
شبكة النبأ: العالم اليوم يعيش في
مخاض تجربة كبيرة رغم انه يرى في الوقت الراهن وكانه يمارس جاهلية على
نحو ما ، فجميع القوى المؤثرة على اختلاف اجناسها السياسية منها
والاقتصادية والانساق الروحية سواء كانت مسيحية او يهودية او إسلامية
فانها تتشابه بدرجات مختلفة وكل هذه الدرجات انما تصب نفس النتائج وهي
نتائج سلبية في معظمها ولا تنتمي الى خطاب او رؤية عقلانية وذلك لأن
القائد الاساس هو السياسي بالدرجة الكبيرة وياتي بعده دور الكراهية
المتبادلة يقودها التخلف وعدم الفهم الواقعي للتفاهم بين بنو البشر
كذلك عدم الفهم الواقعي للاصالة الدينية المتطورة في ذاتها عن الجمود
والانغلاق.
والعالم عموما يفور بدرجة تقارب الغليان فروسيا تعود الى الهوى
المدمر وتحاول مغازلة عشاقها الذين كانوا بالامس في بيت الزوجية لكي
تحتفظ بهم كاصدقاء متعاونون في خيمة المفاعلات الذرية تحت مسوغ الحماية
من الدرع الصاروخي الامريكي الاتحاد الاوربي يشّيد اقتصاد مناظر من حيث
القوة للاقتصاد الامريكي وعمل من هذا القبيل من شانه ان يؤلف قوة
مناظرة على طريق التكافؤ.
الشرق الاوسط احتدام مستمر فقضية فلسطين التي تحول فيها الصراع
الفاعل صراعا فلسطينيا داخليا اكثر منه صراعا مع اسرائيل اودى بالامر
الى منحى غير منتج بالنسبة للقضية الفلسطينية الاساس.
القضية اللبنانية السورية واللبنانية مع حزب الله والضلع الثالث
اسرائيل.
العراق تحت المظلة الامريكية والارهاب، المفاعل الايراني وتداعياته
المتشابكة مع كل الاحداث في الشرق الاوسط.
القاعدة وتاخير او تجميد الخطاب الاسلامي في حفرة عميقة بما احدثته
من تشويه وما اشاعته من كراهية بين الشعوب.
تركيا وعلاقتها المرتبكة مع العراق وعامل الاكراد العراقيين ونفط
كركوك وحزب العمال الذي يسخن الحدود المشتركة.
الصراع الاقتصادي الخفي بين الصين والجانب الامريكي وبين الصين
والسوق الاوربية بما كان للانتاج السلعي من تاثير في تلك الاسواق.
وهذا ما دعوناه مشابها لحياة جاهلية حيث صهرت الشعوب في بوتقة العوز
المادي والروحي والصحي والثقافي والتعليم والضمان والامن والاسكان رغم
ان الحياة لم تبخل بالعطاء، فان وتيرة الانتاج في تصاعد مستمر وبخطوات
كبيرة.
وكل هذا لا يعني ابدا ان هناك نقطة سوداء يقع العالم في ظلامها الى
الابد، وانما هناك طفرة، وان ما نراه الآن جاهلية انما هو المخاض الذي
يسبق ولادة جديدة مع هذا الاحتدام والاضطراب وهكذا يستمر الارتقاء حيث
ستنجلي مفاهيم ورؤى اكثر واقعية تتصدى للمشاكل وتبتعد رويدا عن العناد
والكراهية.
حتى ان الايديولوجيات التي تعيث فسادا الان ستضمحل تحت عباءة الدين
الذي سيلغي التطرف ويحكم الناس من انفسهم من خلال ابتعاده عن النمطية
السائدة التي تطبخ بها الرؤى والسبل على نيران قوية على نسق الاكلات
السريعة لإستنادها على مفهوم القوة سواء بالاسلحة ذات الدمار الشامل
وهو منحى الدول المصرة على امتلاك القوة الذرية بمسوغ التوازن
الستراتيجي وليس التقني اومن خلال التطرف الاعمى، وهو الامر الذي لا
يؤدي الى نتائج ايجابية على كافة المستويات.
ولكن كيف نصنع المستقبل الذي ياخذنا بتياره الموار هل نتلقى الامر
بصورة سلبية ام نشكل عامل ايجابي فيه ؟.
يقول الاستاذ سليم فرحان في احدى مقالاته:
كلمة المستقبل تشير الى الخوف والتساؤل وذلك لان الانسان لا يعرف
الغيب فالمستقبل يثير التساؤل عن شئ غير معروف اي العمل من اجل الزمن
القادم، لذلك تتداخل في دراسته حركة التاريخ والمجتمع وتتشابك في
إطارها معادلات الماضي والحاضر والمستقبل على اساس ان البدايات تلد
النهايات والنهايات تؤشر البدايات وما بين البدايات والنهايات وجود
متحرك قيمته بتكوناته وابداعاته وبذلك فان الماضي يشير الى الزمن الذي
انقضى فلم يعد له وجود اما الحاضر زمن يتحقق وهو في طريقه الى الانتهاء
والانقضاء بينما المستقبل زمن لم يتحقق بعد وما زال يفتقر الى الوجود.
ويقترح الاستاذ سليم فرحان جملة من النقاط اهمها:
1ـ ايجاد مؤسسات مستقرة تؤمن قيادة حازمة والقبول الديمقراطي للراي.
2ـ التشجيع على البحوث وفتح مراكز متخصصة بالدراسات المستقبلية.
وفي مقاربة اولية لهذا المعنى في اننا كعالم عربي وكمسلمين وتحت ثقل
السؤال: لماذا تاخرنا وتقدم الاخرون؟.
من اهم هذه الاسئلة ذات المدار الواحد واكثرها راهنية يبرز سؤال عصر
النهضة الكبير لماذا تاخرنا وتقدم الاخرون؟ وهذا السؤال يضمر في طياته
نقدا ذاتيا ومحاولة للمعرفة ويعني ايضا محاولة للتجاوز عن طريق مسائلة
الوقائع والاحداث لردم هذه الهوة المعرفية الكبيرة بيننا وبين الاخر.
ويرى الكاتب احمد حسن :
النزوع الى فض وتنقيب وإعمال للعقل في مجمل العوامل والبنى الفكرية
والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تملكنا وتسيطر علينا، فتاريخ
الشعوب لا يفسر بعامل واحد مهما كان شان هذا العامل ويتطلب الامر الغور
بعيدا في تاريخنا وتراثنا لتحديد نقطة البداية في هذا التاخر وقراءة
اسبابه بعقل علمي منفتح لا بسبب انتصار فكرة على اخرى بقدر تحري وتحديد
اسباب المرض لتحديد اسلوب وطريقة العلاج الناجع.
اذا كان شئ ما هاما فهو المستقبل فالماضي قد ى مضى والحاضر هو فقط
لحظة عابرة وكل ما نفكر فيه او نفعله منذ الآن يمكن ان يؤثر على
المستقبل وفي هذا المستقبل سوف نمضي ما تبقى من اعمارنا.
على ان العلماء والدارسين اعاروا المستقبل على رغم اهميته قليل من
الاهتمام فقد امضوا اعمارهم يحاولون حل رموز الحروف الهيروغليفية
القديمة المبهمة او يقررون موثوقية مسرحية من عصر النهضة او ما يقابل
ذلك بالنسبة للمسلمين في العالم العربي في جدالاتهم في بعض التفاسير
تحت الاغطية السياسية والطائفية ومن هو المؤهل لقيادة الخطاب الديني,
وهم قلما فكروا بما يحدث لبنو الانسان تفكيرا جادا.
ان الاناس الذين باتوا يهتمون بجد ويصنفون الان عموما بالمستقبليين
يؤكدون على اننا نستطيع القيام بشئ قليل نسبيا لتحسين العالم الحاضر
لأن التغيرات الاساسية تتطلب وقتا ولكننا نملك سلطة وقوة كبرى على
المستقبل الابعد.
فبذرة تغيير تزرع اليوم تصبح قوة هائلة في السنوات القادمة فاذا
اعترفنا بان الازمات والاخفاقات الماضية في معالجة ما نشا من صعوبات
ومشكلات فاننا قلما نخفق في رؤية ان ما نفعله اليوم سوف يقرر نوع
العالم وشكله الذي سيكون عليه بعد عشر او عشرين او ثلاثين سنة
المقبلة،فالقضاء على الفقر واشاعة السلام العالمي وتمتع الناس جميعهم
وفي كل مكان بالصحة الجيدة لايعود ينظر الى هذه الخطوات بانها احلام
عديمة الجدوى،ويعتمد ذلك على قدرات الجهد الانساني المبدع وقدرتنا على
تفهم امكانات المستقبل قبل ان نقع في شراك الكوارث التي يمكن تجنبها.
ان دراسة المستقبل ستكون مشروع اليوم الثقافي الاكثر اثارة إلا انها
اكثر من مغامرة مثيرة فهي مسؤلية رهيبة ومع ان احتمال الحرب النووية
والحرارية والتدمير البيئي والانهيار الممكن للنظم الاجتماعية
والاقتصادية التي تحفظ بقائنا يجعل مستقبلنا قائما إلا ان معرفة ان في
مقدورنا اقامة حضارة ارقى من اية حضارة سابقة في التاريخ يجعل هذا
المستقبل زاهيا .
المصادر:
1- مجلة النبأ العدد 69 و 72 للكّتاب
2- سليم فرحان
3- احمد حسن
4- كتاب المستقبلية ادوارد كورنيش |