تفسير مجتزأ. وليس مؤكداً أننا نستطيع اليوم تأكيد استنتاج آخر من استنتاجات هالبواش، القائل بميل إلى التماثل في معدلات الانتحار، رغم أن معدلات الانتحار تظهر ميلاً إلى التزايد منذ عقد من الزمن.

نستخلص من التفحص النقدي لدوركهايم الذي قام به هالبواش – والذي يفرض نفسه بشكل أقوى أيضاً عندما نتفحص معطيات الانتحار اللاحقة التي كان يمكن أن تتوفر لهالبواش – إن التحليل (المتعدد التنوع) المستعمل من قبل دوركهايم، إذا كان حقاً طريقة فعالة لتحليل معطيات الانتحار، فعليه أن يتضمن عدداً مهماً من متغيرات الرقابة، وكما أنه في العديد من الحالات، لا يمكن ملاحظة متغيرات مهمة على مستوى التحقيقات الاحصائية، يكون من الضروري إكمال هذه التحقيقات بتحقيقات على العينات تسمح في آن واحد بإدخال هذه المتغيرات غير المرئية وبإبعاد آثار المتغيرات التي تظهر أنها مرتبطة على المستوى الإحصائي. وحتى اليوم، فإن الدراسات الخاصة بحالة معينة والدراسات الخاصة بالعينة والدراسات المنطلقة من الإحصائيات، هي موضوع لتحليلات غير منسقة. ينجم عن ذلك أن سببية الانتحار وتنوعاته في الزمن وفي المكان تفوتنا في جزء كبير منها على الرغم من النتائج التي أبرزها دوركهايم ودققت من قبل هالبواش. إننا نقدّر اليوم إلى أي حد تكون سببية الانتحار معقدة. كيف نفسر مثلاً أنه منذ عام 1830 وحتى الفترة التي كتب فيها هالبواش، تزايد الانتحار والإدمان على الكحول بشكل مضطرد في فرنسا، وتراجعت الظاهرتان في النروج، بينما في السويد تدنى الإدمان على الكحول في حين تزايد الانتحار؟ هذه التطورات المعقدة تحث على أن نتفحص بتأنٍ النظريات التي تزعم أنها تكشف تأثير بعض السمات الثقافية الوطنية على معدلات الانتحار. وحتى لو احتوت هذه الفرضيات الثقافية قسطاً من الحقيقة، من الصعب الاعتقاد – قد يقتضي في كل الأحوال إثبات ذلك باللجوء المنهجي إلى التحليل المتعدد التنوع الذي رأى دوركهايم بوضوح أهميته الأساسية في تحليل وتفسير المعطيات الإحصائية – إن معدلات الانتحار مرتفعة في فرنسا وفي ألمانيا لأنه يوجد في هذين البلدين بورجوازية صغيرة واسعة تميل بصورة خاصة إلى الزهد.

إن الصعوبات التي يصادفها تطبيق الطرائق الإحصائية على تحليل الانتحار ولّدت نقداً جذرياً: نقد دوغلاس في الولايات المتحدة وعلى أثره بشلير في فرنسا لقد دعا دوغلاس، بعد أن دفع إلى الحد الأقصى بشكوك هالبواش حول مدى صحة الإحصاءات حول الانتحار، دعا إلى تحليل من النمط البيوغرافي والنوعي؛ إن الهدف الذي عليه أن يسعى إليه عالم الاجتماع المهتم بالانتحار لا يمكن أن يكون إلا إظهار تفسير الانتحار بالنسبة للفرد الذي يرتكبه.

من الصعب تخيل موقع أبعد لدوركهايم من موقع دوغلاس. لقد سعى الأول ليبين أن حوافز المنتحرين هي في آن واحد أصعب من أن يتناولها التحليل وذات فائدة علمية ضعيفة. وأراد الثاني ألا تمثل الحوافز وحدها فائدة علمية وحسب، وإنما أن تكون وحدها سهلة المنال اعتباراً من الوقت الذي يحكم فيه على المعطيات الإحصائية بأنها غير قابلة للاستعمال. لقد طوّر بشلير بشكل رائع المنهج المقترح من قبل دوغلاس: فانطلاقاً من مدوّنة لتاريخ الانتحار، بذل جهده لكي يبين أنه بالإمكان دائماً، عندما تتوفر عناصر المعلومات الكافية، تفسير الانتحار باعتباره جواباً على وضع معين: كل عمليات الانتحار تنجم عن كون المنتحر ترك نفسه ليحشر في فخ. ينبغي إذن أن يفسر الانتحار باعتباره حلاً (استراتيجياً) أعطاه الفرد لمشاكل وجودية. ومع أن مثل هذه النظرية تتضمن قسطاً مهماً من الحقيقة. فإنها دون شك، على غرار نظرية دوركهايم التي تعارضها، عامة جداً في طموحها. من الصعب القبول أن الانتحار ينجم دوماً عن أسباب اجتماعية، كما أراد دوركهايم. ومن الصعب كذلك القبول بأن نظرية (استراتيجية) للانتحار يمكن أن تكون ذات مدى عام. إن النظريتين، بإنكارهما لتأثير العوامل التي وصفها دوركهايم (بالنفسانية المريضة) تبديان تسلطية سوسيولوجية ذات أساس ضعيف على الأرجح فيما يتعلق بتحليل الانتحار.

من الصحيح، كما كان قد أوحى بذلك هالبواش، أن دراسة الانتحار لا يمكن إلا أن تتعمق إذا كان بمقدورنا تحليل دوافع الانتحار – هذا الغرض الذي اعتقد دوركهايم دوغماتياً وجوب إنكار فائدته – من الناحية المثالية، تقتضي معرفة الدوافع، أي توزيع دوافع الانتحار والأسباب الاجتماعية المؤثرة على توزيع هذه الدوافع وكذلك على تنوعات هذا التوزيع في الزمان وفي المكان. يفترض ذلك التخلي عن الرؤية السوسيولوجية التي تعتبر أن لا دوافع الانتحار، ولا بصورة عامة أسباب الانتحار المرتبطة ببنية الشخصية، يمكن أن تمثل (وقائع اجتماعية) ملائمة، وكذلك الرؤية الذرية التي تعتبر أن عالم الاجتماع عليه أن يقتصر على إقامة تصنيفية لسلوكيات الفرد التي تؤدي إلى الانتحار.

الانتحار

Suicide

عدوان على الذات، شعوري وإرادي، يسبّب الموت.

الانتحار أكثر تواتراً لدى الرجال منه لدى النساء (أكثر بمرتين إلى ثلاث)، ولكن محاولات الانتحار منتشرة لدى النساء أكثر من الرجال بمرتين. ويزداد عدد حوادث الانتحار مع العمر (لثلثي ضحايا الانتحار عمر يزيد عن خمسة وأربعين عاماً)، ولكن محاولات الانتحار تنجز على الأغلب قبل الأربعين عاماً. ويمثل الانتحار في فرنسا 16% من مجموع وفيات المراهقين من خمسة عشر عاماً من العمر إلى عشرين (مقابل 1.65% لدى الراشدين)، وثمة، في رأي ف. دافيد سون وب. أنجل (1978)، نحو أربعين ألف شاب يعتدون على حياتهم سنوياً. أما أسباب الانتحار فمعقدة ولا تزال غير معروفة بصورة كاملة، ونجد على الغالب، لدى الشباب، إخفاقاً مدرسياً أو عاطفياً، والانعزال الوجداني (طلاب، متدربون، انتقلوا إلى مدن كبيرة)، وغياب التواصل، والإرهاق، وانشغال البال بالمستقبل والصعوبات المادية، والعدوى الذهنية، والمحاكاة، يمكنهما أن يؤديا دوراً في الانتحار. والواقع أننا نسجل في بعض الأحيان أوبئة حقيقية من الموت الإرادي في بعض الأماكن المعينة (بركان، سكة قطار، الخ) بحيث أن السلطات المحلية مرغمة على حراستها، وسلوكات التدمير الذاتي يمكن أن يحرضها مؤلف فلسفي أو فني أو أدبي مثل آلام فرتر لغوته (1774)، أو الباب الضيق (1909)، لأندره جيد، أما عوامل الانتحار لدى الأكبر عمراً فهي التدهور الجسمي والعاهات، والوحدة، والصعوبات المادية، والشعور بعدم الجدوى، بل الاستبعاد من الجماعة الاجتماعية، والصورة النموذج (للمرشح) إلى الانتحار في الولايات المتحدة الأمريكية هي صورة رجل (75% من المنتحرين) من عمر معين، من العرق الأبيض (عدد المنتحرين من البيض خمس أضعاف عددهم من السود)، أرمل أو مطلق، يعيش وحده، مريض ودون عمل. وعدد المنتحرين يظل مرتفعاً في فرنسا لدى سكان الأرياف والأطر العليا، وينقص عدد المنتحرين في زمن الحرب، ولكنه يزداد خلال مراحل (الازدهار) الاقتصادي. ويبدو أيضاً أن الشروط الجغرافية وشروط التغيرات الجوية تؤدي دوراً في هذه الظاهرة، ذلك أن انخفاضات الضغط الجوي المفاجئة يرافقها ازدياد حوادث الانتحار، وهي أكثر تواتراً في الشتاء منها في الصيف، في الوديان وعلى طول الشاطئ أكثر منها في الجبال وبلدان الغابات. وبين عوامل الانتحار الأخرى الممكنة، يمكننا أن نلاحظ ضرباً من الاستعداد الأسري المسبق، المرتبط بوراثة مثقلة (ذهان الهوس الاكتئابي على الأغلب).

وكوّنت العلاقات بين الانتحار والاضطرابات النفسية موضوع مناقشات محمومة. والمقبول في الوقت الراهن أن للمرضى العقليين نزوعاً إلى التدمير الذاتي أقوى من نزوع الأفراد الأسوياء. فالفعل يمكنه أن يكون اندفاعياً أو، على العكسن موضع تأمل طويل. والموت الإرادي متواتر بصورة خاصة لدى السوداويين، حتى لدى أولئك الذين يبدون في مرحلة خمود، وغير نادر أن يرى المرء هؤلاء المرضى يسببون الموت لدى بعض أعضاء محيطهم. ونلاحظ بخاصة لدى المكتئبين، غير السوداويين، محاولات انتحار. وفعل تدمير الذات، لدى الفصاميين، طارئ اندفاعي، ترافقه تشويهات في بعض الأحيان، وبتر أعضاء يتحقق دون انفعال ولا ألم ظاهر. والانتحار نادر لدى المصابين بالهذيان المزمن. إن له عندئذ دلالة الهروب بالنسبة إلى (مضطهد)؛ والتضحية بالنسبة لهاذ صوفي؛ وقرارٍ بطولي لدى المصاب بالذهان الهذائي. وتظل أفكار الانتحار لدى المصابين بالعصاب الوسواسي على الأغلب في مرحلة الفكرة الثابتة المرهقة. ونواجه عادة لدى الهستيريين محاولات انتحار مشهدية، ولكنها يمكنها أيضاً أن تؤدي بهم إلى الموت. ومحاولات التدمير الذاتي لدى المصابين بعدم التوازن في الطبع متواترة، اندفاعية دائماً على وجه التقريب، ونقول أخيراً أن الارتكاسات الانتحارية متوافرة إلى حد كاف في حالات السكر الكحولي ولدى المصابين بالصرع.

ويؤكد إميل دوركهايم، في دراسته الانتحار (1897)، إذ قارن تواتر الموت الإرادي في مختلف الجماعات الإنسانية، أن هذا التواتر يزداد طرداً مع تراخي الروابط الاجتماعية.

والسلوكات الانتحارية يمكنها أن تكون ذات وظائف مختلفة ثلاث: فالانتحار، بالنسبة لبعض الأفراد، يكوّن وسيلة تجنب، الهروب من وضع هم عاجزون عن قبوله. وهو، بالنسبة لآخرين، يقابل الارتداد ضد الذات، ارتداد دافع عدواني لم يكن يمكنه أن يوجه ضد الغير. إنهم يعتدون مع ذلك على من يحيطون بهم حين يعتدون على حياتهم هم، ذلك أن على من يحيطون بهم أن يواجهو الحزن، بل تأنيب الضمير، والانتحار بالنسبة للكثيرين، أخيراً، رسالة يائسة تعبر عن ضروب اللوم الموجهة إلى الغير على اللامبالاة، كما تعبر في الوقت نفسه عن العجز عن الاضطلاع بوضع صعب. ويعاني كثير من المنتحرين عاطفة العزلة والنبذ. وهذا هو السبب الذي من أجله تكوّنت هيئات الوقاية من الانتحار، في كل أنحاء العالم على وجه التقريب، بدءاً من الأربعينيات من هذا القرن، وحددت لنفسها مهمة مفادها أن تستجيب لكل نداء هاتفي، في النهار والليل، وتصغي دون أن تطلق حكماً، وتسكّن حصر صاحب النداء، وتبذل جهدها في نقل بعض من الدفء الإنساني إلى المتحدثين المغفلين، وتعيد إليهم شيئاً من الأمل. وأشهر هذه التنظيمات هما تنظيم (S.O.S للصداقة) يُعنى بالإصغاء الهاتفي المغفل وتنظيم (بحث ولقاء) لاستقبال الذين يشعرون بالعزلة.

متعلقات

انتحار(1)

الانتحار شنقا: الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته. يرى آخرون أنه قتل النفس تخلصا من الحياة التي وهبها الله لعباده، وقد اختلفت الآراء حول الانتحار هل يعكس شجاعة الشخص المنتحر أم جبنه وانعكاس لفشله وعدم الحاجة لاستمرار حياته.

بعض الشعوب لديها رمزية خاصة للانتحار كما هو عند اليابانين. يحرم الإسلام قتل النفس بأي حال من الأحوال ويشير إلى أن حياة الإنسان ليست ملكا له وبالتالي لا يجوز التحكم بها من قبله. على الرغم من ذلك فإن حالات انتحار لغرض قتل الأعداء تم عملها بشكل كثير في فلسطين والعراق في الآونة الأخيرة لقتل المحتل وقد اختلف علماء المسلمين على شرعيتها إلا أن الكثير من العلماء اباحوه (وهذا يعكس التخبط الدائم ما بين الآراء التنويرية والآراء السلفية الجهادية بين مشايخ المسلمبن)، ويطلقون عليهم في العالم الإسلامي لقب "استشهاديين" ويضفون عليهم هالة من القداسة وصور للتضحية بالنفس في سبيل الإسلام، ولكنهم من وجهة النظر النفسية والمجتمعية "إنتحاريون" ويائسون وكارهون للحياة ويطمعون في الثواب الوهمي (جنة الحور العين) على قتلهم لأنفسهم وللأبرياء من المدنيين، مثلما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة

 أسباب الأنتحار

حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالأكتئاب والفصام والهستيريا

والباقي وهو 65% يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية او تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ مثل القياك بالعمليات الانتحارية

 ملاحظات على الانتحار

الذين يحاولون الانتحار ثلاثة أضعاف المنتحرين فعلا

المنتحرون ثلاثة أضعاف القتلة

محاولات الانتحار أكثر بين الإناث

الانتحار الفعلي أكثر بين الذكور

أكثر وسائل الانتحار استخداما عند الإناث الأدوية والحرق وعند الذكور الأسلحة النارية

تقل نسبة الانتحار بين المتزوجين ومن لهم أطفال

أعلى نسبة انتحار في العالم في الدول الأسكندنافية

خمس المنتحرين يتركون رسائل وعلامات تشير إلى انتحارهم

تقل نسب الانتحار في الحروب والازمات العامة

 الانتحار في الإسلام

الانتحار محرم في الإسلام لقول الله تعالى في القرآن

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29

فالنفس ملك لله وليس لأحد أن يقتل نفسه ولو زعم أن ذلك في سبيل الله (1)

اسباب الانتحار لدى المراهقين

أهم الاسباب التي تدفع المراهقين الى الانتحار

تجمع الدراسات في تحليل أسباب الانتحار لدى المراهقين، على وجود أسباب كثيرة ومتنوعة تختلف باختلاف الأفراد واختلاف البيئة الاجتماعية والظروف التي يعيش فيها الفرد. ويتبين من هذه الدراسات أن أهم الأسباب التي تدفع المراهقين الى الانتحار أو محاولة الانتحار هي:

أ_ أسباب ظرفية: يمكن ربطها بالأحداث التي يعيشها المراهق، انطلاقاً من الأحداث البسيطة الى الأحداث الأشد خطورة، وهي تتعلق في أكثرها بنظام العلاقات القائمة بين المراهق وأهله من جهة، وعلاقاته بالآخرين من جهة ثانية. ويمكن تحديد هذه الأحداث بالشكل التالي: المنع المفروض على المراهق في البقاء خارج المنزل لوقت متأخر، رفض الأهل تحقيق بعض من متطلباته، قصور الأهل المادي لشراء ما يرغب به، المشاحنات مع الرفاق، الفشل الدراسي، علاقة فاشلة مع الجنس الآخر، ادخاله في مدرسة داخلية، انهيار وضع الأسرة الاجتماعي _ الاقتصادي، فقدان شخص عزيز، وخصوصاً الأب أو أحد المقربين.

ب_ أسباب اجتماعية: يمكن تصنيفها بنوعين:

1_ أسباب عائلية:

_ التفكك العائلي

_ انعدام الأمن والعاطفة نتيجة عوامل مختلفة أهمها: تعاطي الأب أو الأم الكحول.

_ المشاحنات بين الزوجين _غياب أحد الوالدين _ موت الوالدين أو أحدهم_ مرض الأهل الطويل.

ولقد استأثر الاهتمام في دراسة الأسباب العائلية بمشكلة غياب الأب انطلاقاً من فكرة أن سلطة الأب وعاطفة الأم هما الركنان الأساسيان في توازن العلاقات الأسرية. فالسلطة ليست قمعاً دائماً، بل هي أيضا سند ودعم عاطفي. فالأب الذي لا يعرف إلا القساوة، ولا يستطيع تأكيد ذاته إلا من خلال الصراخ والعقاب الجسدي، لا يمكنه أن يفرض السلطة العادلة والثابتة، فينشأ الأبناء على فكرة السلطة القاسية والقمعية، وعندما يصلون الى مرحلة المراهقة فانهم يستجيبون بطريقة عدوانية مماثلة.

التحليل الفرويدي: اعتبر ان وظيفة الأب ذات أهمية كبيرة في مرحلة المراهقة، أولاً للخروج نهائياً من "الأوديب" ثم ثانياً من أجل تكامل الاستقلالية واعادة تنظيم الواقع الذاتي. والخلل في الصور العائلية في مجموعها، في الوقت الذي يحصل فيه انبعاث جديد للشحنات السابقة، يمكن أن يكون له التأثير الكبير على مصير الميل الاندثاري القومي في هذه المرحلة.

ب_ أسباب اجتماعية: تظهر الدراسات على أن مستوى الأسرة الاجتماعي _ الاقتصادي والمستوى الثقافي ليس لهما تأثير كبير في دوافع الانتحار لدى المراهقين. فلقد تبين من هذه الدراسات ان المراهقين الذين ينتحرون أو يحاولون الانتحار ينتمون الى جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكل متعادل. وكذلك عامل السكن الذي يؤثر فقط في حال شكل انعكاساً لمآزم عاطفية.

فالسبب الاجتماعي الأكثر تأثيراً يرجع الى الفشل المدرسي الذي يعيشه المراهق كجرح نرجسي عميق. ومما يزيد في خطورة هذا العامل، موقف الأهل الذين يسقطون الآمال على ابنائهم ويأملون تحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه من خلالهم. فيلجأون الى استعمال القمع والقوة للوصول الى ما يبتغون.

وهكذا، فان الفشل المدرسي يشكل نقطة التقاء ظروف سلبية وشكل خاص من التوظيف والتأثير القمعيين.

ج_ الانتماء الى جماعات الرفاق

ان عجز المراهق عن الانخراط في مجموعة ما، أو بمعنى آخر، عزلة المراهق الاجماعية، هي ظاهرة ترجع في الواقع الى مرحلة الطفولة. وهذا العزل الاجتماعي يتخذ أشكالاً مختلفة:

_ العزل نتيجة لشعور المراهق بضعفه وعجزه عن تحمل المنافسة ضمن المجموعة.

_ العزل نتيجة للنظر الى المجموعة على أنها ليست بذي فائدة، وان الانتماء اليها لا يعود عليه بأي نفع.

_ وأحياناً يكون العزل نتيجة لشعور المراهق بأنه لا يملك الحق في ترك أهله لأنه يشعر بالارتياح معهم.

_ فاستمرار العلاقة الطفلية السابقة بين المراهق وأمه، وظهور الأب كأول غريب في علاقة الأم/ الطفل، واستحالة تخطي العلاقة الثلاثية، تشكل جميعها العوامل التي تفسر عدم امكانية التنشئة الاجتماعية.

من المعلوم اليوم ان الانتماء الى عُصب الأحداث، له نتائج ايجابية بالنسبة الى المراهق:

_ ينزع عن المراهق الميل الى الاندثار الذاتي من خلال تفريغ العدوانية في تصرفات جماعية.

_ يعزز ويقوي الميول "اللبيدية"، وبالتالي يعزز الأواليات الدفاعية ضد شحنات الاندثار والموت.

_ اتحاد الطاقات يقوي مشاعر الحماية ضد اتحاد الأخطار الخارجية المتأتية من عالم الراشدين.

هكذا فان العزل الاجتماعي يعيق تشكل الأوليات الدفاعية ضد الميول الاندثارية.

د_ أسباب نفسية

ان بعض الخصائص النفسية تظهر بشكل ثابت، وتبين خاصية مزدوجة: قدمها وتثبيتها.

1_ خصائص المزاج: التي أساسها ليس الخور بل شكل من أشكال الكآبة وعدم الرضى المستمرين والعميقين اللذين يسترهما نشاط زائد ظاهري. واستجابات الخيبة والخجل هي أكثر شيوعاً من مشاعر الذنب. ان هذه الخصائص جميعها ذات علاقة بقلق منتشر من نمط سلفي لا يشبه مطلقاً قلق الخصاء بسبب خاصيته الكثيفة التي لا لبس فيها ولا بروز. ان المراهق الذي لا يعرف إلا قانون "الكل أو لا شيء" يمكن ن يكشف عن مزاج ضعيف.

2_ اضطراب الارصان: الذي هو في الأساس اضطراب ناتج عن عجز في التفكير والتعبير اللفظي للمُعاش العاطفي والانفعالي. وبشكل عام فان هذا الاضطراب شبيه بالاضطرابات التي تلاحظ عند الجانحين وفي بعض الاضطرابات النفسبدنية ، ويؤلف حلقة من الحلقات التي تربط هذين النمطين من السلوك. والانتحار يتعلق بهذين النمطين، أولاً كفعل وثانياً كتدمير ذاتي.

ان اعتماد المراهق العقلنة لا يمنع وجود هذا الاضطراب. فالعقلنة عادة، وبفعل وظيفتها الدفاعية والنمائية، هي مرحلة من مراحل النمو الارصاني، وهي مشحونة بالعاطفة ولها تأثير في تنظيم الانفعال. ولكنها هنا، على العكس، تبنى على فراغ، والكلمات لا تحمل أي شحنة عاطفية.

3_ تنظيم مثال الأنا: يظهر أيضاً خصائص نفسية. فالأمر يتعلق بمثال "أنا" سلفي وعظامي مع خصائصه الطبيعية: مطلب المطلق _غياب أو عدم كفاية في التغير. ويمكن الاشارة هنا الى العجز عن التكامل الزمني، إذ إن الزمن المُعاش بالنسبة للمراهقين الذين يقدمون على الانتحار لا يحتوي لا على فكرة الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل. وفي الوقت نفسه، سلوك الانتظار الذي ينظم الفعل، والذي يشكل سلوكاً مؤجلاً يصبح سلوكاً لا يحتمل.

ان هذه الاضطرابات ليست بالضرورة اضطرابات مكثفة، ويمكن أن تظل خفية، ولكنها في الواقع متجذرة بعمق. وهي تُصاحب بعدم امكانية تحمل الصدّ، وشدة الأحباط تترجم درجة العذاب والألم أمام العجز في امكانية التأثير على الواقع للتوصل الى اشباع الرغبات. وأحياناً الاحباطات المتلاحقة يمكن أن تأخذ شكل النقد الذاتي الذي يخفي متطلبات على مستوى مثال الأنا. ولا شك ان الميل المطلق والمتطلبات تجاه الذات نجدها لدى جميع المراهقين. ولكن المراهقين الذين يحاولون الانتحار يتميزون بأن مثال "الأنا" السلفي لديهم يظهر قبل البلوغ، واثناء المراهقة يلاحظ من خلال تثبيته وصلابته وعدم تأثيره التدريجي بواسطة اختيار الواقع. فكل مجابهة مع الواقع ليست عامل تطور، بل جرح وتعزيز لوضعيات سلفية.

ح_ عدم كفاية الأواليات الدفاعية الطبيعية

ان هذه الخاصية هي احدى السمات الأكثر ثباتاً لدى جميع الأحداث الذين يقدمون على الانتحار. فالمراهق يملك وسائله الدفاعية ضد جروحه النرجسية وما يتعرض له مثال "الأنا" وفقدان الموضوع. ومن أهم هذه الوسائل أواليتان ولكنهما غير كافيتين:

1_ حركية التوظيفات: اننا نجد لدى جميع المراهقين الذين يقدمون على الانتحار العجز في رفع التوظيف عن الموضوع المخيب أو الضائع. وبالرغم من العذاب الذي يشعر به المراهق فانه يبقي على توظيفاته ويكرر تصرفاته ويجتر خيبته ويغلق ذاته عن كل ما هو آخر. بتثبيت خاص يشكل انحرافاً في عملية المراهقة الطبيعية.

2_ أوالية الاسقاط: تجاه هذا التباعد الذي يشعر به ما بين رغباته وطموحاته المثالية من جهة والامكانيات المتواضعة المتوفرة له من جهة ثانية يستجيب المراهق عادة، بواسطة أوالية دفاعية اسقطاية. وبحسب مستوى طموحه فانه يبني مشاريع وأنظمة نظرية تهدف الى جعل الواقع، لاحقاً، يتوافق مع الصورة المثالية التي كونها عن هذا الواقع، أو أنه يستجيب من خلال المحاولة في تعديل الواقع مباشرة بواسطة الانتقال الى الفعل الذي يمكن أن ينتهي بالجنوح.

ان هذه الأوالية لدى المراهق الذي يقدم على الانتحار، تكون معطلة أو غير كافية أو لا وجود لها على الاطلاق. فاما ان يوجه عندئذ عدوانيته مباشرة تجاه ذاته، واما ان يحاول التأثير على الواقع في مرحلة أولى من خلال الانتقال الى الفعل. ولكن امام الاحباط الذي يصيبه فانه يتخلى عن ذلك ويوجه الى ذاته الفعل العدواني.

الإنتحار(2)

تعريفه: محاولة ناجحة أو فاشلة لإنهاء الحياة عن قصد.

طريقة الإنتحار  

تختلف طريقة محاولة الإنتحار بإختلاف الأساليب فمنها غير العنيفة نسبياً (مثل تعاطي السُم أو تعاطي جرعة أكبر من اللازم ) إلى الطرق العنيفة (مثل إطلاق النار وقطع الشريان). ويميل الرجال إلى إختيار الطرق العنيفة وهذا يُرجح إحتمال أن تحظى محاولات الإنتحار عند الرجال بالنجاح. يتم عدد كبير من محاولات الإنتحار غير الناجحة بكيفية تجعل الإنقاذ ممكناً وأن تعتبر هذه المحاولات بمثابة صرخة لطلب المساعدة والنجدة. 

لماذا يُقدم الناس على الإنتحار   

الإكتئاب ، الشعور بالعجز واليأس ، مشاعر وإتجاهات سلبية لدى الشخص عن نفسه ، التفسخ الإجتماعي وإنهيار معنويات الشخص ، العزلة الإجتماعية أو الهيكل الإجتماعي المتفكك ، البطالة ، الإصابة بالأمراض الفتاكة مثل الأيدز ، الإختلالات العقلية الوراثية ، عدم توازن الكيماويات الحيوية في المخ . 

اشارات تحذيرية   

يشعر الشخص بالكأبة من وقت لآخر . حتى يمكن الجزم بأنها أعراض الإكتئاب ، عادة ما تظهر العلامات التالية بصفة واضحة ومستمرة : الإحساس بالكسل والتبلد العام والإهتياج ، فقدان الإهتمام بالأنشطة اليومية ، الإنطواء على النفس ، الحزن الشديد أو الشعور بالفراغ ، ضعف معنويات الشخص ، اليأس ، القلق ، الصعوبة في التركيز وفقدان الذاكرة ، النقد الذاتي، الإنتقاص من قيمة الإنسان لنفسه ، تغييرات في عادات الأكل ، إضطرابات النوم (الأرق وما شابه) ، الأرهاق المزمن ، فقدان الطاقة ، عدم الإرتياح البدني مثل الإمساك وحالات الصداع.

اشارات تحذيرية   

تغيرات في الشخصية أو العادات ، الإكتئاب ، التوتر أو القلق ، الشعور بالعجز ، الشعور باليأس ، عدم القدرة على التمتع بالحياة ، العصبية ، التهور ، الأرق ، فقدان الشهية ، فقدان وزن الجسم ، الإهانة وسوء المعاملة، إعطاء الممتلكات للآخرين بدون مقابل ، تصريحات بالشعور بالذنب ، تصريحات متكررة بنية الإنتحار. 

العلاج   

قد تستلزم الضرورة إجراءات طارئة إذا حاول الشخص الإنتحار. وغالباً ما يحتاج الأمر إلى الإقامة بالمستشفى لعلاج المحاولة الحالية ولمنع أي محاولات في المستقبل . ومن أهم جوانب العلاج توفير المشورة والتوجيه النفسي .

ما الذي تستطيع أن تفعله ؟   

إذا كنت تشعر بالإحباط . إقبل الحقيقة في أنك لا تستطيع أن تكون سعيداً كل الوقت وعليك أن تبني على مكامن القوة لديك وتحسّن من مهاراتك وتقبل قيودك وحدودك . تحدث إلى الناس عن شعورك : الأصدقاء وأفراد العائلة والمدرسين والطبيب . عبّر عن نفسك بالموسيقى أو بالكتابة أو في المسرح أو في الألعاب الرياضية . عليك أن تتواصل مع الآخرين . تطوع لعمل معين أو إنضم إلى ناد . قم بعمل إتصالات مع الناس الذين لديهم نفس الإهتمامات أو الهوايات مثلك ، حدد ميزانية وإلتزم بها ، فإن المحافظة على شؤونك المالية داخل حدودها يُزيل الإجهاد بشدة. إقبل التغيير . تناول الطعام بطريقة صحيحة . مارس التمرينات الرياضية. إعترف بوجود علامات الاكتئاب لديك واشارات التحذير للشروع في الإنتحار لديك ولدى الآخرين، واحصل على مساعدة من أحد أفراد عائلتك أو من طبيب أو من أصدقائك .

قائمة بأشهر المنتحرين(3)

 هتلر انتحر مع عشيقته إيفا براون عند هزيمته

الملكة كليوبترا، انتحرت بواسطة وضعها للصل على ذراعها وهو نوع من انواع الحيات الخطيرة .

أيمن السويدي زوج المطربة التونسية ذكرى

ديبندار بيكرام شاه ولي عهد مملكة نيبال, أطلق النار على جميع أفراد أسرته ثم انتحر بالرصاص

المشير عبد الحكيم عامر

ادوارد جون سميث ، قبطان السفينة "تيتانيك" التي غرقت في المحيط عام 1912م, فضل الموت على ألا يغرق بقية عمره في الندم والمعاناة .

سعاد حسنى الممثلة المصرية المشهورة

أميمة عبد الوهاب، أحد أشد المعجبات بالمغني عبد الحليم حافظ ففي عام 1977 حينما سمعت خبر وفاته ذهبت إلى شقته في الزمالك ومن الدور السابع ألقت بنفسها منه منهية حياتها فقط من أجل هذا الفنان

الروائي الأمريكي الشهير أرنست همنجواي الذي حاز بروايته الرائعة: الشيخ والبحر.. جائزة نوبل للآداب، حيث أصبح بعد ذلك من رواد الأدب العالمي، وبلغت شهرته الآفاق بكتابته للأدب الإنساني الراقي، الذي يصبه في قوالب روائية جميلة، ولكن همنجواي وجد نفسه وحيداً في آخر حياته رغم شهرته الواسعة بين الناس، وبدأ المرض يفتك به، فقرر الخلاص من الحياة بطريقته الخاصة، وذلك عن طريق بندقية قديمة كان يملكها، حيث وجهها إلى رأسه وأطلق النار ليخر صريعاً، وليصحوا العالم صباح أحد أيام 1961 م على خبر انتحار الروائي الأمريكي الشهير.

الكاتب الأمريكي دايل كارينجي صاحب أروع الكتب في فن التعامل مع الناس، وصاحب أكثر الكتب مبيعاً في العالم، حيث بيعت ملايين النسخ من كتبه، وترجمت إلى أكثر اللغات العالمية، فهو صاحب كتاب: كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس.. وكتاب: دع القلق وابدأ الحياة

وقد وضع قواعد رائعة في كيفية طرد القلق والانطلاق في الحياة العامة بكل سعادة وثقة ولكن كل ذلك لم يمنع القلق من أن يسيطر على حياة كارينجي، فعصفت الكآبة بحياته، وسادت التعاسة والشقاء أيامه، فقرر هو أيضاً التخلص من حياته عن طريق الانتحار قال للإنسان: دع القلق وابدأ الحياة .. ثم انتحر

فان جـوخ كذلك الفنان الهولندي الشهير فان جوخ والذي تباع لوحاته اليوم في مزادات لندن وباريس بملايين الدولارات.

وقد بيعت أخيراً لوحته الشهيرة: زهور عباد الشمس.. بستين مليون دولار وكان قد بدأ حياته قسيساً، ثم تحول إلى الرسم، واحترف هذا الفن حتى أصبح من أبرز الأسماء اللامعة عالمياً في مجال الفن التشكيلي، لكن ذلك لم يحقق له السعادة التي كان يطلبها ويتمناها، وأراد أن يضع حداً للشقاء النفسي الذي كان يعانيه، وكان ذلك في يوم 29 يوليو 1980 م، حيث أمسك مسدسه وأطلق على نفسه الرصاص ليموت بعد ذلك بيومين، ووضعت زهور عباد الشمس التي كان يرسمها على قبره

اسماعيل أدهم ذلك الكاتب المصري الشاب الذي حصل على الدكتوراه في الرياضيات من جامعة موسكو أيام فورة الشيوعية الماركسية

لذلك فعندما رجع إلى بلاده كان قد امتلئ بالنظريات الماركسية حول الحياة والكون والتاريخ، وألف فيها عدداً من الكتب كان أشهرها كتابه: لماذا أنا ملحد.. الذي أثار ضجة كبرى في الساحة الثقافية آنذاك وكان إسماعيل أدهم، يجيد عدداً من اللغات، وله كثير من الدراسات والكتب والبحوث، لكنه كره الحياة التي لا تنتهي إلى شيء .. فكانت النهاية ففي يوم 23 يوليو 1940 هـ فوجئت الأوساط العلمية والثقافية بخبر انتحار الدكتور إسماعيل أدهم بإلقاء نفسه في البحر على شاطئ الإسكندرية، حيث وجدت جثته، ووجدت في ملابسه رسالة تؤكد انتحاره بسبب سأمه من الحياة.

الشاعر اللبناني خليل حاوي فقد اختار نفس النهاية، فبعد ما سمع وهو في منفاه في استراليا بخبر اجتياح الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان وحصاره لبيروت عام 1982 م أصابه حزن عميق، وساده القنوط، فقرر الانتحار لإنهاء حياة العذاب التي كان يعانيها.. وأطلق الرصاص على نفسه.

كريستينان أوناسيس كانت من الأسماء اللامعة:هي ابنة الملياردير اليوناني أوناسيس صاحب الجزر والأساطيل البحرية والطائرات والمليارات، الذي يعد من أكبر أثرياء العالم .. ولأن كريستينان وريثته الوحيدة فقد ورثت عن أبيها كل ثروته الهائلة، إلا أن ذلك لم يحقق لها السعادة التي تبحث عنها، فقد تزوجت عدداً من المرات، وكان زواجها الأخير من أحد الشيوعين، حيث سئمت حياة الترف والثروة، وذهبت لتعيش مع زوجها في منزل متهالك في أحد أحياء موسكو الفقيرة، إلا أن الفشل لاحقها في هذا الزواج أيضاً، ففارقت زوجها بعد أن أصيبت باكتئاب مزمن وحزن مرضي متصل، ولم تستطع الثروة والمال أن تحقق لها أبسط معاني السعادة الإنسانية، وأقل درجات الرضى والطمأنينة، فقررت الانتحار ووجدت ميتة على أحد السواحل الأرجنتينية، بعدما ابتلعت عدداً كبيراً من الحبوب المنومة، وكان عمرها آنذاك سبعة وثلاثين عاماً فقط.

داليدا قبل أن تنتحر: الحياة لا تحتمل.. سامحوني

نفس النهاية اختارتها المغنية العربية داليدا خرجت داليدا من أحد الأحياء الشعبية في القاهرة لتسافر إلى فرنسا عام 1956 م، وحققت هناك شهرة واسعة لم تصل إليها أي مغنية عربية من قبل، وباعت على مدى عشرين عاماً ما يزيد على 85 مليون شريط لـ 600 أغنية بثمان لغات، وحصدت الكثير من الجوائز والأوسمة العالمية، لكنها مع ذلك ضاقت بالحياة، وسئمت الأضواء، واستسلمت لليأس، وأرادت النهاية، حيث استيقظ العالم في أحد أيام 1987 على خبر انتحار المغنية داليدا لألتهامها عدداً كبيراً من الأقراص المنومة، ووجدت بجانبها رسالة تقول فيها: الحياة لا تحتمل.. سامحوني.

مارلين مونرو، نجمة السينما الأمريكية الأكثر شهرة عالمياً، تلك التي تربعت على عرش السينما العالمية سنين طويلة، ودخلت البيت الأبيض بارتباطها بعلاقات محرمة مع الرئيس الأمريكي جون كيندي ومع أخيه روبرت... وحتى اليوم رغم مرور ثلاثين عاماً على وفاتها، إلا أن الإعلام ما زال يتكلم عنها في كل ذكرى لوفاتها، وما زالت كثير من صورها تباع حتى اليوم بالملايين، حتى صارت أشبه بالأسطورة السينمائية التي يمجدها الغرب في كل مناسبة .. لكن مارلين مونرو رغم شهرتها الواسعة عالمياً كانت غير سعيدة، وصرحت بذلك عدداً من المرات

وكانت مصابة بقلق حاد وكآبة مستمرة، بل أصيبت في آخر أيامها بالهستيريا ولم تطق ذلك العذاب.. وبعد أيام صعق المجتمع الأمريكي بخبر انتحار مارلين مونرو نجمة السينما الأمريكية وهي أوج شهرتها، وذلك بالتهامها الكثير من الحبوب المنومة

الدكتورة درية شفيق التي حصلت على الدكتوراه من باريس، وأسست أول حزب نسائي في مصر، وأصدرت عدداً من المجلات، وقادت الثورات والمظاهرات المطالبة بتحرير المرأة، ثم كانت نهايتها بأن ألقت من شقتها في الدور السادس

الروائية فرجينيا وولف حيث أخذت طريقها في البحر ووضعت حجراً ثقيلاً في ملابسها، وألقت بنفسها في البحر، ولم تكتشف جثتها إلا بعد ثلاثة أيام، وكانت قد تركت لزوجها رسالة تقول فيها: سأفعل ما أراه أفضل

الكاتبة أروى صالح التي كانت تكتب في كثير من الصحف والمجلات الشهيرة، ضاقت بالحياة وألقت بنفسها هذه المرة من الدور العاشر، وذلك قبل عدة أعوام

الممثلة والمغنية اللبنانية داني بسترس، بعدما سئمت الحياة هي أيضاً، فقامت بإطلاق الرصاص على نفسها

ظاهرة الانتحار.. كيف عالجها القرآن(4)

 لم أكن أتصور أن عدد حالات الانتحار في العالم تصل إلى أكثر من 800 ألف حالة وذلك كل عام!! وأمام هذا العدد الضخم كان لا بدّ من إجراء العديد من الدراسات والأبحاث حول هذه الظاهرة الخطيرة.

ففي كل 40 ثانية هناك شخص ينتحر في مكان ما من هذا العالم! وفي كل عام هنالك مئات الآلاف من الأشخاص يموتون منتحرين في العالم. وفي كل عام يموت 873 ألف إنسان بعمليات انتحار مختلفة . إنها بحق ظاهرة تستدعي الوقوف طويلاً والتفكر في أسبابها ومنشئها، بل وكيفية علاجها.

وفي مقالتنا هذه سوف نرى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الانتحار، هذه الأسباب هي نتيجة أبحاث كلّفت ملايين الدولارات، والهدف منها إيجاد علاج ناجع للانتحار، وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي يتم إنفاقها كل عام لعلاج هذه الظاهرة إلا أن إعداد المنتحرين كل عام لا تتغير بل تزداد أحياناً.

وسوف نتساءل أيضاً: هل غفل كتاب الله تعالى وهو الكتاب الذي أنزله الله تفصيلاً لكل شيء، هل غفل عن ذكر هذه الظاهرة وعن ذكر علاج لها؟ بل سوف نقارن العلاج العلمي بالعلاج القرآني لنرى التطابق المذهل، بل لنرى أن القرآن يتفوق على العلماء وأبحاثهم العلمية.

حقائق حول الانتحار

- حسب إحصاءات الأمم المتحدة فإنه في أية لحظة ننظر إلى سكان العالم نجد أن هنالك 450 مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية. إن أكثر من 90 % من حالات الانتحار يرتبط سبب انتحارهم باضطرابات نفسية وتحديداً الكآبة، أي فقدان الأمل الذي كان موجوداً لديهم .

- يعدّ الانتحار السبب الثامن لحالات الموت في الولايات المتحدة الأمريكية.

- الرجال أكثر عرضة للانتحار من النساء بأربعة أضعاف تقريباً. ولكن محاولات الانتحار عند النساء أكثر.

-  في 60% من حالات الانتحار يتم استخدام الأسلحة النارية مثل المسدس.

- تشير الدراسات إلى أن قابلية الانتحار لدى الشخص تكبر مع تقدم سنّه، ولذلك نرى بأن هنالك أعداداً معتبرة بين الذين يموتون منتحرين وأعمارهم تتجاوز 65 عاماً. وهؤلاء معظمهم من الرجال.

عوامل تؤدي للانتحار

- إن عنصر الكآبة هو الأوفر حظاً في السيطرة على مشاعر من لديه قابلية للانتحار.

- كذلك مشاعر اليأس لها دور كبير في التمهيد للانتحار.

- إن تكرار محاولات الانتحار أو التفكير في الانتحار هي أسباب قوية لتنفيذ هذا الانتحار فيما بعد.

- إن الإدمان على الكحول والمخدرات قد يكون أحد الأسباب المؤدية للانتحار.

- المعتقد الديني حول الانتحار له دور أساسي في قبول فكرة الانتحار، فعند جهل الإنسان بأن الانتحار محرّم قد يستسهل هذه العملية. وقد يعتبر البعض أن الانتحار هو قرار نبيل للدفاع عن أخطاء أو خسارات كبيرة لا يتحملها العقل.

- فقدان شيء غالٍ أو خسارة كبيرة، وهذا يؤدي لنوع من رد الفعل قد ينتهي بالانتحار.

- عوامل نفسية مثل العزلة أو العدوانية قد تؤدي إلى التفكير بالانتحار.

عوامل الوقاية حسب معطيات العلم الحديث

يؤكد العلماء الذين درسوا آلاف الحالات لأشخاص قد ماتوا منتحرين على ضرورة العناية بمن لديهم اضطرابات نفسية قد تؤدي بهم إلى الانتحار. وضرورة رعايتهم من الناحية الطبية وتوفير الحالة النفسية السليمة لهم.

وبالطبع هؤلاء العلماء لا يعالجون المرض إلا بعد وقوعه، فالطبيب ينتظر ظهور المرض ثم يقوم بدراسته وتحليله وإيجاد العلاج الملائم له. ولكن هؤلاء العلماء لم يتمكنوا بعد من وضع علاج يخفف من حالات الانتحار، لأن الإحصائيات العالمية تظهر أن نسب الانتحار شبه ثابتة وتتأرجح حول معدل قد يصل إلى مليون منتحر كل عام.

أرقام مرعبة!

ولكي لا يظن أحد أننا نبالغ في هذه الأرقام، فإننا نقدم إحدى الإحصائيات الدقيقة جداً والتي تمت عام 2002 في الولايات المتحدة الأمريكية  وكان بنتيجتها:

بلغ عدد المنتحرين أكثر من 31 ألف حالة. عدد الرجال منهم 25 ألف رجل، و6 آلاف امرأة.

أكثر من 5000 شخص بين هؤلاء هم من المسنين الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً.

أما عدد الشباب بين هؤلاء (15-24 سنة) فقد بلغ 4000 منحراً.

وبناء على هذه الأرقام فإنه يمكن القول بأنه في أمريكا هنالك شخص يقتل نفسه كل ربع ساعة!!

وفي هذه الإحصائية تبين بأن هنالك 17 ألف إنسان قد قتلوا أنفسهم بإطلاق النار من مسدسهم.

وهنالك أكثر من 6 آلاف شخص فضَّلوا شنق أنفسهم.

أكثر من 700 من هؤلاء ألقوا بأنفسهم من الطوابق العليا.

وأكثر من 300 شخص رموا بأنفسهم في الماء فماتوا غرقاً.

ويمكن القول وسطياً بأنه في كل عام يُقتل 100 ألف شخص بحوادث مختلفة مثل حوادث السيارات وغيرها، وبالمقابل نجد أن 30 ألف شخص يقتلون أنفسهم، فتأمل هذه النسبة العالية جداً للذين يقدمون على الانتحار.

والعجيب في هذا التقرير أن هنالك 5 ملايين أمريكي حاولوا قتل أنفسهم!!!

وعلى الرغم من الوسائل المتطورة التي تبذل في سبيل معالجة هذا الداء فإن نسبة الانتحار زادت 60 بالمئة خلال النصف القرن الماضي! .

لقد كان الاعتقاد السائد قديماً أن أشخاصاً محددين فقط لديهم ميول نحو الانتحار، ولكن أثبتت الحقائق العلمية أن كل إنسان لديه إمكانية الإقدام على الانتحار فيما لو توفرت الظروف المناسبة.  كما كان الاعتقاد السائد أن الحديث مع الشخص الذي ينوي الانتحار حول انتحاره سيشجعه على الانتحار أكثر، ولكن الدراسات أظهرت العكس، أي أن الحديث عن عواقب الانتحار ونتائجه الخطيرة وآلامه يمكن أن تمنع عملية الانتحار.

والسؤال: ماذا عن كتاب الله تعالى؟

ولذلك نجد أن القرآن العظيم لم يهمل هذه الظاهرة، فقد أعطى أهمية كبرى حول هذا الأمر وعلاجه فتحدث بكل بساطة ووضوح عن هذا الأمر. بل أمرنا أن نحافظ على أنفسنا ولا نقتلها فقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء: 29]. إنه أمر إلهي يجب ألا نخالفه.

ولكن هل يكفي هذا الأمر لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة؟ لا، لأن الدراسات الحديثة تؤكد على ضرورة بث الأمل لدى أولئك اليائسين المقدمين على الانتحار، وضرورة معاملتهم معاملة رحيمة. ولذلك نرى مئات المواقع والمراكز قد خصصت لعلاج ومواساة من لديه ميل نحو الانتحار أو يحاول ذلك.

ولذلك فقد أتبع الله تعالى أمره هذا بخبر سار لكل مؤمن، يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29]، إنه نداء مفعم بالرحمة والتفاؤل والأمل. ولكن لماذا هذا النداء؟

إذا علمنا بأن معظم حالات الانتحار سببها فقدان الأمل من كل شيء عندها ندرك أهمية الحديث عن الرحمة في هذا الموضع بالذات.

ولكن هل يكفي الحديث عن الرحمة والأمل؟ لا، لأن بعض الناس لا يستجيبون لنداء الرحمة، ولا بدّ من تخويفهم من عواقب الانتحار. ويؤكد العلماء في أبحاثهم عن منع الانتحار أنه لا بدّ من تعريف الأشخاص ذوي الميول الانتحارية إلى خطورة عملهم وعواقبه وأنه عمل مؤلم وينتهي بعواقب مأساوية.

وهذه الطريقة ذات فعالية كبيرة في منعهم من الانتحار. وهذا ما فعله القرآن، يقول تعالى في الآية التالية مباشرة: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)[النساء: 30]. وتأمل معي هذا العقاب الإلهي: (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا)إنها بحق نتيجة مرعبة لكل من يحاول أن يقتل نفسه.

 من هنا ندرك أن القرآن العظيم لم يغفل عن هذه الظاهرة بل عالجها العلاج الأمثل. ولذلك نجد أن أخفض نسبة للانتحار هي في العالم الإسلامي!!! وذلك بسبب تعاليم القرآن الكريم. بينما يعاني الغرب من عدم وجود تعاليم تمنعه من الإقدام على الانتحار فتجد نسبة الانتحار عالية لديهم.

بين الأسطورة والعلم والقرآن

عندما نزل القرآن العظيم كانت هنالك مجموعة من المعتقدات عند الشعوب، ومن هذه المعتقدات أنه لا ينبغي الحديث عن الانتحار لأن ذلك سيشجع على الانتحار  ولو كان القرآن كلام محمد صلى الله عليه وسلم وأنه قد جمعه من الأساطير السائدة في عصره كما يدعي بعضهم، إذن كان الأجدر به ألا يتحدث عن الانتحار! استجابة للأسطورة التي تمنع الحديث عن هذه الظاهرة.

ولو كان القرآن كلام بشر كما يدعون إذن كيف علم بأن العلاج الفعال للانتحار هو إعطاء جرعة من الرحمة والأمل للشخص وإعطائه بنفس الوقت جرعة من الخوف من عواقب هذه العملية؟ كيف علم هذا البشر بعلاج الانتحار قبل أن يكشفه العلماء بأربعة عشر قرناً؟؟

إن وجود هذه الحقائق العلمية دليل صادق لكل من لديه شك بأن القرآن كتاب صادر من عند الله القائل: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان: 6].

لنقرأ النص الإلهي كاملاً ونتأمل ما فيه من خطاب مليئ بالرحمة، يقول تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)[النساء: 26-31].

الانتحار على الإنترنت(5)

معلومات على الانترنت لمساعدة الراغبين في التخلص من حياتهم

مارتين بايبر أب مكلوم، فقد انتحر إبنا له يبلغ من العمر ستة عشر عاما في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وأشد ما يزعج عائلة بايبر هو اكتشافهم أن ابنهم المولع بالكمبيوتر وبالاستماع لأغاني مغنية البوب الأمريكية بريتني سبيرز كان ينقب على شبكة الإنترنت عن طريقة يقتل بها نفسه.

وللأسف وجد تيم عدة نصائح ومعلومات عن كيفية الانتحار كانت لها أهمية كبرى عندما قرر التخلص من حياته، وقام بشنق نفسه في غرفة نومه، واكتشفت أمه وشقيقه جثته.

وترغب الأسرة التي دمرها هذا الحدث في اتخاذ إجراءات ضد مواقع الإنترنت التي تساعد الراغبين في الانتحار.

وقال الأب مارتين: "لقد صافحته هذا المساء، وقلت له طابت ليلتك، وابتسم لي ابتسامة عريضة، وفي اليوم التالي، قتل نفسه".

وأضاف: "إنني أتذكر كيف كان ولدا صالحا، وكيف كان سيبدو وسيما عندما يكبر، وأعتقد أن ما كان خسارة فادحة"

اجتماع انتحار

إحدى جماعات الإنترنت أثارت جدلا إعلاميا كبيرا في بداية العام الحالي عندما وضعت إعلانا يقول: "إجازة للإنتحار"، وكان الجدل حول شخص حرض وساعد شخصا آخر على الإنتحار.

كان لويس جيليس من جلاسجو قد التقى مايكل جودين من إيست ساسيكس لأول مرة في الثامن والعشرين من مايو/ أيار 2002 على الإنترنت.

وعبر هذه الجماعة التي تكونت على الإنترنت شكل الإثنان ما يبدو وكأنه نوع من اتفاقيات الانتحار ثم التقيا وجها لوجه في المرة الأولى في محطة إيستبورن.

وتناول جودين عشاءه الأخير في أحد الفنادق المحلية، ثم إتجها معا إلى تلال بيتشي هيد العالية حيث تجرد جودين من ملابسه تماما وقفز.

كان جودين قد حاول الانتحار من قبل، غير أنه لم يفلح. وبانتحار جودين بدأ الناس ينتبهون إلى خطورة مثل تلك الجماعات على الإنترنت.

"هراء لا معنى له إطلاقا"

البروفيسور كولين بريتشارد، خبير الانتحار من جامعة بورنيموث غاضب تماما من انتشار هذه المواقع على الإنترنت.

وقال إنه على الرغم من ذلك، فإن الإنترنت لا تقدم معلومات دقيقة.

وقال: "لا يمكن بأي حال أن تطلق على ذلك صفة الخبرة، إنه هراء لا قيمة له إطلاقا، إنني في الواقع أعتقد أنه نوع من الاغتصاب الأخلاقي"

إن مدة قصيرة من البحث على الإنترنت تكفي للعثور على جماعات الإنتحار.

إحدى القوائم على الإنترنت تحدثت عن شخص اسمه "سلاد"، وحكت عن محاولته "اللحاق بالحافلة" وهو المصطلح المستخدم على الإنترنت للتعبير عن الإنتحار، وكان يبحث عن طريقة محددة للإنتحار.

وكانت سلاد إمرأة في العشرينات من عمرها تعيش في غرب أمريكا.

وتضمنت مداخلتها على الإنترنت تفاصيل محاولة إنتحار فاشلة توقفت خلالها عن التنفس، واضطرت السلطات لحملها في طائرة من غابات كولورادو إلى المستشفى.

فمن إذا يعطي المعلومات والنصائح عن الإنتحار لضحايا مثل سلاد وتيم بايبر؟

"المفترسون"

بحث آخر على الإنترنت أظهر شخصا يسمي نفسه "بوبوروشي"، وقد كتب مقالات مطولة عن أفضل طرق الإنتحار، بالإضافة إلى إجاباته على رسائل وصلته تسأله النصيحة في أمور الإنتحار.

أحد المداخلات تضمنت سطرا يقول: "هذا المقال محاولة للتشجيع على الإنتحار"

وفي مداخلة أخرى أجاب على شاب يسمي نفسه "جوي الأصغر" كتب قائلا: "إنني أريد المساعدة لقتل نفسي، أنا أعرف أنني أحتاج ذلك، ولكن الشجاعة خانتني"

وكانت إجابة بوبوروشي سريعة، وصفة للإنتحار.

مارك ويليامز من قسم الصحة النفسية بجامعة أوكسفورد، يعمل بشكل قريب إلى الإنتحاريين، ولديه بحث أجراه عليهم وكتب كثيرا في هذا الشأن.

وعندما سألناه عن تعليقه على ما كتبه بوبوروشي، قال مارك ويليامز: "عند هذه المرحلة يصل الأمر إلى حد السيكوباتية، وانعدام الشعور بالذنب، والاستفزاز والعداوانية، والتعامل مع الآخرين على أنهم أشياء، وليسوا أشخاصا"

جاذبية وخطر شبكة الإنترنت يكمنان في القدرة على إخفاء الهوية، والمدافعون يقولون إن ذلك مطلب مهم للغاية للراغب في الإنتحار.

عائلات الضحايا، الذين بحثوا عن الإنتحار على الإنترنت مثل تيم بايبر، يشعرون أن الإنترنت قد حكمت عليهم حكما مؤبدا بالحزن والأسى.

الإنتحار بين المرض والاختيار(6)

على الرغم من قوة وعنفوان غريزة الحياة ( حب البقاء ) لدى الإنسان والتى تدفعه نحو التشبث بالحياة والتملك والتفوق والزواج والإنجاب والإنتاج والتعمير ، إلا أن هناك غريزة أخرى كامنة فى الظل تدفعه – حين تنشط – إلى تدمير كل هذا ، تلك هى غريزة ، الموت الرابضة فى اعماقنا والمحركة للسلوك الانتحارى الذى نهتز له وتهتز به ثوابتنا ، ويجعلنا فى مواجهة حادة ومباشرة مع حقيقة الموت وحقيقة الحياة ودوافع كل منهما بداخلنا .

والانتحار سلوك متعدد الدوافع ينشط حين يختل التوازن بين غريزتى الحياة والموت ، وهو لا يولد فى لحظة تنفيذه أو محاولة تنفيذه وإنما يكون رابضاً كخيار فى طبقات الوعى الغائرة إلى أن يطفو فوق السطح وينشط فى ظروف بعينها ليكون الخيار الوحيد الذى يراه الشخص فى تلك اللحظة على أنه أفضل الحلول .

والانتحار بهذا المعنى ليس حدثاً عشوائياً ، وإنما هو منظومة فكرية ووجدانية وسلوكية تنتظم أجزاؤها عبر السنين والأحداث ليبرز كوسيلة للخروج من مأزق أو أزمة فى شخص وصل إلى حالة من انعدام الأمل وقلة الحيلة Hopelessness and Helplessness)) وقع تحت ضغوط فاقت احتماله ، وضاقت أمام عينيه الخيارات أو تلاشت ، أو أرادها هو أن تضيق وتتلاشى، عندئذ أعذر وأنذر، وأرسل إشارات استغاثة لكنها لم تصل إلى من يهمه الأمر ( فعلاً ) ، أو وصلت ولم يسمعها أحد، أو سمعت ولم يفهمها أحد، أو فهمت ولم يستجب لها أحد، وهنا وقعت الواقعة .

معدلات الانتحار ( أرقام ودلالات ) :

غالبية المنتحرين ( 98 % منهم) كانوا مصابين بأمراض نفسية أو عضوية فى حين أن نسبة ضئيلة جداً منهم ( 2 % ) كانوا أسوياء ( بمعنى أنهم غير مرضى ) . وهذا الرقم الإحصائى يكاد يغرى باستنتاج متعجل وهو : هل هؤلاء المنتحرين المرضى ( 98 % ) كانوا فاقدى القدرة على التحكم فى دوافعهم نحو الإنتحار ( أى مجبرين ) ، وأن 2 % فقط من المنتحرين ( وهم الأسوياء ) هم الذين انتحروا مختارين .. ؟ .. والإجابة بنعم هنا تتوق إليها كثير من القلوب لأناس فقدوا أعزاء عليهم منحرين ويتمنون لو تزول عنهم فكرة اختيار الانتحار ( وبالتالى مسئولية الإنتحار الأخلاقية والدينية ) ويصبحوا فى نظرهم بشهادة العلم الإحصائى مرضى مجبرين غير مسئولين عما حدث ، بل ويستحقون الشفقة والتعاطف بل والإحساس بالذنب من جانبنا نحوهم . ولكن هذا التعميم _ حين عرضه على النظرة الموضوعية _ يبدو ضعيفاً ، حيث لا يستطيع أحد أن يقول بأن كل مريض انتحر كان فاقد الاختيار أو فاقد الوعى والبصيرة على الرغم من ضغوط المرض القاسية . وحتى على المستوى القانونى لا يعفى المريض من المسئولية فى كل الحالات ، بل يعفى فقط فى حالة عدم البصيرة بالفعل وعواقبه وعدم القدرة على التمييز وعدم القدرة على الاختيار واضطراب الوعى أو الارادة ، ولهذا نجد كثير من المرضى النفسيين عرضة للمساءلة القانونية ولكن تتدرج المسئولية حسب تأثير المرض على العناصر المذكورة سلفاً من المسئولية الكاملة إلى انتفاء المسئولية وبينهما درجات تقدر بقدرها . وعلى أية حال سنترك هذا الاستطراد الذى استدرجنا إليه لنعود إلى باقى الأرقام ، والتى تقول بأن 1000 شخص ينتحرون كل يوم على مستوى العالم أى حوالى 42 شخص كل ساعة وأن الإنتحار هو ثامن سبب للوفاة فى مجموع السكان فى أمريكا وهو ثالث سبب للوفاة بين المراهقين عموماً ، وثانى سبب للوفاة بين المراهقين البيض ، ففى أمريكا ينتحر 75 شخص كل يوم ، أى شخص كل 20 دقيقة ، أى 25 ألف حالة انتحار فى السنة .وقد وجد أن أشهر مكان للانتحار فى العالم هو جسر البوابة الذهبية فى سان فرانسيسكو ( Golden Gate Bridge ) ، فقد انتحر من أعلى هذا الجسر 900 شخص منذ إنشائه عام 1937 .

والرقم العالمى المتوسط لمعدل الإنتحار هو 12,5 شخص لكل 100,000 من مجموع السكان ، وهناك ما يسمى بحزام الإنتحار وهو يضم الدول الاسكندنافية وسويزرلاند وألمانيا والنمسا ودول أوروبا الشرقية بالإضافة إلى اليابان حيث يبلغ معدل الإنتحار فى هذه الدول 25 شخصاً لكل 100,000 من السكان .

وأعلى معدل للانتحار قد سجل فى هنجارى ( المجر ) وهو 35 منتحر لكل 100,000 من السكان .

وفى المقابل وجد أن أقل معدلات الانتحار 10 لكل 100,000 من السكان توجد فى مصر وأيرلندا وأسبانيا وايطاليا .

وقد تختلف معدلات الانتحار داخل البلد الواحد لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو عقائدية فمثلا وجد أن ولاية نيوجرسى فى أمريكا هى أقل الولايات من حيث معدل الإنتحار مقارنة بولاية نيفادا التى سجلت أعلى معدل بين الولايات الأخرى .

وعلى الرغم من أن النساء هن أكثر تهديدا بالانتحار وأكثر قياماً بالمحاولات الانتحارية إلا أن الرجال أكثر تنفيذاً للانتحار فعلاً . وبالمثل فإن صغار السن يهددون كثيراً بالانتحار ولكن كبار السن ينفذونه أكثر ، فقد وجد أن أعلى نسبة انتحار فى الرجال تحدث بعد سن 45 سنة وفى النساء بعد سن 55 سنة . والمنتحرين من كبار السن الذين تعدوا 65 عاماً يشكلون 25 % من حالات الانتحار على الرغم من أنهم يشكلون 10 % فقط من السكان .

الإنتحار بين الأسوياء :-

ونقصد هنا بالأسوياء أنهم غير مصابين بأمراض نفسية أو عضوية ، ولا نعنى بها أنهم أسوياء فى التفكير أو الاعتقاد أو السلوك ، لأن دوافع الإنتحار فى هذه الفئة التى تشكل 2 % من المنتحرين تكون فى صورة أفكار أو معتقدات أو عادات ، ولذلك يكون الفعل الانتحارى سلوكاً مختاراً ، ونذكر من أمثلة الإنتحار فى هذه الفئة ما يلى :-

الإنتحار الوجودى :-

ويقوم به من يعتنقون الفكر الوجودى والذى يعلى من قيمة إرادة الإنسان واختياره ومسئوليته بالدرجة التى تجعله مسئولاً عن كل شئ فى حياته مسئوليه مطلقه ، وأن عليه أن يحقق ذاته ويطلق إمكاناته كما يريد ، وإذا عجز عن ذلك فعليه أن يختار توقيت إنهاء حياته بالطريقة التى يريدها .وفى بعض مدارس الفكر الوجودى المتطرفة يعتبرون قرار الإنتحار شجاعة وسلوكاً شريفاً ونبيلاً من الشخص حيث قرر الانسحاب فى اللحظة التى شعر فيها أنه غير قادر على العطاء . وليس بالضرورة أن يكون الشخص المنتحر طبقاً لهذه المفاهيم منتمياً إلى الفكر الوجودى بشكل أكاديمى أو فلسفى ، وإنما يمكن أن تتسرب هذه الأفكار إلى أشخاص بسطاء لم يقرأو حرفاً عن الوجودية وإنما تشربوا أفكارها من الحياة اليومية ، أو من القصص والمسلسلات والأفلام والبرامج الإعلامية المختلفة .

تقليد { سوتى } فى الهند :-

يطلب المجتمع من المرأة التى يتوفى زوجها أن تحرق نفسها مع جثة زوجها المتوفى .

عروس النيل عند قدماء المصريين :-

فقد أعتاد القدماء المصريون أن يقدموا اجمل فتاة لديهم كل عام هدية للنيل يلقونها فيه فتموت غرقاً حتى يجود النيل بخيره عليهم ، ولم يتوقف هذا التقليد إلا بعد دخول الإسلام مصر .

الإنتحار الإيثارى :-

مثل انتحار كبار السن فى الإسكيمو الذين يشعرون أنهم أصبحوا عالة على ذويهم ولم يعودوا قادرين على العمل فيدفن الواحد منهم نفسه فى الثلج ويظل هكذا حتى يموت وهدفه من ذلك أن لا يكون عالة أو عبئاً على أبنائه .

الإنتحار لفقدان عزيز:-

مثل انتحار كليوباترا بعد موت أنطونيو ، أو انتحار أى محب بعد موت حبيبه . وفى هذه الحالة يكون هناك نوع من التوحد بين الحبيبين بحيث أن موت أحدهما يعنى موت الآخر معنوياً فيلجأ هذا الآخر إلى تفعيل موته المعنوى إلى موت حسى . وتزيد احتمالات الإنتحار هنا إذا كان المحبوب قد مات منتحراً ، وليس بالضرورة أن تكون العلاقة هنا علاقة حب عاطفى بالمعنى المعروف ، ولكن يمكن أن تكون علاقة أخوة أو علاقة أستاذيه أو أى علاقة أخرى قوية ، فقد انتحرت مثلاً أحد المطربات الإستعراضيات بعد موت أستاذها الشاعر الغنائى الذى كان مؤلف لها أغانيها ، لأنه كما كان مثلاً أعلى لها فى حياتها فإنه يصبح مثلاً أعلى لها فى طريقة موتها .

المشكلات العاطفية :-

وجد أن 30 % من حوادث الإنتحار عند البالغين سببها مشاكل الحب .

انتحار الذكرى السنوية :-

كأن ينتحر الشخص يوم عيد ميلاده أو عيد زواجه أو الذكرى السنوية لطلاقه .

الإنتحار الجماعى :-

حدثت حالات انتحار جماعى بين بعض القبائل بدأت بانتحار شيخ القبيلة وتبعه بقية أفرادها . وهناك أيضاً انتحار الفرسان حيث يتجمع عدد من الفرسان فى جيش مهزوم ويقومون بقتل أنفسهم كنوع من التكفير عن أخطائهم أو قتل الشعور بالذنب الذى أصاب الجيش من جراء الهزيمة . وإذا كنا ننظر إلى عمليات الإنتحار الجماعى السابقة على أنها تمت فى مجتمعات بدائية تفتقد إلى المنطق السليم وإلى الرقى الحضارى ، فإننا سوف نندهش حين نستعرض عملية الإنتحار الجماعى التى حدثت فى سان ديجو فى كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية يوم 26 مارس 1997 حيث قام مارشال هيرف أبل هوايت قائد الجماعة الدينية المسماة بوابة السماء ( Heaven‘s Gate ) بالانتحار بواسطة تعاطى حبوب فينوباربيتال وقد تبعه فى الانتحار 38 شخصاً من أتباعه اجتمعوا فى مكان واحد ليموتوا سوياً خلف زعيمهم الروحى الذى أطلق شائعة بأنه مصاب بسرطان الكبد وأنه لابد وأن يموت فى هذا اليوم وأن موته يفتح له أبواب الجنة حيث ستصعد روحه فى سفينة فضاء لتخترق حجب السماء نحو الجنة . وقد وجد أتباعه أنفسهم يفضلون أن تتبع أرواحهم روح زعيمهم فى الصعود إلى السماء ؛ خاصة وأنهم _ كما عبر أحدهم _ لا يجدون للحياة أى قيمة بعد خلوها من زعيمهم الروحى . والمثير أن هذه الجماعة الدينية قد تكونت من خلال الإنترنت حيث تعرف الأعضاء على زعيم الجماعة وعلى بعضهم البعض من خلال تلك الشبكة العالمية للاتصالات وكانت تعاليم الجماعة تصل إلى أعضائها عبر هذه الشبكة وقد احتار علماء النفس كثيراً فى محاولة تفسير ظاهرة الانتحار الجماعى فبعضهم يرجعها إلى تبنى أفكار ومعتقدات تتصل بالموت الذى هو نهاية لمعاناة الإنسان وبداية لخلاص روحه من هذا العالم وتوجهها نحو السماء حيث السلام والخلود . وقد تم زرع هذه الأفكار بواسطة زعيم ذو شخصية كاريزمية مؤثرة فى أناس أصابهم الإحباط فى الحياة المعاصرة فاستجابوا تحت تأثير شخصية زعيم الجماعة وتحت ضغط الجماعة على أفرادها لدعوة الخلاص . ومن المحتمل أن أعضاء هذه الجماعة كانوا من الشخصيات الانقيادية التى تتبع قائدها دون تفكير ، وأنها لعجزها عن مواجهة الضغوط الخارجية وجهت غضبها وعدوانها نحو الداخل فى صورة سلوك انتحارى جماعى خاصة وأن هذه النوعية من الأشخاص تكون قابلة للإيحاء والاستهواء لذلك تسلك سلوك الآخرين دون تفكر .

انتحار التقليد :- ( Copycat Suicide )

عندما ينتحر طفل أو مراهق فى مدرسة أو نادى أو أى مجموعة ، تحدث حالات انتحار مشابهة فى المجموعة تقليداً للطفل أو توحداُ أو تعاطفاً معه . ويحدث هذا أيضاً بعد رؤية بعض الأفلام أو المسلسلات والتى انتحر فيها أحد الأشخاص فى هذا السن . وقد نشرت روايه فى أوربا منذ 200 عام بعنوان " أحزان الصغير ويرزر" ( The sorrows of young Werther ) وحدثت بعدها موجه من الانتحار فى صغار السن ، وكانوا يلبسون لحظة انتحارهم مثل " ويرزر " بطل القصة أو ينتحرون والقصة بجوارهم .

انتحار المشاهير :-

تطالعنا كثيراً أخبار انتحار مشاهير كانوا ملئ السمع والبصر فى مجالات الأدب أو الفن أو الرياضة أو العلوم ، ونهتز ونحتار ونتساءل : لماذا ؟ .. وماذا كانوا يريدون أكثر ؟ .. ونقف حائرين إلى أن تقرع

آذاننا أخبار انتحار جديد لمشهور ( أو مشهورة ) .. فهذا إرنست همنجواى الذى ارتفع اسمه فى سماء الأدب ليحصل على جائزة نوبل ومع هذا يتخلص من حياته التى أصبح يراها لا تستحق .. وهذه مارلين مونرو ممثله الإغراء تفيض شباباً وحيوية وجمالاً وإثارة يتوق إليها جميع الرجال .. فجأة تتوقف وتكره كل هذا فتقتل نفسها ( أو تدفع نفسها ليقتلها غيرها ) لأن الحياة لا تطاق . ثم تتبعها داليدا تلك المطربة المتألقة التى اكتشفت أن حياتها كانت عبئاً رغم أنهم صنعوا لها تمثالاً ووضعوه فى أحد ميادين باريس عاصمة الفن والجمال . وهذا شاعر غنائى كبير ملأ الدنيا بشعره الجميل ومعانيه الرائعة وبساطته القريبة من القلوب .. عانى ويلات المرض النفسى وانتصر عليها وطوعها لإبداعه فكتب وهو حزين فأبدع وكتب وهو فرحان فأبدع ، ولكن فى لحظة ما قرر الاستسلام .. وهذه فنانه استعراضيه موهوبة ومحبوبة أخذت من الشهرة ما تقر به عينها ، ولكن حين ابتعدت عن الضوء بسبب المرض وابتعد عنها الناس بسبب الانشغال أو الإهمال .. وجدت نفسها وحيده فى بلاد غريبة فهوت . وهذا عالم أنثروبولوجى عظيم منح بلده كل كيانه ولم يأخذ شيئاً من أحد ..عاش فقيراً معدماً على الرغم من ثرائه الفكرى الهائل ، وكان راضياً بهذا الموقف الصوفى الزاهد طوال حياته .. ولكن فى لحظة نكران وجحود ممن حوله ضعفت مقاومته فاحترق .

والمشاهير يشتركون مع بقية البشر فى كثير من صفاتهم ، ولكنهم يختلفون عنهم فى تميزهم بامتلاك مصادر القوه أو الجمال .. تلك المصادر التى تجعل الأنظار تتجه إليهم مبهورة والقلوب تهفو نحوهم معجبة ومحبة .. وتكون نتيجة إحاطتهم بالانبهار والإعجاب والحب أن يتعودوا أنهم شى مميز فتتضخم ذواتهم وتكبر نرجسيتهم .. فإذا حدث وفقدوا مصادر قوتهم أو مصادر جمالهم ، وانصرف الناس عنهم ، فإنهم لا يحتملون الحياة ويجدونها غير جديرة بأن تعاش ، ويعجزون عن الرضا بما حققوه وبما أخذوه ، ولا يستطيعون التكيف مع الواقع الجديد فتنفجر الذات المنتفخة ويحدث انفجارها دوياً هائلاً يجمع القلوب حولها مرة أخرى ولكنها فى هذه المرة تجتمع باكية آسفة نادمه .

الإنتحار بين المرضى :-

فى بحث اجرى سنه 1957 لدراسة حالات الانتحار بمقابله ذويهم وفحص ملفاتهم الطبية ومقابله طبيب العائلة وجد أن 98% كانوا يعانون أمراضاً نفسيه أو جسمانية ، وكانت أشهر الاضطرابات المصاحبة للانتحار هى الاكتئاب وإدمان الكحوليات . وأجرى بحث تتبعى للمقارنة بين مجموعتين : المجموعه الأولى مصابه بأمراض نفسية مختلفة ، والمجموعة الثانية مصابه بأمراض جسمانية مختلفة ، ووجد أن نسبه الإنتحار فى المجموعه الأولى ( النفسية ) وصلت إلى 5,5% فى حين كانت المجموعه الثانية ( الجسمانية ) 0,6% . ووجد أن نسبة الإنتحار بين أقارب المجموعة الأولى كانت أكثر 8 مرات من عامه الناس .

العوامل المصاحبة أو المؤثرة فى حالات الإنتحار :-

السن : الأصغر سناً أكثر تهديداً بالانتحار لكن الأكبر سناً أكثر تنفيذاً له .

الجنس : النساء أكثر تهديداً بالانتحار والرجال أكثر تنفيذا له ( المنتحرون من الرجال ضعف المنتحرات من النساء )

الحاله الاجتماعية : المتزوجون أقل انتحاراً من غير المتزوجين .

التدين : المتدينون أقل انتحاراً من غير المتدينين ، ومعدلات الانتحار أقل فى المسلمين واليهود والكاثوليك مقارنه بالبروتستانت . وهذه ملحوظة هامة نشهدها فى تعاملنا مع المرضى ذوى الميول الانتحارية حين نسألهم عن نواياهم الانتحارية فيقرون بوجودها ، ثم نسألهم : وما الذى منعكم من الإنتحار ؟ .. وتكون الإجابة دائماً : الخوف من الله . ففى النصوص الدينية نهى عن قتل النفس وتحذير من عواقب قتلها . يقول تعالى (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً )) (النساء 29 –30)

وهذا الموقف الدينى الحاسم من مسألة قتل النفس كان له أثر كبير فى انخفاض معدلات الإنتحار فى الدول الإسلامية بشكل عام . وهناك اختلافات بين الطوائف الدينية من حيث معدلات الإنتحار طبقاً لمعتقدات كل طائفة ودرجة الترابط الاجتماعى بينهما . ويبدو أن حاله التدين لدى الإنسان تعطيه دعماً روحياً واجتماعياً يجعله لا يسقط فى قاع اليأس والقنوط ، وتعطيه حالة من الرضا تجعله يتقبل احباطاته ومعاناته بدرجه أفضل من غير المتدين ، وتعطيه أملاً فى انفراج الأزمة مهما اشتد حصارها .

العرق (السلالة ) : البيض أكثر انتحاراً من السود . والانتحار يكون أقل بين الأقليات والمجموعات العرقية المترابطة ، وتكون نسبته أكثر فى المهاجرين .

الوظيفة : أعلى نسبه للانتحار توجد بين المهنيين PROFESSIONALS وعلى رأسهم الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والموسيقيين وضباط تنفيذ الأحكام والمحامين والعاملين فى شركات التأمين وتوجد أعلى نسبه للانتحار فى الطبيبات ( 41 حاله انتحار فى كل 100,000 ) وخاصة غير المتزوجات يليها الأطباء الذكور ( 36 فى كل 100,000 ) . واعلى نسبه انتحار بين الأطباء تحدث فى الأطباء النفسيين ثم أطباء العيون ثم أطباء التخدير . وعلى الجانب الآخر تزيد معدلات الانتحار فى العاطلين .

المستوى الاجتماعى : تزداد معدلات الانتحار فى المستويات الاجتماعية الأعلى ، وفى المدن أكثر من القرى .

الحاله الصحية الجسمانية : المرضى المزمنون والمصابون بأمراض مستعصية كالإيدز والسرطان وغيرها يكونون أكثر عرضه للانتحار من غيرهم .

الحاله الصحية النفسية : يعتبر المرض النفسى من أقوى الدوافع نحو الانتحار ويدل على ذلك الإحصاءات التالية:

-  تزيد خطورة الإنتحار فى المرضى النفسيين من 3-12 مرة بالمقارنة بعموم الناس .

-  نسبه الانتحار بين مرض الاكتئاب من 15 –18,9% وأخطر الحالات النفسية من ناحية القابلية للانتحار هى نوبات الاكتئاب الجسيم . والمكتئبون يكونون أكثر عرضه للانتحار فى بداية الشفاء حيث تتحسن قدرتهم على الحركة بسبب تأثير الدواء قبل أن تتحسن الحاله المزاجية بشكل كاف لذلك يصبح المكتئب قادراً على تنفيذ الانتحار من ذى قبل وأهم الأعراض التى تدفع المكتئب للانتحار هى انعدام الأمل وانعدام الحيلة ، وتظهران فى صورة أرق فى النوم ، وإهمال للنظافة الشخصية وضعف فى الذاكرة

-  نسبه الانتحار بين مرضى الفصام ( الشيزوفرينيا ) 10% ووجد انه كانت توجد أعراض اكتئابية فى ثلثى مرضى الفصام المنتحرين .

-  نسبه الانتحار بين المدمنين15%

-  نسبه الانتحار بين حالات اضطرابات الشخصية تتفاوت حسب نوع اضطراب الشخصية ولكنها فى مجملها اعلى من عموم الناس .

  وهناك مجموعتين رئيستين خطرتين : الأولى : مجموعه الاضطرابات النفسية ( الاكتئاب والفصام والإدمان) والثانية مجموعه مترددة بشكل متكرر على مستشفيات الطوارئ وهذه المعدلات للانتحار بين المرضى قد سجلت فى المجتمع الأمريكى ، وللآسف لا توجد إحصاءات كافيه فى المجتمعات العربية للمقارنة حتى الآن ، ولكن العاملون فى مجال الطب النفسى يلحظون ان معدلات الانتحار بين المرضى النفسيين فى تلك المجتمعات اقل بكثير من المعدلات الغربية ويفسر هذا بقوة العامل الدينى ووجود قدر كاف من الترابط الأسرى والاجتماعى .واختلاف معدلات الانتحار بين المرض النفسيين فى المجتمعات المختلفة تنفى فكرة الاضطرار للانتحار لدى المريض النفسى بسبب المرض وتؤكد فكرة أن قرار الانتحار تحيط به عوامل كثيرة يكون المرض أحدها .

10 – محاولات الانتحار السابقة : هى أفضل مؤشر لمعرفة مدى خطورة الحاله . وحين ندرس المحاولات السابقة للانتحار فإننا نركز على شيئين هامين للغاية :

أولاهما : نية المريض فى أن يموت ،وهى تظهر من خلال تعبيراته وسلوكياته والتى تبرز مدى رغبه الشخص وعزمه وإصراره على أن يموت .

ثانيهما : جديه المحاولة ، فمثلا إذا كان قد حاول ان يلقى بنفسه من الدور العاشر فى ظروف لم يكن أحد موجود بالمكان وإنما اكتشف مصادفة ، أو حاول قتل نفسه بمسدس أو إشعال النار فى جسده ، فكل هذه المؤشرات على خطورة وجديه المحاولة ، وهى مؤشر على ان هذا الشخص معرض وبشده للانتحار.

فقد وجد أن 40% من المكتئبين الذين انتحروا كانت لهم محاولة سابقه للانتحار . ووجد أيضاً أن 10% ممن قاموا بمحاولات انتحار قد انتحروا فعلاً فى خلال السنوات العشر التالية للمحاولة

11-الطقس : لا يوجد موسم معين خاص بالانتحار ولكن لوحظ زيادة بسيطة فى معدلات الانتحار فى الربيع والخريف

أسباب الانتحار :

عوامل اجتماعية :

حاول عالم الاجتماع إميل دوركايم أن يستقرئ حالات الانتحار فى نهاية القرن التاسع عشر وتوصل إلى تقسيم لحالات الانتحار طبقاً للموقف الاجتماعى :

الانتحار الأنانى ( Egoistic) : وهنا يكون المنتحر فى حاله عزله وليست له ارتباطات بأى مجموعات اجتماعيه وهذا يؤكد زيادة الانتحار بين غير المتزوجين ، وزيادة الانتحار فى المدن أكثر من القرى وزيادة الانتحار فى المجموعات الدينية الأقل ترابطاً كالبروتستانت مقارنه بالمجموعات الدينية الأكثر ترابطاً كالمسلمين والكاثوليك .

( الانتحار الايثارى ( :- ( Altruistic ) : وهنا يحدث العكس حيث نرى المنتحر شديد الانتماء إلى مجموعته وهو لذلك يضحى بنفسه من اجلها ، ومثال على ذلك الجندى الذى يدفع نفسه للموت فى المعركة فى سبيل وطنه .

الإنتحار الشاذ ( Anomic ) : والذى تضطرب وتتشوه فيه العلاقة بين الشخص والمجتمع لذلك يسلك سلوكاً مناقضاً للأعراف والتقاليد أو غريباً عليهما . وهذا الشذوذ يمكن أن يحدث من جانب الشخص حين يمر بظروف مادية شديدة الاضطراب تجعله مضطراً للخروج من السياق الاجتماعى المألوف ، او ان يحدث هذا من جانب المجتمع فى مراحل الانهيارات والتحولات الاجتماعية المفاجئة .

عوامل نفسيه :

نظريه فرويد : يرى فرويد ان الانتحار هو عدوان موجه إلى الداخل يستهدف موضوع للحب تم استدماجه وثارت نحوه مشاعر متناقضة من الحب والكره ، فمثلا الشخص الذى يستدمج صورة أمه بداخله ولكنه يشعر نحوها بخليط من مشاعر الحب لرعايتها له ومشاعر الغضب والعدوان بسبب حرمانه منها فى فترات معينه أو بسبب إحباطها له فى مواقف أخرى ، ولذلك فهو حين يقتل نفسه فانه فى الحقيقة يوجه العدوان نحو الأمم المستدمجه فى داخله نظراً لغضبه وإحباطه منها . إذن فقتل النفس هنا يعنى قتل شخص آخر داخل هذه النفس .

نظرية ميننجر : وقد بنى كارل ميننجر نظريته على تصورات فرويد واصدر كتابه "الإنسان ضد نفسه" وأوضح فيه أن الانتحار هو قتل مرتد (Retroflexed Murder ) قتل مقلوب

Homicide) (Inverted نتيجة لغضب المنتحر من شخص آخر فيقوم بتحويل هذا الغضب إلى داخله ، أو انه ينتحر عقاباً لنفسه على وجود هذا العدوان بداخله نحو هذا الشخص . وقد قسم ميننجر العدوان فى الانتحار إلى ثلاثة عناصر :

رغبه الشخص فى أن يقتل ، ورغبته فى أن يٌقتل ورغبته فى أن يموت .

النظريات الحديثة :

أصحاب هذه النظريات الأحداث لا يوافقون على ان للانتحار ديناميات نفسيه خاصة أو أن شخصيات معينه تكون اكثر عرضة للانتحار ، ولكنهم يعتقدون أننا يمكن ان نتعلم الكثير عن ديناميات الانتحار بشكل مباشر من تخيلات الأشخاص الذين قاموا بالانتحار لما سوف يحدث لهم إذا هم أقدموا على ذلك . ومن خلال الدراسات الإسترجاعيه لتاريخ الأشخاص المنتحرين وجد انه كانت لديهم التخيلات التالية :الرغبة فى الانتقام أو القوه والسيطرة أو العقاب . الرغبة فى التكفير أو التعويض أو التضحية أو العودة أو الهرب أو النوم أو الإنقاذ أو الولادة من جديد أو التوحد مع أحد الموتى الأعزاء أو الحياة الجديدة .وكما يبدو فان هذه الخيالات براقة ومغرية للشخص الذى ينوى الانتحار ، ويساعده على تنفيذها أو تفعليها أن يكون واقعاً تحت معاناة نتيجة فقد شخص أو شى عزيز أو نتيجة جرح نرجسى مؤلم ( كالفنانة التى فقدت اهتمام الناس بها نتيجة تقدمها فى السن ومرضها) أو يكون مشحوناً بمشاعر طاغية من الغضب والإحساس بالذنب ، أو يكون متوحداً مع شخص آخر منتحر ( كالشاب الذى انتحر بعد انتحار أخيه الأكبر الذى كان يحبه) . أما عمليات الانتحار الجماعية فيمكن تفسيرها بواسطة ديناميات الجماعة من الإيحاء والانقياد وضغط المجموعه والتوحد والمحاكاة .... الخ

عوامل بيولوجية :-

الوراثة :

من الملاحظ اكلينيكيا أن هناك عائلات يكثر فيها الإنتحار والمثل الشهير لذلك عائلة إرنست همنجواى الروائى الشهير فقد انتحر همنجواى وانتحرت أخته وانتحر الأب قبلها ، وانتحر أشخاص آخرون فى العائلة . وبدراسة التوائم المتماثلة وجد أن هناك 9 حالات فقط انتحر فيها التوأمين من بين 51 حالة أى بنسبة تقترب من 20 % فى حين أن التوائم غير المتماثلة لم يحدث أى اتفاق فى الانتحار بين التوأمين . وهذا يشير إلى احتمالات الوراثة الجينية ولكن بشكل جزئى وغير حتمى ويحتاج إلى عوامل أخرى تؤكده . وقد وجد أن معدل الإنتحار فى أقارب الدرجة الأولى للمرضى النفسيين يزيد 8 مرات عن معدل الإنتحار بين سائر الناس .

ويمكن أن تكون الجينات الخاصة بالانتحار جينات منفصلة تؤدى إلى نوع من السلوك الإندفاعى من خلال اضطراب فى مستوى مادة السيروتونين فى المخ أو تكون هى نفس جينات الإضطرابات النفسية كالاكتئاب وإدمان المخدرات والفصام واضطرابات الشخصية .

الكيمياء العصبية :

اتضح من خلال الدراسات أن مستوى السيروتونين ينخفض فى مرضى الاكتئاب الذين يحاولون الإنتحار ويتم رصد هذا الانخفاض بقياس مادة ( 5 - هيدروكسى إندول أسيتيك أسيد ) فى السائل النخاعى وقد وجدت علاقة ارتباط بين انخفاض السيروتونين والسلوكيات الإندفاعية والعدوانية . ووجد فى بعض الحالات ارتفاع مستوى الكورتيزول فى البول ، وعدم استجابة الغدة الدرقية للتأثير المحفز

لهرمون TSH ..الخ.

الاضطرابات العضويه :-

تزيد معدلات الانتحار فى وجود الأمراض العضوية التالية :

السرطان : خاصة سرطان الثدى والأعضاء التناسلية .

أمراض الجهاز العصبى : مثل الصرع والتليف المتناثر ، وإصابات الرأس واضطرابات الدورة الدموية المخية ومرض هنتجتون والعته والإيدز . وقد وجد أن هذه الأمراض جميعاً يحدث معها اضطرابات فى المزاج .

اضطرابات الغدد الصماء : مثل مرض كوشنج ، فقد الشهية العصبى ، لزمة كلينفيلتر والبورفيريا

(أيضاً معها اضطراب فى المزاج ) .

اضطرابات الجهاز الهضمى : مثل قرحه المعدة وتليف الكبد ( لاحظ أن هذين الاضطرابين يمكن أن يوجدا أيضاً فى الكحوليين )

اضطرابات الجهاز البولى والتناسلى : مثل تضخم البروستاتا وحالات الفشل الكلوى والحالات الخاضعة للغسيل الكلوى .

الأدوية :

هناك الكثير من الأدوية المتداولة والتى يمكن أن تؤدى إلى حالات اكتئاب شديدة تكون مصحوبة برغبة فى الإنتحار فى أشخاص يعيشون حياه عادية ولا يوجد فى ظروفهم الخاصة والعامة ما يبرر هذا الاكتئاب وما يصاحبه من رغبه شديدة فى الانتحار . وللأسف فإن هذه الأدوية كثيرة التداول ومع ذلك لا ينتبه لتأثيرها الكثير من الناس ، ونذكر منها أدوية الضغط وأدوية القلب ومضادات الروماتيزم والكورتيزونات وأدوية علاج السرطان ...إلخ .

توقع الانتحار :

نحن لانملك أن نفعل شيئاً لأولئك الذين ماتوا منتحرين ، ولكننا نستطيع أن نفعل الكثير للأشخاص المعرضين للتفكير فى الانتحار أو محاولات الانتحار ، وخاصة أنه فى 70% فى حالات الانتحار كانت توجد علامات إنذار ولكن أحداً لم ينتبه إليها أو لم يدرك مدى خطورتها ، وهناك فترة حضانة لفكرة الانتحار قد تبلغ 3 شهور أو أكثر . وبناءاً على دراسات عديدة أجريت تم وضع علامات الخطر مرتبة حسب أهميتها كالتالى :

السن : كلما زاد السن عن 45 سنة كان ذلك مصدر خطر .

تعاطى الكحوليات : حيث تزيد نسبة الانتحار فيهم 50 مرة عن عموم الناس .

الاستثاره والغضب والعنف

محاولات انتحارية سابقة : خاصة إذا استخدمت فيها وسائل شديدة الخطورة كالأسلحة النارية أو السقوط من عل أو الشنق .

الذكورة : حيث أن الرجال أكثر إقداماً على الإنتحار كما ذكرنا من قبل .

رفض المساعدة .

طول مدة نوبة الاكتئاب أكثر من المعتاد .

تاريخ سابق للدخول فى مصحة نفسية .

فقد شئ غالٍ أو الافتراق عن شخص عزيز فى الفترة الأخيرة .

الاكتئاب خاصة نوبات الاكتئاب الجسيم .

فقد الصحة الجسمانية .

عدم وجود عمل أو الإحالة للمعاش .

شخص أعزب أو أرمل أو مطلق .

هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون فى مثل هذه الظروف لابد وأن ننتبه إليهم وأن يسألهم الطبيب النفسى المعالج بشكل واضح وصريح عن أفكارهم نحو الموت ثم يستفسر عن أية خطط فى أذهانهم للانتحار ثم يستفسر عن محاولات الانتحار السابقة بالتفصيل ، ثم يبحث فى مصادر التدعيم الذاتية للشخص مثل إنجازاته الحياتية السابقة وبصيرته ومشاعره ثم مصادر التدعيم الاجتماعية مثل الأسرة أو الأصدقاء أو الجمعيات الخيرية المساندة ، وبناءً على ذلك يقرر الخطوات التالية المطلوبة لمساعدة هذا الشخص .

والعرضين الأشد خطورة هما الإحساس بفقدان الأمل (Hopelessness) والإحساس بقلة الحيلة (Helplessness) فإذا ظهر على أى شخص منفصلين أو مجتمعين وجب علينا الانتباه .

وأحياناً نجد أن الشخص الذى كان كثير الشكوى وكثير التهديد بالانتحار فجأة أصبح هادئاً ويبدو راضياً على غير عادته ولا يتكلم كثيراً ولا تبدو عليه علامات الاضطراب التى عهدناها فيه من قبل . هذه الحالة يجب أن تثير اهتمامنا لأن كثيرين ممن قاموا بالانتحار وصلوا إلى هذه الحالة من الهدوء والرضا بعد اتخاذهم قرار الانتحار وظلوا على هذه الحالة عدة أيام قبل التنفيذ ، وهذا مما يحير المحيطين بهم حيث يقولون :

"إنها كانت فى أحسن حالة فى الأيام الأخيرة ولم يكن يبدو عليها أى علامات اضطراب" .

وهناك عرض آخر يقوم به من قرروا الانتحار وهو الاتصال ببعض الأصدقاء وحين يرد الصديق لا يجد الشخص شيئاً يقوله فيضع السماعة ، أو يضعها قبل أن يتمكن الطرف الاخر من الرد . وكأنها صرخات استغاثة يائسة .

التعامل مع الحالات المعرضة للانتحار :

بعد دراسة تاريخ الحالة المرضى ودراسة عوامل التدعيم والمساندة المحيطة بالشخص والقيام بالفحوصات الطبية اللازمة يقرر الطبيب النفسى ، إذا كان المريض يحتاج لدخول مصحة نفسية أو أنه سوف يعالج من اضطراباته النفسية وهو وسط أسرته .

فإذا لم يكن هناك دعماً أسرياً كافياً ، أو كانت تصرفات المريض مندفعة وفجائية أو كان يعانى من اضطرابات نفسية شديدة ، أو كان غير قادر على تناول الطعام والشراب بشكل كاف ، فإن هذا المريض لابد وأن يوضع فى المصحة النفسية تحت ملاحظة شخصية لصيقة طوال الوقت ولا يترك وحده حتى أثناء النوم أو أثناء دخول الحمام ، لأن هذا المريض ينتظر أى لحظة مناسبة لتنفيذ فكرة الانتحار وبعضهم كان ينتظر تغيير دوريات التمريض أو لحظة دخول الحمام أو أى غفلة ولو قصيرة من فريق التمريض لينفذ الإنتحار وأثناء وجوده فى المصحة أو المستشفى يتم علاج الاضطراب النفسى الموجود بجرعات كافية ومؤثرة من الدواء بجانب العلاج النفسى المكثف والعلاج الإجتماعى المناسب والعلاج الدينى الذى يحيى فى المريض الأمل ويجعل خيار الإنتحار مستبعداً . وتتم مناظرة المريض عدة مرات يومياً بواسطة الفريق العلاجى ، ولا يسمح له بالخروج إلا بعد التأكد من زوال الأفكار والخطط الانتحارية واستقرار حالته النفسية . وإذا تقرر علاج المريض فى بيته فيجب أن يتأكد الطبيب من وجود الدعم والمساندة من الأسرة والملاحظة الكافية للمريض طوال الوقت واستبعاد أى آلات حادة أو أسلحة نارية أو حبال أو أحزمه أو أى شئ يمكن أن يقتل به المريض نفسه . ولا بد وأن يكون الطبيب متاحاً للمريض طوال الأربع وعشرين ساعة يومياً حيث يعطيه أرقام تليفوناته ليتصل به فى أى وقت وأيضاً يأخذ الطبيب كل أرقام تليفونات المريض وعنوانه لكى يستطيع التدخل فى حالات الطوارئ . وتتلخص خطة العلاج سواء فى المستشفى أو خارجها فى ثلاث نقاط : الأولى : تخفيف الألم النفسى بكل الوسائل ، الثانية : التدعيم والمساندة ، الثالثة : إعطاء بديل للانتحار .

وفى المجتمعات ذات الدوافع الدينية القوية ، من المفيد جداً أن نساعد المريض بأن يغير تصوراته وتخيلاته نحو الإنتحار ، ففى التعاليم الدينية زجر وتخويف من خيار الإنتحار وبدلاً من كونه نوع من الراحة والخلاص فى خيال المريض نجد أن التصور الدينى يجعله مصيراً مخيفاً حيث يخلد المنتحر فى جهنم ويتعذب بالوسيلة التى استعملها فى الإنتحار ، وهذا التصور وحده يعكس المنظومة الانتحارية برمتها ويغلق باب الخيار الانتحارى ، وفى ذات الوقت يفتح باب أمل فى رحمة الله والأمل فى تفريج الكربات مهما اشتدت ، وأن الله قادر على كل شئ حين يعجز البشر ، وأن الدنيا دار ابتلاء واختبار وأن الصبر والرضا فضيلتان جزاؤهما الجنة ، وأن لا شئ يحدث عبثاً فى هذه الدنيا ، بل كل شئ يدور فى هذا الكون بمراد الله وحكمته ، وأن الله الذى منح الإنسان هذه النفس هو وحده الذى يقرر متى يقبضها .

الخيانة الزوجية و العنوسة و الصدمات العاطفية تدفع السيدات

إلى الإنتحار(7)

أكد الدكتور محمود محمد عمرو مدير المركز القومى للسموم الإكلينيكية أن المركز يستقبل شهريا ما بين 50 إلى 60 حالة إنتحار نصفهم أو أكثر من الإناث .. و أضاف بأن أسباب إقدامهم على الإنتحار يرجع إلى العنوسة أو الخيانة الزوجية أو الصدمات العاطفية ، و تقول منى محمد الإخصائية الإجتماعية بالمركز و أول من تستقبل المريض بعد شفائه: إن الحالة النفسية التى يأتى بها المريض تتميز بالإضطراب و إنعدام الثقة بالنفس و رفضه الحياة و أكدت أن سم الفئران لا يزال هو المتصدر لأفضل سبل الإنتحار لدى الفتيات إلى جانب قطع شرايين الأيدى .. و من أبرز الحالات التى وردت إلى المركز حالة سيدة تدعى "فوزية" و كانت تعمل مدرسة بإحدى الدول العربية و كانت ترسل بأموالها أولا بأول إلى زوجها لتجديد المنزل و الإنفاق على الأولاد على مدار 5 سنوات و يوم أن قررت الإستقرار مع أسرتها وجدت أن كالون الشقة تم تغييره و فتحت لها سيدة أخرى أخبرتها أنها الزوجة الجديدة و على الفور تناولت جرعة من سم الفئران للتخلص من حياتها لكن تم علاجها فى المركز بأقصى سرعة و بعد لحظات من نجاتها غافلت الممرضة و ألقت بنفسها من الدور الثانى .. تنتحر مرة ثانية و أيضا تم إسعافها بسرعة و نجت بكم هائل من الجروح و الكسور أما منى 20 سنة فقد تناولت كمية لا بأس بها من المبيد الحشرى بعد أن رفضت أسرتها الإرتباط بالشاب الذى تحبه و لكن وقفت الظروف المادية له حائلا دون إتمام الزواج و لأنها تقيم مع جدتها بعد إنفصال الأب و الأم فلم يكن أمامها سوى اللجوء إلى الإنتحار بهذا الشكل و تم إنقاذها فى المركز..أما هبة الله من منطقة أم المصريين فقد تعرفت على شاب فى أحد الأندية الرياضية و أخبرها أنه يعمل فى ألمانيا و سيسافر لإنهاء بعض الأمور المتعلقة بالعمل و يعود ليتزوجها لكنها فوجئت به فى أحد الأيام بصالة بلياردو بصحبة فتاة و إكتشفت أنه كذاب و على الفور عادت إلى منزلها و تناولت كل كمية الأدوية الموجودة فى ثلاجة المنزل و تم علاجها بصعوبة بالغة و خرجت حالتها النفسية سيئة للغاية.

علامات وبوادر منذرة عن الرغبة في الإنتحار(8)

الإنتحار نادراً ما يكون قرار إرتجالي وليد اللحظة . ففي الأيام والساعات قبل أن ينهي الإنسان حياته وينتحر، عادة ما تكون هناك بوادر وعلامات منذرة.

وسوف تجد أن أقوى العلامات والبوادر وأكثرها قلقاً التفوه بعبارات مثل - " انني لا استطيع الإستمرار" ، " لم يعد هناك شيء يهم بعد " أو حتى "إنني أفكر في إنهاء الأمر كله" . يجب أن تؤخذ مثل هذه الملاحظات دائمـاً بجدية تامة .

ومن العلامات الشائعة الأخرى المنذرة نخص بالذكر ما يلي :

يُصبح الشخص مكتئباً أو منطو على نفسه

التصرف بتهور وطيش

عمل الترتيبات وتسوية الشئون والتخلص من الممتلكات الثمينة

إبداء تغير ملحوظ في السلوك أو المواقف أو المظهر

تعاطي المخدرات أو الخمر

المعاناة من خسارة كبيرة أو تغيير في طبيعة الحياة

توضح القائمة التالية بعض الأمثلة ، يمكن أن تكون كلها علامات وبوادر تفيد بأن شخصاً ما يفكر في الإنتحار. وبالطبع، لا تؤدي هذه المواقف في معظم الحالات إلى الإنتحار. ولكن ، بصفة عامة ، كلما ظهرت بوادر أكثر على الشخص كلما كان إحتمال الإنتحار أرجح .

المواقـف

الإعتداء الجنسي أو التعذيب الجسماني

تاريخ في العائلة لحدوث حالات إنتحار أو عنف

وفاة صديق حميم أو أحد أفراد العائلة

طلاق أو إنفصال لإنهاء علاقة

الفشل في الجناح أكاديمياً أو وجود إمتحانات وشيكة أو نتائج إمتحانات أو فقدان الوظيفة

أو مشاكل في العمل.

قضية بالمحاكم وشيكة

السجن مؤخراً أو إطلاق سراح وشيك من السجن

أنماط السلـوك

البكاء

الشِجار

مخالفة القانون

الإندفاع والتهور

الإيذاء والتشويه الذاتي

الكتابة عن الموت والإنتحار

محاولة إنتحار سابقة

سلوك متطرف

تغيرات في السلوك

تغيرات بدنيـة

الإفتقار إلى الطاقة

أنماط نوم متقلبة - النوم لفترة أطول من اللازم أو أقل من اللازم

فقدان الشهية

إزدياد في الأمراض الطفيفة

تغير في الرغبة الجنسية

تغير مفاجىء في المظهر

فقدان الإهتمام بالمظهر

أفكار ومشاعـر

التفكير في الإنتحار

الشعور بالوحدة والإنطواء - نقص المساندة )المساندة من أفراد العائلة والأصدقاء(

الرفض ، والشعور بالعزلة والإنعزال على هامش الحياة

حزن عميق أو شعور عميق بالذنب

عدم التمكن من الرؤية مادون إطار ضيق

أحلام اليقظة

القلق والإجهاد تحت الضغوط

الشعور بالعجز والضعف

فقدان الشعور بالإستحقاق الذاتي والقيمة الذاتية

كيف يمكن منع الانتحار؟(9)

ج: لا يمكن منع جميع أشكال الانتحار، ولكن يمكن منع غالبيتها. وهناك عدد من التدابير التي يمكن اتخاذها على المستويين المحلي والوطني للحد من احتمال وقوع حالات انتحارية، بما في ذلك ما يلي:

الحد من فرص الحصول على وسائل الانتحار (مثل مبيدات الهوان والأدوية والأسلحة)؛

علاج الأشخاص من ذوي الاضطرابات النفسية (خصوصاً من يعانون الاكتئاب والفصام وإدمان الكحول)؛

متابعة الأشخاص الذين سبق لهم القيام بمحاولات انتحارية؛

الإبلاغ عن الانتحار بطريقة مسؤولة في وسائل الإعلام؛

تدريب القائمين على الرعاية الصحية الأولية.

ومن الأهمية بمكان، على المستوى الشخصي، إدراك أنّه ليس هناك سوى عدد قليل من حالات الانتحار التي تحدث بدون إنذار. فمعظم المنتحرين يعطون إنذارات واضحة عن نواياهم. وبناء عليه، ينبغي إيلاء الاهتمام الواجب لجميع التهديدات المتعلقة بإيذاء الذات. وإضافة إلى ذلك، فإنّ غالبية الأشخاص الذين يحاولون الانتحار هم أشخاص يكتنفهم التناقض وعدم اليقين من الرغبة في الموت.

وتحدث حالات انتحار كثيرة في فترة التحسّن، أي عندما يكتسب الشخص ما يلزم من طاقة وإرادة لتحويل الأفكار اليائسة إلى عمل بناء. غير أنّ الشخص الذي حاول الانتحار في يوم ما من حياته لا يُعد بالضرورة شخصاً معرّضاً للخطر بشكل دائم: فقد تعاود الأفكار الانتحارية بعض الأشخاص ولكنّها لا تدوم لديهم، وقد لا تعاود أبداً أشخاصاً آخرين.

وتشير التقديرات إلى أنّ 000 877 شخص انتحروا في عام 2000. ويشكّل ذلك حالة وفاة واحدة في كل 40 ثانية. ويُعتبر الانتحار، على الصعيد العالمي، إحدى مسبّبات الوفاة الرئيسية الثلاث لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و44 عاماً.

المساعدة على الانتحار" تثير الإنقسام في صفوف الأطباء(10)

لا يكاد ملف المساعدة على الانتحار يغادر مسرح الأحداث في سويسرا، حتى يعود إليه بقوة أكبر، ومن الواضح أن هذه المسألة تثير حاليا انشغال عدد كبير من الأطباء.

فعلى سبيل المثال، نشرت مجلة الأطباء السويسريين في أعدادها الأخيرة، مواقف متضاربة حول الموضوع، وخاصة منذ أن أقرت المحكمة الفدرالية (وهي أعلى سلطة قضائية في الكنفدرالية) في شهر نوفمبر 2006، الحق في اللجوء إلى المساعدة على الانتحار بالنسبة لحالات المرضى النفسيين، بشروط محددة.

في هذا السياق، تابع المعنيون بانتباه شديد المحاكمة، التي دارت على مدى أسبوعين تقريبا في مدينة بازل، وانتهت يوم 6 يوليو الجاري بصدور حكم بالسجن بثلاثة أعوام ضد طبيب نفساني رافق ثلاثة مرضى نفسيين في انتحارهم.

البروفيسور كلود روغامي، رئيس اللجنة المركزية للأخلاقيات، التابعة للأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية، التي قامت في عام 2004 بمراجعة توجيهاتها بخصوص التكفّـل بالمراحل الأخيرة من الحياة، وقد سمح ذلك بفتح طريق (وإن بشروط محددة)، بوجه تدخل طبيب للمساعدة على الانتحار.

سويس انفو: لا شك أنكم تتابعون المحاكمة الجارية في بازل؟

البروفيسور كلود روغامي: نعم بالتأكيد. وعلى ضوء الحُـكم، فقد يتوجّـب علينا إعادة النظر في توجيهاتنا، لكن الأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية، ليست هنا لرد الفعل على الفور.

سويس انفو: هل لا زال الأطباء ممزقين حول المسألة؟

البروفيسور كلود روغامي: النقاش لن ينتهي أبدا. فمن هنا وهناك، نستمع إلى أصوات تعتبر أنه يجب توسيع مجال المساعدة على الانتحار، ليشمل حالات أخرى تتجاوز المراحل النهائية من الحياة، لأن المحكمة الفدرالية لم تعترف بوضوح في القرار، الذي أصدرته في شهر نوفمبر الماضي، بهذا المقياس.

في المقابل، يُـعتبر هذا المقياس حاسما في توجيهاتنا الحالية، إذ لا يمكن لطبيب أن يتدخل بصفته الشخصية (في المساعدة على الانتحار – التحرير)، إلا إذا كان المريض في المرحلة النهائية من حياته. أما المقاييس الأخرى، فتتمثل في حرية اختيار قرار الموت واستمرار الرغبة في الموت.

سويس انفو: ماذا يقول الأطباء المؤيدون لانفتاح جديد؟

البروفيسور كلود روغامي: الطبيب الذي يقبل بالمساعدة على الانتحار والذي يتصرف، بناء على قناعاته الشخصية، يرى أن التخلي عن مريضه في تلك اللحظة، ليس قرارا سليما. ويعترف الأطباء، الذين يرغبون في توسيع مجال التوجيهات، لتشمل بالخصوص المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو المصابين بأمراض مُـتلفة للأعصاب، مثل مرض ألزهايمر، بأنه يجب احترام القرار المستقل لكل شخص، فحتى المرضى، الذين يعانون من اضطرابات نفسية لديهم القدرة على التقييم والتمييز.

سويس انفو: وماذا عن الأطباء الذين يعارضون هذا الانفتاح؟

البروفيسور كلود روغامي: الأطباء الآخرون يعتبرون أن المساعدة على الانتحار، لا تدخل في إطار الطب، الذي يجب عليه أن يتحرك على العكس من ذلك ضد الرغبة في الموت، كما أن على الطب أن يخفف، بوجه خاص، من الآلام وأن يعالج المخاوف، من خلال مرافقة المريض.

وقد سبق للأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية أن أصدرت توجيهاتها بهذا الخصوص في عام 2006 تحت عنوان "العلاجات المسكِّـنة"، ولهذا السبب، عنونت مقالي الأخير، الذي نشرته في مجلة الأطباء السويسريين بـ "الأطباء ليسوا خبراء في الموت الإرادي".

سويس انفو: برأيك، أين يكمُـن الخطأ في توسيع مجال التوجيهات (لتشمل المرضى الذين ليسوا في مراحل الحياة النهائية - التحرير)؟

البروفيسور كلود روغامي: عندما نخرج من إطار نهاية الحياة، فسوف نكون قد تدخلنا في مجال لم يعد طبيا، لكنه يندرج في إطار خيار مجتمعي، أي اختيار طريقة الموت، أما الخطر الثاني، فيتمثل فيما يسمى بالإنكليزية « slippery slope » أو المنحدر المنزلق.

صحيح (مثلما أظهر ذلك مقال نُـشر مؤخرا في مجلة نيو إنغلاند الطبية)، أن الدول التي أقدمت على تحرير المساعدة على الانتحار، أي هولندا وبلجيكا وولاية أوريغون الأمريكية، التي تُـمارس فيها المساعدة على الانتحار تحت المسؤولية الطبية، لم تسجِّـل ارتفاعا في عدد الحالات، بل إن هولندا شهدت بعد الانخفاض. وفي كل هذه الأماكن، تم إقرار "العلاجات المسكِّـنة"، وهذا أمر جيِّـد.

في المقابل، فإن الاعتراف بالمساعدة على الانتحار، يمكن أن يدفع أشخاصا لا يُـمكن السيطرة عليهم، إلى ارتكاب الخطإ الذي لا يمكن إصلاحه، مثلما حدث في قضية ممرض لوتسرن (وهو شخص يبلغ 36 عاما من العمر، قتل 22 مُـسنا في دار للعجزة بدافع الشفقة ما بين عامي 1995 و2001، حسب تصريحاته في المحاكمة التي أثارت جدلا واسعا في سويسرا)، على سبيل المثال.

الانتحار في اميركا 2005(11)

كشفت إحصائية أمريكية حديثة نشرتها صحيفة 'يو إس إيه توداي' الأمريكية  في عددها الصادر في التاسع من مارس  2005 – كشفت  عن ازدياد حالات الانتحار في الولايات المتحدة مقارنة بجرائم القتل.

وقد أكدت الإحصائية تسجيل 29 ألف حالة انتحار سنويا بواقع 80 حالة يومياً. ويعني ذلك 3 حالات انتحار مقابل جريمتي قتل، وعزي  ذلك إلى زيادة حالات الاكتئاب ومشاعر القلق بالإضافة إلى الأمراض العقلية والنفسية، وقد بلغت حالات الانتحار في ولاية أوريجون وحدها 518 حالة مقابل 71 جريمة قتل عام 2002.

 الانتحار في فرنسا

نيسان 2004

كشفت دراسة فرنسية  أن 160 ألف فرنسي يحاولون كل عام الانتحار يموت منهم 32 يوميًا, العديد منهم من الشباب خاصة من النساء بسبب الاكتئاب والضغوط الشديدة للحياة العصرية والتسابق على تحقيق الربح المادي.

وأظهرت الدراسة التي أجرتها 'جون شوكيه' رئيسة الاتحاد القومي الفرنسي لمكافحة الانتحار أن ظاهرة الانتحار تضرب جميع الطبقات الاجتماعية في فرنسا بدون استثناء, حيث تتركز عملية الانتحار بشكل كبير بين الشباب في المرحلة السنية ما بين 16 و17 سنة.

وأوضحت الدراسة أن معدلات الانتحار زادت في فرنسا في الفترة من 1993م إلى 1999م بنسبة 40% لدى الفتيات و20% لدى الفتيان، رغم انخفاض معدلات نجاح محاولات الانتحار في فرنسا بنسبة 15% اعتبارًا من سنة 1985.

وقد أجريت الدراسة على عينة من الشباب تبلغ 582 شابًا وشابة في المرحلة ما بين 12 سنة إلى 24 سنة من الذين تم تسجيلهم في 9 مراكز نفسية لمكافحة الانتحار.

ويأتي نشر هذه الدراسة بمناسبة اليوم القومي الثامن لمكافحة الانتحار الذي تم الاحتفال به مؤخرًا. 

الانتحار والاكتئاب عند الجنود 2004

ليست المقاومة العراقية  ولا الفلسطينية المتنامية  وحدها هي من تحصد جنود الاحتلال  الأمريكي والصهيوني ،  وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الأمريكي والصهيوني وحظر الحديث عن ظهور عدو جديد خطير وهو الاكتئاب والانتحار؛   إلا أن بعد الإحصاءات المعلنة والتي نشرت جزءا منها مجلة ـ المستقبل ـ عدد153 ـ محرم 1425هـ

 قد أظهرت أن نسبة الانتحار بين الجنود والضباط بين صفوف الجيش الأمريكي العاملين في العراق أعلى نسبة بين نظيرتها، وأظهرت الإحصائية أنه تم إعادة 478 جنديًا من العراق إلى أمريكا بعد إصابتهم باكتئاب وأمراض وأزمات نفسية، وكشفت صحيفة 'يو إس توادي' عن انتحار أحد عشر جنديًا من الجيش الأمريكي في العراق وثلاثة من مشاة البحرية وقد أرسل البنتاجون فريقًا من الخبراء والأطباء النفسيين لدراسة الظاهرة المتصاعدة الخطيرة!!

كما زادت معدلات الانتحار بين العاملين في الجيش الصهيوني وأعربت مصادر في وزارة الدفاع عن قلقها عن تضاعف حالات المنتحرين بين الجنود، فقد بلغ عدد المنتحرين في الأشهر الستة الأولى من عام 2001م 17 منتحرًا، وقال مصدر مسؤول في الجيش الإسرائيلي: إننا نبحث العلاقة بين تضاعف حالات الانتحار في صفوف الجيش وبين الانتفاضة، وتبلغ معدلات قتل النفس في الجيش الإسرائيلي 34 حالة سنويًا!!

الانتحار في اليابان  2004

ذكرت الشرطة اليابانية أن معدلات الانتحار ارتفعت بدرجة عالية جدًا، فقد قام في العام 2003م، 34,427 شخصًا يدينون بالبوذية بقتل أنفسهم. وأفادت مصادر صحفية نقلاً عن الناطق باسم الشرطة أن الزيادة بلغت 71% عن الأعوام السابقة وتعد حالات الانتحار للعام الماضي هي أعلى نسبة سجلتها الشرطة منذ قيامها بإجراء إحصائيات الانتحار عام 1978م.

وحسب الإحصائيات فإن سبعين بالمائة من المنتحرين هم ذكور في العشرينات من أعمارهم.

أرتفاع معدلات الانتحار في سلاح الجو الأمريكي(12)

 كشف سلاح الجو الأمريكي عن ارتفاع معدلات الانتحار في صفوفه هذا العام، إلا أنه لم يستطع تحديد أي أسباب واضحة تقف وراء هذا الارتفاع، بحسب متحدث باسم هذه القوات.

وكانت وكالة الأسوشيتد برس أول من أشار إلى الارتفاع في هذه المعدلات.

يُشار إلى أن أياً من حالات الانتحار المسجلة، لا ترتبط بأشخاص نشرتهم القيادة الأمريكية في العراق أو أفغانستان.

ففي عام 2004 سجلت 26 حالة انتحار بين عناصر سلاح الجو الأمريكي، أي ما يساوي معدل سنوي يبلغ 13حالة لكل 100 ألف شخص، مقارنة مع 38 حالة انتحار عام 2003 والتي كانت عند معدلات سنوية بلغت 10.2 لكل مائة ألف.

هذا وتتراوح معدلات الانتحار العامة بين 11 و 12 لكل 100 ألف شخص.

ويحاول المشرفون على سلاح الجو الأمريكي تحديد ما إذا كان هناك سبب أو نمط معين يؤدي إلى الانتحار، إلا أنه للآن فإن جميع المؤشرات تتطابق مع الأنماط المسجلة في المجتمع المدني، حيث تهيمن حالات الانتحار بين الذكور الشباب الذين يعانون من مشاكل الادمان على الكحول وأخرى مالية وعاطفية.

ونوه سلاح الجو أن الذكور الشباب يشكلون نسبة 24 بالمائة من أصل 37 بالمائة من قواته، لكنهم أيضا يمثلون نسبة 54 بالمائة من حالات الانتحار.

وككل وحدات الجيش، فإن لدى سلاح الجو الأمريكي برامج توعية ومنع حدوث مثل هذه الحالات، تتضمن أيضا تدريب القادة الرفيعين.

دراسة: معدلات الانتحار ترتفع بين النساء في آسيا(13)

الجهل من عدة أسباب تقف وراء ارتفاع معدلات الانتحار بآسيا

كشفت دراسة علمية حديثة أن ارتفاع معدلات الانتحار في الدول النامية في قارة آسيا تحديداً أكثر شيوعاً بين الإناث صغيرات السن وعلى نقيض المعدلات في باقي الدول حيث ترتفع معدلات الانتحار إلى ثلاثة أضعاف بين الرجال عن النساء.

وألقى البحث الذي نشرته دورية "لانسيت" الطبية بالضوء ولأول مرة على ارتفاع معدلات الانتحار بين النساء الصغيرات اللواتي تتراوح أعمارهن بين العاشرة والتاسعة عشر، بنسبة الضعف بين نفس الفئة العمرية من الذكور، في جنوبي الهند، وفق وكالة الأسوشيتد برس.

ووجد الباحثون أن متوسط معدلات الانتحار بين فئة النساء تصل إلى 148 حالة انتحار لكل 100 ألف مقارنة بـ58 حالة لكل 100 ألف من الذكور، وعلى نقيض المعدلات الدولية حيث تبلغ معدلات الانتحار بين الفئة الثانية 24 لكل 100 ألف مقارنة بـ6.8 حالة انتحار لكل 100 ألف من النساء.

وتركز البحث العملي على مدينة "فيلور" جنوبي الهند، حيث شهد المجتمع البالغ تعداد سكانه 108 ألف نسمة، حوالي 122 حالة انتحار، بين قرابة 20 ألف من فئة شباب المنطقة - 10 إلى 19 عاماً - خلال عشرة سنوات. وبلغت حالة الانتحار بين الذكور 40 حالة وتضاعفت إلى 82 بين الإناث.

وقال الخبراء إن المعدلات، التي اعتمدت على حالات الانتحار المعلنة، صحيحة، بيد أنه أشار إلى العرف السائد في المجتمعات النامية حيث التكتم على غالبية حالات الانتحار.

وسائل الإنتحار في الغرب قد تساهم في إنقاد المنتحرات

وفي هذا السياق قال د. جوس بيرتولوت، رئيس قسم الاضطرابات العقلية والمخ في منظمة الصحة العالمية "نعرف كل شيء تقريباً عن حالات الانتحار في الدول الغربية، لكننا لم ننظر إلى الثقافات الأخرى."

وأضاف قائلاً "يلعب العنصر الثقافي هناك عاملاً رئيسياً."

وظهرت أولى أدلة ارتفاع معدلات الانتحار بين النساء الصغيرات في آسيا في دراسة أعدت في مناطق الصين النائية قبيل عامين.

ووجد الباحثون أن المعدلات بين الإناث تبلغ 30.4 حالة لكل 100 ألف مقارنة بـ23.8 لنفس العدد من الذكور.

وكشف البحث عن الاختلافات الرئيسية في وسائل الانتحار بين النساء في الغرب واللواتي يلجأن إلى قطع شرايين اليد وابتلاع كميات كبيرة من الحبوب، فيما تلجأ نظيراتهن في الهند إلى وسائل الشنق وتناول السم على رأسها المبيدات الحشرية المحظورة في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الحرق.

ووضع الباحثون العديد من النظريات وراء ارتفاع معدلات انتحار النساء منها قلة التعليم والزواج المرتب، وفشل العلاقات الغرامية، بالإضافة إلى قضية المهور.

تنامي الانتحار بواسطة الانترنيت في اليابان(14)

أطلقت السلطات اليابانية صيحة فزع إزاء تعاظم ظاهرة انتحار الشبان على الانترنت.

وأحصت السلطات مالا يقلّ عن عشرين حالة انتحار بتلك الطريقة منذ فبراير/ شباط الماضي.

ووفقا لما أوردته وكالة أسوشيتد برس، تعتقد السلطات أن شبانا يابانيين يتواعدون على شبكة الانترنيت على أساس ميثاق يعقدونه، ثم يلتقون في أعقابه للانتحار الجماعي.

وبدأت الظاهرة في أواخر التسعينات وسرعان ما اتخذت طابعا دوليا.غير أنّه وفي اليابان، التي تعرف معدلات انتحار مرتفعة، بدأت الظاهرة في جلب الاهتمام بها أكثر من أي وقت مضى.

فمنذ فبراير/شباط، انتحر عشرون يابانيا من ضمنهم ثلاثة في متوسط العمر، فيما البقية في العشرينات.

وعادة ما يتمّ الانتحار بنفس الطريقة، حيث يشعل الشبّان نيرانا في أماكن محددة ومن ثمّ يتجمعون حولها لشمّ غازات مونوكسيد الكربون المنبعثة منها.

وتنامت دعوات من رجال السياسة في الآونة الأخيرة لغلق أو تعديل مواضيع ومحتويات المواقع التي عادة ما يرتادها أولئك الشبّان.

ويتزعّم وزير التربية أتسوكو توياما الدعوات لإغلاق المواقع.

غير أنّ خبراء يقلّلون من فاعلية قرار الشطب والإغلاق، حيث اعتبر يوشيتومو تاكاهاشي الخبير في السلوكيات أن "السماح لأشخاص يريدون الانتحار بعرض مشاكلهم وتبادل أفكارهم على الانترنت، ليس مشكلة."

وحذّر الخبير من أنّ المشكل الحقيقي في اليابان يتمثل في وجود عدد كبير من المواقع التي تشرح طرق الانتحار وتقرّب "الشركاء في هذا المجال" ولا يوجد عدد من المواقع التي تقي من الانتحار، يكون على الأقل موازيا لعدد الأولى."

وقال المتحدث باسم وزارة الاتصالات اليابانية كازوتاكا نكاميزو إنه لا توجد وسيلة للتأكد من أنّ موقعا ما هو السبب في حالة انتحار.

وأوضح إن "هدف الكثير من تلك المواقع هو إقناع المنتحرين بالعدول عن قراراتهم، لذلك لا نستطيع إغلاقها."

وعادة ما يطغى اللون الأسود عل خلفيات صفحات مواقع الانتحار في اليابان، كما أن مصمميها يبدؤونها بتحذير من خطورة محتوياتها.

وتسمح المواقع بالدخول إلى بوابات للدردشة يجد فيها مرتادوها وسيلة للاعتراف بنيتهم في الموت، ومن ثمّ "تبادل التجارب والأفكار" حول الوسيلة الأنجع لتحقيق ذلك الهدف.

كما تعرض بعض المواقع لائحة مبيعات تعرض بالتفصيل "أجهزة وآلات" يؤدي استعمالها إلى الموت اختناقا أو غيرها من الطرق الأخرى.

وفي عام 1998، اكتسب موقع منها شهرة كبيرة، حيث أنشأ أستاذ يبلغ من العمر 27 عاما موقعا يوزع من خلاله حقنا لمادة السيانور.

وربطت السلطات بين حالات انتحار بتلك المادة والموقع، ومن ثمّ أغلقت الموقع وفتحت تحقيقا مع الرجل الذي فضّل بدوره الانتحار.

وغالبية مرتادي مواقع الانتحار في اليابان، هم من الشبّان الذين يعانون من الاكتئاب أو أمراض في القلب أو سوء معاملة من قبل الأهل.

غير أن المواقع تستقبل أيضا أشخاصا من فئات عمرية أكبر، عادة ما يكونون ممن يعانون من متاعب اقتصادية، حيث يهدفون من وراء الانتحار إلى "تمتيع" أسرهم بمستحقات التأمين على الحياة.

الانتحار ظاهرة نسائية في اليمن(15)

الانتحار في اليمن ظاهرة لها سماتها ومسبباتها وظروفها الخاصة، ورغم ما يكتنف حالاتها من عموض وما يحيط المعلومات عنها من تكتم وسرية من قبل الجهات المعنية أحياناً، وعدم دقة هذه المعلومات أحياناً أخرى، بسبب تردد الكثيرين في الإبلاغ عن مثل هذه الحالات بداعي العيب والخوف من الفضيحة، فإن المعلومات والمؤشرات والأرقام، جميعها تؤكد أن الظاهرة تشهد تصاعداً مستمراً خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها البلد عموماً.

لكن ما يثير قلق ومخاوف المختصين والمهتمين حول هذه الظاهرة، هو تزايد نسبة إقدام الفتيات أو النساء المتزوجات على الانتحار مقارنة بالرجال في مجتمع محافظ مثل اليمن، الأمر الذي نسعى عبر استعراض مجموعة من الإحصاءات والآراء في هذا التحقيق إلى كشف ظروفة وملابساته.

عدد اليائسات في ازدياد

منذ منتصف تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم ومعدلات الجريمة في اليمن تشهد تزايداً مضطرداً. حسب ما تسجله أرقام وزارة الداخلية اليمنية، حيث تشير إلى أن حالات الانتحار خلال الفترة ما بين 1995 وحتى تموز/يوليو 2001 بلغت 1211 شخصاً من مختلف محافظات الجمهورية.. بينما تبين أن نحو 120 حالة انتحار وقعت خلال الأشهر الستة الأولى فقط من عام 2001 باستخدام الرصاص أو الشنق أو إشعال حريق أو تناول سموم وعقاقير طبية، وكانت نسبة عدد حالات الانتحار بين النساء 41.7% من إجمالي حالات الانتحار المسحلة.

وتوضح الإحصائيات أن القضايا الجنائية والحوادث الأمنية المختلفة في اليمن شهدت ارتفاعاً ملحوضاً خلال السنوات الماضية بلغت نسبة 37%، منها 16% حالة انتحار، بينها فقط 8% حالات انتحار نساء وفتيات.

وتصاعد معدل الجريمة عام 2004 بنسبة 20.85% عن عام 2003 حيث بلغ عدد الجرائم المسجلة (22575) جريمة حسب إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية.. فيما أشارت مصادر أمنية إلى أن مؤشر حركة الجريمة خلال العام الماضي 2005 تصاعد بنسبة تجاوزت 9% وإلى ارتفاع معدل ارتكابها بزيادة رقمية تفوق 2900 جريمة عن العام الماضي.

ورغم ما تكشفه الإحصائيات والآرقام وتقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والجهات الأمنية المعنية من تصاعد لحالات وحوادث الانتحار في اليمن، إلا انها تفتقر حسب المتخصصين والباحثين. للمعلومات الدقيقة حول الظاهرة، نتيجة حالة التخفظ الموجودة وعدم تسجيل الكثير من البلاغات الخاصة بحوادث الانتحار لدى الجهات المعنية وسيطرة (مفهوم العيب الاجتماعي) لدى الكثيرين، وما يكتنف معظم هذه الحوادث من ملابسات تثير نوعة من الخوف من الفضائح.

ظاهرة أم حالات متفرقة

ويواجه الباحثون صعوبة كبيرة في الحصول على المعلومات الدقيقة الخاصة بالانتحار، خاصة في ظل ما يحاط به مثل هذا النوع من القضايا والحوادث في الغالب من تكتم وسرية شديدة من قبل الجهات المعنية.

وفيما يرفض الكثير من المسؤولين والأكاديمين إطلاق صفة (الظاهرة) على حوادث الانتحار في اليمن. ويرون أن العوامل الاقتصادية من أهم الأسباب المباشرة التي تؤدي الى الإقدام على الانتحار، يؤكد مسؤولون أمنيون وأكاديميون آخرون أن عدد حالات الانتحار شهدت تزايداً محلوظاً خلال السنوات الآخيرة حوالي 1470 حالة، منها 316 حالة انتحار خلال الفترة من 1 كانون الثاني/يناير وحتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر عام 2003.

يقول الدكتور محمد الآفندي، رئيس مركز الدراسات الاستيراتيجية: "إن الشخص الفقير يزداد عنده الإحساس يومياً بالغبن والظلم، فتتولد لديه حالات العداء للآخرين، ويقدم على الانتحار بعد أن يشعر بالعجز الكامل".. بيد أن الدكتور الافندي يرفض وصف الانتحار بـ"الظاهرة". ويقول: "رغم الأعداد المخيفة لحالات الانتحار، إلا أنها تظل نسبة ضئيلة ولايمكن وصفها بالظاهرة".

وتسجل أعلى معدلات الانتحار في اليمن بالمدن الرئيسية التي تطغى عليها حياة المدنية وينتشر فيها الفساد الأخلاقي، وتغلب فيها المعايير المادية على المعايير الدينية الأخلاقية، لكن الملاحظ هو أنه رغم ما يجري من نقاش حول ظاهرة الانتحار من فعاليات تشمل (ندوات ومؤتمرات وحلقات نقاشية)، كان آخرها الندوة الوطنية المنعقدة بصنعاء في أيلول/ سبتمبربعنوان (ظاهرتا الاكتئاب والانتحار)، والتي قدم فيها أكثر من 50 بحثا علميا تناولت الظاهرتين بالتحليل والدراسة وبينت أسبابهما وعوامل انتشارهما وسبل معالجتهما، إلا أن ذلك لم يحل دون تصاعد حوادث الانتحار أو يود إلى التقليل منها.

اليابان وثقافة الانتحار(16)

انتحر وزير الزراعة الياباني توشيكاتسو ماتسؤكا (62 عاما) في الثامن والعشرين من شهر أيار/ مايو الماضي على خلفية اتهامات له بالفساد واستغلال المنصب الوظيفي في أعمال غير مشروعة. وقد أصيب المجتمع الياباني بصدمة من هذا الحادث لأن هذه هي المرة الأولى التي ينتحر فيها وزير وهو في منصبه. الوزير ماتسؤكا كان من كبار راديكالي الحزب الحاكم المتزمتين الذين يعارضون التقدم والإصلاح. وكان من المجاهرين بمعارضتهم لرئيس الوزراء السابق كويزومي الذي كان يعمل على إحداث إصلاحات سياسية وهيكلية. مما يجعل الناس تحتار في إقدامه على الانتحار.

عدد المنتحرين اليابانيين يزيد على الثلاثين ألف شخص للعام التاسع على التوالي، وصل العدد في عام 2006 إلى 32,155 شخص. أي بمعدل انتحار شخص كل 18 دقيقة. وهي من أعلى النسب في العالم والنسبة الأعلى في الدول الصناعية الكبرى. وإذا أضافنا عدد محاولات الانتحار التي يخفق منفذوها في التخلص من حياتهم فيها وهي أكثر من حالات الانتحار نفسها، نجد أننا أمام ظاهرة خطيرة ومنتشرة في اليابان.

والسؤال هو لماذا يُقْدم الياباني على التخلص من حياته بهذه السهولة ؟

بالطبع أسباب الانتحار المباشرة كثيرة ومتنوعة وهي لا تختلف كثيراً عنها في الدول والبلاد الأخرى. لكن ما أريد مناقشته في هذه المقالة هو لماذا يقدم عدد أكبر من البشر في اليابان عنه في باقي بقاع العالم على الانتحار؟ بل يصل الأمر وكما نعلم جميعاً أن اليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي لها طريقة معينة في الانتحار مسجلة باسمها، وهي طريقة "الهاراكيري" وتعني "قطع البطن".

أعتقد أن ثقافة الانتحار في اليابان أتت في الأصل من ثقافة "الهاراكيري" التي اشتهر بها المحاربون القدماء "الساموراي".

فما هو تاريخ هذه العادة التي انفردت بها اليابان عن العالم أجمع ؟

الهاراكيري هي قيام الفرد بقطع أحشائه بسيف صغير (خنجر) وذلك بشق بطنه بخط أفقي من الشمال إلى اليمين ثم يواصل الشق رأسياً إلى أسفل البطن. ولأن هذه الطريقة لا تسبب الموت الفوري بل يظل المنتحر يعاني من الآلام الرهيبة فلابد من وجود شخص يقوم بقطع رقبته على الفور حتى يريحه من هذه الآلام.

يقال إن أول من أقدم على الانتحار بطريقة "الهاراكيري" في اليابان هو المحارب "ميناموتو نو تاميموتو" في عام 1177 ميلادياً، وانتشرت بعد ذلك بين الساموراي منذ ذلك العصر وحتى عصر انتهاء طبقة الساموراي بانتهاء الحكم العسكري وانتهاء المجتمع الطبقي في عصر ميجي. ولكنها استمرت بعد ذلك أيضاً وإن قلت نسبتها طريقة مفضلة للانتحار لدي بعض اليابانيين من العسكريين واليمينيين الذين يحنون إلى عصر الساموراي المجيد. ونعرف أن أشهر كتاب اليابان المعاصريين يوكيو ميشيما (1925~1970) انتحر بطريقة "الهاراكيري" في عام 1970.

اكتسبت "الهاراكيري" مقوماتها ومجدها الشهير في عصر الحرب الأهلية التي استمرت ثمانين عاماً من أواخر القرن الخامس عشر إلى أواخر القرن السادس عشر. وبعد انتهاء الحرب الأهلية وتوحيد البلاد تحت قائد واحدة تغيرت الهاراكيري قليلاً. فبعد أن كان الأصل أن الساموراي المهزوم وخاصة القائد يقدم على الانتحار بطريقة الهاراكيري خوفاً من أن يقع أسيراً في يد أعداءه ويعدم ذبحاً وهو ما كان يعتبر عاراً كبيراً بالنسبة للساموراي، أصبحت أسباب الهاراكيري متنوعة، كأن يُقْدِم الساموراي المنهزم على الهاراكيري بدافع تحمل مسئولية الهزيمة. أو لكي يلحق بقائده الذي قُتل في المعركة، أو لكي ينال نفس الشرف الذي ناله رفيقه المنتحر، أو لكي يعلي من شأن عائلته بهذا الشرف .. إلخ. ثم صارت الهاراكيري طريقة من طرق الحكم بالإعدام وخاصة في عصر إدو ضد الساموراي. ولكن يبقى السبب الأكثر شهرة وكثرة هو قطع البطن "الهاراكيري" دليلاً على تحمل مسئولية الهزيمة أو الخطإ أو لمسح العار الذي يلحق بالشخص المنتحر. وهناك كلمة نقد شديدة القسوة لا تقال إلا في أشد حالات الغضب والانفعال، ألا وهي "اقطع بطنك"، تقال لشخص ما لحثه على وجوب تحمل مسئولية الخطإ أو ضرورة الإحساس بالندم والعار مما سبّبه عن قصد أو حتى عن خطإ وإهمال. وسرعان ما يندم قائلها لأنه يعلم أنها كلمة يجب ألا تقال تحت أي ظرف كان. إذاً الانتحار في اليابان على طريقة الهاراكيري يعني في الماضي أولاً تحمّل المسئولية، ثانياً يمسح الخزي والعار، ثالثاً يمتدح فاعله لأنه قدّم حياته في سبيل ذلك.

رغم اختلاف الأوضاع كثيراً بعد انتهاء عصر الساموراي الذين انقرضوا بعد ثورة ميجي الإصلاحية، إلاّ أنه خلال الحرب العالمية الثانية فوجئ العالم بظهور قوات "الكاميكازيه" التي هي عبارة عن فرق خاصة تقوم بعمليات عسكرية انتحارية ضد الجيش الأمريكي من أجل الإمبراطور الذي يعتبرونه إله ويعتبرون أن بذل النفس من أجله غاية المجد والشرف. وهي عمليات عسكرية أفقدت أمريكا صوابها. فكان أول ما عملت علي تنفيذه بعد احتلالها اليابان هو نزع صفة الألوهية عن الإمبراطور وجعله إنساناً عادياً في عيون اليابانيين، بل ونزع كل سلطاته السياسية وجعله مجرد رمز للدولة "لا يهش ولا ينش" كما يقولون. وبسبب هذا الاحتلال اختلفت النظرة إلى الانتحار وزاد البعد عن الثقافة اليابانية الخاصة بذلك بسبب طغيان الحياة المادية الغربية على نمط الكثير من مناحي الحياة، إلاّ أنه لا زال يبقى في أعماق اليابانيين بعضاً من هذه الثقافة التي تمجد تحمل المسئولية، وأن من أخطأ سواء عن قصد أو عن إهمال يجب أن يكفّر عن هذا الخطإ بأي طريقة كانت، وإن انعدمت طريقة الهاراكيري إلا فيما ندر كما هو الحال في حادثة انتحار ميشيما. وبالمناسبة ميشيما انتحر لفشله في حثّ أفراد قوات الدفاع الذاتي على التمرد على الأوضاع الذي أُجبرت عليها اليابان بعد هزيمتها أمام أمريكا وخاصة الوضع المزري للإمبراطور، بعد أن ظل يخطب فيهم حوالي نصف ساعة، فشل في حثهم على القيام بانقلاب عسكري يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب. فانتحر بطريقة الهاراكيري وهو يهتف "يعيش جلالة الإمبراطور".

إذاً الانتحار سواء بالهاراكيري أو بوسيلة أخرى هو بصفة عامة فعل ينّم على تحمل المسئولية وينم على الندم والأسف. وفي الماضي كان يمجد من ينتحر لهذه الأسباب.

إذاً الانتحار بسبب اليأس من الحياة أو اليأس من الفقر أو اليأس من المرض .. إلخ هو وإن كان سبباً ظاهرياً في الكثير من حالات الانتحار التي تحدث حالياً، إلاّ أن الواقع يقول إنه لأن اليابانيين لا يؤمنون بالقضاء والقدر، فالمنتحر في أغلب الأحوال يعتقد أنه السبب في كل ما يجري له، وأن هناك حوله الكثيرون الذين يعانون بسببه سواء كانوا أهله أو مرؤسيه أو رؤساءه أو حتى عامة الناس. وأن تخلصه من حياته هو عمل يقتضيه منطق الشرف والأمانة، وإنه بذلك سيريح ويستريح. خاصة أن أغلب اليابانيين الآن يؤمنون بتناسخ الأرواح، وأنه سيولد مرة أخرى في هذه الحياة وسيكون وضعه فيها بناء على أفعاله فيها فإن فعل خيراً فخير، وإن شراً فشر.

ذكرتُ في أول المقالة أن عدد المنتحرين في اليابان فاق الثلاثين ألف شخص للعام التاسع على التوالي. هذه السنوات التسع هي محصلة والمتوقع أن تستمر لفترة، للكساد الاقتصادي الذي تعاني منه اليابان منذ منتصف التسعينات في القرن الماضي وحتى الآن وإن تحسّن الأمر نسبياً مؤخراً. أكثر من عانى من هذا الكساد الاقتصادي هي الشركات الصغيرة والمتوسطة التي وقعت في أزمات مالية متوالية الأمر الذي أدى بالكثير من هذه الشركات إلى إعلان الإفلاس والإغلاق. عدد كبير من أصحاب ومدراء هذه الشركات يقدم على الانتحار عندما يرى أن شركته التي يملكها أو يديرها مضطرة إلى الإفلاس مما يسبب العديد من المآسي للعاملين فيها وأسرهم. على اعتبار أن هذه هي الطريقة التي يعتذر بها عما حدث. وهذا هو السبب الذي جعل عدد المنتحرين في اليابان يزيد بمقدار أكثر من عشرة آلاف شخص في العام بين ليلة وضحاها. فبعد أن كان متوسط عدد المنتحرين في اليابان في العشرين سنة منذ عام 1978 إلى عام 1997 هو 22,523 شخص في العام، أصبح متوسط العدد منذ عام 1998 وحتى العام الماضي هو 32,501 شخص في العام الواحد. ويرى الخبراء أن الأزمة الاقتصادية التي حدثت بعد انتعاش اقتصادي مبالغ فيه وقع بشكل فجائي هي السبب الرئيسي في هذه الزيادة. للأسباب التي تحدثنا عنها.

الانتحار في الأديان السماوية وخاصة الإسلام محرّم بإطلاقه. لأن حياة الإنسان هي هبة من الخالق الذي نفخ فيه من روحه، ولذا لا يحق للإنسان أن ينهي هذه الحياة التي لا يمتلكها في الواقع، وإن كان له الحرية الكاملة على أفعاله، إلا أنه سيجازى على ذلك الجزاء الأوفى. ولكن هناك من يقول "إنه لا يوجد نص صريح في القرآن يُحرّم الانتحار، وإن كان هناك أمر بعدم اليأس من رحمة الله. إلا أن الانتحار ندماً أو الانتحار تحملاً للمسئولية يختلف في الواقع عن اليأس من رحمة الله."

وهناك قصة في التاريخ اليهودي تثير الانتباه وهي ما تُسمى قصة الماساداه.

<< وقصة الماساداه تتلخص في أنه بعد أن دمّر الرومان مملكة القدس اليهودية في عام 70 بعد الميلاد لجأت جماعة تتجاوز ألف شخص من غلاة اليهود المتعصبين لديانتهم إلى جبل الماساداه المطل على البحر الميت وتحصنوا في أعلاه. الرومان ردوا على ذلك بأن أقاموا سوراً حول الجبل لمحاصرة اليهود الذين رفضوا الاستسلام بعد أن دُمرت مملكتهم. وفي سنة 73 ميلادية أرسل الإمبراطور الروماني فرقة عسكرية للقضاء على اليهود المتحصنين بالجبل.

وعندما أدرك اليهود أنهم خاسرون في تلك المواجهة، اتخذوا قراراً بالانتحار الجماعي ولكن لأن الانتحار مُحرّم في الديانة اليهودية، أمر كبيرهم اليعازر بن يائير عشرة منهم بقتل الآخرين، ثم قتل واحد من العشرة التسعة الآخرين، ثم انتحر.>>

(بالنص عن مقالة لأمير العمري من موقع بي بي سي بالعربي)

وهذا بالضبط ما كان يحدث في الهاراكيري، إذ أن الشخص المنتحر في الأغلب الأعم كانت تطير رأسه قبل أن يقطع أحشائه، للتردد الذي يصيبه في اللحظة الأخيرة، أو لاستعجال الشخص المكلف بقطع الرأس لكي يخفف عن المنتحر الآلام. وليس هناك أي شك في أن ما حدث في الماساداه إن كان حقيقياً فهو انتحار جماعي حتى لو لم يتم بيد المنتحر.

يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم : << وَ إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم باتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.>> (البقرة آية 54)

ارتباط مضادات الاكتئاب بزيادة محاولات الانتحار(17)

أفادت دراسة طبية أن مرضى الاكتئاب من ذوي التوجه الانتحاري لديهم نزوع نحو مخاطر محاولات انتحار إضافية.

أجرى الدراسة فريق بحث فنلندي من جامعة كوبيو ومستشفى نيوفانيمي ونشرت نتائجها بمجلة "أرشيف الطب النفسي العام"، الصادرة عن الجمعية الطبية الأميركية، التي أصدرت خلاصة أتاحتها نيوزوايز.

ويعتبر الاكتئاب أحد أهم العوامل وراء مخاطر السلوك الانتحاري، بيد أن الأدوية المستخدمة في علاج الاكتئاب قد ثبت ارتباطها أيضا بالسلوك والمحاولات الانتحارية، خاصة بين الأطفال والمراهقين الذين يتعاطون نوعا من العلاجات تعرف بمثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI)، كعقار فلوكسيتين (بروزاك).

نطاق الدراسة

تتبدى صعوبة دراسة هذه المسألة بسبب انخفاض عدد الانتحارات الفعلية نسبيا، مما يتطلب من أي دراسة فعالة أن تشمل عشرات آلاف المرضى وتمتد لعدة سنوات.

ويقول الباحثون إنه نظرا لأن محاولات الانتحار السابقة هي العامل الأهم في احتمال التنبؤ بالانتحار مستقبلا، سيكون الاختيار الأوضح للدراسة هو متابعة مجموعة كبيرة من المرضى "الانتحاريين" لاستقصاء الارتباط بين علاجات الاكتئاب ومخاطر الانتحار.

قام الباحثون بتحليل بيانات ومعطيات من الأفراد الذين عولجوا في مستشفيات فنلندا من محاولات انتحار بين عامي 1997 و2003، وهم يزيدون عن 15 ألف مريض. وتضم بياناتهم العمر والنوع والمكان وتواريخ الدخول إلى المستشفى والخروج منه، وعدد مرات المعالجة من محاولات الانتحار، ووصفات العلاج المضاد للاكتئاب.

وجمعت هذه البيانات من السجلات الرسمية الفنلندية وقواعد البيانات الوطنية. وتمت متابعة المرضى على مدى 3.4 سنوات للنظر في أي تكرار لمحاولة الانتحار، أو حدوث انتحار فعلي، أو وفاة ناجمة عن سبب آخر.

مخاطر متباينة

ومن بين 15390 مريضا تابعتهم الدراسة حدث بالفعل 602 انتحار، و7136 محاولة انتحار أدت إلى علاج بالمستشفيات، و1583 وفاة تم تسجيلها خلال سنوات المتابعة.

وكانت مخاطر حدوث انتحار فعلي لدى الذين يتعاطون مضادات الاكتئاب -من أي نوع- أقل بنسبة 9% مقارنة بمرضى لا يتعاطون تلك المضادات. لكن هذا الارتباط يتفاوت.

فالأفراد الذين يتعاطون مثبطات امتصاص السيروتونين (SSRI) مثل عقار فلوكسيتين، تقل مخاطر انتحارهم الفعلي بنسبة 48% مقارنة بمن لا يتعاطون أي علاج.

أما الذين يتعاطون فينلافاكسين هيدروكلوريد -وهو نوع آخر من مثبطات السيروتونين- فتزداد مخاطر انتحارهم الفعلي بنسبة 61% مقارنة بمن لا يتعاطون أي علاج.

أما احتمالات وفاة مرضى الاكتئاب لأسباب غير الانتحار فقد كانت أقل بنسبة تراوحت بين 31 و41% من الذين يتعاطون مضادات الاكتئاب عموما، بينما تقل مخاطر وفاة من يتعاطون مضادات الاكتئاب (المعروفة بمثبطات السيروتونين) بنسبة 61% مقارنة بمن لا يتعاطون مضادات اكتئاب.

وهذه النتيجة الأخيرة تعزى إلى انخفاض في الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والشرايين والسكتات.

ارتباطات متضادة

وقد وجدت الدراسة أن المرضى الذين يتعاطون أي نوع من مضادات الاكتئاب تزداد لديهم مخاطر محاولات الانتحار -اللاحقة المؤدية لعلاج بالمستشفيات- بنسبة 36% مقارنة بمن لا يتعاطون مضادات الاكتئاب.

كما أن زيادة أخرى طفيفة -في محاولات الانتحار- قد لوحظت لدى المرضى المتعاطين لمضادات الاكتئاب من أطفال ومراهقين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما مقارنة بنظرائهم الذين لا يتعاطون المضادات.

وبخصوص تعاطي مضادات الاكتئاب في أي وقت، كان الاستخدام الراهن لمضادات الاكتئاب مرتبطا بزيادة 39% في مخاطر محاولات الانتحار، وبانخفاض في مخاطر الانتحار الفعلي بنسبة 32%، وانخفاض في مخاطر الوفاة لأي سبب آخر بنسبة 49%.

ويعزو الباحثون هذا التضاد في ارتباط مضادات الاكتئاب -بكل من محاولات الانتحار والانتحار الفعلي- إلى زيادة احتمالات التسمم الناجمة عن توافر وسهولة الحصول على الأدوية المضادة للاكتئاب، مما يزيد بدوره السلوك الانتحاري غير القاتل، وإلى انخفاض معدلات حدوث العنف وأساليب الانتحار الأكثر إهلاكا كالموت شنقا أو بإطلاق النار.

الانتحار·· فعل معزول أو مرضي(18)

قد تكون عملية الانتحار ظاهرة معزولة لشخص سليم جسديا وعقليا، أو حالة مرضية عند شخص مختل عقليا· وأكثر حالات الانتحار تخص الأشخاص الذين يعانون من الانهيار العصبي، الهذيان، انفصام الشخصية، الهستيريا·· الخ·

عدد المعنيين بهذه الحالة المرضية في تزايد مستمر، والأسباب التي تدفع إلى هذا الفعل الشنيع تتكاثر يوما بعد يوم، الآفات الاجتماعية، النزاعات العائلية، الضغوطات، الإخفاقات، الصدمات، كلها تلعب دورا في لجوء الشخص الذي يكون في أغلب الأحيان يعاني من هشاشة وضعف من الناحية العقلية، فلا يتردد في تكرار محاولاته الفاشلة، إلى هذا التصرف المرفوض وتنفيذ قراره المشؤوم··

يخفي الشخص الذي يعاني من أزمات اجتماعية أو نفسية نيته في الانتحار، ولا يبوح إلا نادرا بانشغاله الدائم بهذه الفكرة التي تغزوه داخليا بصفة أكثر بكثير مما يعبر عنه علنيا· ويكرر هؤلاء المرضى تهديدهم بالانتحار قبل الشروع في ذلك· وعند أول فرصة، يجب إعطاء أهمية لهذه التهديدات واعتبارها بجدية أكبر، حتى وإن كانت تبدو عبارة عن ابتزاز محض، لأن هذه التصرفات هي في الحقيقة طريقة استغاثة شخص  لم يتمكن من إيجاد حل لما يعانيه من أزمات ونزاعات داخلية ولا حتى تمكنه من طلب المساعدة أو الاستنجاد بطريقة أخرى دون معاقبة نفسه أو التعدي عليها إلى حد تدميرها نهائيا·

يختلف مفهوم الانتحار من مجتمع إلى مجتمع آخر، ومن معتقدات إلى أخرى وحتى الديانات·· لكن مفهومه العلمي يعني التدمير النفسي الذي هو فعل مرضي ومعادي للمجتمع مهما كان السبب أو النية·· فالشخص المنتحر بفعله هذا ومهما كانت مسبباته فهو يحاول الهروب من المتطلبات الاجتماعية  والروابط العائلية، لأنه يرفض الحقيقة ولا يؤمن بقدراته على الاندماج والتكيف بهذا الواقع الذي لا يناسبه حسب ظنه·

هذا ما يجعله منحرفا اجتماعيا ذا سلوك مخالف وغير مقبول، أي ما نسميه مريضا عقليا الذي هو في أمسّ الحاجة إلى العناية والتكفل الطبي والاجتماعي، لأن معظم هؤلاء الأشخاص، أو تقريبا كلهم، يعانون من اضطرابات نفسية ومن أسرار يكتمونها ويصعب عليهم نسيانها أو إيجاد الحل المناسب لها، فيلجأون إلى الانتحار الذي يمثل صراخ الاستغاثة أو النجدة، متبوع باليأس والتمرد أمام حالة نفسية لا تحتمل·

دور الطبيب النفساني هنا بالغ الأهمية، بصفته السبيل الوحيد لفهم هذه الحالة المرضية، وتحديد مختلف مراحل تطورها ومسبباتها·

فإن الاحتكاك الإنساني الذي يحققه الطبيب مع الشخص الذي حاول الانتحار يمثل بداية هامة وضرورية تستجيب لمطلب الشخص المستغيث، وطريقة لتفادي تكرار محاولة الانتحار مجددا· ثم تليها المعالجة المتواصلة النفسانية والكيماوية التي تمكّن الشخص من استرجاع الثقة بالنفس، وقدرته على الاندماج في المجتمع من جديد· قد تكون عملية الانتحار ظاهرة معزولة عند شخص سليم جسديا وعقليا، أو حالة مرضية عند شخص مختل عقليا·· أكثر حالات الانتحار 80% تخص الأشخاص المختلين عقليا (الانهيار العصبي، الحزن، العصاب، الخوف، الهستيريا·· الخ)·· بينما لا يلجأ المصاب بالعصاب إلى الانتحار إلا نادرا، فإن المصاب بالانهيار العصبي غالبا ما تكون فكرة الانتحار عنده دائما حاضرة، بسبب شعوره المتزايد بالإثم والإهانة، فنجده في حالة حزن وحسرة ويأس· قد يكون الانتحار نتيجة انفصام الشخصية؛ المرض الذي يُتبع تارة بالانتحار المفاجئ وبلا سبب، وتارة بفكرة الانتحار التي تغزو المريض عدة شهور، قبل الشروع في التنفيذ· كما يتبع الهذيان الذي هو نوع من الاختلال العقلي بمحاولة الانتحار للانتقام من ذويه أو هروبا من تخيلات تضطهده·

أما بالنسبة للذي يعاني من العصاب، فنادرا ما يحاول الانتحار، لأن الوسواس الذي يعذبه أكبر من رغبته في الموت، فلا نشاهد إلا البعض فقط من هذه الشريحة كالذين يتابعون علاجا خاطئا أو دواء لا يناسبهم أو منشطات أو الذين يعانون من تفاقم المسؤوليات، أو الإرهاق الشديد أو الصدمات الخطيرة، يلجؤون أحيانا إلى الانتحار·· كما نشاهد أحيانا أحد المصابين بالهستيريا يحاول التظاهر بقدرته على الانتحار من أجل كسب عاطفة وحنان ووفاء الأقرباء والحاضرين وغالبا ما يصل إلى تحقيق ذلك·

توجد حالات انتحار معزول لا علاقة لها بمرض عقلي، غالبا ما تخص المراهق أو الراشد في صحة جيدة، الذي تغزوه فكرة الانتحار لسبب بسيط مثل الحرمان، الإحباط، خيبة أمل··· الخ· لكن في الحقيقة هناك معاناة عميقة لا يتذكرها المعني قد تعود إلى نقص الحنان والأمن وغياب الوالدين اللذين فشلا في هذا المجال وبقيا بعيدين كل البعد عن ابنهم (أو ابنتهم) الذي يبقى يعاني من عدم النضج العقلي وعدم قدرته على مواجهة النزاعات والمضايقات مهما كانت بسيطة·

إن معالجة حالات الانتحار تكمن أكثر في الوقاية، بحيث ينبغي إحاطة كل من يعاني من حالة نفسية هشة أو من الانهيار العصبي أو العصاب الخ·· بالعناية الطبية اللازمة ومتابعة دائمة ومستمرة على المدى الطويل، وتناول الدواء بانتظام، ومراقبته من طرف الأقارب والأصدقاء·

كل اربع وعشرين ساعة تقدم فتاة على الانتحار حرقا(19)

في  اقليم كردستان الفدرالي وما بين اعوام 1991 و2006 وبسبب المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية ومنها الفقر وجرائم الشرف والزواج القصري اقدمت 4 الاف و195 إمراة  بسبب هذه المشاكل المتعددة على الانتحار. ورغم وجود المحاولات للحد من هذه الظاهرة إلا ان عدد النساء اللواتي يقدمن على الانتحار في تزايد مستمر.

ففي اقليم كردستان الفدرالي  إحدى اهم القضايا هي قضية المرأة.فرغم العديد من المشاكل والقضيا  الساخنة في الاقليم مثل القضيايا الاقتصادية والسياسية وخاصة قضية مدينة كركوك ومشروع الاستفتاء والقرار 140 من الدستور العراقي إلا ان قضية المرأة تلقي بضلالها وبكل ثقلها في الساحة  كإحدى القضيايا الاساسية  والعاجلة. فوجود المشاكل الاجتماعية،الاقتصادية، حالة الفقر وجرائم الشرف والزواج القصري والتخلف الساري في المجتمع القبلي والعشائري  في اقليم كردستان يجني ضحاياه من النساء في الدرجة الاولى  فالنساء اللواتي يواجهنا مثل هذه القضايا ولا يستطعنا الخلالص من براثنها  يجدون الحل الانسب في الانتحار والسبب هو عدم وجود طرق الحل الصحيحة وإذا ما كانت هناك طرق فهيا تتناف مع العلم وتكون قاسية ووحشية الى درجة  ان اعدد النساء اللواتي يقدمن على الانتحار في تزايد مستمرومخيف.

خلال 12 عاما اقدمت 2604 إمرأة على الانتحار

من خلال الدراسات  التي اجرتها مركز حماية المرأة العراقية  في العرق تبين انه خلال 12 عاما اقدمت 2604 إمرأة على الانتحار في اقليم كردستان  الفدرالي، كما تبين انه من بين هذا العدد كانت هناك 2095 أمرأة اقدمت على الانتحار حرقا بالنار، وتشير الدراسة ان اعمار النساء اللواتي اقدمن على الانتحار يتراوح ما بين الـ 12 و 25 عاما.

كل عام يزداد عدد النساء اللواتي يقدمن على الانتحار عن العام الماضي

وفي دراسة اخرى في اقليم كردستان الفدرالي ظهر انه  ما بين عام 1991 و2006 ونتيجة لاسباب متعددة اقدمت 4159 امرأة على الانتحار،علماً ان الكثير من النساء اللواتي يقدمن على الانتحار وبسبب الخوف والضغوطات  لا يفصحنا عن  اسباب قدومهن على هذه الطريقة ايضا  ويتم فقط  ادراج اسباب قدومهن على الانتحار تحت مسميات المشاكل الاجتماعية، الاقتصادية، الشرف ، العادات والتقاليد ..الخ.

يذكر ايضا انه هناك اعداد اخرى من النساء اللواتي اقدمن على الانتحار الا ان عددهم غير معروف  ولم يتم ادارجهم  بسسب الخوف من قول ذالك  كما ان هناك اعداد اخرى من النساء اللواتي  اقدمنا على الانتحار وقضينا نحبهن  وتم طمس حقيقتهن ولا يعلم بامرهن احد ايضا. وفي الدراسات التي اجريت لا يتم التطرق الى اعداد النساء اللواتي اقدمنا على الانتحار وقضينا نحبهن ايضا، لكن بحسب الاحصائيات  فانه ما بين عام 1991 و2006  ورغم حدوث تطورات في الاوضاع في السنوات الاخيرة إلا ان عدد النساء اللواتي اقدمنا على الانتحار يزداد كل عام عن العام الذي يليه  واكثر الاعوام التي إزداد فيه عدد النساء المقدمات على الانتحار كان عام 2004  فقد وصل عدد النساء اللواتي اقدمنا على الانتحار وصل الى  831  ومن هذا العدد قضت 200 امرأة نحبها  والجذير بالذكر ان غالبية النساء اللواتي اقدمنا على الانتحار كان بطريقة اضرام النار في اجسادهن  اي الانتحار حرقاً. وبحسب الدراسات التي اجريت فان  اعداد النساء اللواتي اقدمنا على الانتحار وبحسب السنوات على الشكل التالي:

عام 1991 اقدمت 39 امرأة،1992 اقدمت 79 إمرأة،1993 اقدمت 128 إمراة،1994 اقدمت 113 إمرأة،1995 اقدمت 153 إمرأة،1996 اقدمت 216 إمرأة،1997 اقدمت 158 إمرأة،1998 اقدمت 377 إمرأة،1999 اقدمت 349 إمرأة،2000 اقدمت 202 إمرأة،2001 اقدمت 236 إمرأة،2002 اقدمت 303 إمرأة،2003 اقدمت 325 إمرأة،2004 اقدمت 831 منها فقدت 200 امرأة لحياتها،2005 اقدمت 300 إمرأة،2006 اقدمت 335 إمرأة على الانتحار.

اما بالنسبة لاحصائية هذه السنة 2007 فلم يتم اعطاء احصائية رسمية الى الان .

انها قضية اجتماعية

وزير الصحة في حكومة اقليم كردستان الفدرالي الدكتور عبد الرحمن عثمان يوسف حدثنا عن هذه الظاهرة  فيقول بانه هناك ما يقارب 300 فتاة يقدمنا على الانتحار حرقا او بشكل اخر في السنة وهذا يدل على انه خلال الليل والنهار الواحد هناك فتاة تحرق نفسها.

يضيف الوزير  قاءلا بان الامر في الحقيقة  يستدعي القلق  ومن الممكن ان يقوم المرأ بتثبيث اصل مشكلة قدوم النساء على الانتحار بعدة اسباب لكن المهم هو  ان يتم  وضع حد لهذه الاسباب والمسببات  ويقول الوزير : ان الاسباب الرئيسية  في نظري هي القضاية الاجتماعية والاقتصادية وهناك اسباب اخرى ايضا .

نحن بحا جة الى خبراء

اضاف الوزير الدكتور عبد الرحمن عثمان يوسف  لمعرفة اسباب قدوم النساء على الانتحار في كردستان  ووضع حد لهذه الظاهرة يقول نحن بحاجة الى خبراء واخصائيين لدراسة هذه الظاهرة  الا ان الدكتور يضيف بان حسب الدراسات التي عملها هو فان اسباب قدوم الفتياة على الانتحار هي بسبب الزواج القصري اي بالقوة والمعاملة الخاطئة التي يتعاملون بها وهذه المعاملات تدفعهم الى الانتحار لانهم لا يجدون طريقة اخرى للخلاص من مشاكلهم.

80 بالمائة من اللواتي اقدمنا على الانتحار فقدنا لحياتهن

اكمل السيد الوزير بانه في السنة الماضية اقدمت  300 إمرأة على حرق نفسها او تم حرقها وان هذا العدد يقارب اعداد سنة 2004 و 2005  وبنفس الطريقة ايضا اي  الانتحار حرقا  و80 بالمئة من هذه الاعداد فقدنا لحياتهن. ويكمل الوزير قائلا بانه وبحسب الاحصائيات المتوفرة لديهم فان هؤلاء النساء اللواتي يقدمن على الانتحار غالبا ما يكونون  من الساكنين خارج المدن الكبرى اي في القرى والضواحي  وان  المحافظة التي تشهد العدد الكبير من النساء اللواتي يقدمن على الانتحار حرقا او يتم حرقهن فهي تحدث في حدود محافظة السليمانية  ويقول الدكتور بانه رغم ان نسبة الوعي والثقافة متطورة في السليمانية اكثر من باقي المدن الاخرى الا انه يقول لا اعرف السبب الرئيسي ايضا وهذه بحد ذاتها بحاجة الى دراسة  وتاتي  محافظة هولير في الدرجة التانية بعد السليمانية ومحافظة دهوك في المرتبة الثالثة .

نقوم بتوعية العوائل

اما بخصوص وضع حد لظاهرة الانتحار بين الفتياة والنساء في اقليم كردستان  قال الدكتور عبد الرحمن يوسف عثمان  بانه في عموم العالم توجد منظمات نسوية تهتم بشؤنها وتدافع عنها  اما مع الاسف في بلادنا وبين مجتمعنا لا يوجد مكان لكي تقوم النساء بالذهاب اليها  وطلب المساعدة منها  اذا ما احتاجت اليه  ولهذا السبب تبقى النسوة والفتياة  بلا خيار لذالك يقدمن على حرق انفسهن والانتحار اما المنظمات والمؤسسات النسوية الموجودة لدينا فهي لا تعطي الاهمية المرجوة لهن ولمشاكلهن كثيرا ويعجزون عن مد يد العون والمساعدة لهن وبذالك لا يستطعن ان يقوموا بالدور المنوط بهم.

واكمل الدكتور قائلا: ان مهمتنا الاساسية الان هي تنبيه الشخصيات الدينية  والعلمية  ليقوموا بواجبهم تجاه توعية المجتمع  ونطلب منهم ان يفعلو ذالك سواء في خطبة يوم الجمعة في المساجد او من خلال الندوات والمحاضرات ليقوموا بتوعية المجتمع ويطلبون من العوائل بان لا يضغطوا على  بناتهم وان لا يزوجوهم بالقوة  ومن دون رضاهم.

نحضر مشروعا مع باقي الوزارات

يقول الدكتور عثمان بانهم ومن اجل معرفة الاسباب الكامنة والحقيقية وراء اقدام الفتياة والنساء على الانتحار  اقدموا على  دعوة للاخصائيين والخبراء من الخارج لزيارة كردستان واجراء الدراسات اللازمة  فقد كانت هناك في السابق ايضا ظاهرة احراق واتحار الفتياة والنساء لانفسهن في كردستان الا انها لم تكن  ظاهرة للعيان  الا انه الان يتم الكشف عنها من خلال وسائل الاعلام المتنوعة  وباحصائيات ايضا  ويضيف الدكتور بانهم كوزارة الصحة في الاقليم فانهم  يقومون بالأعلان عن جميع حالات الانتحار والقتل للنساء من خلال موقع الوزارة على الانترنت كما يقول الدكتور بانهم يجب ان لا يخافوا من هذه الحالات ليخفوها عن الرأي العام  بل ان يكشفوها للمجتمع اجمع  ويقول هذا هو واقع مجتمعنا فعلينا ان نعترف بذالك.  كما ان هناك تنسيق بين وزارتنا وباقي الوزارات كوزارة المرأة في حكومة الاقليم ووزارة حقوق الانسان  ووزارة المجتمع  ليقوموا بوضع مشروع  لتبني دراسة هذه الظاهرة ووضع الحلول المناسبة  كما قال الوزير بانهم سيقومون بتوجيه النداء الى مؤسسات المجتمع المدني وبالاخص المؤسسات والتنظيمات العاملة في مجال المرأة ليساعدوهم  وتأمل  الوزير الدكتور عبد الرحمن عثمان يوسف بان يكون المجتمع  يقظا امام هذه الحالات.

عندما لا يبقى اماها اي طريق تتجه الى الانتحار

وبخصوص ظاهرة اقدام الفتياة والنساء على الانتحار في كردستان  حدثثنا ايضا رئيسة مركز خاتو زين  السيدة جلورة هاردي قائلة بأن الفتاة عندما تدرك بان ابويها سيزوجونها  بالقوة الى رجل اكبر منها في العمر او الى رجل لا ترغب فيه او عندما يمنعونها من الدراسة مثلا تقدم الفتاة على الانتحار  لانها هي ايضا اي الفتاة لا تعرف ماذا ستفعل لذالك تتخذ قرارها بالانتحار وتضيف السيدة جلورة بانه عندما يسلب الحقوق الطبيعة للمرأة  وتبقى المرأة عاجزة عن الافصاح لما تريده لمحيطها  كما تبقى عاجزة من اتخاذ قرا لوحدها فتقدم على الانتحار وهذا ما يحدث في بلادنا الان.

الاعداد متزايدة

وحول الاحصائيات التي بين ايدهم قالت جلورة بانهم  قاموا بالعديد من الاحصائيات والدراسات حول عدد اللواتي اقدمنا على الانتحار او تم قتلهن  الا انه لا يوجد عدد ثابث بين ايديهم  لان حالات القتل متعددة واضافت بان وزارة حقوق الانسان في حكومة الاقليم قدمت احصائية بهذا الخصوص الا انها قالت بان ما قدمته وزارة حقوق الانسان من احصائيات غير دقيق لانه هناك الكثير من الجرائم ارتكبت بحق النساء وبسبب ما يسمى  بغسل العار وجرائم الشرف ولا احد يعلم عنها شيئ وبقيت مجهولة.

 انها مسؤلية  الحكومة

اضافت السيدة جلورة  ان مسؤلية ما يحدث من حوادث الانتحار وقتل النساء في كردستان  هي من مسؤلية السلطات الحاكمة ويجب على الحكومة ان تكلف كل من وزارة حقوق الانسان ووزارة المرأة ووزارة المجتمع بأن تضع حدا لمثل هذه الظاهرة المتفشية في المجتمع  وان تقوم بالكشف عن الاحصائيات الرسمية لقتل وانتحار النساء في كردستان  واضافت بانهم  كمركز خاتو زين ومن خلال اذاعتهم الخاصة بالمركز  ومجلتهم قد قاموا بفعل الكثير من اجل توعية المجتمع  لتلافي هذه الحوادث  وقد نسقنا مع العديد من المنظمات النسائية في الاقليم  للقيام بحملة وهدف حملتنا هي  توعية  المجتمع الكردي تجاه ما يسمى جرائم الشرف واحراق النساء لانفسهن.

على المرأة ان ترجح الحياة على الموت

اضافت السيدة جلورة بانهم الان بصدد اطلاق برنامج  خاص بالفتياة واسم برنامجهم  هو فتياة المستقبل ويتضمن هذا البرنامج  التعريف بكيفية ان تكون للمرأة  دورها في الحياة ويهدف الى خلق قيادات نسائية ذات ارادة قوية  وان هذا البرنامج سيكون للفتياة اللواتي يتجاوز اعمارهن ما بين الـ 16 والـ17 عاما  كما طالبت جلورة النساء بان يعرفن ما الذي يريدونه  وما هي الواجبات التي تقع على عاتقهن  وان يعبرن عن  رغباتهن  وطلباتهن سواء من خلال القنوات الاعلامية او في المحاضرات العامة او بقيامهن  بالذهاب الى المراكز  والمنظمات النسوية  وختمت السيدة جلورة هاردي رئيسة مركز خاتو زين قولها بان على المرأة ان ترجح الحياة على الموت.

المجتمعات التي تدار من قبل السلطات المتخلفة او السلطوية تزداد فيها مشاكل المرأة

كما ان حول موضوع قتل وانتحار النساء في كردستان تحدثث لنا عضوة تنظيم النساء في حزب كادحي كردستان السيدة  قاصبة عزيز  حيث قالت السيدة قاصبة  بان قضية احراق النساء لانفسهن باتت مشكلة ذات طابع عالمي واقليم كردستان تحتل مكانة  لهذه الظاهرة  ايضا واضافت قائلة ان  المجتمعات التي تدار من قبل السلطات المتخلفة تزداد فيها مشاكل المرأة وبشكل ملفت للنظر نجد ان ظاهرت احراق النساء لانفسهن واقدامهن على الانتحار في تزايد  وقد ازادت هذه السنة نسبة الى السنوات الماضيات بشكل كبير  وقالت السيدة قاصبة عزيز بانه لامر محزن ومؤسف ان تذهب إمراة ما الى الموت  بهذا الشكل فقد تكون لديها مشاكلها الا ان هذه المشاكل لا تحل باقدامها على الانتحار او اشعال النار بجسدها  بل ان المشكلة تتفاقم على المستوى الاجتماعي واعطت مثالا على المرأة المتزوجة والتي لديها اطفال فعندما تقدم تلك المرأة على الانتحار يظهر من بعدها مشكلة تربية الاطفال فعملية الانتحار تؤثر سلبا في حياة الطفل  وعلى مستقبله.

يجب تثقيف الرجال ايضا

تابعت السيدة قاسبة عزيز قولها بانه  هناك نساء اعضاء في برلمان الاقليم ويقمن الان  بوضع  القوانين الخاصة بحماية المرأة وهذه القوانين يتم مناقشتها واحدة بواحدة  ونحن بدورنا قدمنا مشروعنا  الى الجهات المختصة وينص هذا المشروع على اقامة مركز  بحيث  تستطيع المرأة من اللجوء اليه لتسوية مشاكلها التي تعاني منها  ومع انشاء هكذا مركز سيخفف من مشاكل النساء ويضع حدا  لظاهرت الانتحار. كما اضافت السيدة قاصبة بان هذه هي مسؤلية الحكومة  وعلى الحكومة ان تقوم بواجبها في هذه الحالة كما يجب علينا ان نضع  مناهجنا التعليمية  على طاولة النقاش والبدء بمنهج جديد  فنحن نتحدث عن تخلف النساء في كردستان  إلا ان الرجال في مجتمعنا ايضا متخلفون ويجب تثقيف الرجال ايضا.

تزايد ظاهرة الانتحار في الأردن!(20)

تصاعدت ظاهرة الانتحار في أوساط الأردنيين وتحديدا بشكل لافت بعدما ارتفع عدد الحالات المسجلة هذا العام إلى 40 حالة منها 4 حالات فقط في الأسبوعين الماضيين.. وبشكل لافت أصبحت قصص أقدام بعض المواطنين الأردنيين على الانتحار على صفحات الجرائد الأردنية أمرا مثيرا حيث لم يعتد الأردنيون على هذا العدد الكبير من حالات الانتحار أسبوعيا.

ويرجع علماء اجتماع ومختصون ارتفاع ظاهرة الانتحار في الآونة الأخيرة إلى "الاكتئاب النفسي" بينما يؤكد آخرون أن سببها "تفشي ظاهرة البطالة في المجتمع".

انتشار الأمراض النفسية!

ويبدو ان الأمراض النفسية الناتجة عن ظروف اجتماعية واقتصادية ومعيشية صعبة في تزايد واتساع في المجتمع الأردني.

وتحذر مصادر صحية من تزايد انتشار الأمراض النفسية في المجتمع الأردني بصورة ملحوظة، حيث تتزايد الأعداد المسجلة من مراجعي العيادات النفسية العامة والخاصة.

وتقول إحصائية صادرة عن وزارة الصحة الأردنية ان عدد مراجعي العيادات النفسية التابعة لوزارة الصحة، ارتفع العام الماضي ليصل إلى 23369 مراجعاً ومراجعة منهم 11622 من الذكور و11747 من الإناث واغلبهم في الفئة العمرية من 15-45 سنة حيث بلغ عددهم حوالي تسعة آلاف مراجع.

بينما بلغ عدد الحالات النفسية والعقلية التي أدخلت للمركز الوطني للصحة النفسية العام الماضي 991 حالة. أما المركز الوطني للإدمان فارتفع عدد حالات الإدخال فيه من 121 حالة عام 2001 إلى 253 حالة العام الماضي.

ويعاني القطاع الطبي العام من نقص واضح في عيادات منفصلة للطب النفسي حيث لا يوجد إلا خمس عيادات ثلاث منها في عمان واثنتان في العقبة فقط ولا تتوفر لدى وزارة الصحة إحصاءات حول أعداد المراجعين لعيادات الطب النفسي في القطاع الخاص.

وتشير التقديرات وبناء على المعدلات العالمية إلى ان الاكتئاب النفسي والقلق هي الأكثر انتشاراً بين الأردنيين.

وأثبتت دراسة حديثة أجراها طبيب نفسي من القطاع الخاص هو الدكتور جمال الخطيب لمراجعي عيادات الطب النفسي في القطاع الخاص خلصت إلى ان 40% من المراجعين للعيادات النفسية هم من الجامعيين و23% من حملة الثانوية العامة و17% أميون و8% من خريجي كليات المجتمع.

 40 حالة انتحار و400 محاولة سنوياً!

حالات الانتحار في الأردن مابين 35 – 40 حالة سنوياً

ويشير المؤشر البياني لحالات الانتحار منذ أربع سنوات في الأردن إلى ما بين 35-40 حالة سنوياً، إضافة إلى 400 محاولة انتحار وفقاً لإحصاءات المركز الوطني للطب الشرعي الذي يؤكد رئيسه د.مؤمن الحديدي ان الانتحار في الأردن لا يرتبط بمواسم او فصول محددة وان الظروف الاجتماعية والمالية وأحيانا العاطفية تشكل الدوافع الأبرز للإقدام على الانتحار، كما ترتفع نسبة الانتحار لدى الطلبة والطالبات عقب إعلان نتائج الثانوية العامة (التوجيهي)".

وشهد شهر أيار (مايو) الماضي حالات انتحار متعددة في المجتمع الأردني، شكلت "الضائقة المالية" السبب الرئيس لوقوع غالبيتها فيما كانت الأخرى لأسباب اجتماعية وعاطفية.

ويبين الطبيب النفسي محمد الحباشنة ان نسبة الانتحار لدى المصابين بالاكتئاب "تبلغ 20 بالمئة من إجمالي حالات الانتحار، فيما تبلغ نسبة الانتحار للمصابين بالانفصام العقلي من 10- 15 بالمئة، في حين تصل نسبة الاكتئاب لدى المنتحرين إلى 70 بالمئة، ما يدل على ان معظم المنتحرين او الأشخاص الذين يحاولون الانتحار هم مضطربين نفسيا ويعانون من خلل تفكيري أو معرفي بالدماغ".

ويشير الحباشنة إلى ان نسبة الانتحار في العالم العربي والإسلامي منخفضة مقارنة مع الدول الأجنبية عازيا ذلك إلى وجود الحافز الديني والأخلاقي.

ويبدي أستاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة الأردنية أرحيل الغرايبة رأيه بالقول ان ثقافة الانتحار ثقافة غير سائدة في الأردن ولا تشكل ظاهرة حقيقية. ويقول ان نشر الثقافة الإسلامية بشكل اكبر كفيل بمعالجة الإقدام على الانتحار.

وينص قانون العقوبات الأردني على عقوبة السجن بحق كل من حاول الانتحار او حرض عليه، بحسب المادة 339 من قانون العقوبات.

 وإذا بقي الانتحار في حالة الشروع عوقب ذلك الشخص بالحبس من ثلاثة اشهر إلى سنتين وتكون العقوبة حتى ثلاث سنوات إذا نجم إيذاء او عجز دائمان".

الأسباب والدوافع

وبحسب مختصين فان قضايا مثل العنف المنزلي، والزواج المبكر تؤثر سلبا وتسهم في انتشار الانتحار في الأردن ويقول محمد عفانة الأخصائي الاجتماعي ان أصحاب محاولات الانتحار هم مرضى نفسيون إلا ان المجتمع الأردني لا يزال يتعامل مع المرض النفسي بطريقة سلبية وباعتباره سبة او عارا وهذا الموقف يترك أثرا علي الحالات التي قد تستفيد من العلاج النفسي.

ويرجع الباحث الاجتماعي الأردني تيسير خروب ظاهرة الانتحار بشكل عام والدوافع الكامنة وراءها في الوطن العربي إلى ضعف الوازع الديني والابتعاد عن القيم والأخلاق والسلوكيات الإسلامية التي بينها القران الكريم والسنة النبوية ووضحها المجتهدون في الدين وعلماء الاجتماع والنفس.

 وقد بينت الدراسات بحسب خروب ان أسباب الانتحار في الأعم الأغلب هو تفشي ظاهرة البطالة والعوز والفقر التي يعيشها المنتحر والظروف الاجتماعية الضاغطة وأحيانا تلعب ألحاله العاطفية دورا في زيادة نسبة حالات الانتحار بين الشباب والشابات في عمر العشرينات في حين هناك حالات انتحار تسجل بين الطلبة عندما يخفقون بالنجاح خاصة في الثانوية العامة وان الانتحار لا يقتصر على فئة عمرية محددة وان كانت النسبة الأكبر ضمن فئة الشباب في العشرينات.

 ماذا عن الحلول؟

ويشير الدكتور محمد سرحان الأخصائي النفسي ان أول الحلول لظاهرة الانتحار يقع على عاتق الأسرة بمراقبة تصرفات وردات فعل أبنائهم وبناتهم ومراقبة أفعالهم ونفورهم واستجابتهم للمتغيرات في الحياة بالإضافة إلى دور المدرسة والجامعة التي يجب ان تضم مرشدين نفسيين حقيقيين.

ويشدد د.سرحان على دور رجال الدين والفكر فضلا عن دور الأجهزة المختصة في محاولة احتواء حالات الانتحار.

ارتفاع حالات الانتحار بين الشباب المصرى(21)

في بعض الأحيان عندما يعجز الإنسان عن توفير حياة كريمة له ولأسرته تسيطر علية حاله من اليأس تدفعه للقيام بالتخلص من حياته كحل للمشكلة.

تقلص الأمل

سجل مركز السموم التابع لجامعة القاهرة وقوع 2335 حالة انتحار بين الشباب المصري الذين تتراوح أعمارهم ما بين 22 و 32 عاما خلال عام 2006 فقط أما السبب فهو ما اعتبره المركز مؤشراً على تقلص مساحات الأمل أمام الباحثين عن فرصة عمل وزيادة حدة الصراع بين العمال و أصحاب الأعمال بسبب سياسات الحكومة المناصرة لأصحاب الأعمال

حالات تدمى القلب

عادل محمود 29 سنة قام بإلقاء نفسه في مياه النيل و لكن رجال الإنقاذ النهري استطاعوا إنقاذه و أكد أنه أقدم على ذلك ليأسه في ايجاد علاج لحالته حيث يعانى من قصور في القلب و لم يستطع تدبير مصاريف علاجه لدرجة أنة لم يتناول الدواء منذ ستة أشهر و ظل أربعة أيام من دون طعام.

حادثة أخرى بطلها سائق بهيئة النقل العام رفض ذكر اسمه قام بإلقاء طفليه في مياة النيل و ألقى بنفسه وراءهم ويقول: فصلوني من عملي بهيئة النقل العام لأني كنت أعمل بعقد مؤقت ولم يتم تثبيتي وحدثت خلافات بيني وبين زوجتي بسبب عجزي عن تدبير متطلبات الحياة فتركتني وهربت لمنزل أسرتها وبدأت مع اولادى نتسول قوت يومنا إلى أن قررت التخلص من حياتي فقذفت بأولادي أولا ثم ألقيت بنفسي ورائهم واستطاع المارة انقاذى ولكن أولادي ماتوا (وقد صدر حكم عليه بالسجن 3 سنوات بتهمة القتل والشروع في الانتحار).

حسين إبراهيم 29 سنة عامل نقاشة قام بقذف ابنه الرضيع من الشرفة بسبب تعثر حالتة المالية و فشله في إيجاد فرصة عمل بالإضافة إلى متطلبات زوجته التي لا تنتهي و قد حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات

فتحي 11 سنه قام بشنق نفسه بسبب عجز والده البواب عن شراء حذاء العيد له مثل باقي أصدقائه فقام بربط حبل و تعليقه في سقف الغرفة التي يسكنون بها ثم قام بشنق نفسه حتى يتخلص من الحرمان.

حسين إبراهيم بكر مدرس ذهب إلى محطة مصر وقام بالاستلقاء على شريط القطار للتخلص من حياته بسبب ديونه المتراكمة و عجزه عن سدادها و قد تمكن بعض المارة من انقاذه في اللحظات الأخيرة.

أكرم سعيد شنق نفسه بعد حصوله على الثانوية العامة و فشل في دخول كلية الشرطة بسبب ظروف أسرته البسيطة محدودة الدخل و التي لا تقوى على مصاريف تلك الكلية ما بين ضغط الحاجة والقانون.

وعن رأى القانون تقول دكتورة نبوية الحلواني أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة أكدت أن القانون في مصر يطبق بحذافيره و لا تطبق روح القانون لذا فالعقوبة هنا تتراوح ما بين سنة و ثلاث سنوات في جريمة الانتحار.

وفي المقابل يقول دكتور مرسى أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس أن إقدام الشباب على الانتحار و قتل الآباء لأبنائهم يأتي نتيجة الوقوع تحت ضغط الحاجة و يجدون الحل المثل في الانتحار لإنهاء معانتهم.

ضرورة العلاج

دكتور ثروت اسحاق أستاذ و رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة عين شمس يرى أن الانتحار ما هو إلا كشف لعورات المجتمع التي تنتشر و تطفو على السطح فالمجتمع أصبح مكتظا بالأمراض و الظروف التي قد تؤدى الى القمع فيقرر الشخص الانتحار والعلاج يكون في إصلاح الحالة الاقتصادية للفقراء وضرورة العمل بنظام التكافل الاجتماعى الشامل للمواطن الفقير

بيمنا يرى دكتور حمدي المليجى أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا يرى أن الدور الذي يجب على المؤسسات أن تفعله بجانب الحكومة هو توفير جزء من الربح لصالح الفقراء المصريين

وأشار الى ضرورة عمل نظام الدعم من خلال البطاقات حتى يضمن وصول الدعم لمستحقية لأن مصر تعتبر من الدول التي تقع تحت خط الفقر

أرنست همنجواي... الانتحار.. التجربة اليابانية(22)

صدرت قصة الكاتب الأمريكي أرنست همنغواي، الشيخ والبحر، مع طبعة مجلة الحياة في عام 1952. وقد بيعت خمسة ملايين وثلاثمائة ألف نسخة خلال يومين. تتحدث القصة عن صائد سمك كوبي، طاعن في السن، لم يتوفق في صيد السمك منذ أسابيع، ويعاني من انتهاء مدخراته. وفي رحلته الأخيرة للصيد يتفاجئ بأن تصطاد صنارته سمكة كبيرة. ويبدءا حلمه الجميل بوصوله للشاطئ ليبيع السمكة ويدخر مبلغا من المال لشيخوخته. وتوصف القصة الصراع بين هذه السمكة والصياد. فقد أستطاعت السمكة بقوتها سحب القارب والصياد في أرجاء البحر ولمدة ثلاثة أيام. وتتعقد القصة بمحاولات اسماك القرش للالتهام السمكة الكبيرة االمتعلقة في صنارة الصياد. وتصف القصة وبشكل جميل سبعة محاولات لاسماك قرش مختلفة للانقضاض على سمكة الصياد. وتنتهي القصة بوصول الصياد للشاطئ مع الهيكل العظمي لسمكته الكبيرة التي ألتهمت أسماك القرش معظم لحمها، ويضيع حلمه الجميل. وقد حصل الكاتب على جائزة النوبل للآداب تقريرا لإبداعه في كتابة هذه القصة. ويعتقد الكثيرون بأن هذه القصة تتحدث عن جريجويو فونتسس، وهو القبطان الكوبي لقارب أرنست همنجواي الذي عاش أكثر من مائة وأثني عشر عاما. وقد أهدى القارب للرئيس الكوبي كاسترو بعد وفاته، بعد أن ورثه من همنجواي.

لقد حاول هنمنغواي في بداية حياته أن ينضم للجيش الأمريكي ولكن رفض لضعف نظره، فالتحق بالصليب الاحمر. وقد كان مراسلا صحفيا في الحرب العالمية الاولى والثانية وأبان الحرب الاسبانية. وقد كتب الكثير من روائعه القصصية عن الحرب، ومنها قصة لمن تقرع الاجراس. وفي عام 1954 سقطت الطائرة التي كانت تقله في وسط القارة الإفريقية، وأدت لإصابته بجروح بالغة، أصيب على أثرها باكتئاب شديد. وفي اليوم الثاني من شهر يوليو عام 1961 أنتحر باطلاق الرصاص على رأسه. والسؤال عزيزي القارئ ما الذي أدى بهذه النابغة الادبية للانتحار؟

وفي السادس عشر من شهر أبريل من عام 2007، قام طالب كوري بكلية فرجنيا التكنولوجية، يسمى سون هوي شو بأطلاق الرصاص على عدد من طلبة وأساتذة الكلية وجرح الكثير وقتل أثنين وثلاثين منهم. لقد ولد هذا الطالب في كوريا الجنوبية وأنتقل مع عائلته الى أمريكا وهو في الثامنة من العمر. وقد كان في السنة النهائية بقسم اللغة الانكليزية، كما كانت أخته تدرس بجامعة برنستون التي تصنف الأولى بين الجامعات الأمريكية. لقد كانت هذه الحادثة أسوءا مأساة عنف في تاريخ الجامعات ألأمريكية. والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي أدى بهذا الطالب لأن يقوم بهذا العمل الاأنساني؟ هل الحقد؟ وما هي أسباب هذا الحقد؟ أم هو الجنون؟ وما هي أسباب هذا الجنون؟ وكيف تباع الاسلحة في سوق البقالة الأمريكية بدون رقيب؟

في اليوم الثامن والعشرين من شهر مايو عام 2007 ، وجدت الشرطة وزير الزراعة الياباني مشنوقا على أحد أبواب شقته. فقد أنتحر بعد الانتقاد الشديد الذي وجهه له على الشكوك التي حامت حوله في قضايا مالية. وقد كتب في مذكرة للشعب الياباني ولرئيس وزرائه يقول، "أعتذر من كل قلبي للشعب الياباني ولرئيس وزرائه عن الزوبعة التي سببتها بسبب جهالتي وقلة عفتي. وأرجو أن ترأفوا بالذين سأفتقدهم." والسؤال المحير كيف يقوم مسئول بهذه المرتبة بالانتحار لشكوك لم تثبت؟

يعتقد متخصصي العلوم النفسية بأن الأنتحار هو أضطراب نفسي يترافق بصعوبة التعامل مع الاكتئاب. ويمكن تحريضه بالرغبة لأختبار معزة المحبين، أو الانتقام بخلق شعور الذنب لذي المقربين، وذلك بسب عدم المؤاساة في حالة الضرورة. وقد يكون اسلوبا للتخلص من المعاناة أو حماية الكرامة والشرف. فمن المعروف بأن بعض اليهود توجهوا لوسيلة الانتحار لتجنب اهانات جيوش الروم ليتركوا ديانتهم. كما أستعمل الرهبان البوذيين الأنتحار كوسيلة للمعارضة الأجتماعية. وفي اليابان، أعتبر عساكر السموراي الانتحار بأنه أسلوب لتأكيد الولاء للرؤساء. كما برزت أبان الحرب العالمية الثانية ظاهرة الطيارين الأنتحاريين اليابانين المسماه "بالكامي كازه"، كتأكيد للشجاعة والأستعداد للتضحية لانتصار اليابان. واليوم تبرز ظاهرة الأنتحاريين عند بعض الفئات السياسية كوسيلة يعتقد البعض بانها ستخلص المنطقة من الغزو والظلم. ومن المعرف بأن جميع الاديان السماوية تحرم الانتحار، وتعتبره قوانين بعض الدول جريمة يحاسب عليها القانون.

والانتحار معضلة خطيرة في الدول المتطورة، ونسبة الانتحار بروسيا هي من أعلى النسب في العالم، وتأتي بعدها مباشرة اليابان. وقد أصبح موضوع الانتحار مشكلة خطيرة ومقلقة، وبالاخص بين اطفال المدارس اليابانية. وقد برز ذلك في افتتاحية جريدة اليابان تايمز في اليوم الخامس عشر من شهر يونيو عام 2007، وبعنوان ، أسوءا نسبة انتحار بين الطلبة حتى الان. فقد أعلنت الوكالة الوطنية للشرطة بأن عدد حالات الانتحار ارتفعت فوق الثلاثين الفا، وللسنة التاسعة حتى عام 2006. وقد انخفض العدد بحوالي 1.2 % الى اثنين وثلاثين الفا ومائة وخمسة وخمسين. وقد أنتحر ثمانمائة وستة وثمانون طالبا، بازدياد قدره 2.9% عن السنة الماضية. وقد تضاعف العدد بين طلبة المدارس الابتدائية الى اربعة عشر طالب. كما ازدادت النسبة بين طلبة المدارس الوسطى لتصل الى 22.7%، ليصل العدد الى واحد وثمانين، وارتفعت النسبة في المدارس الثانوية 2.3% ليصل العدد الى مائتين وعشرين طالب.

وقد كتب واحد وتسعون طالب في رسائلهم الموجهة لذويهم بأن سبب انتحارهم هي المشاكل المدرسية، بزيادة نسبتها 28.2% عن عام 2005. وذكرت الشرطة في تقريرها بأن سبب انتحار مائتين وأثنين وأربعين طالب أمور تتعلق بالمدرسة. فقد أصبحت المدرسة مكانا صعب للحياة لذي بعض الطلبة. كما أن من الأسباب الرئيسية للانتحار هو ضعف العلامات المدرسية، وأستاساد بعض الطلبة على الطلبة الاضعف واهانتهم.

وقد تقدمت الحكومة اليابانية الجديدة بتوصيات للوقاية من محاولات الانتحار بين الطلبة. وقد أكدت هذه التوصيات بأن قرار ألأنتحار ليس قرار فردي بل هو نتيجة الشعور بالاستقصاء لأسباب اجتماعية واقتصادية عديدة. كما أكدت التوصيات على أهمية الوقاية، وتطوير الاستشارات المدرسية، وتحسين البيئة الاجتماعية المدرسية.

ومن الجدير بالذكر بأن مشكلة الانتحار باليابان لها علاقة بالشعور بالواجب، والحياء والخجل والموت. فمن المعروف بأن الشعب الياباني مرتبط بعقيدة الشنتو، وحينما يتوفى الشخص ترتفع روحه للسماء وتحوم حول الجبال والغابات والانهار. وحينما يموت الإنسان طاهرا من الذنوب تكون روحه مرتاحة ومريحة لاهله ومحبيه. وأذا أجرم يحتاج أن يطهر روحه أولا بالاعتذار، وربما بالتنازل عن مركزه، وأحيانا بالانتحار. فالانتحار في العقلية اليابانية هي نوع من المسؤلية وتطهير النفس. ويعتبر الشعب الياباني التعرض للشك هو بحد ذاته جريمة. ويتحمل الفرد الياباني مسئولية سلوكه الاجتماعي، ويحاسب نفسه بشكل غريب حينما يتعرض للاشتباه، وحتى لو ثبت بأن الاشتباه غير صحيح. كما أن الحياء والخجل من الأخطاء أمام المجتمع، مشكلة أخرى معقده في اليابان. فمثلا في العام الماضي، أوقف أحد المهندسين عن العمل لاتهامه بتقليل نسبة الحديد في الخرسانه. وقد أستمرت الصحافة عرض تطورات القضية. وقد أوقفت الشركة التي يعمل بها هذا المهندس عن العمل، كما أخليت جميع المباني المشكوك فيها، أستعداد لهدمها. وحينما سجن المهندس، قامت الزوجة بالانتحار عن زوجها المسجون لتطهير نفوس العائلة من الذنوب، مع أن لديها أطفال صغار. كما حام الشك حول أحد الأساتذة بتسريب أسئلة أحدى الامتحانات المدرسية، فاختفى هذا المدرس، وقد أكتشفت جثته بعد شهر منتحرا في الغابة. فقد تعتبر ظاهرة الانتحار ظاهرة ممقوته، ولكنها تدل في اليابان على الشعور بالمسئولية والخجل من الخطاء أمام المجتمع.

يقال بان مثقال وقاية خير من قنطار علاج، فهل من الضرورة أن ندرس في مجتمعاتنا العربية نسب الانتحار واسبابها وكيفية الوقاية منها؟

طقوس وتنوع الانتحار عبر التاريخ(23)

    العلاقة ما بين الكابة السوداوية و الانتحار لها انماط و طقوس و تاريخ يحمل منحنايات و خبايا لاغتراب النفس البشرية و أنهزامها أمام نرجسيتها تارة و تارة اخرى هروبها من عبثيتها.

    وجدت نفسى اغوص فى موضوع الانتحار الى اعماق الحالات و الى ميثولوجيا الشعوب. أنتحار فرد قد لا يكون حالة أولى أو اخيرة فى مسلسل الهروب من الاحباطات و ما اكثرها فى عصرنا هذا.

    حالات الانتحار الأكثر حيرة التى وجدتها اثناء الأنغماس فى تاريخ الأنتحار هى الانتحار الجماعي الذى لة رواسب عقائدية متطرفة Extrémisme Idéologique: واصحابها يتصفون بأن لديهم شيء داخلي مختلف وهدف واحد هو الموت، ولديهم طقوس دينية وتحضيرات له ويكون لديهم حالة تماهي أي الرغبة بالموت بنفس الطريقة ونفس الوقت، ويتم هذا من خلال هيئات وجماعات تشكل ميثاقاً مع الموت وتكثر عادة في الولايات المتحدة الامريكية.

1 ـ طائفة الوصايا العشر

    طائفة أوغندية تتبع المذهب الكاثوليكي المسيحي ، أسسها راهب يدعى " جوزيف كيبويتيره " ، ومعه عدد من الراهبات .

    كانت هذه الطائفة تعتقد بأن القيامة ستقوم في يوم 31 ديسمبر 1999م ، وقد أقنعهم بأنه ينبغي عليهم بيع ممتلكاتهم والتبرع بها للكنيسة ، والاستعداد للذهـاب إلى الجنـة . وبالفعـل قام هؤلاء" المنتحرون " ببيع ممتلكاتهم ولكن القيامة ويا للأسف لم تقم .

وفي مارس الماضي (مارس 2000) بدأت موجة من الانتحار الجماعي بين أعضاء تلك الطائفة الضالة ، والتي بدأت باكتشاف 530 جثة في كنيسة كاثوليكية في مدينة " كانونجو " التي تبعد عن العاصمة كمبـالا بـ 320 كيلو متراً ، ثم اكتشفت مقابر جماعية أخرى تباعاً ، حتى زاد عدد المنتحرين على الألف نسمة .

وقد أطلق على هذه الطائفة اسم " بعث الوصايا العشر للرب " ، وقد كان بين القتلى أطفال - أيضاً - يبدو أن آباءهم اصطحبوهم معهم إلى جنتهم المزعومة .

2ـ جماعة جيم جونز

أتباع القس ( جيم جونز ) ، وهو قـس مهووس ، ومدمـن للمخدرات ، أقام لأتباعه مزرعة ضخمة وجمعهم فيها ، وأباح لهم الجنس ، وأتاح لهم المخدرات ، وظنوا أن الحياة داخل هذه المزرعة هي السعـادة ، وأن هذا هو النعيم المقيم . ولكن بعد فترة خاب ظنهم ، وأصابهم الإحباط ، واستطاع هذا القس إقناعهم بالانتحار ،.. وبالفعل وفي عام 1978م أقدم 918 شخصاً على الانتحار ، وكان بينهم كثير من الأطفال وكبار السن .

والعجيب أن الانتحار كان بتـناول مادة السيانيد السامة ، ومن امتـنع عن تناول السيانيد قتل رمياً بالرصاص .

وكان مقر هؤلاء مدينة جوانا بولاية سان فرانسيكو بالولايات المتحدة ، وكان أكثر أعضاء الطائفة من الزنوج الساخطين على النظـام الاجتماعي ، والذين كانوا يعانون من التفرقة العنصرية التي يعاملهم بهـا الأمريكان البيض .

3 ـ طائفة معبد الشمس

هي طائفـة أخرى من طوائف الانتحار الجماعي ، وأتباعها يتواجدون في كندا ، وأوروبا خاصة فرنسا وسويسرا . ويعتقد أصحاب هذه الطائفة أن الانتحار الجماعي في طقوس معينة يمكَّن الواحد منهم أن يولد من جديد في كوكب الشعرى اليماني .

وقد وجد ( 48 ) شخصاً من أعضاء هذه الطائفة قتلى " منتحرين " في أحد الشاليهات في سويسرا . وفي جبال الألب بفرنسا انتحر " 16 " شخصاً من أتباعها أيضاً في ديسمبر 1995م .

وفي كويبك بكندا عثر على جثث لخمسة منتحرين في مارس 1997 ، وكـان قد سبق ذلك العثور على خمسة أطفال آخرين في مدينة مونتريال بكندا أيضاً .

4 ـ أعضاء كنيسة خلاص الله:

كان أتباع هذه الطائفة يعتقدون أن الله سوف ينزل إلى الأرض لينقذ كل المخلوقات .

زعيم هذه الطائفة تايواني يدعى " هونج ينـج شين " ، ويعرف لدى أعضاء طائفته بالمعلم شين ، وهو أستاذ سابق في العلوم الاجتماعية ويبلغ من العمر 41 عاماً . وقد قال شين لأتباعه : إنه تبنى عيسى منذ ألفي عام ، وأنه الآن يتحدث إلى الله - تعالى - عبر خاتم في أصبعه ، وزعم أن الله سيأتي إلى الأرض في طبق طائر ، وقد دعا أتباعه للتجمع في ضاحية دالاس لينظروا إلى ذلك الحدث العظيم .

وبالفعل قام 150 شخصاً في كنيسة خلاص الله بارتداء ملابس بيضاء من مفرق شعورهم إلى أخمـص أقدامهم ، وتركوا كل شيء في تايوان وانتقلوا إلى جارلاند بدعوى أنها تشبه أرض الله .

وتوقعاً لوصول إلههم إلى الأرض قام أتباع هذه الطائفة ببناء ما يسمونه بسفينة فضاء مستخدمين خمس إطارات شعاعية ، وبعض الخشب الرقيـق ، وقليل من أعمدة الإضـاءة ، وقاموا أيضاً بإعداد الفـاكهة والمشروبات والألعاب النارية . وأمضوا وقتهم في دعاء استعداداً لنهاية شهر مارس حيث يأتي الرب كما يزعمـون .

يقول شين قائد الطائفة : إن الله سيظهر أولاً على شاشة القناة الثامنة عشرة وفي أجهـزة الـتلفاز المنتشرة في العالم منتصف يوم 24 مارس ، وفي يوم 31 مارس الساعة العاشرة صباحاً سيتخذ الرب شكل بشري - شين نفسه بالطبع - .

والعجيب أن تشين واثق من معتقداته حتى قال : إذا لم يأت الله في جارلاند فسوف يبيح نفسه للرجم أو الصلب ، ويحق لأتباعه مطلق الحـرية والكف عن اتباعه والعودة لمنازلهم . ويحـق لكل واحد أن يقول: إن معتقداته مجرد هراء .

و استهوانى البحث فى أذا ما كان للأنتحار الجماعى مكان فى تاريخ و ثقافات الشعوب, و بالفعل و جدت أن هناك راهب أندلسى من النصارى المستعربين اسمة أيولوخيو eologio: زعيم فتنة النصارى المستعربين في قرطبة في عهد الأمير عبد الرحمن الثاني بن الحكم وولده الأمير محمد. كان أيولوخيو راهبا من أسرة مستعربة ميسورة الحال، وله أخ موظف في الدولة وأخوة آخرون يشتغلون بالتجارة. عز عليه إقبال الشباب المسيحي على تعلم اللغة العربية وآدابها بدلا من اللغة اللاتينية، لغة الكتاب المقدس وسير القديسين، وحاول بشتى الطرق أن يحملهم على قراءة اللاتينية، فوضع لهم شعرا لاتينيا يقوم على القافية والوزن مثل الشعر العربي، إلا أن محاولته باءت بالفشل فتحول عندئذ من مهاجمة الثقافة الإسلامية إلى مهاجمة الإسلام نفسه، وحرض أتباعه من الرهبان المتطرفين على ذلك. فكان الواحد منهم يذهب إلى مكان عام كالمساجد والميادين العامة ويسب الرسول علنا، فيقبض عليه ويساق إلى القاضي الذي يحاول إقناعه بالعدول عن أقواله، ولكنه يرفض فيأمر القاضي بإعدامه. وقد راح ضحية هذه الحركة الجنونية الانتحارية عدد من الرجال والنساء والرهبان، وعندئذ عقد الأمير عبد الرحمن الثاني مجتمعا دينيا في قرطبة سنة 237 ه (852م) ضم جميع أساقفة الأندلس برئاسة مطران إشبيلية لبحث هذه المسألة، وأصدر المجمع قرارا يستنكر حركة هؤلاء المسيحيين المتطرفين واعتبرها خروجا على تعاليم الكنيسة وقد اعتقلت الحكومة الراهب أيولوخيو وأتباعه وأودعتهم السجن فهدأت الفتنة. وفي عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن أفرج عن أيولوخيو وعين أسقفا لمدينة (طليطلة) ولكنه لم يلبث أن عاد إلى قرطبة ليواصل نشاطه القديم، وعندئذ لم يطق الأمير محمد صبرا وأمر بقتله (11 مارس سنة 859م) الموافق لسنة 245 ه. وقد جاءت هذه الفتنة الدينية المتطرفة التي أثارها أيولوخيو نتيجة لحركة الاستعراب وتعلم اللغة العربية التي عمت الشباب المسيحي في إسبانيا.

هناك نوع اخر للانتحار و هو جلد الذات الى اللامنتهى أو المنتهى يكون الأنتحار و تلك ايضا لها جذور فى ثقافات بعض الشعوب و الطوائف و منها طائفة هندية منشقة من الهندوسية و هى الطائفة (الجينية) و يعتبر (مهاويرا) المؤسس الحقيقي للجينية، وعلى يديه تبلورت معتقداتها التي ما تزال قائمة إلى يومنا هذا.

الجينية ديانة منشقة عن الهندوسية، ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد على يدي مؤسسها (مهاويرا) وما تزال إلى يومنا هذا، إنها مبنية على أساس الخوف من تكرار المولد، داعية إلى التحرر من كل قيود الحياة والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم كالعيب والإِثم والخير والشر، وهي تقوم على رياضات بدنية رهيبة وتأملات نفسية عميقة بغية إخماد شعلة الحياة في نفوس معتنقيها.

الفكر الجيني يقوم أصلاً على أفكار هندوسية كالانطلاق، والكارما، والنجاة، والتناسخ وتكرار المولد، والدعوة إلى السلبية مع صبغ هذه المفاهيم بالصبغة الجينية وتطويرها لتلائم المعتقد الجيني.

يترك الرهبان والمتنسكون الطعام وكل ما يغذي الجسم لعدم الإِحساس بالجوع ولقطع الروابط التي تربطهم بالحياة مما يؤدي إلى الانتحار البطيء عن طريق التجويع الذاتي.

أما النوع الثالث فهو الأنتحار المصيرى المقصود: و هو انتحار لازال الى يومنا هذا يمارس فى غياهب القرى الهندوسية الهندية و هو عندما تختار الارملة الهندية أنهاء حياتها بنفسها لتلحق بمصير زوجها و رغم حملات التوعية التى تقوم بها المنظمات الانسانية بالتعاون مع الحكومة الهندية لا تزال و للاسف ممارسة الانتحار المصيرى مستمرة فى الهند

النوع الرابع و هو أنتحار الكبرياء و الكرامة أو ما يعرف بالطعنة النرجسية : وتحدث عندما يوظف الشخص كل طاقاته الذاتية حول هدف معين ولا يفكر في شيء آخر واذا فشل في الوصول الى هذا الهدف او تخيل الفشل. و قد برع فى هذا النوع من الانتحار فرسان السموراى اليابانيون اصحاب النزعة الى الكمال والمثالية (Perfectionisme) و اصبح لهذا الانتحار مصطلحات عالمية معروفة منها: طريقة "الهاراكيري" التي كان يقدم عليها محارب الساموراي بشق بطنة بسيف قصير.

و يبدو أن اليابانيون لم يتخلوا الى يومنا هذا عن انتحار الطعنة النرجسية و هذا مثل لانتحار حديث العهد بطلة مدير احدى الشركات اليابانية المتخصصة في تصنيع قضبان السكك الحديدية ، قام بشنق نفسه في أحد مخازن الشركة. وما يلفت الانتباه في هذه الحادثة المأساوية، ان بطلها ترك رسالة لزملائه في الشركة ذكر فيها انه يأمل بأن تساهم قيمة وثيقة التأمين على حياته في حل مشاكل الشركة المالية.

واختتم رسالته بالقول: "ارجو المعذرة.. لم اجد طريقة أخرى لمساعدة الشركة". وأشارت الصحيفة إلى ان هذه الشركة الصغيرة عانت من عجزها عن تسديد ديون مستحقة للبنوك، وصلت قيمتها إلى نحو مليون دولار، تراكمت نتيجة لتراجع مبيعاتها في اليابان، ودول جنوب شرق آسيا. ولعل المؤسف في هذه القصة ان الشركة لم تستفد من فروسية انتحار مديرها أو غيرت من حالها بعد انتحارة، فبعد مدة قصيرة جدا من وفاته أعلنت الشركة إفلاسها .ليت المنتحر أدرك ذلك قبل الأقدام على أزها ق حياتة بدون معنى.

النوع الخامس للانتحار هو الانتحار الواعي من اجل الهدف: والمقدمون على هذا النوع من الانتحار يحملون فى طياتهم رغبة الموت والايمان بضرورتة من اجل الوصول الى اهدافهم ولكنها رغبة غير ظاهرة تماما و لم يكن شبان القاعدة الذين فجروا انفسهم فى برجى التجارة العالمية بنيويورك طلائع للأنتحار الواعى و لكن سبقهم طيارين الكاماكازى اليابانيون فى الحرب العالمية الثانية التى انتهت نهاية مأسوية باستعمال الولايات المتحدة اخطر الة قتل فى تاريخ الانسانية (القنبلة الذرية) فى هيروشيما و ناجازاكى.

النوع السادس الانتحار في مرحلة الطفولة:

ويقصد به الانتحار في الفئات العمرية دون 15 سنة وهي حالات نادرة وتكون عفوية لا يوجد فيها تخطيط أو تصميم بل تكون نتيجة تأثر الطفل بالخيال حينما يرى افلاماً أو يقرأ قصصاً خيالية تشجعه عليه.

و يشرف الرئيس الامريكى جورج بوش شخصياً على "ويب" للحد من ظاهرته و قد صدر عن المكتب الوطني الفيدرالي الأميركي للعائلة تقرير بتاريخ 11آب ـ أغسطس2002، نشر أمام الرأي العام الأميركي بواسطة مكاتب الخدمات الحكومية المعنية بالصحة النفسية والمخدرات، وتضمن معلومات مفادها أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل، ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً ـ نصفهم من الفتيات ـ فكروا بالانتحار العام2002، وأن حوالي الثلث منهم حاولوا الانتحار فعلاً وتلقوا علاجاً سريعاً في العيادات الطبية النفسية الرسمية.

التقرير شمل الفئات الاثنية المتشرة في سائر الولايات الأميركية (سود وبيض، إسبان وآسيويون)، وكان الشباب القاطنون في ولايات الغرب "أكثر قابلية واستعداداً للانتحار بمعدل 14 في المئة، يليهم شباب الجنوب بـ13 في المئة وشباب الوسط بـ12 في المئة، وشباب الشمال الشرقي 11 في المئة". وأشار التقرير أيضاً إلى أن 9 في المئة من المراهقين، ممن تراوحت أعمالهم بين 12 و13 عاماً، لديهم "أفكار جهنمية" عن الانتحار، وهؤلاء حاولوا "الانتقام من أنفسهم أكثر من مرة". أما من تراوحت أعمارهم بين 14 و15، وبين 16 و17 عاماً فكانت نسبتهم هي الأعلى (أكثر من 13،7 في المئة)، فضلاً عن كونهم أكثر الفئات التي تعاني من اضطرابات نفسية وعائلية ومدرسية، وهم الأكثر خطورة في مشاعرهم ومسلكياتهم العدوانية. ويلفت التقرير إلى أن هذه الفئة الأخيرة تستهلك مقادير مبالغاً بها من الكحول والمخدرات داخل حرم المدارس وخارجها، وأن هؤلاء متأثرون جداً بالبيئات التي ينتشر فيها العنف والانحرافات الجنسية.

النوع السابع و هو الشعور بالنقص والخسارة و الاحباط العاطفى Distorsion cognitive، وهو شعور ممكن ان يكون واقعياً وخيالياً. و لكن عدم القدرة على تخطي ظروفه يجعل ضحاياة كثيرون و من اشهرهم كليوباترا الاميرة المصرية التى انتحرت عندما سمعت اشاعة عن مقتل انطونيوس ماركوس حبيبها الذى هزمه أوكتافيوس في معركة أكتيوم فانتحرت بلدغة افعى ليسبقها هو ايضا.

و بالطبع هناك انواع اخرى للانتحار مثل الحالات العصبية و الذهنية مثل (انفصام الشخصية) والهذيان والهلوسات و الانتحار غير المقصود الذى قد يحدث بقرار نابع من تأثير الكحول أو جرعة كبيرة من المخدرات او جرعة زائدة من المخدرات.

و هناك ظاهرة الانتحار تحت ضغط حالات نفسية وعقلية كأن يسمع اصوات تريد منه الانتحار ويشعر بأنه مطارد ويحاول الهروب بالانتحار.

اما عن الصفات التي يتميز بها المنتحر في الغالب فهي عديدة ومتنوعة يمكننا ذكر بعض منها:

1_ لديه خلل على صعيد الانا، فهو لا يستطيع ان يبلور طاقاته الدفاعية كي يتعامل مع الناس ومع واقعه.

2_ الشعور بالنقص والخسارة، وهو شعور ممكن ان يكون واقعياً وخيالياً.

3_ عدم قدرته على تخطي ظروفه.

4_ الطعنة النرجسية: وتحدث عندما يوظف الشخص كل طاقاته الذاتية حول شيء معين ولا يفكر في شيء آخر واذا فشل في هذا الشيء تخيل الفشل.

5_ لديه ضعف في الصور الخيالية، تتميز الصحة النفسية بأنها تنفس طاقات وضغوطاً معينة عن طريق الخيال، لذا فأن الشخص الذي يلجأ للانتحار يكون لديه ضمور وعدم قدرة على التنفيس وضعف في الطاقة التخيلية.

6_ العنف على الذات ويكون نابع عن كبت كما ان لديه صعوبة في التعبير.

7_ ضعف ثقته بنفسه، إذ يكون دائماً بحاجة الى امتداح الآخرين وطمأنينتهم له.

8_ ذو شخصية تتميز باللامسؤولية اذ يبدو وكأنه مراهق أبدي، لا يمتلك الاستقرار العاطفي والنفسي وهو بلا هوية جنسية ويعيش بحالة فراغ مستمرة ويشعر بالاكتئاب.

9_ يفقد القدرة على التأقلم مع المحيط والظروف والاوضاع المختلفة.

10_ يمكن اعتباره فاقداً لمادة الاستمرارية وعاجزاً عن رؤية الحلول، مع العلم بأن الحل موجود دائماً ولكنه وصل الى درجة لا يرى غير الانتحار حلاً مناسباً.

*مثلث الكآبة وعلاقته بالانتحار

في مثلث الكآبة هناك ثلاثة حالات:

1_ نظرة سوداء للذات.

2_ نظرة قاتمة للمحيط، لذا ينطوي وينعزل عن المجتمع.

3_ نظرة قاتمة عن المستقبل.

اكثر حالات الانتحار تكون عند الاشخاص الذين يمتلكون الحالة الثالثة من مثلث الكآبة.

*مقومات الاستقرار والصحة النفسية

1_ الامان.

2_ الحنان.

3_ ان يتقبله الآخرون كما هو لا كما يريدون.

4_ الارتياح في العائلة.

5_ الارتياح في المجتمع.

6_ الارتياح المادي.

7_ الارتياح العاطفي.

الانسان بحاجة للاستقرار في كل هذه الامور كي يشعر بالصحة النفسية.

*الانتحار والعلاج النفسي:

1_ ان العلاج النفسي في الواقع مرتكز على التعبير والاصغاء للشخص ومساعدته في ان يعبر عن احساساته ومساعدته في تحليل الامور، لا الحكم عليها.

2_ مساعدة الشخص في ان ينطلق من قراراته الشخصية، وعمل علاقات مع الآخرين كي ينفس عما في داخله.

3_ التفكير بوفرة الحلول الاخرى غير الانتحار.

4_ حب الحياة والتصريح والبوح.

5_ معالجة الامراض النفسية لا تكون بالدواء بل بالمحبة وكسر الحاجز بين الشخص والآخرين.

القاسم المشترك لمعظم حالات الانتحار هو الشعور باليأس!!

أظهر أول استطلاع عن الانتحار في الصين أن معدل ‏ ‏حالات الانتحار يصل إلى 287 ألفا كل عام.‏ وذكرت وكالة الأنباء الصينية، أن حالات الانتحار تشكل 6ر3 في المائة ‏ ‏من مجموع الوفيات في الصين سنويا وهو ما يشكل خامس أكبر مسبب للموت بعد أمراض ‏ الأوعية القلبية والقصبة الهوائية وسرطان الكبد والتهاب الرئة. ‏ ‏

وأضافت (شينخوا) أنه وفقا للاستطلاع فإن الانتحار هو العامل القاتل لمن ‏ أعمارهم بين 15 و34 سنة وان معدل انتحار الإناث يزيد 25 في المائة عن معدل الذكور، ‏والمعدل للريفيات أعلى بكثير. ‏ وأشارت إلى أن الاستطلاع يوضح أن هذا المعدل دليل على تباين كبير عما هو موجود ‏ ‏في معظم الدول المتقدمة حيث يصل معدل انتحار الذكور غالبا إلى ما يزيد ثلاثة ‏ أضعاف معدل الإناث. ‏ ‏

وكشف الاستطلاع حسب وكالة الأنباء الكويتية، أن سبعة في المائة من حالات الانتحار الكامنة يبحث عن مساعدات ‏ ‏نفسانية قبل ارتكاب الانتحار. ‏ وقالت /شينخوا/ إن الحكومة الصينية تخطط لإنشاء شبكة وطنية للوقاية من ‏الانتحار في الأعوام الثلاثة المقبلة.

والجدير ذكره أنها ليست الصين وحدها من تعاني من ارتفاع نسبة حالات الانتحار حيث تسعى الحكومة البريطانية إلى تنفيذ خطة للحد من ظاهرة عمليات الانتحار المنتشرة بكثرة بين الشباب البريطاني أيضا.

فقد أشار تقرير للجنة الوطنية للحد من عمليات الانتحار بأن الحكومة تهدف إلى خفض نسبة عمليات الانتحار إلى 20% في حلول عام 2010.

ويؤكد التقرير إن الحكومة تخطط للوصول إلى50% من الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار ولا يراجعون أطباء نفسيين، مشيرا إلى أن نسبة الانتحار تنتشر بكثرة بين الأوساط تقل أعمارهم عن 35 عاماً.

ومن جانب آخر يقول أطباء النفس إن هناك إهمالا في تشخيص محاولات الانتحار المحتملة، حيث يقول بحث إن كثيرا من الأهمية يولى للمشاكل الصحية والنفسية، ويحذر الباحثون من أن الكثيرين من الذين يقدمون على الانتحار أو يفكرون فيه ليسوا مصابين بأمراض نفسية أو عقلية.

ويقولون إن القاسم المشترك لمعظم حالات الانتحار هو الشعور باليأس وفقدان الأمل بالتقدم في الحياة وليس بالضرورة بسبب أمراض عقلية، لذلك فإن الباحثين يقولون بأن هناك حاجة لتقييم أوضاع الأشخاص الذين يمكن أن يقدموا على الانتحار.

وعلى سبيل المثال يجب أن يركز التقييم على كيفية تعامل هؤلاء مع المشاكل التي تواجههم. ويقدم حوالي أربعة عشر شخصا من كل مائة ألف على الانتحار في بريطانيا.

ويقول الدكتور روري أو كونور من جامعة ستراثكلايد والبروفيسور نول شيهي من جامعة كوينز في بلفاست إن هناك أدلة على وجود حالة من اليأس والضغوط النفسية التي لا تطاق عند تسعين في المائة من الذين يقدمون على الانتحار أو يفكرون فيه.

ويقترح الطبيبان أن تتركز الأبحاث المستقبلية في هذا المجال على كيفية تشخيص الأشخاص الذين يمكن أن يقدموا على الانتحار وعلى العلاج الذي يمكن أن يقدم لهم والابتعاد عن رؤية الانتحار على أنه بسبب أمراض عقلية ونفسية.

ويقول الدكتور أوكونور إن من الصعب التنبؤ بالانتحار وبالتالي فإن من الصعب منع حصوله. ويضيف أن طرق تشخيص حالات الانتحار ليست حساسة بما فيه الكفاية، وليس بالضرورة أن يكون المقدم على الانتحار مصابا بأمراض عقلية.

وقال إن من المهم دراسة وتقييم القدرة على حل المشاكل الاجتماعية ومعرفة رؤية الأشخاص الذين يمكن أن يقدموا على الانتحار للحياة والمستقبل.

لذلك فإن هناك حاجة لتدريب المزيد من الأخصائيين على طرق علاج الأزمات النفسية للذين يحاولون الانتحار.

وقال الدكتور أوكونور إن المستشفيات طالما أخرجت الذين أقدموا على الانتحار باعتبار أن ليس لهم أي مشاكل صحية، ونصحتهم باستشارة طبيب العائلة.

ويضيف الدكتور أوكونور أنه في الكثير من الحالات هناك أسباب يمكن تفهمها عند الذين يفكرون بالانتحار، لذلك فإن هناك حاجة لإشعار الأشخاص الذين يفكرون بالانتحار بأنهم ليسوا شاذين.

ويقول بعض المختصين إن المشكلة تكمن في أن الأشخاص الذين يعانون من أزمات نفسية وحياتية لا يعرفون إلى أين يذهبون للحصول على المساعدة.

لذلك فإن هناك حاجة لوجود جهة معينة يعلن عنها بأنها تساعد ذوي الأزمات النفسية والعاطفية والحياتية

ومن الاختراعات المبتكرة للتعامل مع هذه الأزمات هو البريد الإلكتروني الذي يمكن لأي شخص يعاني من أزمة نفسية أن يرسل رسالة عبره إلى الجهات المعنية أو الأشخاص الذين يود الاتصال بهم دون الحاجة إلى التحدث بالهاتف.

الانتـحار(24)

الانتحار هو المسار الأخير في نعش الصحة النفسية والعقلية، ويأتي في الدرجة الخامسة والأخيرة في تصنيف خطورة المرض النفسي.

وحسب الإحصاءات الأميركية فإن الانتحار يأتي في المرتبة السابقة بين أكثر عشرة أسباب تؤدي لموت الأميركيين بشكل عام، وفي الترتيب الثاني بين أسباب موت الأميركيين في سن المراهقة والشباب، علما بأن السبب الأول وهو الحوادث (حوادث السير، حرائق، سقوط من أماكن مرتفعة ..إلخ)، قد يكون حسب رأي أطباء النفس الأميركيين عبارة عن انتحار مقنّع (انتحار على شكل حادثة).

وحسب الإحصاءات الأميركية أيضا فإن أسباب الانتحار تعود بنسبة 30% إلى حدوث اكتئاب شديد وإلى نسبة 30% بسبب تفاعل عامل الاكتئاب مع تناول الكحول والمخدرات، بينما نسبة الـ 40% المتبقية تعود لأسباب متفرقة مثل المرض العضال المزمن والمؤلم مثل السرطان أو الشعور بالوحدة في هذه الحياة نتيجة فقدان رفيق الدرب.

وحسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن الانتحار بشكل عام والانتحار بين المراهقين والشباب بشكل خاص هو مشكلة عالمية، تعاني منها جميع مجتمعات العالم السكانية في العصر الحديث لأن متطلبات التكيف في المجتمعات العصرية وإن كانت متفاوتة بين المجتمعات، إلا أن الفشل في التلاؤم والتكيف ومقابلة التحديات التي تواجه الإنسان العصري هو الذي يؤدي بالإنسان إلى الانتحار أو على الأقل محاولة الانتحار، لذلك فإن بعض أسباب الانتحار وإن كانت تبدو بسيطة (وربما مخيفة) مثل الفشل في الدراسة أو علاقة عاطفية مثلا، إلا أن السبب الحقيقي يكون مشاعر كمينة ودفينة من عدم الرضا عن الواقع الذي يعيشه الإنسان نتيجة تراكم الضغوط النفسية متعددة الأشكال على إنسان المجتمع العصري، وبالتالي فإن سبب الانتحار الظاهري يكون بمثابة " القشة" التي تقصم ظهر البعير (الإنسان) - إن صح التعبير- مشاكل الحياة العصرية مثل الفقد وتفكك الأسرة وعدم الاستقرار في مكان واحد، فقدان الدعم الاجتماعي من الأسرة والأقارب والأصدقاء والإحساس بالوحدة والخوف من المستقبل، إضافة إلى مشاهد العنف والجريمة وسهولة الحصول على الأسلحة أو وسائل الانتحار الأخرى، هي بعض الأسباب التي تدفع الكثيرين للانتحار، وبشكل خاص بين الشباب.

عوامل الخطر التي تؤدي للانتحار

لم يترك خبراء الصحة وعلم النفس مجالا لفهم أسباب الانتحار بدون دراسة وإلى درجة دراسة علاقة مراحل الدورة القمرية (تغيير أشكال القمر) إلى ترتيب المنتحر بين مواليد العائلة، ومع هذا فلم يتوصل الباحثون إلى تحديد واضح لأسباب الانتحار، وبالتالي فعبارة "تعددت الأسباب والموت واحد" تنطبق تماما على الانتحار؛ لأن أسباب الاكتئاب الشديد وتناول الكحول والمخدرات بإفراط تتفاوت ليس بين المجتمعات فحسب بل أيضا بين الأفراد في هذه المجتمعات.

على أي حال، وحسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن هناك مجموعة من العوامل أو بالأحرى مواصفات معينة والتي من شأنها مجتمعة أو متفرقة زيادة احتمال قيام من يتصف بهذه المواصفات، والعوامل هي:

العمر:

مع أن حوادث الانتحار كانت في يوم من الأيام شبه مقتصرة على الكبار في السن خصوصا فوق سن السبعين، إلا أنه في السنوات الثلاثين الأخيرة وحسب الإحصائيات الأميركية، فإن حوادث الانتحار بين المراهقين والشباب زادت بنسبة ثلاثة أضعاف، مع ملاحظة أن حوادث الانتحار بين طلاب وطالبات الجامعات هي أقل بحدود النصف تقريبا من حيث العدد مقارنة بأقرانهم من الشباب والشابات والذين لا يدرسون في الجامعات، كما وأن حوادث الانتحار بين الطلاب والطالبات في الجامعات المرموقة مثل هارفارد وستانفورد وبيل لا تختلف عنها في جامعات عادية غير مرموقة من حيث السمعة.

الجنس:

حسب الإحصائيات الأميركية، فإن الذكور أقل ميلا للانتحار من الإناث كما وأن الذكور عندما يقررون الانتحار يختارون وسائل عنيفة للموت مثل البنادق والسكاكين أو حوادث سير عنيفة، بينما الإناث يميلن إلى وسائل هادئة مثل السم، أو العقاقير.

العرق:

حسب الإحصائيات الأميركية فإن البيض أكثر ميلا للانتحار من السود رغم أنه في السنوات الأخيرة ازدادت حوادث الانتحار بين الشباب السود من مناطق السكن المكتظة بشكل كبير إضافة إلى الإفراط في شرب الكحول واستخدام المخدرات، في نفس الوقت فإن سكان أميركا الأصليين أي الهنود الحمر ( ما تبقى منهم في أميركا) تزيد عندهم حوادث الانتحار بنسبة 5 أضعاف مقارنة ببقية الأميركيين.

الحالة الاجتماعية ( أعزب، متزوج)

حوادث الانتحار هي الأقل بين المتزوجين والأعلى بين ثلاث شرائح هي:

- الأزواج والزوجات المنفصلون.

- المطلقون والمطلقات.

- الأرامل

وبشكل عام، الأفراد الذين يعيشون لوحدهم أكثر ميلا للانتحار من غيرهم.

حالة العمل

العاطلون عن العمل أكثر ميلا للانتحار مقارنة بالأفراد الذين لديهم وظيفة أو مهنة يستطيعون من دخلها الحصول على لقمة العيش، كما وأن أصحاب المهن التي تحتاج للبراعة والموهبة أكثر ميلا للانتحار وبشكل خاص مهنة الموسيقى والتأليف والرسم والتمثيل والغناء..إلخ.

الحالة الصحية

المصابون بأمراض خطيرة ( أو يظنون أنهم مصابون بها ) أكثر ميلا للانتحار من الأصحاء أو الذين يعانون من أمراض أقل خطورة ولا تؤدي للموت المحتم.

الصحة العقلية:

المصابون بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب والشيزوفرينيا (انفصام الشخصية) هم أكثر مرضى الصحة النفسية ميلا واستعدادا للانتحار. وحسب رأي خبراء الصحة النفسية فإنه بشكل عام، أي مرض نفسي يؤدي إلى شعور المريض بحالة فقدان الأمل من القدرة على التكيف على متطلبات ومشاكل الحياة هو مرشح قوي للانتحار.

الإفراط في استخدام وتناول الكحول:

إدمان الكحول والإفراط في تناوله يزيد من فرص لجوء المدمن إلى الانتحار مقارنة بغير المدمنين.

محاولات الانتحار:

الأفراد الذين يحاولون الانتحار مرة، يميلون وبنسبة الضعف لمحاولة الانتحار مرة ثانية مقارنة بالذين لم يحاولوا الانتحار في السابق.

الضغوط النفسية

الأفراد الذين يعانون من ضغوط نفسية في حياتهم اليومية - وبغض النظر عن سبب هذه الضغوط ونوعها- أكثر ميلا واستعدادا للانتحار إذا تطورت هذه الضغوط إلى أمراض صحية وعقلية مثل الاكتئاب والشيزوفرينيا.

أعراض وسلوكيات الأفراد قبل الانتحار:

حسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن الأفراد الذين لديهم نية أو عقدوا العزم على الانتحار، يظهرون سلوكيات وأعراضا معينة تدل على وجود نية الانتحار ومن هذه السلوكيات والأعراض:

· ذكر الموت والحديث عنه.

· محاولة الانتحار.

· تغيير ملحوظ في عادات الأكل والشرب أو العلاقات الزوجية الجنسية.

على أي حال، وحسب رأي خبراء الصحة النفسية فإن مظاهر وأعراض الانتحار بين المراهقين والشباب بشكل خاص هي ما يلي:

· تعكر المزاج للأسوأ بشكل ملحوظ والشعور الدائم بالحزن واليأس.

· مشاعر ذاتية بعدم القيمة والأهمية.

· الانعزال والانطواء والابتعاد عن أفراد العائلة والأصدقاء والأنشطة أو الهوايات المحببة التي يمارسها الفرد في أوقات الفراغ.

· تغيير ملحوظ في عادات النوم والأكل.

· الشعور بالملل الدائم.

· اختيار مواضيع تتحدث عن الموت في الجامعة أو المدرسة.

· إهمال الواجبات المنزلية والدراسية.

· سلوك وممارسات عدائية في المنزل وخارج المنزل.

· الهروب من المنزل.

· اللجوء إلى شرب الكحول والمخدرات.

· إهمال في العناية بالمظهر وارتداء الثياب.

· فقدان القدرة على التركيز.

· تغير جذري وملحوظ في الشخصية.

· كثرة الشكوى من الألم مثل الصداع والتعب والإنهاك.

· إهداء ممتلكات خاصة ثمينة للآخرين.

· الاهتمام شخصيا بتنظيف غرفته وحاجياته الشخصية.

· الابتهاج والفرح غير العادي والمفاجئ بعد فترة وجوم.

· مشاعر قوية من العار والخجل أو الشعور بالذنب.

· التهديد بالانتحار.

ملحوظة : حسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن الأعراض والسلوكيات التي سبق ذكرها لا تعني بالضرورة قيام الفرد بالانتحار ولكنها مظاهر تنم عن وجود نية الانتحار.

وحسب رأي هؤلاء الخبراء فإن أكبر دليل أو بالأحرى أقوى سلوك يدل على نية الفرد على الانتحار وبشكل جدي هو : "محاولة سابقة للانتحار أو محاولة الانتحار لأول مرة"

وكلما زادت محاولات الانتحار، كانت لدى المريض النية والتصميم والقدرة على اللجوء للانتحار.

سبل منع حوادث الانتحار:

إن التعرف على نية الشخص الانتحار من خلال سلوكياته والتغيرات الواضحة التي تظهر على المريض هو الخطوة الأولى، وحسب رأي هؤلاء فإن حوالي 80% من الذين يقومون بالانتحار أو محاولة الانتحار، أو القراءة عن الموت في الكتب أو رسم أشياء ورموز الموت مثل الجماجم.

هذه الأعراض هي الضوء الأحمر الذي يدل على نية الفرد على الانتحار، وبالتالي العلاج النفسي الفوري على أيدي الأطباء المختصين هو الطريق الوحيد لمنع المريض من الإقدام الفعلي على الانتحار .

مكان العرب في ظاهرة الإنتحار(25)

تفاقمت ظاهرة انتحار الشباب بشكل خطير، فبين الحين والآخر تنشر وسائل الاعلام أنباءً حول اقدام شاب أو فتاة على التخلص من الحياة بسبب تعرض المنتحر لضغوط عصبية أو مالية أو حتى عاطفية، وان كانت في معظم حالاتها لا تزيد عن كونها مشكلات عابرة يسهل على الكثيرين استيعابها في الظروف العادية. وقد اختلف الباحثون والمفكرون في تحليل ظاهرة الانتحار عند الشباب بعد ان سجلت تزايداً ملحوظاً عند مختلف الشعوب، وخصوصاً الغرب، وينطلق كل باحث اجتماعي أو نفسي من خلفيته الفكرية في تعديد أسباب الانتحار، فمنهم من اعتبرها نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم، وآخر يرى أنها نتيجة لحالة مرضية وفريق ثالث اعتبر أن أسبابها الحقيقية اجتماعية – اقتصادية، في حين يؤكد باحثون آخرون أن الفراغ الديني هو بالأساس الباعث والدافع إلى انتحار الإنسان، فعلى العكس من ذلك يحقق الإيمان للإنسان أهدافاً عدة على رأسها الرضا بما قسمه الله والخوف من عقابه، وهو ما يشكل مانعاً ذاتياً عن قتل النفس مهما تدهورت حالة المرء الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى النفسية بل أن السعي لنيل رضا الخالق اعتبره الباحثون النفسانيون من العلاقات الأساسية لكبح جماح الإنسان.

واللافت هذه الأيام الانتشار الكبير لهذه الظاهرة في بعض الشعوب الإسلامية والعربية التي تعرف بالالتزام الديني الواضح والتي تحرم دياناتها السماوية فكرة الانتحار، وقد دلت معظم الدراسات على وجود علاقة ترابط تام بين أغلب حالات المنتحرين وبعض المتغيرات التي تنحصر في الفقر والبطالة والفشل العاطفي يليه الدراسي ثم الوظيفي، فيما لم تغفل هذه الدراسات المتغيرات الخطيرة التي طرأت على المنطقة من كثرة الحروب ومناطق الصراع المشتعل في كثير من البلدان، وظهرت بعض الحالات التي أقدمت على الانتحار بسبب المرض العقلي أو الجسدي وهذه لا تشمل طائفة كبيرة من المنتحرين.

** انهيار الشباب

تشير الأرقام إلى أن أكثر من 69 % من أعداد المنتحرين كانت لديهم ضغوط اقتصادية قاسية من فقر وبطالة، ويفسر الباحثون ذلك بأن القلق والكآبة وعدم الاستقرار يزداد بين العاطلين، بل ويمتد هذا التأثير النفسي على حالة الزوجات، وأنّ هذه الحالات النفسية تنعكس سلبياً على العلاقة بالزوجة والأبناء، وتزايد المشاكل العائلية. وترى أغلب التحليلات ان السبب الرئيسي في هذه المشاكل بين العاطلين عن العمل، هو الافتقار الى المال، وعدم توفره لسد الحاجة، وبناءً على ذلك فإن تعطيل الطاقة الجسدية بسبب الفراغ، لاسيما بين الشباب الممتلئ طاقة وحيوية ولا يجد المجال لتصريف تلك الطاقة، مما يؤدي الى أن ترتد عليه تلك الطاقة لتهدمه نفسياً مسببة له مشاكل كثيرة قد تنتهي بقرار التخلص من الحياة. وهو ما يفسر العلاقة بين الجانب النفسي من الانسان، وبين توفر الحاجات المادية، وأثرها في الاستقرار والطمأنينة، وأن الحاجة والفقر يسببان الكآبة والقلق وعدم الاستقرار، وما يستتبع ذلك من مشاكل صحية معقّدة، كأمراض الجهاز الهضمي والسكر، وضغط الدم، وآلام الجسم، حتى أن هناك مثل شعبي يضرب في بعض المجتمعات العربية يقول "الجوع كافر" وهو ما يفسر اقدام كثير من الشباب على التخلص من الحياة، ويعرف هذا النوع من الانتحار لدى علماء الاجتماع بالانتحار "الفوضوي" الذي عادة ما يحصل إبان الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويكون وليد الانفعال والغضب أو الإحباط الذي يعيشه العاطل عن العمل.

** انتحار العرب

ويمثل هذا النوع من الانتحار ظاهرة مقلقة في السنوات القليلة الماضية في أغلب البلدان العربية بعد تسجيل البطالة فيها معدلات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، لأنه بالنسبة لبعض هؤلاء العاطلين عن العمل يمثل وسيلة لإنهاء معاناة نفسية قاسية. ولعل أخطر دلالات الاحصائيات التي تهتم برصد ظاهرة الانتحار في المجتمعات العربية تشير إلى أن أكثر من 78 % ممن يقدمون على الانتحار تنحصر أعمارهم ما بين 17 و40 عاما، وأغلب دوافع التخلص من الحياة يدخل فيها التدهور الاجتماعي الاقتصادي والفشل في ايجاد فرصة عمل وهو ما يعني توجيه ضربة قاضية لعصب هذه المجتمعات ومن يقع على عاتقهم عبء النهضة والتقدم. فتشير الأرقام إلى أن ما بين 11 ألفا و 14 ألف شاب وفتاة ينتمون لبلدان عربية يحاولون الانتحار كل عام وتتركز أعلى المعدلات في الدول التي تعاني مشكلات الفقر والبطالة اللتان تهددان سلامة واستقرار هذه المجتمعات، كما تزيد معدلات الانتحار في المجتمعات التي تعاني من حروب أهلية أو ترزح تحت الاحتلال أو اقتتال طائفي، فيندفع الشاب أو الفتاة للتخلص من حياته اذا ما فشل في تحقيق سعادته. وتعتبر مصر من بين اكثر الدول العربية التي تنتشر فيها حوادث انتحار الشباب حيث تشير الأرقام أن ما بين 750 الى 1200 حادثة انتحار تقع كل عام نسبتها العظمى من الشباب، وتؤكد المعلومات أن الأسباب تعود بالأساس الى عدم ايجاد فرصة عمل أو التخلص من الديون المالية، كما تحتل التجارب العاطفية التي تفشل بسبب ضغوط الحياة وارتفاع نفقات الزواج نسبة ليست بالهينة ضمن دوافع الانتحار بين الشباب. وتأتي في باقي الترتيب أسباب أخرى مثل الخلافات العائلية بين الأزواج أو فيما بين الأباء وابنائهم، كما تسجل حوادث الانتحار للتخلص من بطش زوج الأم أو زوجة الأب نسبة مرتفعة تقف كدوافع خلف انتحار حديثي السن.

كما تنتشر ظاهرة الانتحار في بعض البلدان العربية مثل اليمن، وتتعلق أسباب التخلص من الحياة في الغالب بأسباب متشابهة مع أغلب البلدان العربية وان زاد عليها كثرة اقدام الفتيات على الانتحار بسبب عادات الزواج التي يتم فيها اجبارهن على الزواج من أشخاص غير مرغوب فيهم مثل أبناء عمومتهن أو أبناء عشيرتهن ولا تملك الفتاة في هذه الحالة سوى الخضوع لرغبة الأسرة أو وضع نهاية مأساوية للحياة. وتؤكد احصائية حديثة أن معدلات حالات الانتحار فى اليمن ارتفعت بشكل حاد خلال العامين الماضيين بنسبة تقارب 52 بالمائة. ووفقا للمصادر اليمنية فإن عدد حالات الانتحار والشروع فيه بلغت 825 حالة بينها 655 حالة انتحار وشروع في الانتحار سجلت خلال الفترة من يناير وحتى نوفمبر من عام 2002 في محتلف المدن اليمنية. ويتضح أن عدد الحالات التى تم رصدها منذ العام 1995 وحتى العام 2002 تزيد على 4100 حالة انتحار معظمها لشباب وفتيات لم يتجاوزوا العقد الثالث من العمر. ويبرر علماء النفس اليمنيون هذه الظاهرة بالظروف المعيشية الصعبة والاجتماعية المعقده اضافة الى الخلافات الاسرية المتفاقمة. فيرى العلماء ان الانتحار عادة ما يكون ناتجا عن افكار قهرية او اكتئاب او عوز او فشل يفضى الى شعور واعتقاد لدى الشخص المنتحر بان الموت هو اقصر الطرق للتخلص من مشاكل الحياه".

وفي الأردن هناك تزايد مستمر أيضا في معدلات الانتحار ويرى علماء الاجتماع هناك ان ضغوط الحياة والتغيرات الاجتماعية تدفع لتزايدها رغم انها ما تزال خطوة منبوذة استنادا للعقيدة الدينية الاسلامية وللعادات والموروثات الاجتماعية التي تعتبر قتل النفس بالانتحار من الكبائر ويقود الى النار. وقد سجلت 59 حالة انتحار خلال شهر واحد بين الشباب قضى خلالها 26 شابا وفتاة، بينما أمكن انقاذ باقي المنتحرين الذين كتبوا على أنفسهم حياة مأساوية في ظل تشوهات جسدية خطيرة. . وتشير نتائج احدى الدراسات، التي شملت أكثر من 1200 حالة انتحار، إلى أن 81 % من الشباب المنتحرين و42% من الفتيات الشابات المنتحرات كانوا يعانون خلال حياتهم اليومية من امراض نفسية يحتل الاكتئاب المرتبة الاولى بين الامراض النفسية المشخصة لدى المنتحرين.

أما في السعودية فقد ذكرت إحصائية حديثة لوزارة الداخلية ان حالات الانتحار ومحاولة الانتحار تجاوزت 700 حالة قضى خلالها 470 حالة منها 96 حالة في الرياض، 44 حالة في المنطقة الشرقية، 24 حالة في مكة المكرمة، 20حالة في نجران، 19 في عسير، 14 في المدينة المنورة، 11 في حائل، 8 في جازان، 7 في الجوف، 4 في القصيم، 3 في تبوك والمنطقة الشمالية.

وأشارت إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية الكويتية، إن معدل الانتحار في الكويت ارتفع منذ غزو الكويت، وأظهرت الإحصائية ارتفاع عدد حالات الانتحار من 27 حالة عام 1991م إلى 43 حالة عام 1992م و56 في العام الثاني ووصل العدد في عام 1997م إلى 51 حالة انتحار، أما عام 2002 فقد شهد أعلى المعدلات حيث قدرت حالات الانتحار بالمئات وهو ما يدفع إلى التشكيك في اعتبار الغزو العراقي مسئولا عن ارتفاع معدلات الانتحار والدليل على ذلك أنه رغم انتهاءه ما زالت المعدلات في تزايد مستمر.

ليس الفقر وحده ولا تفرق تقارير المنظمات الدولية بين انتشار ظاهرة الانتحار في الدول العربية النامية عنها في الدول المتقدمة فترى أنها باتت ظاهرة عالمية لا يحدها مكان أو زمان ، وبقراءة سريعة في انتشار ظاهرة الانتحار في الغرب يتضح أن المسألة تأخذ أبعادا أكثر خطورة فهي قد لا تتوقف بالأساس على عوامل اجتماعية من فقر وجهل وبطالة بدليل انتشارها في دول غنية بطبيعتها، ففي فرنسا ـ على سبيل المثال ـ يحاول نحو 60 ألف مراهق الانتحار سنوياً، وفي أمريكا يقدم نحو 25 الف شاب وفتاة على الانتحار في العام الواحد. أما في الصين فإن الانتحار أكثر شيوعاً بين النساء عنه بين الرجال في الصين، وفي دراسة قام بها باحثون أمريكيون وصينيون ثبت ان الانتحار هو المسؤول الأول عن أكبر عدد من الوفيات بين الشباب في الصين. وقد أظهرت الإحصاءات أن عشرين بالمائة من عدد الوفيات بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والرابعة والثلاثين عاماً، يموتون منتحرين. ووصلت النسبة إلى ثلاثة وثلاثين بالمائة بين نساء الريف من نفس الفئة العمرية. ذكر أن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي يزيد فيها الانتحار بين النساء عنه بين الرجال. ويؤكد الباحثون أن الانتحار أصبح يمثل مشكلة اجتماعية ضخمة في الصين، وإن من الأسباب التي ساعدت على انتشار تلك الظاهرة غياب الرادع الديني، ونقص سبل الرعاية النفسية للفئات الأكثر انتحاراً، إضافة لسهولة الحصول على المبيدات السامة في المناطق الريفية.

أما في دولة الكيان الصهيوني، فقد أعلنت وزارة الصحة الاسرائيلية ارتفاع حالات الانتحار في صفوف الشباب الإسرائيلي، إذ بلغ عدد محاولات الانتحار المبلغ عنها عام 1991 (1204) محاولات، في حين وصل العدد في عام 1997 إلى 2400 محاولة. وقفز الرقم إلى نحو 6 آلاف محاولة انتحار نهاية العام المنصرم 2002، واعترفت الوزارة أن الانتحار هو سبب الموت الثاني من حيث الانتشار والترتيب في وسط الشباب الإسرائيلي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاما وقد عزت دراسات مستفيضة أسباب الانتحار لدى الشباب الاسرائيليين لدوافع تتعلق باليأس من الحياة في وطن ملتهب وفي ظل اجبارهم على ارتكاب مذابح في حق شعب أعزل، وهو ما يفسر انتحار الجنود اليهود، بخلاف نشاط المقاومة الفلسطينية الفدائية وتفعيل العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال مما ينشر الفزع والرعب بين المستوطنين الذين يقررون وضع نهاية لحياتهم بأيديهم.

شهادة نعم .. انتحار لا !! تحاول دولة الاحتلال الاسرائيلي دائما تشويه صورة المقاومين الفلسطينيين عبر تصوير منفذي العمليات الاستشهادية ضد المستوطنين اليهود على أنهم ارهابيون أو منتحرون يائسون من حياة الفقر والانهزام أمام دبابات ومجنزرات الاحتلال وأن العنف والارهاب طابع أصيل في نفوسهم، فهم يتلذذون بسفك الدماء، وقد ردت أقلام عربية مستنيرة على هذه الدعاوى المغرضة بتفنيدها وتوضيح الافتراءات التي يتضمنها برنامج الدعاية الصهيونية، فبداية لا أساس لاتهام الفدائيين باللجوء لهذه العمليات بسبب الجهل والفقر واليأس وخضوعهم لعمليات غسيل مخ وخير دليل على ذلك أن أغلب الاستشهاديين من خريجي الجامعات وبينهم المهندسة والطبيب والحاصل على شهادة الماجيستير وجميعهم على وعي وطني تام بقضية بلادهم ووجود هدف سام يستحق بذل الروح والدماء فداءً للوطن. فأغلب التسجيلات المصورة للاستشهاديين تدلل على أنهم مقدمون على هذه الخطوة وكلهم اقتناع تام بأن فناء أجسادهم هو السبيل الوحيد لخلود أرواحهم، وبالتالي لا تنطبق عليهم أي من الدوافع التي حددها العلماء للانتحار.. 

مركز عفت الهندي

الانتحار مشكلة دائمة... تُعالج بالتعتيم عليها!(26)

وصل مؤشر حوادث الانتحار المُعلنة في لبنان منذ بداية العام الجاري إلى 95 حالة، بمعدل محاولتيْ انتحار أسبوعياً... تضم لائحة محاولي الانتحار مجموعة من نساء ورجال ينتمون إلى طوائف وأعمار وطبقات اجتماعية مختلفة، علماً أن تفشّي هذه الظاهرة يترافق مع تعتيم إعلامي يمنع إيجاد حلول جديّة لها

فضّل الرجال وضع مسدس في أفواههم وإطلاق النار، فيما اختارت معظم النساء ابتلاع مواد سامة، هكذا يمكن تصنيف محاولات الانتحار التي جرت هذا العام ــــــ والتي أُبلغ عنها ـــــ حسب ما تظهره إحصائيات قوى الأمن.

القراءة الأولى لمحاولات الانتحار هذا العام لا تسمح بطرح فرضيات عامة، فمن المعروف أن وسائل الانتحار متعددة، قد يلجأ البعض الى الوسائل التقليدية منها، كالشنق أو الاحتراق أو القفز عن الشرفات، فيما يبحث البعض الآخر عن ابتكارات جديدة.

سجّل الأسبوع الأخير من شهر حزيران الفائت 9 حوادث انتحار، بحسب قوى الأمن الداخلي. يوم الأحد 24\6\2007 حاول شربل (25 عاماً) الانتحار بإطلاق عيار ناري في رأسه، وحالته ما زالت خطرة. والثلاثاء 26\6\2007، عُثر على علي (28 عاماً) جثةً داخل محلّه المعدّ لبيع الأجهزة الخلوية وتبيّن أنه أطلق عدة طلقات نارية في رأسه. في اليوم نفسه لجأ قزحيا (84 عاماً) إلى سلاح الصيد ليضع حدّاً لحياته، فأصاب صدره وفارق الحياة. ويوم الأربعاء 27\6\2007 وصل محمد الى المستشفى مصاباً بطلق ناري في رأسه من مسدس حربي أثناء وجوده في محلة حي السلم، وفي نتيجة التحقيق التي تولّته القوى الأمنية، تبين أن محمد أقدم على إطلاق النار على نفسه بقصد الانتحار وقد توفي داخل المستشفى. وفي مدينة طرابلس، توفيت ياس امسواسو (25 عاماً)، أثيوبية الجنسية، إثر سقوطها من منزل مخدوميها، وتبين للقوى الأمنية أنها انتحرت. وفي هذا اليوم أُدخلت روعة (17 عاماً) الى المستشفى إثر تناولها كمية من مهدئ للأعصاب، ووضعها الصحي شبه مستقر، فمحاولتها باءت بالفشل وستضطر إلى العودة إلى منزل ذويها على رغم أنها تعاني مشاكل عائلية. رولا (23 عاماً) أُدخلت الى مستشفى في اليوم التالي. ويوم الجمعة انتحرت في فرن الشباك فتاة اسمها أنيان.

(24 عاماً).

تتعدد أساليب الانتحار، وثمة العديد من المحاولات التي تبوء، لحسن الحظ، بالفشل. وروت رجاء (22 عاماً) التي حاولت أن تضع حداً لحياتها على رغم عمرها الصغير وفشلت في الانتحار، لـ«الأخبار» أنها تعرضت وهي في السابعة من العمر لاعتداء جنسي من أحد أقربائها. تكرر هذا الاعتداء وبعد مدة تحوّل المعتدي الى الصديق والملجأ الوحيد. عندما كبرت رجاء أرادت أن تُبعد قريبها هذا عنها، ولكنها مع نهاية العام الفائت، بدأت تشعر بحالة من الكآبة تصفها كالآتي: «تراودني أصوات غريبة أسمعها كلما أكون وحيدة. أصوات سرعان ما تتحول إلى صداع لا ينفع معه دواء. أشعر برغبة في الصراخ أو الركض والهروب إلى مكان جديد. ثمة ضجيج وصخب في رأسي. أحاول أن أفكر في أشياء متنوعة، لكن غالباً ما يكون الصداع أقوى من كل الأمور الأخرى. أشعر بفراغ كبير، وأنه لا قيمة لحياتي، وأن مشاعري تجاه الآخرين كاذبة. أشعر أني إنسان بلا شعور»، تتابع والدموع تنهمر من عينيها: «النهار أسهل بكثير من الليل. لم أُعلم أحداً بالأمر سوى خطيبي الذي حاول عبثاً إقناعي بزيارة الطبيب النفسي، لكني لم أستطع أن أثق بأحد، فقد خفت. يئس خطيبي من المحاولة ربما لعدم قدرته على مواجهة هذا الأمر والتأقلم لاحقاً مع فكرة أن زوجته انتحرت، هذا على الأقل هو السبب الذي تحدث عنه عندما قرر فسخ الخطوبة، وقد حاولت أن أبتلع كمية كبيرة من الحبوب المسكّنة لوضع حد لحياتي». تفاجئ رجاء محدّثها وهي تُعرب عن ارتياحها لفسخ الخطوبة، وتقول إنها كانت خائفة من الارتباط، وحتى الآن تجد صعوبة في أن تثق بأحد.

تعدد الأسباب والوسائل

هل يمكن الجزم بأن ما تعرضت له رجاء وهي صغيرة هو العامل الوحيد الذي دفعها لاحقاً إلى الانتحار؟ وهل يمكن التأكيد أن أي شخص يتعرض لاعتداء في الصغر يحاول الانتحار في الكبر؟ وباختصار ما هو الانتحار؟

يقول الباحث الاجتماعي أحمد عياش: «الانتحار قرار ذاتي بتدمير الذات، بإنهاء الأنا»، وذلك في كتابه «الانتحار، نماذج حيّة لمسائل لم تُحسم بعد». ويلفت إلى أن «هذه القضية لا تزال مهملة في لبنان، ومتروكة في عتمة سرية»، وهو قسم «الانتحار» إلى ثلاثة أشكال: الأول هو الانتحار الناجح ويكون ‏فيه الموت محققاً عبر سلوك محكم التنفيذ، والثاني هو الانتحار الفاشل حيث تكون الرغبة في الموت حقيقية إلا أن السلوك الانتحاري غير محكم التنفيذ، والشكل الثالث هو «الرديف الانتحاري»، أي حين يعلن المرء نيّته ‏الموت الإرادي إلا أنه غير قادر على تنفيذ السلوك الانتحاري، أو حين يخفي ‏نيته الموت، على رغم أنه يسلك سلوكاً انتحارياً يؤدي به الى الهلاك.‏ في هذا السياق قد يكون أي فرد فكّر ولو مرة واحدة في الموت من دون أن يعمل مباشرة على وضع حدّ لحياته، ولكن، من جهة أخرى، قد يلجأ البعض الى تصرّف «رديف»، وذلك من خلال تناول مواد مدمرة (كحول، مخدرات) أو الامتناع عن متابعة علاج أو التعرض لحادث سير «مفاجئ» بسبب القيادة المتهوّرة.

أسباب الانتحار متنوّعة، لكن عياش يقسمها إلى مجموعتين، تضم الأولى «الأسباب المباشرة والحوادث الخارجية والمعلنة»، أي اضطرابات العلاقات العاطفيـــــــــــة، والحوادث العائلية ـــــ الاجتماعية، والحوادث السياسية والعقائدية، والحوادث الاقتصادية، والحالات المرضية، والاعتداءات الجنسية، والابتزاز، وحالات الانتقـــــــام، والفشل الدراسي أو المهني، والهرب من حكم العدالة، وحالات الصدفة واللعب كالطفل أحمد ع. البالغ من العمر 10 سنين، الذي وُجد مشنوقاً في منزل ذويه في بلدة الخيام (قضاء مرجعيون)، وجاء في التحقـــــــــيق القضائي أن أحمد شنق نفسه متعمّداً بعدما اعتاد فعل ذلك بين الحين والآخر على سبيل اللهو والتمثيل.

أما المجموعة الثانية كما وضعها عياش فإنها تتضمن الأسباب المستترة والذاتية للانتحار، أي الاكتئاب والوسواس الهوسي والأمراض الذهنية الحادّة وانفصام الشخصية واضطراب الشخصية الحاد والأزمات الوجودية وأزمة الهوية إلخ...

من جهة أخرى، يلخّص المتخصص في علم النفس الاجتماعي عون الله عازار الانتحار بوصفه ناتجاً عن أسباب نفسية واجتماعية، وعن سيطرة غريزة الموت على غريزة الحياة. وأكد عازار أن المؤشرات تدل على سهولة تنفيذ الانتحار مع ازدياد المصاعب الحياتية وانخفاض المناعة النفسية، ويُقصد بـ«المناعة النفسية» قدرة الإنسان على مواجهة المصاعب. وفي الوقت الذي يكون فيه الجسد رهينة تصرف صاحب العقل والقرار، يبقى الشعور بالأمان عنصراً أساسياً في أداء الدور الأهم بالنسبة إلى الحصانة أو المناعة النفسية عند الفرد. لهذا السبب قد يواجه شخصان مشاكل مشابهة تصيب أحدهم بإحباط يدفعه إلى محاولة الانتحار، فيما لا يتأثر الشخص الثاني بها. ويأتي الدعم الاجتماعي، وخصوصاً العائلي، عاملاً أساسياً لتعزيز المناعة النفسية.

الانتحار عار!

ترفض العائلات اللبنانية تصديق خبر انتحار أحد أفرادها، تكذّبه، تبحث عن سبب «مقنع» للوفاة ثم تتبنّاه. يتكرر المشهد نفسه في كل المناطق اللبنانية من دون استثناء. لا يكاد أحد يعترف بأن قريبه قد انتحر أو حاول الانتحار. تتكرر الدهشة من السؤال، والإنكار يصل الى حد اتهام «مسوّقي هذه «الشائعات» بالحسد من المتوفي».

تشكل العقائد الدينية والتقاليد العائلية والاجتماعية حاجزاً يصطدم به الاستقصاء، ويتحوّل الباحث عن تفاصيل إضافية حول الوفاة إلى «مسيء» لشرف العائلة، فيسمعهم يردّدون: «قلنا ألف مرة إن ابننا اختنق أثناء الاستحمام لأنه نسي قارورة الغاز مفتوحة، إذا تلفظت مرة أخرى بكلمة انتحار، فسأقفل الخط وأعرف كيف أربّيك»، هذا ما قاله أيضاً أقارب شاب انتحر في بيت الشعار المتنية، وهو في الثالثة والعشرين، كان يتابع دراسة الحقوق في الجامعة اللبنانية، وكان متفوّقاً يحسده معظم زملائه، إضافة إلى تمتّعه بلياقة بدنية جعلته الأفضل بين لاعبي كرة السلة في منطقته.

وفي 14 كانون الثاني الماضي وُجد شاب لم يتعدَّ أيضاً الثالثة والعشرين جثةً على الأرض في منزله في بدارو ـــــ بيروت. أهالي الحي وناطور البناية ينكرون أنه انتحر، ويرفض ذووه استقبال الصحافيين، ويسارعون إلى إقفال الباب رافضين التعليق. لكنهم، وبعد ساعات، يشفقون على زائرهم، فيفتحون الباب قليلاً، وتطل سيدة خمسينية وتقول: «كان يعاني اضطرابات نفسية. معظمهم ينهون حياتهم بهذه الطريقة». وقبل أن تصف «الطريقة» يعود الباب ليُغلق تاركاً صدى صوت الوالد وهو يوجّه شتائم تنتهي بتهديد الصحافي بـ«رؤية أمور لا تعجبك إذا لم تغادر فوراً».

يخترق البعض حاجز الصمت، فيعترفون بأن لهم أقارب لجأوا إلى «الانتحار»، لكنهم يرفضون تقديم أية معلومات أو تفاصيل عن الأسباب. في هذا السياق، تتذكر أم فقدت ابنها قبل أربعة أعوام بعدما تناول مواد سامة، كيف قررت العائلة تبنّي رواية وفاة أخرى، فتقول إن خيار ابنها كان مقنعاً بنظره وكان يقوم بما يؤمن به كما عوّدها دائماً. ولكنها تلفت إلى أن زوجها ما زال يعاني حتى اليوم اضطرابات، فيما يزور أحد أولادهما الطبيب النفسي بعدما ادعى أنه شاهد شقيقه يناديه في الحلم.

في إطار دراساته حول الانتحار تناول عياش إحصائيات مصدرها قوى الأمن الداخلي، تبدأ من سنة 1974 وصولاً إلى سنة 2001 التي سجلت حدوث 112 حالة انتحار. لكن الباحث يلفت الى أن هذه الأرقام لا تعكس ما يجري على أرض الواقع، وقد اعتمد عياش على بحث إحصائي خاص عن أعداد المنتحرين في ثلاثة مستشفيات كبرى تحدثت عن حدوث 50 محاولة انتحار في السنة. قد يأتي رفض المجتمع لظاهرة الانتحار جزئياً نتيجةً للموقف الديني. ويوضح الأب الأورثوذكسي جوزف الخوري أن الكنيسة ترفض الصلاة على جثمان المنتحر وأن الإيمان رادع مهم لهذا النوع من «الجرائم». وفي الدين الإسلامي جاء في الآية 29 من سورة النساء في القرآن الكريم «لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً». ويقول الشيخ يوسف الغوش إن «الله عز وجل يقول إن من يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على اللَّه يسيراً». ويرى أن العقاب الإلهي (نُصْلِيهِ نَاراً) يرعب كل من يفكر في قتل نفسه، الأمر الذي انعكس انخفاضاً كبيراً في نسبة الانتحار في البلدان العربية مقارنة مع البلدان الأخرى، علماً أن الباحث أحمد عياش يعيد انخفاض النسبة إلى لجوء البعض بسبب الروادع الاجتماعية والدينية الى الانتحار الرديف الذي لا يسجل في الإحصاءات انتحاراً.

من جهة ثانية، يلفت الباحث القانوني نزار صاغية في كتاب بعنوان «الانتحار: التوجهات القانونية في المجتمعات الحديثة»، إلى أن الأسئلة الرئيسية في هذه القضية يُفترض أن تتركز على «قدرة المجتمع على فرز قوانين تتعلق بالانتحار أولاً، وثانياً بالحياة، علماً بأن القوانين تلازم الفرد، ومدى تدخّله في هذا الشأن، كأن يُحظر أن يشارك سلباً أو إيجابياً في الانتحار». ويأتي هذا التساؤل، بحسب صاغية، في خضم توجّه المجتمعات نحو مزيد من الفردية التي تكرس قيمتين أساسيتين «قيمة الحياة البشرية وقيمة الحرية الشخصية». ويشير صاغية إلى أن الانتحار أو «قتل الذات» لا يشكّل جرماً جزائياً. والقانون اللبناني توقف عن معاقبة من يُقدم على الانتحار، بعدما ثبت أن العقوبة تطال الورثة عبر مصادرة أملاكهم، إضافة إلى عدم القدرة على اعتبار الفرد جانياً ‏ومجنياً عليه في آن واحد، لكن هذا الأمر يطرح الإشكالية التالية: إذا كان القانون يعفي من يقوم بالمحاولة من أية عقوبة، فذلك قد يعني أن الفعل المعفى من العقوبة هو عامة فعل مشروع، وإذا كان الإعفاء لا يعود الى مشروعيته، بل إلى حجة عجز الميت عن الدفاع عن نفسه، فهذه حجة لا تنطبق على المحاولة الفاشلة. ويعاقب القانون كل من يشارك أو يحرّض على الانتحار بموجب المادة 553 من قانون العقوبات. وتتفاوت مدة الاعتقال من ثلاثة أشهر الى عشر سنين وفقاً للحالة.

نداء استغاثة... إلكترونية!

الانتحار كما رسمته فريدا كالو اتصلت «الأخبار» بوزارة الشؤون الاجتماعية للنظر في التدابير الوقائية أو البرامج المتخصصة التي تنظمها الوزارة وتتابعها، لكن الرد على السؤال جاء سلبياً، فلا وجود لأي برنامج وقاية أو توعية لأي فرد يمنعه من القيام بمحاولة انتحار، ولا توجد برامج لمتابعة أحوال من حاول الانتحار وفشل، وهي برامج تهدف عادة إلى التقليل من نسبة الاعتياد Recidivism.

وحسب مصدر في وزارة الشؤون، هناك أفكار في هذا الخصوص لكن الأمر يحتاج الى موازنات مالية غير متوافرة، لذا الأمر يقتصر الجهد الذي تبذله الوزارة على التنسيق مع بعض الجمعيات المتعاقدة معها والتي تُعنى بالتوعية النفسية بشكل عام ولا يوجد أي برنامج متخصص يتعلق بمحاولي الانتحار. وإذا أراد الفرد المصاب بكآبة، أن يبحث عن مغيث، فلن يجد بسهولة من يسمعه لأنه، بخلاف الدول «المتحضرة»، لم يُخصص خط ساخن لسماع استغاثته. وإذا أراد البحث عما يعزز مناعته النفسية، عبر الإنترنت، فالحري به أن يكون ضليعاً باللغة الإنكليزية أو الفرنسية ليتمكّن من الاستفادة من مواقع الإغاثة الفورية، لأننا إذا وضعنا كلمة «انتحار» (باللغة العربية) في خانة البحث الإلكتروني فلن تقع إلّا على مواقع نكات وطرف أو انتقادات لأشخاص انتحروا.

..............................................................................

المصادر/

1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

2-  طبيب اونلاين

3- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

4- عبد الدائم الكحيل/ موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والستة

5- بي بي سي العربية

6- د .محمد المهدى / واحة النفس المطمئنة

7-  جريدة النبأ

 8- موقع الاصدقاء

 9- منظمة الصحة العالمية

 10- سويس انفو - أريان جيغون بورمان

 11- مجلة المستقبل

Cnn 12- 13 – 14-

 15- موقع امان

 16- ميسرة عفيفي/ ديوان العرب

 17- مازن النجار/ فضائية  الجزيرة

 18- جريدة الخبر

 19- ريدور خليل /عدنان مصطفى وكالة دجلة للانباء

 20- طارق ديلواني/ موقع اسية

 21-هناء العجمى/  موقع مصراوي

 22- منتديات الحصن النفسي

 23- أوزجان يشار/  عشتار

 24- منتديات القطرية

 25- عادل عبد الرحيم /  مجلة الخدمة الأجتماعية

 26- رشا حطيط ـــ غسان سعود/ جريدة الاخبار اللبنانية

27- المعجم النقدي لعلم الاجتماع/بودون بوريكو

28- المعجم الموسوعي في علم النفس/نوربير سيلامي

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23 تموز/2007 -8/رجب/1428