الخلافات الداخلية تثير شبح الحرب الاهلية في لبنان

 شبكةالنبأ: لا شك ان المشاكل التي يعاني منها لبنان كثيرة جدا بالنسبة لبلد صغير مثله، بل هي كثيرة لدرجة تجعل حتى اللبنانيين الذين يتميزون بالحيلة واللباقة يشعرون بالارتباك في مواجهتها. والأسوأ من هذا هو ان المشاكل لا تزال في تزايد باستمرار.

وبعد عام على الحرب بين اسرائيل وحزب الله التي ادّت لانهيار الثقة بين اطراف لبنانية متنافسة.. تنتاب البلاد مخاوف من ان تتحول حالة الجمود السياسي نتيجة الخلافات الداخلية الى اعمال عنف. فإذا عجز المعسكران (التحالف السني الدرزي مع حكومة السنيورة) من جهة و(المعارضة المسيحية مع حزب الله والرئيس اللبناني) من جهة اخرى، عن الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية او اختيار رئيس جديد في وقت لاحق من هذا العام فستتهيأ الساحة اللبنانية لحالة عدم استقرار مزمن وتشرذم للسلطة، وربما حرب اهلية محدودة.

واغتيل اثنان من الساسة المناهضين لسوريا في الأشهر الثمانية الماضية وقتل لحد الان أكثر من 200 في معارك بين القوات اللبنانية وجماعة فتح الإسلام التي تستلهم نهج تنظيم القاعدة الارهابي في مخيم للاجئين الفلسطينيين. بحسب رويترز.

وكذلك قتل ستة من افراد قوة حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في انفجار سيارة ملغومة الشهر الماضي فيما يتوقع كثير من اللبنانيين تدهورا اكبر للاوضاع.

ومع استمرار الصراع بين إسرائيل وحزب الله يخشى أيضا أن تنجرف البلاد في أي مواجهة مع إيران او سوريا الحليفين الرئيسيين لحزب الله.

وبالفعل غادر البلاد عدد كبير من الشبان اللبنانيين اللامعين هربا من عدم الاستقرار ويأسا من ساسة يرون أن اهتمامهم بجمع الثروات أكبر من سعيهم لتحقيق توافق وطني ويعتمدون على قوى أجنبية تكسبهم مزايا.

وقال جوزيبي كاسيني المستشار السياسي للقوات الايطالية العاملة في قوة الامم المتحدة في جنوب لبنان في مؤتمر عقده البرلمان الاوروبي في الاسبوع الماضي، استسلم الشعب اللبناني لمؤشرات تفيد بحتمية خطر نشوب حرب أهلية أخرى.

توقعات متشائمة

وقال الدبلوماسي الايطالي المخضرم، تتسلح الفصائل المختلفة مرة أخرى، في إشارة للمسيحيين والدروز والسنة الى جانب حزب الله وهو الجماعة الوحيدة المسموح لها رسميا بالاحتفاظ بالأسلحة عقب الحرب الأهلية التي دارت رحاها في الفترة من عام 1975 الى 1990. وليس هناك من يستسيغ العودة لحرب شاملة رغم أن معارضي سوريا يتهمون دمشق بزعزعة استقرار جارتها لمنع دورانها في فلك واشنطن.

وتعهد حزب الله بألا يستخدم ترسانته الضخمة ضد أعدائه في الداخل. وينفي زعماء لبنانيون آخرون إحياء ميليشياتهم إنما يقولون إنهم يخشون التبعات الأمنية في حالة اتساع هوة الخلافات بين الفصائل المتحالفة مع أو ضد الحكومة المدعومة من الغرب.

وصرح وليد جنبلاط الزعيم الدرزي المناهض لسوريا لرويترز، بأن لبنان منقسم فعليا لدولتين الأولى يقودها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ويدعمها المجتمع الدولي والقرارات الدولية، وكيان مستقل لحزب الله يدعمه المحور الايراني السوري.

وترى فصائل المعارضة الشيعية والمسيحية أن الحكومة فقدت شرعيتها بعد انسحاب الوزراء الممثلين لها من حكومة السنيورة في نوفمبر تشرين الثاني. وتقول إن جميع القرارات منذ ذلك الحين لاغية ويدعم موقفها الرئيس الموالي لسوريا إميل لحود ورئيس البرلمان نبيه بري.

وترجع جذور حالة الجمود السياسي للعداء المتبادل الذي أفرزته الحرب التي دامت 34 يوما في العام الماضي إثر أسر حزب الله جنديين اسرائيلين في غارة عبر الحدود في 12 يوليو تموز. حيث اتهم تحالف يقوده السنة وهو موال للحكومة حزب الله بتوريط لبنان في حرب من أجل خدمة مصالح سورية وايرانية.

ويرتاب حزب الله فيما يرى أنه تواطؤ من السنيورة وحلفائه مع اسرائيل والولايات المتحدة لإطالة أمد الحرب على أمل سحق حزب الله ونزع سلاحه.

وقال دبلوماسي في بيروت على اتصال مستمر بالجانبين، حجم الكراهية الذي أعقب ذلك لا يصدق. أحس كل طرف بأن الآخر يمثل تهديدا لوجوده.

وأججت الحرب الكلامية بين حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله والساسة الموالين للحكومة أمثال جنبلاط والزعيم السني سعد الحريري المشاعر الطائفية.

وقال سامي بارودي المحلل السياسي اللبناني، يسهم الزعماء في تفاقم التوتر الطائفي دون قصد. لا أعتقد أن هناك من يريد تدمير البلاد ولكن كل طرف يريد أن يتنازل الآخر.

واذا عجز المعسكران عن الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية او اختيار رئيس جديد في وقت لاحق من هذا العام فستتهيأ الساحة لحالة عدم استقرار مزمن وتشرذم للسلطة.

وفي تلك الظروف سيبتعد حزب الله عن السياسة الداخلية ليركز على الإعداد لما يعتقد أنه تجدد حتمي للصراع مع الإسرائيليين.

وقالت أمل سعد غريب من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، سيخوضون حربا مع اسرائيل في وقت ما على أية حال.

وأخفى حزب الله أسلحته عن الأنظار في المنطقة التي توجد بها قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة لكن مصادر امنية قالت إن حزب الله عزز مواقعه الى الشمال وفي وادي البقاع الى الشرق بينما يحصل على إمدادات جديدة من الصواريخ من ايران وسوريا.

وتقول غريب إن إحجام حزب الله عن القيام بعمليات عسكرية على سبيل المثال في منطقة مزارع شبعا الحدودية المتنازع عليها نابع من مخاوف سياسية تتعلق بالوحدة الوطنية.

وأضحى أنصار حزب الله من الشيعة الذين أحبطهم بقاء الحكومة والدعم الذي تغدقه الولايات المتحدة على السنيورة أكثر تشددا من قادتهم وقالت غريب "القاعدة الشعبية أكثر تشددا من حزب الله الى حد كبير."

غير ان اصدقاء سورية في لبنان، ومنهم ميلشيا حزب الله، ينحون باللائمة في ما يحدث بلبنان على كل من اسرائيل، وامريكا والقوى العربية السنّية كالمملكة السعودية.

ويقول هؤلاء ان هذه القوى تريد الضغط على سورية وحليفتها ايران كجزء من لعبة جيواستراتيجية للسيطرة على المنطقة.

سوريا لاعب اساسي

لكن في الوقت الذي يتفق فيه الكثيرون من المراقبين المحايدين على ان سورية ربما تكون معنية فعلا بخوض صراع سري للدفاع عن مصالحها في لبنان، الا انهم يقولون ايضا ان من غير المرجح ان يكون لسورية سيطرة على القليل من المجموعات المتباينة التي تسعى لتقويض الحكومة اللبنانية، وهذا يعني ان الهجوم الذي استهدف قوة الامم المتحدة وقفت وراءه على الارجح واحدة من المجموعات الراديكالية السنية مثل تلك المرتبطة بالقاعدة، والتي هي الآن تحت الحصار في مخيم النهر البارد، فمثل هذه المجموعات تمقت الشيعة، وترى في جنود الامم المتحدة جزءا من حملة صليبية صهيونية ضد الاسلام.

ومن المؤكد ان للاطراف الخارجية دورا في مشاكل لبنان، فقد اشتكى دبلوماسي عربي رفيع المستوى، بعد محاولته التوسط بين الفصائل المختلفة في البلاد، بان لكل واحد من هذه الفصائل على ما يبد، »عم« خارجي على استعداد للعمل ضد أية تسوية وسط. لكن هذا لا يمنع القول ان للكثير من مشكلات لبنان اسباب داخلية.

فالتشرذم الطائفي، الذي يجعل لبنان اكثر مجتمعات العالم العربي تسامحا، يثير ايضا الكثير من الخصومات السياسية، وذلك لخشية الزعماء فيه من ان يكون اي تغيير سياسي لصالح الخصوم الآخرين.

فالمعارضة للحكومة الراهنة ـ على سبيل المثال ـ تعززت لان بعض المسيحيين، الذين يشاركون الاغلبية في معارضتها لسورية، يفضلون التحالف مع اصدقاء سورية بمن فيهم حزب الله بدلا من ان يكونوا شركاء صغارا للسنة والدروز والاحزاب المسيحية المنافسة الاخرى التي تشارك في التآلف الحاكم. والواقع ان هذا النوع من المنافسة كان السبب في اطلاق شرارة الحرب الاهلية التي بدأت عام 1975. لقد تميزت تلك الحرب بتغيير كبير في التحالفات، ونشوء كيانات صغيرة على الأرض، وانهيار السلطة المركزية.

ويبدو ان الحديث الذي جرى داخل صفوف المعارضة خلال الاسابيع القليلة الماضية حول تشكيل حكومة موازية خاصة بها آثار شعورا بالقلق والذكريات المؤلمة.

لكن بعد المؤشرات التي بينت ان حلفاء حزب الله المسيحيين لن يدفعوا بالامور كي تصل الى مثل هذه الازمة، تقدمت فرنسا باقتراح آخر للتوسط.

الأمل الآن هو ان تبرهن باريس، حيث سيجتمع ممثلو 14 حزبا لبنانيا، انها مكانا افضل للتوصل الى التسوية بدلا من بيروت التي انهكتها الازمات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12 تموز/2007 -27/جماد الاخرى/1428