من أي الطرق سيخرجون؟

عدنان الصالحي/ مركز الإمام الشيرازي

 شبكة النبأ: بعد التخبط السياسي الواضح في العراق من قبل الإدارة الأمريكية عادت ليالي الأرق ثانية للرئيس الأمريكي بوش الابن ولرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، ويبدو أن المساجلات بين الرئيس بوش وأعضاء الكونغرس بمن فيهم أعضاء بارزين في حزبه الجمهوري ، جاءت لتعيد للأذهان ثانية كم هو المأزق كبير، وان السكوت عليه أصبح شيئا غير منطقي!.

 وبُعيد أن بدأ الكونغرس طرح الموضوع للتصويت بطريقة الإجماع بحيث لا يتمكن الرئيس الأمريكي من نقضه، تسارعت المواقف من هنا وهناك لبيان الحالة فيما لو بدأت تلك القوات بالانسحاب بالفعل، وما هي إفرازات الحالة على الوضع في داخل البلاد التي تشهد تأزم سياسي كبير يرافقه تدهور امني خطير وفقدان للخدمات الأساسية.

 العراقيون من جانبهم، وعلى لسان أعلى سلطة تنفيذية وهو رئيس الحكومة لم يعطي للموضوع أبعادا خطيرة، بل حاول أن يستغل الوضع ليعلن بأنه مستعد لتسلم الملف الأمني وسد الفراغ الناتج من انسحاب القوات الأمريكية بالقوات العراقية التي يراها مهيأة بصورة لاباس بها لتكون البديل الناجح في سد الفراغ الأمني.

 وأما الرئيس الأمريكي فهو مازال يعلن وبصراحة أن الوقت لسحب القوات مازال مبكرا ، ليقيده الآن بموضوع التقييم النهائي الذي سيرفع من قبل السفير الأمريكي والقائد العسكري في بغداد في شهر أيلول المقبل.

 حيث قالت صحيفة الواشنطن بوست  (أبدى الرئيس الأميركي بوش مقاومة قوية بأنه لن يستسلم للموقف الجديد لمجلس النواب بسحب القوات الأميركية في هذه السنة، بعد أن قدم تقريراً مزدوجاً الى الكونغرس حول مدى التقدم السياسي والعسكري في العراق) .

 وتؤكد الصحيفة(فقط بعد ساعات من وصول تقرير بوش الى الكونغرس ، كان تجاوب مجلس النواب مع التقرير الذي قدمه البيت الأبيض بإقرار تشريع يتطلب بدء سحب الوحدات القتالية الأميركية خلال 120 يوما، ومع المعارضة الديمقراطية القوية لسياسات بوش في العراق ، بدا البيت الأبيض انه ينوي لتهدئة قلق الجمهوريين حول دعمهم المكلف سياسيا لهم بسبب دعم سياسات الرئيس بوش) .

 وقد ابرز تقرير البيت الأبيض ( المؤشرات المشجعة ) للتطور وأشار الى الطريق لتطبيع أكثر والمستوى الأساسي للالتزام الأميركي تجاه العراق ، مع تخفيض عدد القوات الأميركية في العراق .

  أما من جانب الجمهوريين فقد بدأت خيبة الأمل أكثر قسوة في  النقد من  الديمقراطيين،  الذين اتهموا بوش(بتمويه النتائج والفشل في مواجهة الحقائق)،.وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي(الرفض العنيد للرئيس لتطوير خطة جدولة إعادة الانتشار مفضلاً الأمل برغم من إهمال الأدلة بالعمل المخالف بان سياساته الفاشلة سوف تجعل يوم غد بشكل من الأشكال أفضل من اليوم ).

 وترى  صحيفة (الواشنطن بوست) تزايد الاستقطاب في مجلس النواب حيال الحرب في العراق ، وتقول (إن التصويت الأخير لمجلس النواب على القرار الجديد بالبدء بسحب القوات الأميركية، قد عكس توحيد قادة الحزب الديمقراطي موقفهم الحزبي، في ما بقي الجمهوريون موحدين في تأييد بوش في مؤشر لتزايد الاستقطاب في مجلس النواب حيال الحرب في العراق).

  وبموجب القرار الجديد الذي يسعى الكونغرس الأمريكي لطرحه فانه يتوجب البدء بعودة الوحدات القتالية الى أميركا خلال 120 يوم على أن ينتهي الانسحاب في بداية نيسان 2008، وتبقى في العراق عشرات الآلاف من القوات الأميركية لمقاتلة الإرهابيين وحماية المؤسسات الدبلوماسية وتدريب القوات العراقية ، وعاود بوش بالقول انه سيستخدم الفيتو ضد القانون، وليس لدى الديمقراطيين من الأصوات الكافية لتمريره مرة أخرى.

 لكن المشكلة الحقيقة تقع في اختلاف التوقيتات العراقية عن توقيتات واشنطن للانتهاء من قائمة متطلبات، يراها الرئيس الأميركي الثمرة الأساسية لإستراتيجيته العراقية، فيما ترى القيادات العراقية إنها غير  واقعية في حيثيات الصراع السياسي، ناهيك عن الاختلافات في المفاهيم لتحليل موقف أي من السنة أو الشيعة فضلاً عن الأكراد .

 حيث يقول وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ، بأن تحديد مواعيد نهائية وموضوعات يجب على الحكومة العراقية إنجازها استناداً الى التقويم السياسي في واشنطن، سوف يكون عكس المطلوب للنجاح في العراق ويتيح لأعداء الحكومة العمل بشكل أكبر لبعثرة الجهود العراقية لتحقيق الأمن.

 هذا الكلام يحوي الكثير من الواقعية السياسية في العراق، ولاسيما بعد تغيرات كثيرة في مناهج وآراء السياسيين العراقيين وبعد فترة ليست بالقصيرة على مضي العملية السياسية في البلاد والتي أفرزت من الآثار الكثير .

 بقيت الحالة على أي الطرق سينتهج الأمريكيون فيما لو أرادوا الخروج وقرروا ذلك؟

 الطريق في الوضع العراقي ليس بالسهل تماما والأمور قد تنفجر في أي لحظة والعمل السياسي متشابك الى حد الاختلاف بين أعضاء الكتلة الواحدة فضلاً عن الحزب الواحد، والحكومة العراقية في وضع لا تحسد عليه وهي غير محتاجة لأعباء ثقيلة تُوضع عليها إضافة الى ماتعانيه أصلاً.

 ولكن هل تستطيع الحكومة العراقية أن تغيير من الأسلوب الجاري حالياً والتكهن الساري باندلاع أعمال طائفية فيما لو انسحبت القوات الأمريكية؟

 وعوداً على التساؤل الأول، وعن أي شيء يفتش الأمريكان أو أي الطرق اسلك لخروجهم؟

 نقول بدا واضحاً كم هو كبير الاختلاف بين الآراء الجمهورية والديمقراطية في البيت الأبيض، ومهما حاولوا رأب الخلافات فيما بينهم الى وقت معين، فإن الواقع سيطرح نفسه عليهم بقوة، ولابد من البحث عن حلول حقيقية.

 ولهذا الرأي مؤيديه ومعارضيه أيضاً، ولكن يبقى باب الاحتمال للانسحاب مطروحاً بقوة، ولاسيما بعد الإخفاقات الكبيرة للقوات الأمريكية في معالجة أهم الظواهر في البلاد بعد الإحتلال ألا وهما: انتشار المليشيات المسلحة في أكثر أرجاء البلاد وزيادة رقعة انتشار القاعدة في الوطن العربي متخذة من العراق موطأ للتفريخ.

 لم يعلم الأمريكيون أن المشكلة ستكون بهذا الحجم، ولم يكن يتوقع الرئيس الأمريكي أن من سيستقبلونهم بالأرز لتخليصهم من دكتاتورية قمعية سيتحولون في ليلة وضحاها الى أعداء أشداء له يطلبون منهم الخروج بدون أي رد للجميل ( حسب توقع الأمريكان).

 وبعد كشف جميع مالدى الطرفين (الأمريكي والعراقي) وطرح الخطط جميعها على ارض الواقع والتي لم يبقى منها سوى بعض البقايا التي تذر الرماد في العيون والتي لا يتوقع الكثيرون بأنها ستنجي الأمريكان من المنزلق العراقي ولا الحكومة العراقية من الاستبدال القادم وان بقيت رئاسة الحكومة على حالها.

 فالقوانين المطروحة للتصويت مازال العراقيون مختلفون عليها في مهدها ولم يكتفوا بذلك بل توالت الضربات عليها في عقر دار منتجوها، أضف الى ذلك تمزق التكتلات المكونة للبرلمان العراقي، وفرار الكثير منهم بعد إدانتهم بجرائم السرقة أو الإرهاب أو الاختلاس.

كيف سيفكر.....؟

1-     الأمريكان : الوقت ينفذ بشكل غير طبيعي ومتسارع وسباق الزمن يشتد مع توالي المتغيرات على جميع الأصعدة، فالساند الأول لغزو العراق هو الشارع الأمريكي يرى أن الوقت قد حان لعودة الجنود الأمريكيين الى أرضهم وترك العراقيين يتولون أمرهم بنفسهم. وهذا ما أكده أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي في لقاء متلفز له حيث يقول(العراقيون ليسوا أطفالاً ولا ناقصي خبرة حتى نبقى معهم للأبد، عليهم أن يشقوا طريقهم الآن ويعتمدوا على أنفسهم، ونحن قمنا بواجبنا وأزلنا خطر الدكتاتورية والشر المهدد للعالم (على حد تعبيره).

 وعلى هذا الأساس بدؤا بالفعل في الكلام عن قضية الإنسحاب المنظم أو إبقاء بعض القوات التي ترابط هنا وهناك من أجل الحفاظ على المؤسسات الدبلوماسية  أو تدريب القوات العراقية وبنفس الوقت تكون العين القريبة والرقيبة على مدى استجابة الحكومة العراقية لما يتطلبه الرأي الأمريكي السياسي.

 وعليه فيبدو إن الترتيبات الجارية بعيداً عن أعين الناظرين ولا سيما في الدوائر التلفزيونية المغلقة التي تجري بين الفينة والأخرى بين الإدارتين الأمريكية والعراقية والتي لاتتجاوز فتراتها الشهر تقريباً تعطي علامة بارزة في ترتيب الأمور بتنسيق معتد به بين العمل في أروقة الكونغرس الأمريكي وبين البرلمان والحكومة العراقية ليكون القرار بترتيب الطريق للانسحاب المهذب والبعيد عن أسماء الانهزام أو الفرار أو الفشل أو الإنحناء في المعركة العالمية ضد الإرهاب وهذا ما لايحب الأمريكان سماعه. 

2- الحكومة العراقية:

 أما صاحبة القضية الحقيقية وهي الحكومة العراقية فإنها لاتكاد تصحو يوما إلا على زلزال مروع لها فمن الإنسحابات المتوالية لأعضاءها الى الإنفلات الأمني الذي لايكاد يخبو في مكان حتى ينفجر في آخر الى ماتعانيه من ضغوط خارجية متمثلة بما تريده منها الإدارة الأمريكية في تنفيذه من قوانين النفط والمصالحة وإعادة التوازن الى أركان الدولة وغيرها وبين ما يفرضه عليها الدائنون وصندوق النقد الدولي من رفع الدعم عن الكثير من الخدمات اليومية التي لم تستطع الثبات على تقديمها يوماً للبدء بمساعدة العراق وقبوله في صنف الدول المشتركة في التجارة العالمية أو الدولة المستحقة لتقديم الدعم اللوجستي والفني في جميع الأصعدة.

 وبين هذه التناقضات الدولية المحلية والإقليمية تحاول الحكومة أن تكون بموضع التحدي مع الجميع بمستوى يؤهلها للقول للجميع باني متعافية وليس هناك إلا بعض الأخطاء التي تحتاج الى زمن لمعالجتها، ولكن قضية الشغل الشاغل والذي يفتح على مصراعيه هو بانسحاب أو إعلان الإنسحاب التدريجي للقوات الأمريكية وحلفائها سيشكل بمثابة ناقوس خطر لتلك الحكومة التي مازال الوهن يدب في الكثير من مفاصلها، وفي وقت لازالت تبحث بطرق عدة للسيطرة على الوضع الأمني في مناطق تعد ساندة لها فضلاً عن المتمردة عليها.

 وبالتالي، فان الحكومة ستكون في مفترق الطرق فالأمريكيون سيقولون بان العراقيين أصبحوا أكفاء في السيطرة والإدارة والتنفيذ، وفي نفس الوقت لايستطيع أحد من زعماء الحكومة القول بأن هذا غير صحيح، لأنه سيكون بمثابة الرافض لانسحاب القوات الأمريكية. وهنا يكون بأعين العراقيين تابع غير قيادي حقيقي وفي نظر الامريكين متمرد على قوانينهم التي يسنونها وهو بذلك لا يستطيع المخاطرة في مثل تلك المرحلة. 

 وأيضا سيبحث العراقيون عن طريق السلوك الآمن من الحالة، وهنا قد تشكل مرحلة الانسحاب فرصة للحكومة لإثبات قدرتها بالفعل على إدارة الوضع الأمني للبلاد والذي طالما تحدثت عنه بأنها متمكنة منه وتثبت لمستمعيها بأنها فعلا تبحث عن الاستقلالية والجهوزية في المستويات جميعها وبضمنها الملف الأمني، أو أن يشكل  الإنسحاب إنفلات في كل الأوضاع وتخلخل الوضع السياسي وهو بذلك يفقد الدولة مصداقيتها في السير نحو البناء العمودي، ويؤكد للمدعين إن بنائها كان أفقياً فقط وعلى حساب الباقين  .

 يبقى الباب أو الطريق الوحيد لتسلكه الحكومة العراقية وحيداً في هذا المضمار، وينحصر في التوافق السياسي الحقيقي، وبناء الإدارة على مصداقية المواقف والتحدث بلغة المواطنة بعيداً عن جميع اللغات الأخرى وتقديراً للظرف الحالي والخطير للمرحلة.

وهنا يتطلب تشكيل جبهات موحدة متعددة الأطراف متبنية لمشروع سياسي واضح وغير ذا تطرف أو إقصاء مشكّلة بذلك طريقا معبداً للسير به للمشتركين جميعهم في العملية السياسية والعمل الحقيقي على جلب من يؤمن بأصل العملية السياسية، ويختلف في آلياتها، ولاسيما بعد زوال أهم عائق يعده الكثير أهم أسباب الابتعاد عن العملية السياسية ألا وهو الاحتلال(حسب وجهة نظرهم ).

3- الجماعات المسلحة: أما العنصر الأخير والعامل المهم في المعادلة السياسية فهو الجماعات غير المنظوية تحت العمل السياسي أو التي رفضت العمل في العملية السياسية في الوضع الحالي، فهي أيضاً ستكون في موقف الإختبار فهي مرهونة الأفعال بالأقوال، ولاسيما إنها زعمت بأنها تتبنى موقف المقاوم للمحتل وليس لها علاقة بما يقوم البعض به من قتل وتهجير بغية إثارة الفتنة وهنا سيكون موقفها  في عنق الزجاجة وان العمل الذي سارت في بناءه في أعوام عدة الإحتلال سيكون مرهونا بموقفها في مرحلة ما بعد الإنسحاب لأن المعروف في جميع القوى المناهضة للإحتلال إنها تتبنى مشروعا سياسيا، ولكنها تلجأ الى الطريق المسلح بعد عدم وجود الإذن الصاغية لها في سماع صوتها، وعليه فهل تستطيع (الجماعات المسلحة) والتي تتبنى موقف المقاومة أن تكون لها طريق  خاص وتفرز لنفسها مساحة واسعة تبين فيه موقعها؟ كاشفة بذلك الأطراف والعناصر الأخرى جميعها التي ارتدت نفس الرداء وحملت الجماعات المسلحة الأخرى أوزار أفعالها.

 في واقع الحال تمتلك بعض العناصر مقومات الدخول في طريق العمل السياسي لخلوها بنسبة جيدة من عنصر التخريب والإرهاب وهي مهيأة أن تحمل صفة المقاومة، ولكن يبقى الشرط الأكبر والاهم هل ستجد لها طريقاً لتبرز نفسها عن الباقين بصورة الوجه النقي؟

الأمر ليس سهلاً على الإطلاق وتلك الجماعات تعي ما تفعل في أبرز محطات عملها وفي حال بقي العنف مستشرياً بطريقته العشوائية ولاسيما ضد المدنيين في العراق فسيكون الوضع مختلف تماماًً، لأنه في تلك الحالة ستفقد الجماعات الحاملة للسلاح مبدأ المقاومة وتذهب أفعالها أدراج الريح لأنها غير قادرة على أدارة أوضاعها وعملها على ساحة الميدان فكيف ستدير الأمر  بالوصول الى سدة الحكم مشتركة أو منفردة؟

ولهذا الحديث أبواب ومنافذ ولكن ما يقتصر عليه الوضع أن تم البدء بجلاء الأمريكان عن ساحة المعركة بالفعل على أقل تقدير أن تضبط الجماعات عملها لفترة من الزمن لتأخذ ركناً ثابتاًً تنظر منه وتعيد حساباتها مع الوضع القادم وتثبت للشعب أولاً بأنها قادرة على وقف العمل العسكري متى شاءت،  لان زمام الأمر بيدها وهي متحكمة بخلاياه، وإنها ليست طريقاً يسلكه الآخرون وينفذون به متبنيات غير واقعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23 تموز/2007 -8/رجب/1428