مصطلحات اجتماعية: الإكراه

الإكراه: Contrainte

شبكة النبأ: إن كون المجتمع يمارس إكراهاً، أو بالأحرى تنوع كبير من الإكراهات على الأفراد الذين يتكون منهم، مسالة لا تقبل النقاش. ومن المؤسف أن هذه العبارة التي عممها دوركهايم وردت في استعمالات تعسفية كثيرة. لقد ذهب بعض المعلقين، انطلاقاً من قراءة سريعة كدوركهايم، إلى حد القول أن الإكراه هو وسيلة الفعل الوحيدة لدى المجتمع على أعضائه. لا يمكن اعتماد هذه الأطروحة إلا في واحد من معنيين غير مقبولين على السواء. إما أن يعرّف الإكراه بطريقة واسعة جداً تؤدي إلى أن ندخل تحت هذه التسمية تعابير مثل النفوذ والإقناع والترسيخ. حينئذ يمكننا القول أن المجتمع يؤثر بواسطة الإكراه، ولكن الكلمة فقدت كل خصوصية. وإما أن نأخذها في المعنى المحدد والمحدد لحتمية فيزيائية. ولكن في هذه الحالة، ندرك أنها أبعد من أن تطبق على جميع الأوضاع الاجتماعية.

إن كثيرين من أتباع دوكهايم، ودوركهايم نفسه، قد غالوا بعض الشيء، لأسباب تربوية في القياس بين الإكراه الذي يمارسه المجتمع علنياً وذلك الذي تفرضه علينا الطبيعة الفيزيائية، كانوا يأملون أن يؤمنوا لعلم الاجتماع وضعية العلم (الحقيقي)، وأن يحموا أنفسهم ضد الانحراف (البسيكولوجي)، الذي لم ينفكوا عن استنكاره في المفاهيم التي طورها تارد Tarde عن المحاكاة، ففي نظر دوركهايم، إن أفضل طريقة لحماية موضوعية الواقعة الاجتماعية، تكمن في عدم اعتبارها نشاطاً متبادلاً للأفضليات الذاتية والذاتية المتبادلة، وإنما جملة من المعطيات الباقية والدائمة التي يكون ظهورها وتطورها متوقعاً بصورة منتظمة. حينئذ وفي عالم الاجتماع إلى ربتة نوع من الفيزيائي، بما أنه، تماماً على غرار هذا الأخير، افترض فيه أن يقيم قوانين مستندة إلى الحتمية الطبيعية. لكن دوركهايم لا يتمسك بهذا المفهوم الطبيعي للإكراه الاجتماعي. ففي التربية الخلقية يشدد على الاستقلال الذاتي للفرد. ويجعل منها شرطاً لعمل المجتمع، شرطاً أكثر فأكثر صرامة بمقدار ما يحل التضامن العضوي بصورة أكمل محل التضامن الآلي. وآخذاً بعين الاعتبار تنوع الأوضاع التي يضع المجتمع الحديث أعضاءه أمامها، فإن الضبط الذي يتأمن بواسطته توافق سلوك هؤلاء مع التوقعات المحددة اجتماعياً والمؤكدة، ينبغي أن يكون مرناً نسبياً ليسوغ المبادرات الفردية، فالفرد الدوركهايمي هو في الوقت نفسه، مكره، بما أنه ملزم بتلبية بعض المتطلبات المفروضة عليه من الخارج، ذو استقلال ذاتي، بما أنه هو الذي يفسر الموجبات المذكورة، يمكننا إذن الحديث عن إكراه مستبطن، فالفرد لا يمتثل للقاعدة خوفاً من الشرط فقط، وإنما احتراماً للقانون. فاستبطان الإكراه هو نفسه نتاج العملية المجتمعية. إن (التربية الخلقية) هي التي تجعل، حسب دوركهايم الإكراه الاجتماعي فعالاً، وإنه بمقدار ما تكون مجتمعيتنا مناسبة فإننا بدل التمرد ضد الموجبات المفروضة من الخارج، نتخطاها تقريباً، كما لو كان بينها وبينننا، تواصل وموازاة.

يعمل الإكراه الاجتماعي بواسطة أواليات متنوعة، يعتبر بعضها وليس كلها، اجتماعياً تحديداً، لقد دفع دوركهايم إلى التمييز بين الإكراه الذي تمارسه المعايير، وذلك الذي تمارسه القيم والتصورات الجماعية، والمعايير ليست شيئاً آخر غير الأوامر والتوصيات. وهي تستند إلى عقوبات يكون بعضها محددا والبعض الآخر غامضاً، إن المعايير هي التي تحدد الأدوار التي تدخل في تنفيذها التماسك والثبات. يكون لبعضها الشكل التالي: (إذا أردت تلك النتيجة، إذن إلجأ إلى تلك الوسيلة) وفي أسلوب كانت (Kant) قد يقال إنها افتراضية، ويأمر آخرون بموجب مطلب يساوي بحد ذاته وبصورة مستقلة الشروط التي يفترض تنفيذها والتبعات التي تترتب عليها. وحسب الأسلوب الكانتي، نقول إنها حاسمة.

ولكننا لا نتفحص إلا صورياً نظاماً معيارياً باعتباره مغلقاً على نفسه، ويمكننا أن ندفع إلى فعل ذلك، ولأسباب ممتازة، تلك على سبيل المثال حال القاضي الفرنسي الذي يفترض فيه، على خلاف القاضي الأمريكي (الذي يعترف له ببعض الحرية، بما أنه يستطيع أن يبني قراره على السوابق) أن يطبق قانوناً لم يصنعه هو؛ وهو موجب صارم كونه لا يحق له تقييم مقاصد المشترع. ومع ذلك فإن السلطة التي تتعلق بقراراته لا تقوم على افتراض مطابقتها للمبادئ العامة للقانون وحسب وإنما لمطابقتها للمبادئ الخلقية المعترف بها بصورة عامة. صحيح أن الافتراض الأول قابل أن يتأكد أو يبطل من قبل سلطة قضائية أعلى. وإلى حد ما قبل سلطة الدرجة الأخيرة. وبتعابير أخرى، إنه بالضبط النظام المعياري الذي يواجه باعتباره تسلسل سلطات، الذي يفصل في مطابقة قرار خاص. ولكن تطابق النظام المعياري نفسه، أو إذا شئنا مشروعيته، تقدر بفضل معايير أخرى، موجودة خارج النظام المعياري.

هذا المابعد النظام المعياري هو الذي نشير إليه بصورة عامة تحت اسم (القيم) يمكن أن تؤخذ هذه العبارة بصفتها مرادفاً للأفضليات، ولكن يقتضي أن تضيف إليها عدة مفاهيم مهمة جداً، كان دوركهايم قد عرف جيداً أغلبها، فلنقل أن القيم إذا كانت أفضليات، فإنها ليست أي نوع كان من الأفضليات، مثل تلك التي تجعلني أختار كأساً من عصير التفاح بدلاً من كأس منغيره. وما فهمه دوركهايم جيداً، هو أن هذه القيم لها صلة مع المثال الجماعي. فهي تحدد نطاق ما هو مرغوب (وفقاً للصيغة التجريبية بعض الشيء لكلوكاهن – المستعملة من قبل بارسونز ) أو في أحسن الأحوال، ما يفرض بمثابة نموذج أو مشروع لفعل جماعي، بهذه الصفة تميل نحو تحققها أو على الأقل تأكيدها وإثباتها وإعادة تأكيدها، عند هذه النقطة، تجد القيم والمعايير نفسها في اتصال، وربما في تنازع، فمن جهة يمكن للنظام المعياري أن يبرر استناداً إلى مثال قادر على جعل المعايير الخاصة محترمة وجذابة. من جهة أخرى تستدعي القيم تعبيراً يؤمن فعاليتها، تحت طائلة بقائها على مستوى الرغبة والتخيل. يتحقق التركيب تحت شكل (التصورات الجماعية) التي تسمح للأفراد بتقييم ما هو مرغوب فيه وما هو ممكن في آن معاً، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة المجتمع.

ولكي نفسر الإكراه الذي تمارسه القيم على سلوكنا، ولكي نفهم كيف يساهم وجود مثال جماعي في تأمين تطابق سلوكنا مع النظام المعياري، لا يكفي أن نفترض وجود علاقة بين المعايير والقيم، يقتضي أن نتفحص الشروط التي يمكن أن تؤمن هذه العلاقة. يمكن أن يكون المفهوم الدوركهايمي عن (التصورات الجماعية) مساعداً جداً هنا. وبالفعل، بما أنها تنتمي إلى النظام الإدراكي، فهي تدخل في الحركة غير المحددة نحو المثال، شيئاً نوعياً. من المؤسف أن دوركهايم اكتفى بتأكيد وجود معتقدات أو تصورات – الامر الأكيد إلى حد كبير – ننتسب إليها لمجرد انتمائنا إلى مجموعة أو جماعة. ولم يهتم ابداً بطرائق هذا الانتساب. ذلك أنه من المهم أن نقدر كيف تسمح لنا هذه المعتقدات بأن نتصور حالة معينة للمجتمع بصفتها ممكنة أو مستحيلة، وإن اعتبر (هذا المجتمع) مثالياً أو مرغوباً فيه. ضمن هذا الأفق، يمكن أولاً لبنية كل نظام معياري أن يحلل بصفته جملة من الوسائل الرامية إلى تحقيق حالة معروفة بأنها مرغوب فيها، يمكن من ثم أن تقيم وفقاً لدرجة عموميتها، إن الوسائل التي يضعها في متناولنا النظام المعياري عبر تحديد الأفعال الإلزامية أو الممنوعة أو المتسامح بها. تمنحنا سلطة واسعة إلى حد وفقاً لاتساع حقل تطبيقها، ثمة مجال إذن للأخذ بالحسبان بعدين إدراكيين – الاحتمال والعمومية – اللذين يؤثران الواحد والآخر على الجدية التي ننتسب بها إلى هذه التصورات. إن الإكراه بالجذب، الذي يمارسه علينا التصور المسبق لحالة مثالية، قوي إلى حد ما، ويرتدي طرائق مختلفة وفقاً لما نعرفه أو نعتقد أننا نعرفه عن الطريق الذي علينا أن نسلكه للوصول إلى الحالة المذكورة، وتساهم معرفتنا – أو معتقداتنا  حول عمل مجتمعنا في تحديد حقل فعلنا، باستعلامنا بطريقة ملائمة إلى حد ما حول اتساع وطبيعة الإكراهات التي سنواجهها في استكشافها.

إن الأنواع المختلفة من الإكراهات التي يمارسها المجتمع علينا تقيم علاقة بين الوسائل والغايات، وبين الشروط والنتائج، وبين حالات مرغوبة إلى حد ما أو مقيمة للنظام الاجتماعي، متأثرة بإشارة تحقق محتملة إلى حد ما، ومتجانسة مع أصول بعضها ما هو محظر أو متسامح به ببساطة والبعض الآخر مباح أو موصى به، إن أحد الأسباب التي تكون بسببها مختلف الإكراهات التي نخضع لها بصفتنا أعضاء مجتمع معين، ذات قوة وفعالية متنوعة جداً، هو أنها تمارس على فاعلين، تم التوسط بينهم بواسطة حوافز هي نفسها مختلفة ومتنوعة، ودون الدخول في نقاش حول مفهوم الحافز، كما يفهمه علماء النفس، يكفي أن نقول إن فاعلاً يكون مدفوعاً للقيام بدور، أو بصورة أعم أن يباشر نشاطاً اجتماعياً، إذا كان الفعل المقصود يظهر له في مسيرته ونتائجه متوافقاً مع تطلعاته المتعلقة بوضعه أو بإشباع أفضلياته الفردية. أياً يكن المعيار الذي نعتمده. سواء معيار التطلع الاجتماعي أو معيار (المكافأة) أو التفتح الفردي، فإن الاتجاهات التي سوف ينخرط فيها الأفراد (المحفزون) تتبع بنية النظام المعياري، وإنما كذلك طبيعة توقعاتهم إن المجتمع لا يكرهنا فقط عبر عرضه لمثاليات ونماذج، وعبر إصدار التدابير وتحريمها، وعبر تقديم المعلومات ونشر المعتقدات، وإنما عبر تأطيرنا مجتمعياً في توقع وتوجه معينين.

لا يتقلص الإكراه الاجتماعي إلى الأثر الذي قد يمارسه على الأفراد عامل وحيد منعزل اعتباطاً. فهو ليس سوى التبعية المتبادلة للعناصر المختلفة والجوانب المختلفة للنظام الاجتماعي. إنه ليس شيئاً آخر غير الصلة بينها، ينجم من هنا اقتراحان. بما أن الفاعلين المدفوعين لممارسة دور معين يشكلون الواحد بالنسبة للآخر موارد حالية أو كامنة، فإن ذلك يستتبع أن إكراه المجتمع لا يمكن أبداً أن يصل إلى نقطة يكون فيها الفرد محروماً من كل مبادرة ومن كل حرية – تحت طائلة فقدان النظام المعياري كل مرونة، وفقدان نطاق المثل كل معنى بصورة نسبية ومطلقة. وكما أدرك ذلك جيداً دوركهايم، يتعرض المجتمع في حال عدم وجود الأفراد المجتمعين ضمن الاستقلال الذاتي إلى الارتباك بواسطة العنف أو الميوعة. يتعلق الاقتراح الثاني بتنوع أنماط الإكراه. بما أن المقصود هو الصلة بين العناصر المختلفة جداً (مثل، معايير، حوافز، ينفذها فاعلون مختلفون) يتخذ الإكراه بالضرورة أشكالاً مختلفة. يمكن أن تتأمن الصلة بين العناصر أولياً، بواسطة إضفاء الصفة الاجتماعية على الحوافز، أو بواسطة فعالية النظام المعياري، أو بواسطة الاجتذاب الريادي Charismatique للقيم أو للنماذج المثالية، كل واحدة من هذه الحالات تظهر نمطاً مبتكراً من الإكراه. ولكنه يشير بخاصة إلى أن كل واحدة من أشكال الإكراه هذه، هي أثر منبثق وهش غالباً. بني على أساس إكراهات أولية متجمعة وفقاً للمنطق الخاص بالنظام المعني.

متعلقات

استبعاد الأدلة المنتزعة نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب الإكراه(1)

يجب أن تستبعد المحاكم الأدلة المستمدة من التعذيب أو الإرغام، بما في ذلك الاعترافات المنتزعة من المتهمين.

17/1          استبعاد الأدلة المستمدة من التعذيب أو سوء المعاملة

17/2          استبعاد الأدلة المنتزعة عن طريق الإكراه

 17/2/2 المادة 8(3) من "الاتفاقية الأمريكية"

17/1  استبعاد الأدلة المستمدة من التعذيب أو سوء المعاملة

لا يجوز أن تستخدم المحاكم في نظر الدعاوى القضائية أي دليل، بما في ذلك اعترافات المتهمين، ينتزع تحت وطأة التعذيب أو أي ضرب آخر من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إلا عند إقامة الدعوى القضائية على هؤلاء الأشخاص المزعوم أنهم انتزعوا تلك الأدلة قسراً.

وتستبعد أية أقوال تستمد عن طريق التعذيب إلا عند محاكمة الأشخاص المزعوم أنهم مارسوا هذا التعذيب.*  ولا تكتفي بعض المعايير الدولية الأخرى باستبعاد أية أقوال تنتزع تحت وطأة التعذيب، بل ترفض أيضاً الأخذ بأية أقوال تنتزع عن طريق المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.** ولا تنطبق هذه المعايير على الأقوال المنتزعة من المتهمين وحدهم، بل على أية أقوال أخرى تنتزع من الشهود.

المبدأ 16 من "المبادئ التوجيهية بشأن أعضاء النيابة العامة"

"إذا أصبحت في حوزة أعضاء النيابة العامة أدلة ضد أشخاص مشتبه فيهم وعلموا أو اعتقدوا، استناداً إلى أسباب وجيهة، أن الحصول عليها جرى بأساليب غير مشروعة تشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان بالنسبة للمشتبه فيه، وخصوصاً باستخدام التعذيب أو المعاملة أو المعاقبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو بواسطة انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، وجب عليهم رفض استخدام هذه الأدلة ضد أي شخص غير الذين استخدموا الأساليب المذكورة أو إخطار المحكمة بذلك، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان تقديم المسؤولين عن استخدام هذه الأساليب إلى العدالة".

المادة 12 من "إعلان مناهضة التعذيب"

"إذا ثبت أن الإدلاء ببيان ما كان نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لا يجوز اتخاذ ذلك البيان دليلاً ضد الشخص المعني أو ضد أي شخص آخر في أية دعوى."

المادة 15 من "اتفاقية مناهضة التعذيب"

"تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال."

المادة 69(7) من "النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"

"لا يؤخذ بالأدلة المستمدة عن طريق انتهاك هذا النظام الأساسي أو معايير حقوق الإنسان المعترف بها دولياً في الحالات الآتية:

أ) إذا ألقى الانتهاك ظلاً خطيراً من الشك على مصداقية الدليل.

ب) إذا تعارض قبول الدليل مع صحة إجراءات الدعوى وأضر بها ضرراً خطيراً.

17/2 استبعاد الأدلة المنتزعة عن طريق الإكراه

توجد صور من الإرغام لا تمثل لوناً من التعذيب، ولكن استعمالها مع ذلك لانتزاع الأدلة يظل محظوراً، وهي تفسد أي دليل يتم الحصول عليه بواسطتها. وقد مدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان نطاق الحظر ليشمل استخدام الأدلة المنتزعة قسراً حيث تقول: "يجب أن يحظر القانون الأخذ في الإجراءات القضائية بأية أقوال أو اعترافات يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب أو أي ضرب آخر من ضروب المعاملة المحظورة". وقالت اللجنة أيضاً: "يجب أن ينص القانون على أن الأدلة المنتزعة ... عن طريق... أي ... ضرب من ضروب الإرغام غير مقبولة برمتها." وقالت اللجنة أيضاً إن "الاعترافات المنتزعة عن طريق الإكراه يجب أن تستبعد بانتظام من الإجراءات القضائية..."

كما أن "مجموعة المبادئ" تمنع استغلال وضع المحتجز لإرغامه على الشهادة أو الاعتراف، أو استخدام العنف أو التهديد أو أساليب الاستجواب التي تنال من قدرته على اتخاذ القرارات أو من حكمه على الأمور.*** أما المبدأ 27 فينص على أن يؤخذ في الاعتبار عدم التقيد بهذه المبادئ في الحصول على الدليل لدى البت في جواز قبول ذلك الدليل.****

وتعتقد منظمة العفو الدولية أنه حينما توجد مزاعم بشأن انتزاع أقوال نتيجة التعذيب أو ضرب من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو عن طريق الإكراه، فيجب أن تنظر المحكمة على حدة في هذه الأدلة قبل أن تقبل الأخذ بها. ويجب على المحكمة في تلك الحالة أن تنظر في الأدلة التي تثبت أو تنفي طواعية الإدلاء بالأدلة موضع النظر. فإذا ما انتهت إلى أن الإدلاء بها لم يكن طوعياً، فيجب أن تستبعدها من قائمة الأدلة في جميع الإجراءات، فيما عدا تلك الإجراءات التي تتخذ ضد الأشخاص المتهمين بأنهم انتزعوها قسراً.

وعندما يتحصل الادعاء على أدلة ضد المشتبه فيهم يعرف أو يعتقد، بناءً على أسباب معقولة، أنها انتزعت عن طريق اللجوء إلى أسباب غير مشروعة تمثل انتهاكاً جسيماً لما لهم من حقوق الإنسان؛ فيجب أن يتخذ جميع الخطوات اللازمة لضمان تقديم جميع المسؤولين عن استخدام هذه الوسائل إلى العدالة.*+

17/2/2  المادة 8(3) من "الاتفاقية الأمريكية"

تقضي المادة 8(3) من "الاتفاقية الأمريكية" بعدم جواز الأخذ باعتراف المتهم بذنبه ما لم يدل به دون إكراه من أي نوع. وهي بذلك تختلف عن المعايير التي استشهدنا بها في القسم الأول من هذا الفصل في جانبين هامين. أولهما أنها تقصر الأمر على اعترافات المتهم وليس على "أي دليل". وثانيهما أنها تقضي باستبعاد الاعترافات إذا كان هناك إرغام من أي نوع، بما في ذلك أي لون من ألوان السلوك التي، وإن أدرجت تحت بند الإكراه، قد ترقى للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وأعربت اللجنة الأمريكية الدولية عن رأيها في أن استخدام الاعترافات التي يتم الحصول عليها من أي فرد، أثناء احتجازه بمعزل عن الاتصال بالعامل الخارجي (أي دون الاستعانة بمحام)، يعد انتهاكاً لحقه بموجب أحكام "الاتفاقية الأمريكية".

المادة 8(3) من الاتفاقية الأمريكية

"عدم جواز الأخذ باعتراف المتهم بذنبه ما لم يدل به دون إكراه من أي نوع".

مسألة الإكراه في الدين: الإسلام هو ما يصنعه أتباعه منه(2)

ما الذي يعتقده المسلمون بخصوص حرية الاختيار الديني؟ تجيب الآية القرآنية (الآية 256 من سورة البقرة): "لا إكراه في الدين".. يبدو أن الأمر واضح، والمركز الإسلامي لكالفورنيا الجنوبية يؤكد على ذلك، بل ويذهب إلى القول بأن الآية توضح كيف أن الإسلام قد سبق مبادئ الدستور الأمريكي، فالمركز يرى أن التعديل الأول ("لا يحق للكونجرس إصدار قانون بخصوص أي مؤسسة دينية أو إصدار قانون يحرم الممارسة الحرة داخلها") إنما هو قائم على مفاهيم الآية القرآنية "لا إكراه في الدين".

وفي روح مشابهة، يدعي س. ا. رحمن، القاضي العام السابق بباكستان، أن الآية القرآنية تتضمن "دستورا لحرية العقيدة لا مثيل له في التاريخ الديني للجنس البشري". بالنسبة للوعي الغربي فإن لهذا التفسير دلالة حدسية. وهكذا يكتب ألان رينولدز، الباحث الإقتصادي بمعهد CATO، بالواشنطن تايمز قائلا أن الآية تشير إلى أن القرآن "ينصح ويدعو إلى التسامح الديني."

هل الأمر بهذه البساطة.

في الواقع أن هذه العبارة البسيطة بصورة مخادعة كان لها العديد من المعاني على مر العصور، فيما يلي نعرض بعضا منها، معظمها يعود لفترة ما قبل العصر الحديث، وهي مستمدة أو منقولة عن كتابين حديثين ممتازين، كتاب باتريشيا كرون "حكم الله: الحكومة والإسلام" (دار نشر جامعة كولومبيا) _. ، وكتاب يوهانان فريدمان "التسامح والإكراه في الإسلام" (دار نشر جامعة كمبريدج) _. ، ومدعمة بدراساتي وأبحاثي. ابتداءأ من الأقل ليبرالية إلى الأكثر ليبرالية فإن عبارة "لا إكراه في الدين" كان يتم النظر إليها وتفسيرها بطرق مختلفة متباينة:

ملغاة (منسوخة): حيث نسخت الآيات القرآنية التالية آية "لا إكراه في الدين" (مثل الآية التاسعة من سورة التوبة "ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم") _.

رمزية خالصة: فالعبارة أو الآية مجرد وصف وليست أمر. فحقيقة الإسلام واضحة جدا لدرجة أن إجبار شخص ما على أن يكون مسلما لا يصل إلى "الإكراه" ، أو أن دفع الشخص إلى اعتناق الإسلام بعد الهزيمة في الحرب لا ينظر إليه على أنه "إكراه."

روحية وليست عملية: فالحكومات قد تفرض الطاعة الخارجية الظاهرة إلا أنها بالطبع لا يمكن أن تفرض وتملي على المسلمين كيف يفكرون.

محدودة في الزمان والمكان: أي أنها تنطبق فقط على اليهود في المدينة في القرن السابع.

مقصورة على غير المسلمين الذين يعيشون تحت حكم المسلمين ويقبلون به: يقول بعض الفقهاء أن الآية تطبق فقط على "اهل الكتاب" (المسيحين واليهود والزرادشتيين) ، ويقول البعض الآخر أنها تطبق على كل من هو غير مسلم.

تستبعد بعض غير المسلمين: فالمرتدين والنساء والأطفال وأسرى الحرب وغيرهم يمكن بالفعل إجبارهم. (هذا هو التفسير الشائع الذي كان يطبق في معظم الأزمنة والأماكن).

مقصورة على غير المسلمين بكافة صورهم: فالمسلمون يجب أن يلتزموا ويخضعوا للمبادئ والعقيدة الإسلامية وليس مسموح لهم الارتداد عن الإسلام.

مقصورة على المسلمين: حيث يحق للمسلمين أن ينتقلوا من تفسير وتأويل لإيمانهم إلى آخر (من السني إلى الشيعي على سبيل المثل) ولكن لا يحق لهم ترك الإسلام.

تطبق على كل الناس: حيث ينبغي أن يصل المرء إلى الإيمان الحقيقي من خلال المحاولة والاختبار، والإكراه يفسد هذه العملية.

إن الخلاف الكبير حول عبارة قصيرة هو أمر نمطي متكرر فالمؤمنون يتجادلون حول معان كل الكتب المقدسة وليس القرآن فقط. يترتب على الجدل والخلاف الدائر حول آية لا إكراه العديد من النتائح.

أولا: يوضح الجدل أن الإسلام - مثل كل الأديان - هو ما يصنعه المؤمنون منه. وتتراوح اختيارات المسلمين من القمع على الطريقة الطالبانية إلى التحرر والتسامح على الطريقة البلقانية. هناك حدود قليلة ولا يوجد تفسير "صحيح" أو "خاطيء". إن حل إشكالية معنى آية "لا إكراه" هو على قائمة واجبات المسلمين في القرن الحادي والعشرين.

في المقابل يجب أن يكون غير المتتخصصين حذرين جدا عندما يؤكدون على معنى ما للقرآن الذي هو متغير وذاتي. عندما كتب ألان رينولدز أن آية لا إكراه تعني أن القرآن "ينصح ويدعو للتسامح الديني" كان يقصد خيرا ولكنه في الواقع ضلل قراءه.

بالإضافة إلى ذلك هناك العديد من اللأمور والمسائل في الإسلام تشهد جدلا مشابها. يستطيع المسلمون أن يقرروا من جديد ما هو معنى الجهاد، ما هي حقوق النساء، ما هو الدور الذي ينبغي أن تلعبه الحكومة، ما هي أشكال الفائدة على الأموال التي يجب إلغائها، وكثير غيرها. إن الكيفية التي يحلون بها هذه القضايا الكبيرة تؤثر على العالم بأسره.

وأخيرا، بالرغم من أن المسلمين وحدهم هم الذين سوف يتخذون هذه القرارات فإن الغربيين يستطيعون التأثير على اتجاههم. فالعناصر القمعية (مثل النظام السعودي) يمكن تحجيمها وإعاقتها عن التأثير بتقليل الاعتماد على البترول. إن المسلمين المتحررين والمتسامحين بصورة أكبر من غيرهم (مثل الأتاتوركيين) قد يتم تهميشهم من جراء ترك تركيا التي يقودها الإسلاميون تدخل الاتحاد الأوروبي.

إن ما يفعله غير المسلمين يمكن أن يؤثر أيضا تأثيرا قويا على تفسير "لا إكراه في الدين": هل يتم ترجمتها إلى تسامح ديني أم تسمح (كما في حالة سلمان رشدي) بالتصريح بالقتل.

لا إكراه في الدين(3)

قام متطرفون تابعين لعصابات مسلحة تشرف عليها مجموعات اسلامية متشددة بتفجير عدد من الكنائس وخاصة في بغداد والموصل والبصرة كذلك حض المتطرفين على اخذ الجزية من النصارى او اشهار اسلامهم ولا خيار لهم ثالث سوى ترك مناطق سكناهم بدون اخذ اي امتعة معهم الامر الذي دفع بالالاف منهم الى الهجرة الى سوريا والاردن ودول اوروبية مختلفة.

والجدير بالذكر أن التيارات الاصولية في العراق هي التي ترعب المسيحيين وتجبرهم على ترك العراق وتحاول أن تفرض الحجاب على العائلات المسيحية وتطلب منهم مغادرة العراق وتقوم بعمليات تهجير جماعي للمسيحيين بشكل خاص .

علما الى انه في عام 2001 فإن عدد المسيحيين في العراق كان حوالى مليون و200 ألف غادر منهم حوالى 300 ألف إلى دول العالم وقدم منهم إلى سوريا أكثر من 30 ألفا أكثرهم من المناطق الملتهبة مثل بغداد والموصل والبصره وغيرها.

لقد فهم المسلمون من آية (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أن أهل الكتاب لا يجبرون على الدخول في الإسلام، وأن لهم الحق بأن يبقوا على دينهم، هذا ما فهمه جلُّ المسلمين من هذه الآية، ولكن هل يتوقف الرشد عند هذا الحد فقط، أم أن الرشد يعني أن صلاح الإنسان وفساده متعلق بـ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وأن أكثر صلاح الإنسان إنما يكون حين يرفع الإكراه عنه، سواء أكان هذا الإكراه شعورياً أو لاشعوريا.

إن طبيعة الإنسان هي التي ستكشف أنّ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) هو الصلاح والرشد، وان الإكراه في الدين هو الغي والفساد. والذي سيكشف طبيعة الإنسان هو التاريخ، هو نمو الإنسان، وما يحدث له من نمو وتقدم مع تقلب الأيام، وصلاح الإنسان وفساده مسجل في تاريخ الأيام.

اذن ما الذي يعتقده المسلمون بخصوص حرية الاختيار الديني؟ تجيب الآية القرآنية (الآية 256 من سورة البقرة): "لا إكراه في الدين".. يبدو أن الأمر واضح، وأن الآية تشير إلى أن القرآن "ينصح ويدعو إلى التسامح الديني."

هل الأمر بهذه البساطة ؟؟!!!...

وهل تطبق على كل الناس... حيث ينبغي أن يصل المرء إلى الإيمان الحقيقي من خلال المحاولة والاختبار، والإكراه يفسد هذه العملية ؛ لأن الدين إنما جاء من أجل الإنسان و كماله ودفعه للإقتراب من صفات الله عزّ و جلّ في العدل و الرحمة و القدرة وغيرها وإن الإسلام لا يقبل الإكراه .. فالواقعية و الدفع نحو المشتركات وصولا إلى الإقناع .. هو المؤشر على النور في صخب الظلمات .. و"لا إكراه في الدين " ..

ان هذه الآية وغيرها من الآيات هي نصوص واضحة لمن يفهم اتجاه التاريخ وما وصل إليه بعض البشر في حماية عقائد الناس وآرائهم.

اذن الناس يمكنهم العيش متعاونين على البر والتقوى حين لا يدخلون في الدين بالإكراه والقوة، وهذا هو الرشد، ومن لا يقبل هذا فلينظر إلى التاريخ الماضي ماذا فعل الله للذين آمنوا بالإكراه في الدين، وإن لم يكف ما حدث في الماضي فانظروا ماذا سيحدث في المستقبل، وأصل هذه التصورات هو إبعاد الإكراه في مجال الأفكار والاعتقادات وإبعاد العنف والإكراه في صنع الاعتقادات وكذلك في صنع السياسة فإن السياسة التي تأتي بالإكراه لا يمكن أن تكون رشداً وهداية وتعاوناً على البر والتقوى وإنما هو غي وبغي وتعاون على الإثم والعدوان.

وهذا الموضوع واضح وحيوي جداً وسيضطر الناس جميعاً إلى أن يقبلوا الاختلاف في الآراء والعقائد والمذاهب والقادر على الإقناع هو الذي يكسب الرهان.والرهان الحقيقي هو أن تأتي بما ينفع الناس لأن قانون الله أن الزبد يذهب جفاء من المعتقدات والمذاهب ويمكث في الأرض ما ينفع الناس جميعاً، و الإكراه والعنف في الدين أو الاعتقاد يولد العنف المضاد وعدم الأمان.

فالإكراه لغةً، مشتق من كرَه، والاسم : الكَره بالفتح، وهو كلّ ما أكرهك غيرك عليه، والكُره بالضمّ : المشقّة، يقال : قمت على كُره، أي : على مشقّة، ويقال : أقامني فلان على كَره، إذا أكرهك عليه.

فالكُره بالضمّ هو فعل المختار، والكَره بالفتح هو فعل المضطر.

فالإكراه إذاً : هو حالة من حالات الإجبار التي يُحمل الفرد بواسطتها على النطق بشيء أو فعل شيء من غير رضاه وضد ارادته الحرة.

ويقصد بالارادة الحرة قدرة الانسان على توجيه نفسه الى عمل معين او الامتناع عنه وهذه القدرة لا تتوافر لدى شخص الا اذا انعدمت المؤثرات التى تعمل فى ارادته وتفرض عليه اتباع وجهة خاصة.

و هنا يأتي الاكراه المادى العنف وهو عبارة عن فعل مباشر يقع على الشخص وفيه مساس بجسده ويمثل اعتداء عليه ويكون من نتيجتة أن يسلب الارادة نهائيا بحيث يشل حرية الاختيار أو يؤثر فيها نسبيا فيترك لها فرصة للتعبير ولكن على غير رغبتها وفى كلتا الحالتين يصبح الاجراء باطلا .

وقد يكون الاكراه معنويا وله صور متعددة مثل التهديد وهو عبارة عن ضغط يمارسه شخص على ارادة شخص آخر لتوجيهها الى سلوك معين ويستوى فى ذلك أن يكون التهديد بايذاء الشخص فى شخصه أو فى ماله أو بايذاء انسانا عزيزا له .

ولما كان إلاكراه مصدره كره ويراد به كل ما اكرهك غيرك عليه بمعنى انه اقهرك على فعله او تركه فقد ذكر اللغويون فرقا بين الُكرْه والكَرْْه فالاول هو فعل المضطر والثاني هو فعل المختار، فمن اجبر على تناول الماء بان يفتح حلقه ويلقى فيه يسمى كرها اما من هدد حتى شرب الماء فيسمى كرها. اما في المعنى الاصطلاحي فقد قال التفتازاني بأن ألا كراه هو حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه ولا يختاره يختار مباشرته لو خلي ونفسه اما عبد العزيز البخاري الحنفي فعرفه بانه حمل الغير على امر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على ايقاعه ويصير الغير خائفا به. وعرفه السرخسي الحنفي بانه اسم لفعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه او يفسد به اختياره، ولعل ادق التعاريف هي التي اوردها الشيخ الانصاري بقوله الاكراه حمل الغير على ما يكره. ومن كلام هؤلاء العلماء يعلم ان الاكراه درجة من درجات الاجبار على فعل شيء او النطق بكلام او ترك من غير رضا صاحبه ولا باختياره.

وكلّ ما جاء في تعريف الإكراه اصطلاحاً من الفريقين ، وإن اختلفت ألفاظه ،إلاّ أنّها تؤدّي إلى نفس المعنى ، وهو كون الإكراه حالة من حالات الجبر الناشئة من الغير لإرغام الآخرين على فعل ما أو قول معيّن ، بحيث يكون الشخص المُكْرَه غير راض به وغير مختار له ; لأنّ الإكراه في واقع الأمر يكون في مقابل الرضا والاختيار ، فيشترط في تحقّق الإكراه انتفاء الصفتين الأخيرتين وهما الرضا والاختيار .

ومن هنا نعلم أنّ واقع الإكراه وتحقّقه متوقّف على توافر أركان ، وبانتفاء أحد هذه الأركان ينتفي الإكراه ككلّ .

ان الإسلام ينظر نظرة خاصة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى. سواء أكانوا في دار الإسلام أم خارجها.

فالقرآن لا يناديهم إلا بـ (يا أهل الكتاب) و(يا أيها الذين أوتوا الكتاب) يشير بهذا إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي، فبينهم وبين المسلمين رحم وقربى، تتمثل في أصول الدين الواحد الذي بعث الله به أنبياءه جميعا: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" (الشورى:13).

والمسلمون مطالبون بالإيمان بكتب الله قاطبة، ورسل الله جميعا، لا يتحقق إيمانهم إلا بهذا: "قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (البقرة: 136).

وأهل الكتاب إذا قرؤوا القرآن يجدون الثناء على كتبهم ورسلهم وأنبيائهم. وإذا جادل المسلمون أهل الكتاب فليتجنبوا المراء الذي يوغر الصدور، ويثير العداوات: "وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنكبوت: 46).

وقد رأينا كيف أباح الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب وتناول ذبائحهم. كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم مع ما في الزواج من سكن ومودة ورحمة. وفي هذا قال تعالى: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ" (المائدة: 5).

هذا في أهل الكتاب عامة. أما النصارى منهم خاصة، فقد وضعهم القرآن موضعا قريبا من قلوب المسلمين فقال: "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" (سورة المائدة: 82).

أن المقيمين في ظل دولة الإسلام منهم لهم وضع خاص، وهم الذين يسمون في اصطلاح المسلمين باسم (أهل الذمة) والذمة معناها: العهد. وهي كلمة توحي بأن لهم عهد الله وعهد رسوله وعهد جماعة المسلمين أن يعيشوا في ظل الإسلام آمنين مطمئنين.

وهؤلاء بالتعبير الحديث (مواطنون) في الدولة الإسلامية، أجمع المسلمون منذ العصر الأول إلى اليوم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، إلا ما هو من شؤون الدين والعقيدة، فإن الإسلام يتركهم وما يدينون.

وقد شدد النبي -صلى الله عليه وسلم- الوصية بأهل الذمة وتوعد كل مخالف لهذه الوصايا بسخط الله وعذابه، فجاء في أحاديثه الكريمة: "من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله"."من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه، خصمته يوم القيامة"."من ظلم معاهدا، أو انتقصه حقا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة".

إن الإسلام يحترم الإنسان من حيث هو إنسان فكيف إذا كان من أهل الكتاب؟ وكيف إذا كان معاهدا أو ذميا؟

مرت جنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام لها واقفا، فقيل له: "يا رسول الله إنها جنازة يهودي؟! فقال: أليست نفسا"؟! بلى، وكل نفس في الإسلام لها حرمة ومكان.

ويقول في تهنئة اليهود والنصارى في أعيادهم:

هذه حقوق مشتركة، فإذا كان الكتابي يأتي ويهنئك ويعيد عليك في عيدك ويشارك في أتراحك ومصيبتك فيعزيك بها، فما المانع من أن تهنئه بعيده وفي أفراحه وتعزيته في مصيبته؟ الله سبحانه يقول: "وإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" (النساء: 86).

لذا يجب على الجميع مناهضة الإكراه الديني و تنقية الأجواء الوطنية من أية شوائب طائفية ... وعليهم أن يثبتوا حسن النوايا وحسن الخلق .

وإذا كان الإكراه والتزمت والتهور والانغلاق هي عادات وسلوكيات سيئة جدا يجب أن نحاربها , فإنها ايضا آفات يجب أن لا نغمض العين عنها لأنها آفات تدمر مجتمعنا وتؤدي الى سلب شعور الانسان وتحطيم لإرادته الواعية.

وان المحبة والتسامح والأخوة الإنسانية تحتاج إلى محبة وتسامح وأخوة تقابلها وتضاهيها، أما ما عدا ذلك فهو افتراء على العقل البشري، والمشاعر الإنسانية، وخرق لكل قوانين ونواميس العدالة الكونية. 

الإكراه الثقافي للعولمة(4)

يصدق الإكراه الثقافي على ما يوضع من آليات لصَرف الباحث عن مدارسة المادة الثقافية التي خلَّفها السلفُ في مجال تخصصه، وتوجيهه إلى تعلم مثلها ضمن ما أنتجتَه الحضارة المعاصرة. وبنقل هذا المعنى الذي ذكرناه إلى حقل اللسانيات خاصة تكون آليات الإكراه اللساني على ضربين: يتمثل أولهما في إتقان الغربيين لصنعة الصياغة العلمية لأعمالهم اللسانية، فاجتمع فيها من الخصائص البنيوية والوصايا النظرية ما يغري بالإذعان لها وتقليد أصحابها. من تلك الخصائص والوصايا نذكر ما يلي:

1 ـ إحكام البناء المنطقي للنماذج النحوية المعاصرة حتى إذا قُورنت، من هذه الجهة، بلغويات العربية نشأت بينهما هوة معرفية واسعة، وارتفعت حظوظ إهمال المحي وتقليد الجديد العصري.

2 ـ تأطير النماذج النحوية بنظريات لسانية يستدل من خلالها على كلية مبادئ النحو وقواعده، وعلى صلاحيته لوصف جميع اللغات البشرية، وإن كانت قواعد النحو الكلي مستنبطة من لغة خاصة كالإنجليزية. ولإتقان عملية الاستدلال قد لا يظهر الخلل في مثل هذه العبارة ونحوها الكثيرة: ((ما ثَبَت صحتهُ في اللغة الإنجليزية يتوقع أن يكون كلياً يستغرق جميع اللغات البشرية)).

3 ـ تصنيف اللغات البشرية باعتبار علاقاتها بتقويم النظرية اللسانية إلى صنفين، لغات مركزية فاعلة كالإنجليزية تؤثر في النظرية اللسانية بسبب جوهريتها واكتمال نضجها، ولغات هامشية منفعلة كالعربية ونحوها الكثير تتأثر بالنظرية ولا يؤخذ بها في تقويم النظرية والحكم عليها.

4 ـ إذا تعارضت توقعات النظرية اللسانية مع معطيات اللغات المنفعلة وجب تغيير المعطيات وتكييفها والمحافظة على النظرية وتحصينها من النقض. وعليه ليس للمستعين بنظرية غيره في وصف لغته الخاصة أن يغير شيئاً في البناء المنطقي للنظرية، لكن له أن يغير في البناء النسقي للغته حتى يعود التوافق بينهما.

5 ـ يمكن توسيع النظرية اللسانية المستنبطة من نحو اللغة الإنجليزية حتى تنطبق قواعدها على سائر اللغات البشرية، ولا يجوز العكس، إذ لا تنطبق على الإنجليزية قواعد النظرية الموسعة المستنبطة من لغات أخرى. فمع إقرار صاحب النحو الكلي بكون اللغات البشرية منقسمة إلى لغات شجرية، كالإنجليزية والفرنسية ولغات غير شجرية كالعربية واليابانية، فإنه لا يكف عن تصريحه المتكرر باستحالة تطبيق قواعد النمط الثاني من اللغات على لغات النمط الأول، وبإمكان توسيع الإطار النظري للغات الشجرية ليتناول اللغات غير الشجرية.

6 ـ إذا تعارض وصف النحاة القدماء للغاتهم، كوصف سيبويه للعربية مثلاً، مع وصف النظرية اللسانية المعاصرة لنفس اللغة وجب تغليب الوصف الأخير، لأنه يستجيب للشروط العلمية والصياغة الرياضية، ونَعتُ صاحب الوصف القديم بالغفلة وقصور النظر.

إن النماذج الستة المسرودة أعلاه كافية لتوضيح القسم الأول من آليات الإكراه اللساني. إلا أن محتوى هذا الفرع لا يكون له المفعول المطلوب بغير وجود طائفة من (التقليديين الحداثيين)، وهذا المصطلح استعرناه من الدكتور طه عبدالرحمن كما وظفه في أ‘ماله الأخيرة. وبدعاوى هؤلاء يكتمل جهاز صرف الباحث عن الاشتغال بثقافة السلف في مجال تخصصه، وشغله بالتقليد المطلق لأفكار المعاصرين. ولأهمية هذا المكون في آلية الإكراه الثقافي سنفرده بالمبحث الموالي.   

الإكــراه

حقيقته.. مقوّماته.. حكمه(5)

       بحث مقارن يعتمد على مصادر أهل السنة والشيعة يوضح الرأي الاسلامي في موقف الإنسان المسلم والجماعة المسلمة في حالة الإكراه . وهي دراسة فقهية عملية طالما تواجه الافراد والجماعات في حياتهم الخاصة والاجتماعية.

حقيقة الإكراه لغة واصطلاحاً

      الإكراه - لغةً - مأخوذ من الكره. والكره، بضم الكاف وفتحها، هو الإباء والمشقة. وهو أيضا - بالضم - ما أكرهت نفسك عليه - وبالفتح - ما أكرهك غيرُك عليه.

      ويبدو من تعريف الفقهاء وعلماء أصول الفقه للإكراه أنّهم لم يصطلحوا عليه بما يختلف عن معناه اللغوي حيث عرّفه بعضهم بـ : حمل الغير على أن يفعل مالا يرضاه ولا يختار مباشرته لو خُلِّي ونفسه(2).

      وعرَّفه آخر بـ : "حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه ويصير الغير خائفاً به"(3).

      وعرَّفه ثالث بـ :"حمل الغير على ما يكرهه"(1).

      أما ماورد عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام): "لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في إكراه". حيث جعل الجبر غير الاكراه، فهو من باب التفصيل في أنواع الإكراه بحسب المكره، ولذا عندما قال له السائل: "أصلحكَ الله فما الفرق بين الجبر والإكراه؟" قال: "الجبر من السلطان ويكون الإكراه من الزوجة والأم والأب وليس ذلك بشيء"(2).

      ومما يؤيد أن الجبر نوع من الإكراه سؤال الراوي عن الفرق بين الجبر والإكراه، ممّا يدل على أنَّهما معاً بمفهوم واحد. بل المروي عن أبي حنيفة: "إن الإكراه لا يتحقَّق الا من السلطان لِما أن المنعة له والقدرة لا تتحقق بدون المنعة"(3).

مقوّمات الإكراه

      والإكراه بمفهومه المتقدِّم يتقوَّم بأربعة أُمور:

      الأول: المُكرِه (بكسر الراء):

      وهو من يحمل غيره على القيام بفعل أو قول يكره القيام به. ولا يُسمّى الانسان مكرِهاً مالم يكن قادراً على تنفيذ ما هَدَّد به المُكره ، فالعاجز عن التنفيذ يكون تهديده ووعيده لغواً.

      الثاني: المُكْرَه (بفتح الراء):

      وهو من توعَّده غيره بالإضرار به لو لم يفعل ما أُريد منه، ويشترط فيه من أجل انطباق مفهوم الإكراه عليه أن يكون ظانا أو عالما بـإيقاع الضرر به،  بحيث يولِّد له هذا الظن أو العلم خوفاً من وقوع ما هُدِّد به. فلولم يحصل له حتى الظن لا يُسمى مكرَهاً (4).

ــــــــــــــــــــ

1- المكاسب ، تحقيق جامعة النجف الدينية ج 8 ص 65. ط. النجف 1392هـ .

2- وسائل الشيعة ، للحر العاملي ج 16 ص 143 باب 16 حديث رقم (1).

3- الهداية، لعلي المرغيناني ج 3 ص 275. ط. الحلبي - مصر (غير مؤرَّخ).

4- المشهور بين المذاهب الاسلامية تحقّق الإكراه بظن الضرر أو العلم به وينسب الى بعض الحنابلة إشتراط مسّ الأذى فعلاً بالمكره، ولا يكفي عند هذا البعض حتى العلم بوقوع الأذى فضلاً عن الظن به. أنظر المكاسب ج 8 ص 76م، س . والهداية ج 3 ص 275م. س. والمغنى لابن قُدامه ، ج 7، ص 11. ط. المدينة المنورة 342هـ .

      الثالث: المكره به:

      وهو ما هُدِّد به المكره من ضرر يلحق به لو لم يستجب لما طُلِب منه أن يقوله أو أن يفعله. سواء أكان الضرر المتوعد به متعلقاً بنفسه أو ماله أو عرضه أو أهله ممن يكون ضرره راجعاً الى تضرّره وتألـّمه(1). فلو هُدِّد بإيقاع الضرر بمن لا يمت اليه بصلة حتى صلة الايمان لا يُسمى مكرهاً.

      الرابع: المكره عليه:

      وهو القول أو الفعل الذي يطلب القيام به ، مع كراهته وعدم صدوره من الفاعل لولا تهديده بالضرر لولم يفعل ما طلب منه. فلو كان غيره كارهاً لما طلب منه لا يُسمّى مكرهاً وإن هدَّده غيره وتوعَّده بالضرر.

      وبهذه المقوّمات الأربعة يتحقَّق مفهوم الإكراه. وبفقد واحد منها لا يتحقَّق.

أدلّة حكم الإكراه

      وقبل أن ندخل في الحديث عن أحكام الإكراه، علينا أن نجعل نصب أعيننا الأدلّة العامّة لهذه الأحكام لنبني عليها النتائج المطلوبة.

      وتنحصر الأدلَّة العامة بالأحاديث الشريفة، وهي:

      1- حديث محمد بن علي بن الحسين(عليه السلام)، قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله) "وضِعَ عن أُمتّي تسعة أشياء: السَّهو والخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه..."(2).

ــــــــــــــــــــ

1- ومثَّل له الشيخ الأنصاري بالأب والولد والمؤمن. ونَسَب هذا الرأي الى الشرائع والسرائر والتحرير والروضة البهيَّة وغيرها ، الا انه بالنسبة الى ضرر بعض المؤمنين وإن جوَّز فعل المحرَّم لدفعه ولكنّه أخرجه عن مفهوم الإكراه.

2- روي الحديث باختلاف يسير في اللفظ في:

      أ - إرشاد الساري شرح صحيح البخاري ج 9 ص 455.

      ب - التهذيب، للشّيخ الطوسي ج 1 ص 152 .

      ج - وسائل الشيعة للحرّ العاملي ج 1 ص 32 .

      د - الخصال ، للشّيخ الصَّدوق ج 1 ص 46 و 83 .

      2- حديث اسماعيل الجعفي عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق(عليه السلام)  قال:  "وضِعَ عن هذه الأمّة ستُّ خِصال: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه...)(1).

      3- عن الامام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): وضع عن أُمَّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(2).

      4- عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : "وضع عن أُمتي ما أُكرهوا عليه..."(3).

      5- عن الشافعي، أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: "رُفِعَ عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(4).

      6- عن الامام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): "عفي عن امتي ثلاث: الخطا والنسيان والاستكراه"(5).

مفاد الأدلَّة

      يفيد الدليل السادس عفو الشارع المقدَّس عمّن فعل فعلاً يستحق العقوبة عليه لو لم يكن مُكرهاً. وواضح أن العفو لايدلُّ على إباحة الفعل، وإنّما يدل على رفع العقوبة عليه فقط. وتشترك الأدلَّة الأخرى بكلمة وضع وما بمعناها وهي كلمة رفع.

ـــــــــــــــــــــ

1- وسائل الشيعة م . س . ج 16 ص 144 كتاب الإيمان.

2- وسائل الشيعة م. س . ج 16 ص 144 كتاب الإيمان.

3- وسائل الشيعة م. س. ج 16 ص 144 كتاب الإيمان.

4- المغني والشرح الكبير لابن قُدامة ج 5 ص 273 ط. المكتبة السَّلفية المدينة المنورة 1342هـ .

5- وسائل الشيعة م. س. ج 16 ص 144 .

      فوضع أو رفع الشارع عن الأمة تضمَّنته الأحاديث الخمسة من إكراه وخطأ ونسيان ونحوها وإنّما هو الوضع والرفع التشريعي وليس الوضع أو الرفع التكويني. لأن الخطأ والنسيان والإكراه واقع في الخارج، والمرفوع في هذه الاخبار ما من شأن المشرع رفعه، وهو أحكامه الصادرة عنه المتعلّقة بأفعال المكلّفين أو بمتعلقاتها. لأن مفهوم الرفع عرفاً هو إزالة الوجود مع وجود المقتضي لبقائه، مثال ذلك: أن للشارع أحكاماً أولية مثل حرمة شرب الخمرة ووجوب الصوم، فإذا عرض الإكراه على الشرب أو تناول المفطِّر يحكم الشارع برفع الآثار المترتّبة على حرمة شرب الخمرة وتناول المفطِّر، من حدٍّ على الشرب وكفارة على الإفطار وعقاب أخروي عليهما.

      واختلف العلماء في المرفوع بأحاديث الرفع، هل هو جميع الآثار المترتبة على الموضوعات بحسب أحكامها الأوليَّة أو أن المرفوع بهذه الأحاديث بعض الآثار دون بعض آخر؟

      الرأي الأوّل: إن عروض الإكراه علّة لارتفاع الحكم، سواء كان حكماً وضعياً أم كان تكليفياً، ومؤدّى هذا الرأي أن الإكراه على فعل الحرام أو ترك الواجب أو فعل المكروه أو ترك المستحب، يرفع الأحكام الأوليَّة للفعل أو الترك.

      فالحكم الأوّلي لشرب الخمر وترك الصلاة هو التحريم ، فإذا أُكره المرء على هذا المحرَّم يرتفع تحريمه. وتبعاً لارتفاع التحريم ترتفع جميع الآثار التي كانت مترتِّبة على فعل المحرَّم من إثم وعقاب وكفّارة ونحوها.

      وفي الأحكام الوضعية كذلك، فالشارع حَكَمَ بسببيَّة عقد الزواج لثبوت الزوجيّة وما يتبعها من آثار، وحَكَم بسببية عقود المعاوضات لنقل الملكيّة، وحكم بسببية إيقاع الطلاق والعتق للفراق والحريَّة، فإذا أكره المرء على أحد هذه الأسباب ارتفع حكم الشارع بهذه السببيّة، وتبعاً لارتفاع الحكم ترتفع جميع آثاره الشرعيَّة ويقع العقد أو الايقاع لاغيين.

      الرأي الثاني: إنَّ الرفع في الأحاديث وارد للامتنان على العباد، وتحصل المنَّة عليهم فيما إذا كان المرفوع في الأحاديث هو المؤاخذة والأحكام المتضمنة لها، سواء

أكانت الأحكام تكليفيَّة أم وضعيّة، ففي الأحكام التكليفية لا يؤاخذ المكره على محرَّم ولا يلزم بعقوبة، وأما الأحكام الوضعية فلا يلزم بعقد أو إيقاع قد أكره عليه. إلا أنه لو أراد بعد زوال الإكراه تنفيذ ما أوقعه من عقد أو إيقاع وترتيب الأثر عليه، فله ذلك، وله إلزام الطرف الآخر في تنفيذ المعاملة، لأن الرفع في الحديث ورد ليرفع الضرر عن المكره لا ليرفع كل أثر ولو كان نفعاً له، فإن رفع الآثار النافعة ينافي الامتنان(1).

آثار الإكراه

وبعد أن تعرَّفنا على الإكراه وأدلَّته ومفادها . ننتقل الى بيان آثاره بالنسبة للأمور الآتية:

1- الإكراه والأُمور الاعتقاديّة:

قد يُكره الانسان على النطق بما ينافي الاعتقاد الواجب، كإنكار الإله أو النبوة أو المعاد ونحوها. ولا خلاف بين المسلمين في الرخصة بمثل هذه الأقوال لدى تحقّق الإكراه عليها. وممّا يدل على هذه الرخصة: ما قاله علي(عليه السلام)وهو على منبر الكوفة: إنكم ستُدعون الى سَبّي فسبوني ثمَّ تدعون الى البراءة مني وأنا على دين محمد(صلى الله عليه وآله)، فقال له السائل: أرأيت أن اختار القتل دون البراءة؟ فقال واللّه ما ذلك عليه وماله إلا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكَّة وقلبه مطئمن بالإيمان فأنزل اللّه عزَّ وجل فيه: (إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فقال له النبي(صلى الله عليه وآله) عندها: "يا عمار إن عادوا فَعُد. فقد أنزل اللّه عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا"(2).

      وعن أبي عبد اللّه جعفر الصادق(عليه السلام):

      أن رجلاً أتى النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: أوصني فقال: "لا تشرك باللّه شيئاً وإن أحرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان..."(3). وعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) في رجلين.

ـــــــــــــــــــــ

1- المكاسب : 8/114 .

2- وسائل الشيعة م. س . ج 6 مجلد 11 ص 476 .

3- وسائل الشيعة م. س . ج 6 مجلد 11 ص 476 .

أخذا فقيل لهما: ابريا عن أمير المؤمنين، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر، فَخُلّي سبيل الذي برئ وقُتِلَ الآخر. فقال: "أمّا الذي برئ فرجل فقيه في دينه، وأمّا الذي لم يبرأ فرجل تعجَّل الى الجنّة"(1). وهذه الأحاديث ونحوها تدل على أن الإكراه على القول مرخَّص به مالم يؤثر على الإيمان القلبي. ولا تترتَّب عليه مؤاخذة. ولكن لو صمد ووطَّن نفسه حتى على القتل فهو مأجور على ذلك(2).

2- الاكراه وحقوق اللّه:

      كأن يُكرَه الانسان على فعل محرَّم دون أن يكون له مساس بالعباد ، كترك الواجبات من صيام أو صلاة، أو فعل المحرَّمات كشرب الخمر وأكل الميتة ولبس الذهب للرجل ونحوها. وهذا أيضا ممّا رخَّص به الشارع ورفع المؤاخذة عليه(3)، بل ربما يجب في حالة ترتّب ضرر جسيم بتركه، كالقتل وهتك العِرض وما شابهه. نعم في حالة الإكراه على ترك عبادة يجب قضاؤها بعد زوال الإكراه إن كانت مِمّا تُقضى كالصَّلاة والصيام. ولاخلاف بين المذاهب الاسلامية في هذه المسألة(4).

3- الاكراه على المعاملات:

      يرى بعض الإماميّة من علماء المسلمين: أن الإكراه المُسوِّغ للمحظورات هو الإكراه بمعنى الجبر، أمّا الإكراه الرافع لأثر المعاملات بعامة فهو ما كان بمعنى الجبر أو بما دونه ممّا يؤدي الى عدم طيب النفس في المعاملة، فالإكراه المسوِّغ للمحظورات أخص من الإكراه الرافع لأثر المعاملات. والإمامية يشترطون في المعاملات القصد الحاصل عن طيب النفس، مستدلين على ذلك:

ــــــــــــــــــــ

1- وسائل الشيعة م. س . ج 6 مجلد 11 ص 476 .

2- الهداية م. س ج 3 ص 277 و ص 279 .

3- وفرَّق أبو حنيفة في الإكراه على الزنا بين أن يكون الإكراه من السلطان فلا يجب الحد، وبين أن يكون من غير السلطان فيجب الحد عقوبة. الهداية م. س ج 3 ص 279 .

4- ولكنَّهم إختلفوا فيمن يمكنه التخلّص بتورية وغيرها، هل يجب عليه التخلص أولا؟ إنظر المكاسب م. س ج 8 ص 68 وما بعدها. والهداية م. س . ج 3 ص 277.

      1- بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)(1).

      2- بالحديث القائل: "لايحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه"(2).

      3- الأحاديث الواردة في اشتراط الارادة في صحة الطلاق، بل الاحاديث الواردة في فساد طلاق من طلَّق مداراة لأهله من غير إرادة الطَّلاق. كحديث: "لاطلاق إلا لمن أراد الطلاق"(3).

      وعلى هذا; فالاكراه ينافي التراضي وطيب النفس والارادة، وبوجودهِ لا تصحُّ المعاملة ولا يترتَّب عليها أثرها الشرعي. وبما أن المكره لا قصد له الى مدلول اللفظ، وهو مكره على المعاملة ولم يقصد إنشاءها بل هو قاصد للفظ فقط، فتقع المعاملة لاغيةً، ولا يصحِّحها بعدئذ رضا المكره عند زوال الإكراه(4).

وهذا هو رأي بعض الإماميّة والحنابلة والشافعيَّة والمالكيَّة(5).

 وذهب البعض الآخر من الإمامية الى أنَّ المكره قاصد للمعنى، للفرق بينه وبين من يتكلَّم تقليداً أو تلقيناً كالطّفل الجاهل بالمعاني . غير أنّ القصد المفقود بالإكراه هو القصد الى وقوع أثر العقد، لا عدم إرادة المعنى من الكلام، فيتحقّق مع الإكراه وجود العقد، ولكن لا يترتَّب عليه أثره الشرعي وهو حِلّية المال وانتقاله لعدم طيب

ـــــــــــــــــــــ

1- النساء / 29 .

2- المكاسب ج 8 ص 45، وفي مستدرك الوسائل ج 3 ص 146 ح 1: (المسلم أخو المسلم لا يحل ماله إلا عن طيب نفس منه). أنظر هامش المكاسب ج 6 ص 180 - 181 .

3- أنظر وسائل الشيعة ج 7 مجلد 15 ص 285، باب 11، وص 332 باب 38 .

4- أنظر المكاسب ج 8 ص 111. وهو في ص 51 وما بعدها ينسب هذا الرأي الى الشهيدين الجزّيني والعاملي، والعلامة الحُلّي مستدلين عليه بالأخبار الواردة في طلاق المكره. كما في الجزء 15 من الوسائل الباب 37 ص 331 - 332 .

5- انظر: اعلام الموقّعين عن ربّ العالمين لابن قيم الجوزية ط . السعادة / مصر 1274 هـ . ج 3 ص 108 ، والمغني لابن قُدامة، م. س ج 7 ص 118، والهداية م. س ج 3 ص 278.

النفس، فإذا تعقبت العقد موافقة المكره على إمضاء العقد ترتيب آثاره كعقد الفضولي. مضافاً الى أن أحاديث الرفع وردت للامتنان لا للإلزام ، ويتحقَّق الامتنان بأن يُترك الخيار للمكره بعد رفع الاكراه إن شاء أمضى العقد وإن شاء أبطله، أمّا لو قلنا ببطلان العقد مع الإكراه صار الحكم إلزامياً للمكره، وهو خلاف الامتنان الوارد في أحاديث الرفع(1) .

      ويتَّفق الأحناف مع هذا البعض من الإمامية بالنسبة الى المعاملات التي تحتمل الفسخ ولا تصح مع الهزل كالبيع، وحجَّتهم أن الإكراه بعدم الرضا لا الاختيار، والرضا شرط للصحة للانعقاد، فتقع هذه المعاملات فاسدة تصحِّحها الإجازة اللاحقة.

      أمّا بالنسبة الى المعاملات التي تحتمل الفسخ ولا تبطل بالهزل كالنكاح والطلاق والرجعة، ثبت حكمها ووقعت صحيحة نافذة ولا أثر للإكراه فيها(2).

والرّاجح أنَّ المعاملة - عقداً كانت أم إيقاعا - إنّما جعلها الشارع سبباً في التأثير إذا اتّصفت برضا موقّعها، ولا يكفي في تأثيرها وجود ذات العقد مجرَّداً عن الرضا، وبما أن الإكراه ينافي الرضا، فالمعاملة الواقعة تحت تأثيره لا تترتَّب عليها آثارها الشرعيّة.

      نعم إذا وردت أدلَّة تفيد تصحيح المعاملة إذا تأخَّر رضا صاحبها عن إنشائها كما في بيع الفضولي ، فحينئذ تصح المعاملة المكره عليها إذا رضي المكره بإمضائها بعد زوال الإكراه.

      وأمّا في مثل النكاح والطلاق ونحوهما ممّا لم يقم الدليل على صحة المعاملة الفضولية فيه وإن تعقبتها الإجازة، فلا يصحّحها تعقّب رضا المكره بعد زوال الإكراه، ولا بدَّ من اقتران إنشاء الصيغة بتوفّر شروطها، ومنها الرضا.

 ولذا ورد في:

1- المكاسب، ج 8 ص 114 .

2- الهداية م. س . ج 3 ص 275 وما بعدها. والوجيز في أُصول الفقه، لعبد الكريم زيدان ص 134 ط. بغداد 1977م.

الحديث الشريف: "لا طلاق لمن لم يرد الطلاق".

ـــــــــــــــــــــ

4- الإكراه على الاقرار:

      الإقرار هو الاعتراف. وهو إخبار على وجه ينفي التهمة والريبة، لأنَّ العاقل لا يكذب على نفسه كذباً مضراً بها، ولهذا كان آكد من الشهادة. مثل الإقرار بجناية أو بحق لآخر، ولاخلاف - فيما أعلم - في أن الأقرار الناتج عن إكراه لا يترتَّب عليه أثر شرعي، فلو اُكره المرء على الأقرار بجناية أو حقّ لآخر فلا يؤاخذ بإقراره. لأن الإقرار إنّما يترتَّب عليه أثره إذا كان كاشفاً عن حق على المقر، ومع الإكراه لا يتحقَّق هذا الكشف. وأحاديث الرفع صريحة وشاملة لرفع أثر الإقرار عن إكراه(1).

5- الإكراه على ضرر الغير:

      قلنا: إنّ أحاديث الرفع والوضع تفيد علِّية الإكراه لارتفاع الحكم التكليفي والوضعي - على الرأي الأول في مفاد هذه الأدلة - أو تفيد  عليَّة الإكراه لارتفاع الاحكام التي تترتّب عليها المؤاخذة - كما هو الرأي الثاني في مفاد الأدلّة - وتحدثنا عن تطبيق هذين الرأيين على الأقوال والأفعال التي لا يلزم من القيام بها ضرر على الآخرين ، مثل الاعتقادات والعبادات وحقوق اللّه الأخرى والمعاملات والإقرارات.

      فلو اُكره المرء على ما يتضَّرر به غيره كالقتل والجرح وغصب المال وإيذاء الآخرين ونحوها، فهل تصلح أدلَّة الرفع التحريم أو رفع المؤاخذة؟ أم إنّها تختص بما إذا كان الفعل المكره عليه لا يسبّب ضرراً على آخر؟

      ليس من السهل إعطاء إجابة واحدة جامعة لكل فروع المسألة، لأن نوع الإكراه يختلف باختلاف الضرر المهدد به المكره لو لم يفعل، كما أنّ حجم الضرر المراد إيقاعه بالآخرين أيضا يختلف. لهذا علينا أن نتحدَّث عن بعض صور المسألة من خلال هاتين الحيثيتين:

      1- الصورة الأُولى: الإكراه على قتل مسلم:

ـــــــــــــــــــــ

1- اُنظر المغني والشرح الكبير  ج 5 ص 272 - 273. والهداية ج 3 ص 180. وشرائع الاسلام للمحقق الحُلي ج 4 ص 151. ط. النجف المحققة 1969م.

      وهو لا يبيح القتل ولا يرفع المؤاخذة عليه حتّى لو هُدِّد المُكره بالقتل لو لم يفعل. وهذا مما صرَّح بعضهم بانعقاد الإجماع عليه، سواء أكان المراد قتله صغيراً أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، عالما أم جاهلا، حرّاً أم عبداً (1).

      لأن أدلة نفي الحرج ونفي الإكراه وإن كانت بعمومها تقتضي جواز المحظورات، إلا أنها شرعت لدفع الضرر وحقن الدم، فإذا بلغ الإكراه إراقة الدم فإنّه لا يرفع التحريم ولا المؤاخذة(2). فلا يستباح دم المسلم لمثل هذه الضرورة ، وعلى المكره أن يصبر حتى يُقتل !! ولا يحقّ له قتل المسلم(3).

      2- الصورة الثانية: الإكراه على جرح مسلم أو قطع بعض أعضائه مما لا يؤدي الى قتله والمنسوب الى الشيخ الطوسي في هذه المسألة أنَّ الإكراه لا يرفع الحرمة ولا المؤاخذة، مستدلاً على رأيه هذا بإطلاق كلمة الدم الواردة في الخبرين ، وهما:

      أ- عن أبي جعفر محمد الباقر(عليه السلام): إنّما جعل التقية ليحقَن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة(4).

      ب - عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق(عليه السلام): إنّما جعلت التقية ليحقَن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقيَّة(5).

      وبموجب هذا فالإكراه لا يسوغ جرح مسلم أو قطع عضو منه حتى لو هدِّد

ـــــــــــــــــــــ

1- المكاسب م. س. ج 4 ص 356 - 357 وقد نقل الاجماع عن بعض الامامية.

2- المراد بدليل نفي الحرج قوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) "الحج / 78" وأدلّة نفي الإكراه هي ما ذكرناه في الصفحات السابقة من أحاديث ، مثل (رفع عن أُمّتي ما أكرهوا عليه).

3- المكاسب ج 4 ص 356 وما بعدها . والهداية ج 3 ص 278.

4- وسائل الشيعة ج 6 مجلد 11 ص 483. وأُصول الكافي ص 419 للكليني، ولعلَّ الصحيح جعلت وبلغت.

5- وسائل الشيعة ج 6 مجلد 11 ص 483. وأُصول الكافي ص 419 للكليني، ولعلَّ الصحيح جعلت وبلغت.

المكره بالقتل(1).

    وذهب بعض الإمامية الى أن الظاهر من الدم المتَّصف بالحقن في الخبرين هو الدم المؤدي الى الموت، فلو هدِّد شخص بالقتل لو لم يجرح مسلما أو يقطع عضواً من أعضائه، يكون والحالة هذه مشمولاً بعموم نفي الحرج ونفي الإكراه، وبالتقية ، فيرخص في الإقدام على تنفيذ ما طلب منه، حقناً لدمه وحفظاً لنفسه(2).

      أمّا لو كان الإكراه ناتجاً عن تهديد بسلب مال، أو جرح دون القتل، أو سجن ، أو نحو ذلك ممّا هو دون إزهاق النفس ، فلا يجوز والحالة هذه جرح المسلم أو قطع عضو منه، وعلى المكره أن يصبر على ما هُدِّد به.

      3- الصورة الثالثة: الإكراه على ضرر المسلم بما دون القتل والجرح والقطع، من أخذ ماله أو إهانته أو غيرهما من أنواع المظالم.

      وتتشعَّب هذه الصورة الى فروع تتعذَّر الإحاطة بها، لأن كل نوع من أنواع الإضرار بالغير إذا نُسِب الى الضَّرر المهدَّد به المكره ينتج فرعاً من فروع هذه الصورة.

      ولنذكر نماذج لهذه الفروع:

      أ- الإكراه على هتك عِرض الغير بزنا ونحوه، مع أن الضرر المهدَّد به المكره قتل.

      ب - الاكراه على هتك عِرض الغير بزنا ونحوه مع أن الضرر المهدَّد به المكره جرح أو قطع عضو.

      ج - الإكراه على هتك عرض الغير بزنا ونحوه مع أنَّ الضرر المهدَّد به المكره دفع مال.

ـــــــــــــــــــــ

1- الناقل لرأي الشيخ الطّوسي هو الشيخُ الأنصاري في المكاسب ج 4 ص 36. وهو أيضاً نقل الرأي الآخر عن الروضة البهية والمصابيح والرياض كما في ص 362 من الجزء الرابع.

2- الناقل رأي الشيخ الطّوسي هو الشيخُ الأنصاري في المكاسب ج 4 ص 36. وهو أيضاً نقل الرأي الآخر عن الروضة البهية والمصابيح والرياض كما في ص 362 من الجزء الرابع.

      د - الإكراه على هتك عرض الغير بزنا ونحوه مع أن الضرر المهدَّد به المكره هتك عِرضه.

      هـ - الإكراه على غصب مال أو إتلافه مع أن الضرر المهدَّد به قتل، أو جراح، أو قطع أعضاء، أو دفع مال، أو إتلاف مال، أو هتك عرض، أو إهانة.

      و - الإكراه على إهانة مؤمن مع أنّ الضرر المهدَّد به قتل أو غيره من الفروع المذكورة في الفرع (هـ).

      ويعرف حكم كل هذه الفروع وغيرها من الرجوع الى الأدلَّة.

      فيمكن القول بأن أدلَّة الإكراه مطلقة. أي أنّها تتضمَّن رفع الأحكام والمؤاخذة على الأفعال التي يُكره عليها الانسان من دون تقييد هذا الرفع بما إذا لم يكن الفعل ضاراً بالغير. نعم قيِّدت أدلّة الإكراه بأن لا يكون الفعل إراقة دم، فبقي ما دون ذلك داخلاً تحت إطلاق (رفع عن أمتّي ما أكرهوا عليه).

مضافاً الى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" فإن فعل الحرام مباح لضرورة الإكراه.

ومن هذا وذاك يُباح الفعل المكره عليه وان أدّى الى ضرر الغير بأي نوع من أنواع الأفعال وأي نوع من أنواع الإضرار التي بينّا بعضها في الفروع السابقة. ولكن يمكن القول أيضاً بأن أحاديث رفع أحكام الأفعال المكره عليها أو رفع المؤاخذة عليها إنّما هي للامتنان على الامة الاسلامية ، لا على فرد دون آخر، فكيف يرخِّص الشارع في الاضرار بالبعض امتناناً على البعض الآخر بدفع الضَّرر عنه، لا سيَّما وقد ورد في الحديث المشهور "لا ضَرر ولا ضِرار".

  وعلى هذا، فلو أدّى الإكراه الى ضرر الآخرين فلا يجوز للمكره إيقاع الضرر بهم ويجب عليه تحمُّل الضَّرر المهدَّد به مالم يبلغ القتل. هذان وجهان في المسألة، مال بعض الفقهاء الى الأول، ومال آخرون الى الثاني، وفصَّل البعض بين الإضرار بالعرض والإضرار بالمال. فمن أراد الاطلاع أو التفصيل عليه مراجعة كتب الفقه. وقد جئنا على ذكر بعضها في هوامش الصفحات الماضية. ولكن يحسن بنا ههنا التنبيه على أُمور:

      الأول: إن الاكراه الذي يرتفع به حكم الفعل ويستباح به المحرَّم هو الإكراه الذي لا يتمكَّن المكره من التخلص منه بتورية وغيرها من وسائل التخلص. فإذا كان المكره قادراً على التخلص بما لا يسبّب له ضرراً أو حرجاً فلا يرخَّص في فعل المحظور بسبب الاكراه، ومثَّلوا لذلك بمن يكرهه أحد على أخذ مال آخر فيظهر له أنّه أخذه منه وهو لم يأخذه، أو يأخذه ثمَّ يردُّه الى صاحبه.

      الثاني: يشترط في الإكراه الرافع للمؤاخذة على فعل المحرَّم أن لايكون حاصلاً بمقدمة اختيارية لا مكره سببت له هذا الإكراه. كمن دخل في عمل باختياره وهو يعلم أن هذا العمل يسبِّب له يوماً ما الإكراه على ارتكاب المحرّمات، فإذا كان مختاراً في الأسباب كان بحكم المختار في نتائجها، وإن كان مكرها عليها فلا يرتفع بسبب هكذا إكراه حكم الأفعال كما لا ترتفع المؤاخذة على المحرَّم منها.

      الثالث: إنَّ الحديث المتقدِّم عن الإكراه وبيان صوره والخلاف في بعضها كل ذلك فيما إذا كان القول أو الفعل منسوباً الى المكره بسبب الإكراه، أمّا لو تقوَّم به الفعل كتقومه بالآلة بحيث يفقد أدنى مراتب القدرة على ترك ما أكره عليه، فهو والحالة هذه غير مأثوم ولا مؤاخذ ، بلا خلاف ، وبدون تفصيل بين أن يكون ما اُكره عليه بهذا المعنى للإكراه قتلاً أو غير قتل. كمن دفع على إنسان فقتله.

      نعم; روي عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق(عليه السلام) في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله، قال: الدِّية على الذي دفع على الرجل فقتله، لأولياء المقتول، ويرجع المدفوع بالدِّية على الذي دفعه(1).

      هذا، وقد اتّضح لنا من مجموع ما تقدَّم أنَّ الإكراه لا ينافي أهليَّة الوجوب كما لا ينافي أهليَّة الأداء. غاية الأمر أن المكره في بعض صور الإكراه لا يطالب بأداء الفعل وفق حكمه الأوَّلي ويرخَّص بتركه بسبب الإكراه؟

ـــــــــــــــــــــ

1- الوسائل ج 19 ص 41 .

الإكراه(6)

المادة 176   : الإكراه هو إجبار الشخص بغير حق على أن يعمل عملا دون رضاه ...

المادة 177   : يكون الإكراه ملجئاً إذا كان تهديداً بخطر جسيم محدق يلحق ...

المادة 178   : التهديد بإيقاع ضرر بالوالدين أو الأولاد أو الزوج أو ذي رحم ...

المادة 179   : الإكراه الملجيء يعدم الرضا ويفسد الاختيار وغير الملجيء ...

المادة 180   : يختلف الإكراه باختلاف الأشخاص وسنهم وضعفهم ومناصبهم ودرجة ...

المادة 181   : يشترط أن يكون المكره قادراً على إيقاع ما هدد به وان يغلب ...

المادة 182   : من اكره بأحد نوعي الإكراه على إبرام عقد لا ينفذ عقده ولكن ...

المادة 183   : إذا اكره الزوج زوجته بالضرب أو منعها عن أهلها أو ما شابه ...

المادة 184   : إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين. فليس لمن اكره على ...

الإكراه(7)

الإكراه في اللغة عبارة عن حمل إنسان على أمر يكرهه، وقيل على أمر لا يريده طبعاً أو شرعاً. والإسم الكره بالفتح. وفي الشريعة فعل يوقعه بغيره فيفوت رضاه أو يفسد إختباره مع بقاء أهليته. »فالفعل» يتناول الإكراه الحكمي كما إذا أمره بقتل رجل ولم يهدده بشيء إلا أن المأمور يعلم بدلالة الحال أنه لو لم يقتله لقتله الآمر أو قطعه، فإنه إكراه. و»الإيقاع» الوارد في التعريف فعل بالمعنى المصدري إلا أنه يخص بما يكره يقال أوقع فلان بفلان بالسوءة، فالمعنى هو فعل يوقعه إنسان بغيره مما يَسُوء، و»الرضاء» خلاف الكراهة. ومعنى »الإختيار» الوارد في التعريف:

القصد إلى مقدور متردد بين الوجود. والعدم بترجيح أحد جوانبه على الآخر، فإن استقل الفاعل في قصده فذلك الإختيار صحيح وإلا ففاسد. ثم »الفائت الرضا به» الوارد في التعريف نوعان: صحيح الإختيار وذلك بأن يفوت الرضاء ولا يفسد الإختيار ويسمى بالإكراه القاصر وغير الملجىء يضطر الفاعل إلى مباشرة الفعل خوفاً من فوات النفس أو ما هو في معناه كالعضو، وفي غير الملجىء يمكنه من الصبر إذ ليس فيه خوف فوات النفس أو العضو بل إنما هو خوف الحبس والضرب ونحو ذلك كالكلام الخشن في حق القاضي وعظيم البلد. ومعنى »مع بقاء الأهليز» الوارد في التعريف إحتراز عما إذا ضربت على رأس آخر بحيث صار مجنوناً فإنه لم يبق الأهلية بخلاف ما نحن فيه فإنها تثبت بالذمة والعقل والبلوع، والإكراه لا يخل بشيء منها. ألا ترى إن الإكراه متردد بين فرض وحظر ورخصة ومباح، ومرة يأثم ومرة يثاب. 

الإكراه الفعلي (8)

وهذا النوع من الإكراه يتناول الفعل دون القول ، والذي يكون فيه الفعل محكوماً بالحرمة لولا الإكراه ، كمن يكره على السرقة أو الزنا أو شرب الخمر وما إلى ذلك ، وهذا النوع من الإكراه ينقسم إلى قسمين رئيسيّين :

الأوّل : الأفعال المحرّمة التي يجوز الإتيان بها في حالة الإكراه من باب التقيّة لرفع الخطر والضرر ، مثل السرقة والإفطار في شهر رمضان ، أو شرب الخمر وما إلى ذلك .

الثاني : الأفعال المحرّمة التي لا يجوز الإتيان بها في حالة الإكراه ، والتي يتعطّل فيها حكم التقيّة ، مثل قتل نفس محترمة بريئة بحجّة الإكراه ، ففي هذه الصورة لو قتل إنسان إنساناً آخر بريئاً بحجّة الإكراه فإنّ لوليّ الدم الحقّ في القصاص ، كما دلّت عليه جملة من المرويات عند الإمامية ، وكما صرّح به بعض علماء العامّة كما جاء في المبسوط للسرخسي ، حيث قال عن الحسن البصري : « التقيّة جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة ، إلاّ أنّه كان لا يجعل في القتل تقيّة وبه نأخذ »( 1 ) .

وذكر ابن حجر في فتح الباري ، عن الحسن البصري ، قال : « التقيّة جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة ، إلاّ أنّه كان لا يجعل في القتل تقيّة ، ولفظ عبد بن حميد إلاّ في قتل النفس التي حرّم الله ، يعني لا يُعذر من اُكْرِه على قتل غيره لكونه يؤثر نفسه على نفس غيره »( 2 ) .

ومن هنا نعلم أنّ التقيّة كحكم شرعي ـ كباقي الأحكام ـ تحكمه عدّة من القوانين التي يجب على المكلّفين مراعاتها والتقيّد بها ، وبما أنّ التقيّة حكم فقهي فهي لا تخرج عن الأحكام الخمسة ، والتي تدور مدارها أفعال العباد وأعمالهم ألا وهي الواجب والحرام والمستحبّ والمكروه والمباح ، وفي هذا الفصل سوف نذكر صور التقيّة بناءً على تقسيمها حسب الأحكام الخمسة ، وقبل بيان أحكام التقيّة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التقيّة يشترط في تحقّقها تحقّق أركان ، ولا مناص من اجتماع هذه الأركان في التقيّة بجميع أقسامها ، كما سيتّضح .

( 1 )المبسوط ـ السرخسي 24 : 45 .

( 2 )فتح الباري ـ ابن حجر 12 : 279 .

الرشد والغي(9)

هل يمكن أن نفهم مصير (لا إله إلا الله)، ومصير (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، مصير الرشد والغي بعد آية الكرسي؟

ما معنى (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) وكيف مفهم الرشد والغي في وقائع التاريخ؟

هل يمكن أن نجد في (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) الرشد من الغي؟

ينبغي ألا نبتعد في فهم الرشد من الغي، فهو قريب جداً، الرشد من الغي في (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، الإكراه في الدين هو الغي، واللاإكراه ف الدين هو الرشد.

فلنتأمل في (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ولنتأمل في معنى الإكراه والكراهية، كيف ومتى يتحقق الإكراه وما طبيعته؟ ما هو الدين وما المراد به؟ هل هو خاص بدين معين أم بالأديان كلها؟ إن فهم ذلك يرجع إلى الإنسان الذي هو موضوع الإكراه، فالإنسان هو الذي يقع منه الإكراه، وهو الذي يقع عليه الإكراه، وعليه يظهر مقدار هذا الإكراه ودرجته وأدواته.

هذا الموضوع جدير حقاً بالبحث النفسي والتاريخي، ومن الأهمية بمكان استحضار كل ما قيل في الإكراه من قبل المسلمين وغير المسلمين، لمعرفة بذرة الإكراه، والكيفية التي تظهر فيها، والكيفية التي تبذر فيها، وكيفية نموها إلى أن تثمر، ولمعرفة ما تثمر، ومن الذي يزرع الإكراه، ومن الذي يحصد ثماره، وما هي أحوال الفاعلين للإكراه والمفعول بهم والمفعولين له.

أين الرشد من الغي؟!!

كم هو موضوع خصب وشيق؟! وكم هو مفيد أن يكون مثل هذا الموضوع محلّ دراسة موسعة وموثقة بالآراء والوقائع؟

ما هو سبب نزول آية اللاإكراه؟ وما مقدار ارتباط القاعدة العامة بهذه الحادثة؟ وهل القاعد ة أوسع من الحدث؟ وما عدد ونوع الأحداث التي تتسع لها القاعدة؟

أريد أن أفتح شهية الشباب للدارسة، ولا أريد أن أقدم لهم دراسة، وليس في استطاعتي أن أقدم ذلك، ويكفيني أن أبصر ما يمكن حلاً لمشكلة الإنسان، ومشكلة ما بنفسه، ومشكلة تغيير ما بهذه النفس.

لقد فُرّغت هذه الآية من أهدافها وأعماقها، وشاع لدى كثير من المسلمين أنها منسوخة بآية السيف، ومهما كانت أقوال هؤلاء الناسخين، وأياً كانوا: فإن أقوالهم وتفسيراتهم ليس لها من القوة والفعالية ما يؤثر بشكل جدي في مسيرة وأحداث التاريخ.

عن ثقافتنا بحاجة إلى تجلية وتصفية، لتعود الأمور إلى نصابها، لأن مشكلاتنا متراكمة، وكلما رفعنا طبقة ظهرت طبقات، وكلما أبرزنا مشكلة برزت مشكلات أخرى.

دعنا نبحث الرشد قليلاً!!..

دعنا نتبين الرشد وندقق فيه!!.. هل تبين الرشد من الغي في آية: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)؟

إنني أرى أنه تبين، والذي يتمكن من تصديق هذا هو الذي عرف تاريخ الإنسان وطبيعته، وعرف الصلاح والفساد في المجتمع البشري.

إن طبيعة الإنسان هي التي ستكشف أنّ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) هو الصلاح والرشد، وان الإكراه في الدين هو الغي والفساد. والذي سيكشف طبيعة الإنسان هو التاريخ، هو نمو الإنسان، وما يحدث له من نمو وتقدم مع تقلب الأيام، وصلاح الإنسان وفساده مسجل في تاريخ الأيام.

ذاك هو المرجع، ومن خلال التأمل في التاريخ سنرى أسباب وسنن الصلاح والفساد.

لقد فهم المسلمون من آية (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أن أهل الكتاب لا يجبرون على الدخول في الإسلام، وأن لهم الحق بأن يبقوا على دينهم، هذا ما فهمه جلُّ المسلمين من هذه الآية، ولكن هل يتوقف الرشد عند هذا الحد فقط، أم أن الرشد يعني أن صلاح الإنسان وفساده متعلق بـ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وأن أكثر صلاح الإنسان إنما يكون حين يرفع الإكراه عنه، سواء أكان هذا الإكراه شعورياً أو لاشعورياً.

الجهاد و (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)

إن وقائع الدهور هي التي ستشهد للأبعاد التي تأخذها آية (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وعالمنا اليوم قدم لنا في هذا الموضوع ما لم يعلمه الناس، وما لم يفطنوا به.

إن حماية (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) على مستوى العالم كله هي مهمة الأنبياء، وهي وظيفة الجهاد في سبيل الله، سواء بالفكر أو باليد، وإذا ارتفع الإكراه (فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) ] النساء: 4/90 [.

هل نستطيع أن نكشف البون الشاسع والاختلاف الكلي بين عالم الإكراه وعالم اللاإكراه؟

إن عالم اللاإكراه ليس له نقيض إلا عالم الإكراه، والذين لا يمارسون الإكراه هم الذين حموا أنفسهم وأموالهم، واستحقوا العدل والإحسان.

هل نستطيع أن نفهم ارتباط لاإكراه في الدين بآية الرشد، وارتباط آية الرشد بآية: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) ] الممتحنة: 60/8-9 [؟

فلنسمِّ آية اللاإكراه، آية الرشد، ولننظر من خلال آية (لا يَنْهَاكُمْ) إلى آية الرشد! إن آية (لا يَنْهَاكُمْ) موجهة إلى مجتمع الغي، كما هي موجهة إلى مجتمع الرشد، ومجتمع الرشد هو المجتمع الذي يحتوي كل الآراء والمذاهب والرؤى، المختلفة في تفسيرها للوجود، ماعدا الذين يقتلون الناس ويخرجونهم من ديارهم من أجل أديانهم، ولابد هنا من فهم الدين بالطريقة التي فهمنا بها مصطلح الإيمان، وأنه قد يكون إيماناً بالصواب، وقد يكون إيماناً بالخطأ أو بالباطل، ولذلك قال الله تعالى: (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ] النساء: 4/51 [. فالدين أيضاً يمكن أن يكون دين الله، ويمكن أن يكون دين فرعون أو المشركين أو الكافرين: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ: … إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) ] غافر: 40/26 [، (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ] الكافرون: 109/1-6 [.

إذن، آية: ((لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)، هذه الآية لم تحدد نوع دينه، ولكنها حددت السلوك الذي يتصف به، وهو الامتناع عن القتل والتهجير، ولابد من تفهم كلمتي: المقاتلة في الدين، والإخراج من الديار. فكل من يمارس القتل لأجل الأديان والآراء والمذاهب التي في الرؤوس، والتي لم تتحول إلى ممارسة للقتل والإخراج من أجل الدين، أياً كان هذا الدين، كل من يمارس هذين السلوكين يقاطع ولا يوالي، ومن لم يمارسها فإنه يستحق البر والقسط.

بهذه المفاهيم جاء الأنبياء: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ، قَالَ: يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) ] النمل: 27/45-46 [، ولكن من هما الفريقان؟ وما صفاتهما وكيف نتعرف عليهما ونميزهما؟

الفريق الأول: هو الرسل الذين يدعون إلى عبادة الله وحده، والفريق الثاني: هو أولئك الذين يرفضون دعوة الرسل، ونستطيع أن نقول: إنهما فريقان: فريق الموحدين، وفريق المشركين، فريق المؤمنين وفريق الكافرين، فريق الراشدين وفريق الغاوين، فريق اللاإكراه وفريق الإكراه، فريق الذين لا ينهانا الله عن برهم وفريق الذين بنهانا عن توليهم، كما حددتها آيتا: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ) و (إِنَّما يَنْهَاكُمْ).

ينبغي أن نذكر أيضاً آيتي النساء اللتين تبيناه: الذين لم يجعل الله لنا عليهم سبيلاً، والذين لنا عليهم سلطاناً مبيناً: (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) ] النساء: 4/90 [، (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً) ] النساء: 4/91 [.

(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) ] البقرة: 2/255 [، الفريقان هما فريق الرشد وفريق الغي، فريق الذين يقاتلون في الدين ويخرجون من الديار، وفريق الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم.

.................................

المصادر/

1- منظمة العفو الدولية

2- دانيال بايبس/ موقع دانيال بابيس

3- صباح سعيد الزبيدي/ مركز العراق

4- محمد الأوراغي/ موقع البلاغ

5- الشيخ أحمد البهادلي/ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب

6- شبكة المعلومات القانونية

7- الموسوعة العربية

8- السيد جواد القزويني /  موقع سماحة السيد جواد القزويني               

9- جودت سعيد. من كتاب ((كن كابن آدم))/ موقع جودت سعيد

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 15 تموز/2007 -30/جماد الاخرى/1428