مخيمات لبنان تتحول الى معامل لإدامة القاعدة

شبكة النبأ: من خلال مجموعة من الاعتبارات السياسية والاقتصادية التي تعيشها المخيمات الفلسطينية تحولت تلك المخيمات إلى حاضنة للكثير من الافكار المتشددة التي لاقت رواجاً في بعض المجتمعات العربية، وصدّرت مؤخرا الى لبنان.

وتعتبر الاتجاهات المتشددة في المخيمات الفلسطينية بلبنان ظاهرة جديدة وطارئة، خاصة وان معظم تلك التيارات التابعة لمنظمة التحرير تتسم بكونها علمانية او يسارية.

وترافق الحديث عن وجود التنظيمات الاصولية في لبنان بشكل عام، والمخيمات بشكل خاص، مع ما قاله الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في إحدى تسجيلاته المصورة بعد نشر قوات دولية في جنوبي لبنان عن ضرورة ضرب تلك القوات، واصفا لبنان بأنه تحول إلى ساحة جهاد.

وتوجهت الأنظار آنذاك نحو المخيمات الفلسطينية لاعتبارها مناطق استوطنت فيها مجموعات متشددة منذ مطلع التسعينيات، وهي فعلياً خارج سيطرة الدولة اللبنانية. حيث لايسمح للجيش اللبناني، بحسب اتفاقية قديمة الدخول الى هذه المخيمات!.

وبحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "الأونروا"، يبلغ عدد المخيمات الفلسطينية في لبنان 16 مخيماً، هي عين الحلوة ونهر البارد والرشيدية وبرج البراجنة، والبرج الشمالي والبداوي وويفل "الجليل" و"المية ومية" والبص ومار الياس وصبرا وشاتيلا وتل الزعتر والنبطية والدكوانة وجسر الباشا، علماً أنه تم تدمير المخيمات الأربعة الأخيرة أثناء الحرب اللبنانية (1975-1990).

ويبلغ عدد اللاجئين في تلك المخيمات، حتى العام 2005، قرابة 404 ألف شخص، بينهم 213 ألف فقط مسجلين، وبالتالي فنسبة الفلسطينيين تصل إلى نحو 12 في المائة من إجمالي سكان لبنان، علماً أن البعض يعتقد أن العدد الحقيقي للفلسطينيين هو أكبر من الأرقام التي تظهرها الأونروا. بحسب تقرير للـCNN.

وبموجب الأنظمة اللبنانية، يمنع على الفلسطينيين ممارسة قرابة 70 مهنة، كما يمنع عليهم امتلاك العقارات والمنازل، ويحظر أيضاً، اعتباراً من العام 2004 إدخال مواد البناء إلى المخيمات، وذلك بحجة "منع التوطين"، غير أن ذلك حول المخيمات إلى بؤر للبؤس والفقر، وعزز النزعات المتشددة فيه.

ورغم أن الطبيعة الفلسطينية غير مؤهلة لاكتساب النزعة المذهبية، مع وجود أكثرية سنية ساحقة تتقبل وجود أقليات مسيحية ودرزية، غير أن المخيمات الموجودة في لبنان سرعان ما دخلت ميدان الاعتبارات المذهبية اللبنانية الداخلية، وقد ظهر ذلك بوضوح خلال الحرب الأهلية عندما تعرضت المخيمات في المناطق الشيعية والمسيحية لهجمات شرسة.

ويتوزع الفلسطينيون سياسياً بين قطبين بارزين، هما: منظمة التحرير، وتضم جميع فصائل المنظمة التقليدية وتحالف القوى الفلسطينية الذي يضم حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية - القيادة العامة وفتح الانتفاضة، وفتح المجلس الثوري والصاعقة، وهي تنظيمات يعمل معظم قادتها انطلاقاً من دمشق.

وهكذا، سنحاول تسليط الأضواء على أبرز التنظيمات المتشددة داخل المخيمات الفلسطينية، وبعد استعراض التفاصيل المتعلقة بفتح الإسلام، كأحد أبرز تلك التنظيمات، ستخصص الحلقة الثانية من السلسلة لتنظيم عصبة الأنصار المتواجد في عدة مخيمات، وخاصة في عين الحلوة، والذي وضعته الولايات المتحدة على لائحة التنظيمات التي تعتبرها إرهابية.

عصبة الأنصار

تعتبر عصبة الأنصار أكبر الجماعات المتشددة الموجودة داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان وأقدمها، وقد أسسها عام 1986 هشام الشريدي، الملقب بـ "أبو عبدالله،" وهو قيادي سابق في حركة فتح، أظهر أواسط الثمانينات نزعة إسلامية، فاتخذ من أحد مساجد المخيم مركزاً لدعوته.

واشتدت شوكة الجماعة في مخيم عين الحلوة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث كان من السهل التدرب والحصول على السلاح والمال والرجال. وقد استفادت العصبة من حالة الضعف التي أصابت حركة فتح بعد الضربات التي وجهها لها الجيش السوري في تلك الفترة، للتوسع داخل المخيم.

ونظراً لضعف القبضة السورية المباشرة في جنوبي لبنان، فقد تمكنت فتح من استعادة أنفاسها في مخيم عين الحلوة في مطلع التسعينات، حيث خاضت صراعاً مريراً وطويلاً ضد العصبة، التي قيل إنها تلقت دعماً من القوى الإقليمية التي تناصب منظمة التحرير العداء، مما مكنها من الصمود والسيطرة على أحياء في المخيم.

وشكل العام 1991 مفصلاً مهماً في حياة العصبة، وذلك بعدما تم اغتيال قائدها هشام الشريدي، في عملية تندرج في سياق الصراع مع حركة فتح.

وتروي العصبة قصة تأسيسها حتى مرحلة اغتيال زعيمها من خلال بيانها التأسيسي، الذي تستعين فيه بالآيات والأحاديث التي ترى العصبة أنها تشكل القاعدة الفقهية لنشأتها وتستعرض دورها في مواجهة "التنظيمات العلمانية والشيوعية." 

وبعد الشريدي، انتخبت العصبة عبد الكريم السعدي "أبو محجن" قائداً لها، غير أن ذلك كان سبباً لتصدع العصبة، مع خروج عبد الله الشريدي، الابن الأكبر للقائد السابق هشام الشريدي عن التنظيم مع مجموعة من العناصر، وإعلانة تأسيس "عصبة النور."

السجل الأمني

بدأ أبو محجن بتثبيت الذراع العسكري للحركة من خلال مجموعة من عمليات التفجير التي طاولت نواد ليلية ومحال لبيع المشروبات الروحية.

وكانت أولى الضربات التي وجهها لخصومه عام 1995، حيث أظهرت تحقيقات الشرطة أن مسلحين محسوبين عليه شخصياً قاموا باغتيال الشيخ نزار الحلبي، رئيس جمعية المشاريع الإسلامية، وهي جمعية مقربة من سوريا كانت تهاجم علانية الفكر الوهابي والسلفي.

وبعد تنفيذ حكم الإعدام في منفذي عملية الاغتيال، وصدور حكم مماثل بحقه، اختفى أبو محجن عن الأنظار، فقيل أنه يقود العصبة من مكان سري، فيما قالت الحركة بعد عام 2001 أنه ذهب إلى العراق لمساعدة المقاتلين المتشددين هناك، حيث أصبح أحد أخلص أعوان الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي.

وأدرجت وزارة الخارجية الأمريكية العصبة على قائمة الجماعات الإرهابية عام 2001، حيث تم تجميد أصولها المالية، بعدما اتهمت بأنها "كانت صلة الوصل بين زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، وعماد مغنية، المسؤول العسكري السابق لحزب الله"، والذي تتهمه واشنطن بتفجير سفارتها ومقرّات المارينز في بيروت عام 1983، وخطف عدد من رعاياها خلال الثمانينات، والتخطيط لخطف طائرة TWA، وتفجير أهداف إسرائيلية في الأرجنتين."

ويتولى قيادتها علناً حالياً ثلاثة أشخاص، هم: وفيق عقل "أبو شريف،" وأبو عبيدة، وأبو طارق، والأخير أبرزهم من حيث كونه أحد أشقاء أبو محجن الخمسة.

ويقدّر عدد عناصر الجماعة بنحو 900 مسلح، وعدد غير محدد من الأنصار، مع قدرات قتالية عالية مكنتهم من الوقوف بوجه القوة الطاغية لحركة فتح بعين الحلوة، كما تتمتع الحركة بحضور في معظم المخيمات بلبنان.

كما تتهم الدولة اللبنانية الحركة بالوقوف خلف عملية اغتيال أربعة قضاة في صيدا عام 1999 تحت قوس المحكمة، لكن العصبة نفت ذلك بشكل كامل، وقد تحدى الناطق باسمها "أبوشريف" في لقاء مع صحيفة اللواء اللبنانية بتاريخ الرابع من يوليو/تموز 2007، أن يتم تقديم دليل على هذه التهم، كما نفى وجود دافع لذلك بدعوى أن أولئك القضاة "لم يحكموا على أي شخص إسلامي،" على حد تعبيره.

وتنسب الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى العصبة المسؤولية عن تفجير عدد من محلات بيع الخمور والنوادي الليلية في صيدا، كما تعتقد أنها ضالعة في عملية الهجوم الذي استهدف السفارة الروسية في بيروت مطلع العام 2000.

وفي الثالث من يناير/كانون الثاني عام 2000 قام أحد ناشطي العصبة "أبو عبيدة" بهجوم مسلح على السفارة الروسية في بيروت، وذلك احتجاجاً على أحداث الشيشان، ونجحت القوى العسكرية والأمنية اللبنانية بالقضاء عليه، لكن لم تثبت التحقيقات وجود إطار منظم وراء عمله.

وفي العام 2001 أعلن وزير الإعلام الأردني آنذاك، صالح قلاب، أن قوات الأمن الأردنية، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، أحبطت هجوماً على السفارات الأردنية والأمريكية والبريطانية في لبنان من قبل منتسبين لعصبة الأنصار.

كما تم توقيف شبكة بقيادة المدعو خالد العلي في مايو/أيار 2003 بتهمة تفجير مطاعم للوجبات الأميركية السريعة، ومحاولة اغتيال السفير الأميركي لدى لبنان، فنسنت باتل، وشخصيات سياسية ومدنية.

وتعقب الجيش اللبناني الرأس المخطط لهذه الشبكة، وهو يمني الجنسية، معروف باسم "أبو الشهيد"، تردد أنه يأتمر بأوامر عصبة الأنصار، وقد فر إلى مخيم عين الحلوة وفقاً لما نقلته صحيفة الشرق الأوسط في التاسع من مايو/أيار 2003.

كما قامت السلطات اللبنانية في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني/ يناير 2006 بتوقيف أربعة فلسطينيين، بعد محاولتهم مغادرة المياه الإقليمية اللبنانية بمركب محمّل بالأسلحة والذخائر من شاطئ طرابلس.

وقد نقلت صحيفة "الحياة" في 12 يناير/كانون الثاني 2006 عن مصدر أمني لبناني أن الموقوفين اعترفوا بانتمائهم إلى عصبة الأنصار، وبأنهم كانوا ينوون تنفيذ عملية عسكرية ضد أهداف إسرائيلية مقابل الساحل الممتد بين قطاع غزة ومدينة العريش المصرية.

أبرز الاشخاص

عبد الكريم السعدي "أبو محجن": يتزعم التنظيم وهو متوار عن الأنظار منذ العام 2001، مطلوب للقضاء اللبناني تتعلق بتشكيل تنظيمات مسلحة وتنفيذ اغتيال نزار الحلبي والتخطيط لعملية الاعتداء على قصر العدل في صيدا.

هيثم السعدي "أبو طارق": أبرز أشقاء "أبو محجن" وأحد قادة التنظيم المعلنين، تردد اسمه عدة مرات في ملفات الأمن اللبناني المرتبطة بالعصبة وقد صدر بحقه في مطلع يوليو/تموز الماضي حكم بالسجن 15 عاماً في الأردن من محكمة أمن الدولة بجرم،التخطيط للقيام بأعمال إرهابية، واستهداف أمريكيين، في قضية سرايا خطاب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19 تموز/2007 -4/رجب/1428