مكافحة التطرف والتشدد توجب التحالفات المعتدلة

 شبكة النبأ: تزامنا مع التوجهات الداخلية الحالية في العراق ولبنان وفلسطين تأخذ الدراسات والبحوث في الغرب منحاً غير مسبوق في اظهار اهمية بناء تحالفات استراتيجية مع (المعتدلين) في العالم الاسلامي والشرق الاوسط لغرض ابعاد شبح التطرف والتشدد الذي يخيم على العالم منذ احداث 11 ايلول في امريكا، وما تبعها من تبني الولايات المتحدة قيادة الحرب العالمية على الارهاب من خلال جعل العراق وافغانستان ساحة مركزية لتلك الحرب.

وياتي هذا الاهتمام متزامنا مع تصاعد الصيحات في انحاء العالم لوضع استراتيجية دولية ملزمة لمكافحة التطرف والتشدد وملاحقة المحرضين واصحاب الافكار الظالة كالوهابية الذين منهم تستمد القاعدة افكارها الهدامة والمدمرة للحضارة والانسانية.

وأصدرت مؤسسة راند مؤخرًا دراسة بعنوان (بناء شبكات من المسلمين المعتدلين)، يطالب فيها الباحثون باستغلال الخبرات والتجارب التي تعود لفترة الحرب الباردة.

يقول الباحث غوتس نوردبروخ في استعراض الدراسة: هل توجد لدى الشعوب العربية والمسلمة مصلحة في محاربة تنظيم القاعدة والتيَّارات المسلحة ذات الأفكار الأصولية المتطرفة؟ وهل توجد لدى الولايات المتحدة الأمريكية - في الحقبة الراهنة - مصلحة في محاربة هذه التيَّارات؟ إن الجواب في كلا الحالتين "نعم".

وهنا بالتحديد تكمن المشكلة: إذ أن الجماهير العربية تعتبر الناقدين العرب الذين ينتقدون الحركات الإسلاموية عملاءً للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب أو للإمبريالية بصورة عامة.

لقد نبَّه إلى ذلك الكاتب الصحفي مشاري الذايدي، الذي يكتب في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في إحدى مقالاته الأخيرة. والأسوأ من ذلك هو أن النقد المشترك للإسلام السياسي لا يؤسس لتوجيه تهمة الخيانة فقط، بل يُفقد حتى الثقة بالدعوات إلى إصلاحات سياسية واجتماعية.

ويتضح ما حمل مشاري الذايدي على التحذير من خطر "إعدام الفكر المعتدل" في الدراسة التي صدرت عن مؤسسة راند "RAND Corporation"، هذه المؤسسة التي تعتبر مركزًا فكريًا أمريكيًا للأبحاث، له تأثير واسع على قضايا سياسة الأمن القومي.

خارطة طريق.. للعالم الإسلامي

ويضيف الباحث نوردبروخ في استعراض الدراسة قائلا، لا يتعلق الأمر لدى الباحثين الذين وضعوا هذه الدراسة بأي شيء آخر بقدر ما يتعلق بـ"الاستفادة من الخبرات التي تعود للحرب الباردة وبإمكانية تطبيق هذه الخبرات التي اكتُسبت - أثناء مواجهة الشيوعية- على الظروف السائدة حاليا في العالم الإسلامي وبتكوين "خارطة طريق" لبناء شبكات إسلامية معتدلة وليبرالية.

ويتمثل المنطلق الذي انطلقت منه هذه الدراسة التوجيهية في الاعتقاد بأن مواجهة الحركات الإسلاموية لا تتسنى فقط بطرق وأساليب عسكرية، وتفيد الدراسة بهذا الشان: تعتبر الحرب الدائرة حاليا في أجزاء واسعة من العالم الإسلامي في جوهرها حرب أفكار. سوف تحدد نهاية هذه الحرب الاتجاه الذي سيسير فيه العالم الإسلامي في المستقبل، وستجزم إذا ما كان خطر الإرهاب الجهادوي سيواصل استمراره وإذا ما كانت بعض المجتمعات الإسلامية سترتدّ أكثر إلى أشكال التعصب والعنف. كذلك ستؤثر نهاية هذه الحرب بشكل فعال على أمن الغرب.

ويطالب ضمن هذا السياق الخبراء الاستراتيجيّون في مؤسسة راند بتغيير واضح لطريقة التفكير في "الحرب العالمية على الإرهاب".

حيث لا تدور معارك هذه الحرب في واقع الأمر فوق تراب الدول التي وطَّد فيها العدو الإيديولوجي وجوده بأقوى شكل، مثلما كانت الحال في النزاع الذي كان دائرًا مع الشيوعية إبَّان الحرب الباردة - حسبما يرد في هذه الدراسة.

دروس من الحرب الباردة

ويرى الباحثون الذين وضعوا هذه الدراسة في عملية "الرجوع إلى التيارات الفكرية" فرصة من أجل التصدي لنجاح الإيديولوجيات الإسلاموية، بدلاً من محاربة الحركات الإسلاموية في الشرق الأوسط، بهدف التصدي لنفوذها المتزايد أيضًا في مناطق أخرى.

وطبقًا لهذه الدراسة فإن مصر والأردن وفلسطين لا تمثل نقطة البدء في تقوية وتمكين التيارات الإسلامية المعتدلة، باعتبارها قوةً مضادةً لقوى الإسلام السياسي المستعدة لاستخدام العنف - بل تركيا وجنوب شرق آسيا وقبل كل شيء الجاليات المسلمة في أوروبا.

وتقدم تجارب وخبرات " قيادة الحرب السياسية" إبَّان الحرب البادرة دروسًا مهمة في هذا الصدد من وجهة نظر الخبراء الذين أعدّوا هذه الدراسة.

وفي هذا الصدد يتمّ ذكر النشاطات الواسعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA باعتبارها تدخُّلات ناجحة في التصدِّي للفكر الشيوعي - هذه النشاطات التي كانت تتجلَّى في الخمسينيَّات والستينيَّات في التشجيع والدعم المادي والفكري للنقابات والمنظَّمات الطلاَّبية غير الشيوعية، ولكن أيضًا في دعم الصحف والمجلاَّت مثل المجلة الثقافية الألمانية المعروفة "دير مونات".

شركاء محتملون

ويضيف نوردبروخ مستعرضا الدراسة، يعد في يومنا هذا المثقفون المسلمون العلمانيون والمنظمات النسوية والأقليات الدينية والمذهبية والصحفيّون ورجال الدين الشبَّان في عداد المجموعات المستهدفة، التي من المفترض أن تعتمد عليها الجهود الأمريكية الحذرة من أجل بناء شبكات إسلامية معتدلة.

ومن المعقول في هذا الصدد حسب تصوُّر الخبراء الذين أعدّوا هذه الدراسة أن يتمّ دعم كلِّ مجموعات الأفراد المسلمين والمنظَّمات والجمعيَّات المسلمة، التي تُبدي تأييدها الصريح لصيغة المجتمع التعدُّدي ومصادر التشريع غير المستمدَّة من الإسلام.

ويوجد من هذه الناحية شركاء محتملون بما فيه الكفاية - أمَّا إذا كان هؤلاء الشركاء مستعدِّين لقبول الدعم فإنَّ ذلك أمر غير مؤكَّد أيضًا من وجهة نظر العاملين في مؤسَّسة راند. من الممكن في آخر المطاف أن يكون مفعول أيِّ دعم فعَّال مصدره مؤسَّسات حكومية في الولايات المتَّحدة الأمريكية مثل "قبلة الموت" بالنسبة لناقدي الإسلام السياسي.

ومن الملفت جدًا للنظر في هذه الدراسة التحليلية خلوُّها من أيَّة إشارة إلى مظاهر الحرب الباردة، التي لا يمكن إغفال أهمِّيتها بالنسبة للنزاعات الراهنة:

فراغ لم تسدّه الدراسة

ويضيف نوردبروخ، لم تكن في آخر المطاف المنظَّمات المناوئة للشيوعية في الغرب هي الوحيدة التي استفادت من المموِّلين الأمريكيِّين، بل كذلك استفادت من دعمهم الجماعات الإسلاموية في أفغانستان، التي صارت في يومنا هذا تقاوم بمختلف التيَّارات الجهادية الأمريكيِّين الذين كانوا يدعموها في السابق.

ويُلاحظ فراغ آخر في أفكار الخبراء الذين وضعوا هذه الدراسة - فراغ على قدر من الأهمية: إذ أنَّ التجارب والخبرات المتنوِّعة التي اكتسبتها سياسة القوّة الأوروبية والأمريكية في القرن العشرين، هذه التجارب والخبرات التي لا تزال تؤثِّر حتَّى يومنا هذا في تمييز وإدراك التدخُّلات الخارجية في العالم الإسلامي، تظلُّ مغفلة بدون استثناء.

ويقف بصورة طبيعية تاريخ الأطماع الاستعمارية الذي زُيِّن بلهجة منبرية ليبرالية في وجه الجهود من أجل التغييرات التي تبدأ من الخارج.

أوراق مكشوفة

ويضيف المستعرض، إن السذاجة التي تظهر على خبراء مؤسسة راند حينما يتخذون من المصالح الأمريكية ذريعةً من أجل التدخلات في المجتمعات الإسلامية تكاد تكون هذه المرة لطيفة من هذه الناحية.

حيث يقوم خبراء مؤسسة راند باستخدام أوراق مكشوفة، بدلاً من قيامهم بتغطية التدخلات الأمريكية بقناع من الرؤى المتعِقة بحقوق الإنسان والسياسات الاجتماعية - كما هي الحال على الأغلب أيضًا في حالة المبادرات الحكومية ومبادرات المجتمعات المدنية في الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.

ويختتم نوردبروخ القول،إن هذه الأفكار التي تحفز الولايات المتحدة الأمريكية أو دول الاتحاد الأوروبي على سياستها تجاه العالم الإسلامي، تعتبر بالنسبة لبعض ناقدي الإسلام السياسي من المسلمين مثل مشاري الذايدي أفكارًا ثانوية من أوَّلها.

وليكتب خبراء وناقدو مؤسسة راند ما يشاؤون، على حد قول مشاري الذايدي؛ فالعالم الإسلامي سيكون في النهاية أمام "خيار واضح لا يمكن التهرب منه: خيار ما بين الاعتدال والتنوير أو الهلاك والتطرف والدمار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 13 تموز/2007 -28/جماد الاخرى/1428