مصطلحات نسوية: الموجة الثالثة

الموجة الثالثة: Third wave

شبكة النبأ: مصطلح يصف تجدد الاهتمام بالدعوة النسوية من جانب الجيل الشاب من النساء اللاتى لا يردن أن يوصفن بتسمية ما بعد النسوية. وتتميز الموجة النسوية الثالثة بالرغبة في معالجة صور الخلل الاقتصادي والعنصري إلى جانب "قضايا المرأة". ومن الجماعات التي تنتمي إلى هذه الحركة ائتلاف العمل النسائي والموجة الثالثة، وكلاهما تأسس في عام 1992. لكن الموجة النسوية الثالثة لم تحقق بعد شهرة واسعة ولم تنجح حتى الان في كسب التأييد الحماسي الذي تحقق للموجة النسوية الثانية في أوجها، ومن هنا ينظر الكثيرون بعين الشك إلى هذه الموجة الثالثة على أساس أنها ليست سوى "موضة" قصيرة الأجل، وليست مؤشراً حقيقياً على أن المرأة قد وصلت إلى المرحلة التالية في النضال النسوي فعلاً.

نسوية الموجة الثالثة

Third Wave Feminism

تمثل نسوية العالم الثالث تحدياً للهيمنة التي تمارسها النسوية الغربية في إطار التطور العام للفكر النسوي، الذي يميل دائماً إلى تجاهل الخبرات النوعية للجماعات العرقية الموجودة خارج المنظور الثقافي الغربي. فنجد أن بعض المفكرات النسويات – مثل جاياترى سبيفاك وشاندرا تالبيد موهانتى وشيلا ساندوفال – ينتقدن المفكرات النسويات الغربيات لأنهن يسمحن لأنفسهن بالتدخل في قضايا ثقافية لا شأن لهن بها، فمثلاً تهاجم شاندرا تالبيد ماهونتى في كتابها "تحت عيون غربية" (1991) الطريقة الاختزالية التي تصور بها "المرأة العادية في العالم الثالث" في الخطاب النسوي. فبينما نرى المرأة الغربية تصور على أنها "متعلمة وعصرية ومسيطرة على جسدها وميولها الجنسية وتتمتع بحرية اتخاذ قراراتها"، فإن المرأة العادية التي تنتمي إلى العالم الثالث تصور على أنها تعيش "حياة منشطرة في جوهرها بسبب أنوثتها" (بمعنى الجهل والفقر وعدم تلقي التعليم والتقيد بالتقاليد والانهماك في حياة الأسرة وتحولها إلى ضحية، الخ). أما جاياترى شاكرافورتي سبيفاك فتطرح فمفهوم "التابع" الذي يشرح العملية التي تخاطب كتابات العالم الأول النساء غير الغربيات، والتي تفرض عليهن الصمت والسلبية (والإحساس بالامتنان الضمني) في تلقيهن لأفكار الغرب، والتي تتجاهل دائماً الاستراتيجيات التي ابتدعتها نساء العالم الثالث بأنفسهن للتصدي للقمع الذي يتعرضن له؛ ولذلك فإن نساء العالم الثالث اللاتي يتحدثن من داخل الثقافة الغربية ومن خارجها يعملن على خلخلة الفكرة القائلة بوجود حركة نسوية متحدة لا ثغرة فيها، ولكن ذلك قد يسمح بظهور ممارسات نسوية عينية ومحلية تسعى إلى خلق ساحات ذات أغراض ومقاصد متداخلة عبر الحدود الثقافية، وهو ما تطلق عليه شاندرا تالبيد موهانتي "المجتمع المتخيل" للمرأة. 

متعلقات

الموجة الثالثة(1)

مصطلح "الموجة الثالثة" استخدمه المفكر "ألفن توفلر" في كتاب له بالعنوان نفسه "الموجة الثالثة"، وفيه قسم تاريخ الحضارة البشرية إلى ثلاث موجات رئيسة: الموجة الأولى بدأت عندما ارتبط الإنسان بالأرض، وأصبح يعتمد على الزراعة، واستغرقت هذه الموجة آلاف السنين. والموجة الثانية بدأت مع الثورة الصناعية عندما انتقل الإنسان إلى مرحلة التصنيع التي استمرت عدة مئات من السنين. أما الموجة الثالثة فهي التي يخوضها الإنسان حاليا وقد بدأت منذ عدة عقود وهي مرحلة ما بعد التصنيع، أو هي العصر المعلوماتي الذي نعيشه حاليا.

وفي كتابه الجديد "الموجة الثالثة وقضايا البقاء" الصادر مؤخرا عن سلسلة كتاب الأهرام الاقتصادي بالقاهرة (العدد 210) ـ 256 صفحة ـ ينبهُنا د. علي علي حبيش إلى أن العالم يواجه على جبهة اللغة، موقفا مصيريا في مجتمع المعلومات، أكثر من ذي قبل، فإما أن يتمسك بتعدد لغاته، وما ينطوي عليه ذلك من صعوبة التواصل وإعاقة تبادل المعلومات والمعارف، وإما أن تتوحد لغات العالم في لغة قياسية واحدة، الإنجليزية، في أغلب الظن، وساعتها تكون قد حلت بالبشرية الطامة الكبرى التي تتمثل في: انقراض اللغات، والعنصرية اللغوية، والحروب اللغوية، وإدراج اللغة ضمن قائمة موتى عصر المعلومات، واندثار الخصوصية الثقافية والقيم المحلية والسيادة الوطنية، وخاصة في عصر العولمة.

وما يهم عشاق اللغة العربية في هذا الأمر أنها ـ بالفعل ـ تواجه موقفا مصيريا خاصا بها، نتج عن وجود ما يعرف باسم الفجوة اللغوية، التي باتت واضحة المعالم في مجتمع المعلومات. فهذه اللغة إما أن تصبح أداة البلدان العربية للحاق بالركب المعلوماتي، وإما أن تتسع الفجوة التي تتصل بينها وبين لغات الدول المتقدمة، وبخاصة الإنجليزية.

لذا ناشدت زملائي الأفاضل في اتحاد كتَّاب الإنترنت العرب، إلى إدراج هدف حماية اللغة العربية على شبكة الإنترنت، ضمن أهداف الاتحاد الوليد، ومن ثم نستطيع التواصل معًا من خلال لغتنا القومية، وليس من خلال لغة أو لغات دول أخرى غيرنا، وإلا سنضطر بعد عقود قليلة من عصر المعلومات أن نعلن انضمام اللغة العربية إلى قائمة موتى هذا العصر.

الشجرة التعليمية بدلا من السلم التعليمي.

ناقش الكتاب أيضا، بالإضافة إلى مسألة الفجوة اللغوية، قضايا التعليم في القرن الحادي والعشرين، واقتراح مفهوم الشجرة التعليمية، بدلا من السلم التعليمي، حيث يكون التركيز على تعليم التلميذ كيف يعلم نفسه بنفسه، وهو المفهوم الذي يتسق مع مفهوم التعليم مدى الحياة، بعد ذلك.

وفي مجال التنمية والتقدم العلمي والتكنولوجي، لوحظ ـ خلال القرنين الأخيرين، وخصوصا خلال الثلاثين سنة الأخيرة، حدوث تراكم معرفي رهيب، وواكبت الدول المتقدمة نموها الاقتصادي بدعم البحث العلمي، مما جعل التراكم الرأسمالي في هذه الدول مرتبط بالتراكم المعرفي والتنمية المستمرة للبشر.

عولمة وفجوة رقمية

وقد ناقش الكتاب ـ في هذا الفصل ـ ما يعرف باسم الفجوة الرقمية، وحتمية المشاركة، والدور المحوري للعلم والتكنولوجيا، حيث أدت الثورة العلمية والتكنولوجية إلى ظاهرة العولمة التي تشير إلى أن العالم بأسره على مشارف عصر جديد لاحت بوادره في الأفق، ويتأهب المجتمع الإنساني لنقلة نوعية جادة نحو مجتمع جديد، لم تتضح معالمه بعد، لكنه بلا شك مجتمع دينامي سريع التغير.

وما دمنا في مجال الفجوة الرقمية، فلابد من التذكير بالحقائق التالية:

إن العالم به 6 ملايين نسمة، منهم 850 مليون نسمة لا يعرفون القراءة والكتابة، وحوالي مليار نسمة يفتقرون إلى الوصول إلى مصادر المياه النقية، و2.4 مليار يفتقرون إلى الصرف الصحي، وحوالي 325 مليون فتى وفتاة غير ملتحقين بالمدارس، و11 مليون طفل يموتون سنويا، وحوالي 1.2 مليار شخص يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا.

ليزر، وفيمتو ثانية، ونانو، وتكنولوجيات أخرى

ومن ثم لابد ـ والأوضاع هكذا ـ من الحديث عن ثقافة التنمية، ودور الإعلام، والمقومات التي تغرسها الثقافة العلمية والتكنولوجية في المواطن، وأيضا أهمية التثقيف العلمي والتكنولوجي، وضرورة التفكير العلمي، وطريقته التي تعني طريقة التربية السليمة، مع ملاحظة أن التفكير العلمي يعد المدخل الأساسي للتثقيف العلمي والتكنولوجي الذي يقودنا إلى الحديث عن علوم الصدارة مثل: التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية، وتكنولوجيا صناعة الدواء، وتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات، وتكنولوجيا الفضاء (استخدام الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية، واستكشاف المجموعة الشمسية، ودراسة الظواهر الكونية) وتكنولوجيا الليزر (وخاصة في التطبيقات الطبية والعسكرية) وتكنولوجيا الفمتو ثانية (حيث تمدنا هذه التكنولوجيا، بتكنولوجيات صناعية مبتكرة جديدة قائمة على إلكترونيات فائقة السرعة، وضوئيات كمية تحدث في المدى الزمني للفمتو ثانية، الذي يقترب من تجميد الزمن من خلال النبضات شديدة القصر لشعاع الليزر، بحيث يمكن ملاحظة التغيرات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية عن طريق هذا القياس) وتكنولوجيا النانو (وهي عبارة عن معالجة بارعة للمادة على مستوى الجزيئي لخلق منتج جديد بالغ الدقة في أوضاع الذرات المكونة للجزيء).

قضية البحث العلمي

بعد ذلك يتعرض المؤلف لقضية البحث العلمي في مصر، فيضع يديه على نقاط القوة ونقاط الضعف في منظومة البحث العلمي، والملامح الرئيسية الاستراتيجية له، والطموح القومي للتعلم، وكيفية الارتقاء بمنظومة البحث العلمي في مصر، مع عرض للتجارب العالمية المقارنة في التطور التكنولوجي والاقتصادي، في دول مثل: الولايات المتحدة، واليابان، والاتحاد السوفيتي السابق، والصين، وكوريا الجنوبية، وتايوان، والهند، وهونج كونج، وسنغافورة، وماليزيا، وإندونيسيا، والمغرب وتونس، ثم الحديث عن الدروس المستفادة من تجارب هذه الدول.

المكوِّن التكنولوجي وجودة البيئة

يتوقف المؤلف بعد ذلك عند المكوِّن التكنولوجي في النمو الاقتصادي، الذي يتجسد في الآلات والمعدات والأجهزة التي تستخدم في الإنتاج السلعي والخدمي والعلمي، وكيفية تعظيم هذا الدور من خلال التخطيط، والفرص المتاحة لمصر للارتقاء بهذا المكوِّن.

الفصل الرابع كان عن جودة البيئة بالإنسان وللإنسان، وتحدث فيه د. حبيش، عن الاهتمام بقضايا البيئة، والتلوث البيئي، وعلاقة الإنسان بالبيئة، والنظم البيئية، والإنتاج الأنظف، والتسويق البيئي، والبطاقات البيئية، والحركة الخضراء.

الموجة الثالثة والمجتمع المصري

وعن وقع الموجة الثالثة على الإنسان المصري كان حديث الفصل الخامس، وتحدث فيه المؤلف عن محصلة نتاج الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة، وتأثير التكنولوجيات الجديدة والمستحدثة على المجتمع المصري، وأخلاقيات العلم والتكنولوجيا، والموجة الثالثة وثقافة الفقر في المجتمعات النامية، كما تحدث عن المؤتمر الدولي الأول للعلم والتكنولوجيا الذي عقد في كيوتو باليابان في نوفمبر 2004.

نحو مجتمع المعرفة

الفصل السادس والأخير من الكتاب جاء بعنوان "نحو مجتمع المعرفة"، وفيه تحدث عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والفجوة الرقمية، وأشار إلى أن نصيب العرب من إجمالي مستخدمي شبكة الإنترنت 0,5% (نصف بالمائة) في حين تبلغ نسبة العرب إلى إجمالي السكان العالمي 5% تقريبا. لذا كان لابد من دعوة إلى توظيف تكنولوجيا الشبكات والتعايش مع عصر المعلومات، وتوجيه الاستثمارات نحو التكنولوجيا.

كتاب يحتاج إلى قارئ صبور ومتأمل

لاشك أن كتاب "الموجة الثالثة وقضايا البقاء" لمؤلفه د. علي علي حبيش، يحتاج إلى صبر من القارئ على قراءته، وإلى تأمل حالنا وما نحن فيه، وما يسير إليه العالم الآن، في ظل الثورات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة.

مجتمع المعلومات: الثقافة الالكترونية عصب الموجة الثالثة(2)

سبق لي أن تناولتُُ في كتابي "تكنولوجيا أدب الأطفال" الصادر عام 1999 موضوع الثقافة الإلكترونية التي قمتُ بتعريفها قائلا: "الثقافة الإلكترونية، هي الثقافة الوافدة علينا من خلال ما يُعرف بعصر الموجة الثالثة الذي يعيشه الإنسان حاليا، وهو العصر المعلوماتي الذي رافقته ثورتان تكنولوجيتان هما: ثورة الاتصالات، وثورة في تقنية المعلومات من خلال الأجهزة الإلكترونية المختلفة، سواء كانت هذه الأجهزة حاسبات آلية، أو أجهزة أتاري، أو أجهزة فيديو، أو أجهزة إذاعية وتلفزيونية تستقبل الإرسال المحلي، أو تستقبل محطات الأقمار الصناعية التي تبث عروض القنوات الفضائية المختلفة والمنتشرة في شتى بقاع العالم الآن".

وقد تم تداول هذ ا المصطلح بعد ذلك في الكثير من الميادين الثقافية والصحفية والإعلامية المختلفة.

***

وعلى سبيل المثال كتب أحمد زين تقريرا في جريدة الوطن السعودية، منذ أشهر قليلة عن الدراسة التي أعدها الدكتور عبد الله المعجل وكيل وزارة التعليم العالي للعلاقات الثقافية بالمملكة العربية السعودية، بشأن صياغة إستراتيجية ثقافية خليجية شاملة تؤكد الدور الثقافي الإلكتروني أو الرقمي، وأيضا تطوير وسائل التربية والتعليم وتوأمتها مع وسائل النشر الإلكتروني من أجل تأسيس جيل يعي وسائل العالم الجديد ليكون قادرا على التناغم معها وتسخيرها والسيطرة عليها لما فيه خير للعلوم والثقافة الخليجية.

خلافات نسوية تلقي بظلالها على مفهوم الحركات والمساواة بين الأنوثة ووحدة النوع(3)

  قد يخلط الكثير من القراء بين مصطلح المساواة /Fememsm/ و مصطلح حركات تحرير المرأة "Woman s Leberation Movment ؛ لكن الحقيقة تحمل في طياتها اختلافا لغويا" وفكريا" يعطي هذا المصطلح تمييزه ومطالبه وخصوصياته. فمصطلح النسوية كما تراه Sara Gambel في كتابها النسوية وما بعد النسويةFemensm&Post Femensm " حركة سعت الي تغيير المواقف من المرأة كأمرأة قبل تغيير الظروف القائمة وماتتعرض اليه النساء من اجحاف كمواطنات علي المستويات القانونية والحقوقية في العمل والعلم والتشارك في السلطة السياسية والمدنية ؛ ولهذا فقد تصدت النسوية في فكرها الي ما توارثته الذاكرة الجمعية والفردية من افكار سلبية عن المرأة من خلال الكتابات القديمة لها وقد اثبتت هذه الحركات أن النظرة الدونية للمرأة ما هي الا نتاج ترسبات القت بأعبائها عليها عن طريق الثقافات السائدة وهي قطعا" لاتمتلك اية جذور حقيقية أو مصادر طبيعية تستند اليها .   

ومن هنا فأن الطروحات النسوية قد جاءت بعد مراجعات نقدية سابرة للاطر المعرفية والمناهج العامة للفكر الغربي .

ان الاطار الحضاري والمعرفي بمفاهيمه المختلفة يري ان المرأة تشكل العمود الفقري لمؤسسة الاسرة الانسانية ولهذا فأن من المستحيل الانزلاق في التجريب اللانهائي المنزلق الذي لاتسنده نقطة بدء انسانية مشتركة ولاتحده اية حدود او قيود انسانية او تاريخية او اخلاقية . وهذاالمنظور التاريخي والحضاري كان ايضا الاطار الاساسي للحركات النسوية في الغرب في منتصف الستينات .

ففي اشكال متعددة ومتغيرات معقدة طرحت الكثير من المفكرات النسويات امثال erega.A وvergenia Wolf مفاهيم متعددة عن النسوية والنقد النسوي والكتابات النسوية بمحتوياتها المعرفية والثقافية بحيث شكل مفهوم النسوية مناخا للرأسمالية السياسية والاقتصادية الليبرالية وتطور المذاهب الفلسفية من الوضعية الي التجريبية والتفكيكية اضافة الى تطور العلوم البايلوجية التي ارست تصورا جديدا عن المرأة . ولهذا فقد اختلف مصطلح ال.Femensm عن مفهوم حركة تحرير المرأة women s ebration movment .ولكن الحضارة الاوروبية رشدت العلمنة والمادية في المجتمع فأدخلت الكثير من التطورات التي غيرت من توجهات وبنية مصطلح النسوية صاغت من خلالها الانسان – ذكرا- انثي في ضوء معايير ومقاييس المنفعة المادية والجدوي الاقتصادية مما ادي الي هيمنة قيم مادية مظهرية مثل كفاءة العمل وقيم الحياة العامة الظاهرية في حين اهملت دور المرأة الام وهو المظهر الجوهري التحتي لها فصار انتاجها واستهلاكه كمنتجة يحظي بأهمية تفوق كونها الاساس في تحقيق الطمأنينة النفسية والاجتماعية الاساس في تطور ونمو المجتمع . وبهذا صارت مثلها مثل السلعة في الدول الرأسمالية خاضعة لقوانين العرض والطلب .لقد استخدمت النسوية المعاصرة ستراتيجيات تفكيكية ارادت بها زعزعة استقرار النظام الثنائي الكامن في ثنائية المذكر- المؤنث وتخلخل الهياكل الاساسية التي تقوم عليها هذه الثنائية منعا للتمييز بينهما قاصدة بذالك اتاحة الفرصة للرجال والنساء المشاركة للتوصل الي طرق جديدة لصياغة الذات المعاصرة ؛ لذا يجب دراسة النسوية وكما تقول افيلين ريد في كتابها liberation of women من داخل اطارها التاريخي الانساني فندرك ان مشكلة المرأة مشكلة انسانية لها سماتها الخاصة .

واذا كانت هذه الحركةان تتحرك وفق هذا المنظور فسنري ان اشكالية فهم هذه الحركات تنبع من حقيقة تناولها لدور المرأة في الحياة وفهم المشاركات في هذه الحركات فهما ضبابيا بحيث انهن خلطن بين المطالبة بحقوق المرأة وبين فقدها لانونثتها فمصطلح النسوية fememnsn ولد من رحم مصطلحات تعود بجذورها الي الانثوية وصفاتها وهومفهوم منحوت يربك القارئ ويشوش مفهومه ولكن اخذنا له بمثل هذه النظرة يجعلنا قاصرين عن رؤية تقلبات الحياة من الناحية التأريخية وينحو بنا نحوالتجوهر وهو نوع من التقوقع وعدم التفاعل مع المتغيرات المتنوعة اجتماعيا واقتصاديا .

يرى علم النفس ان الانسان يخضع لمكونين أنوثة - ذكورة bisexualite كما تحدث عنها فرويد وبالتالي فأن هذه الانوثة والذكورة تشترك في بعض الصفات وبعض المواقف وكما قالت مارغريت ميد ان احد الجنسين اذا ما تألم فأن الجنس الاخر يتألم بدوره ؛والقضية بهذا المفهوم تكون تناغما روحيا وفق ايكولوجيا خاصة به . ولكن تغلغل المرجعية المادية وتركيزها علي الكم مقابل تراجع المرجعية الانسانية عن الكيف جعل البعد الانساني الاجتماعي يتراجع بحيث تم ادراك الانسان خارج اي سياق اجتماعي انساني , واصبح الانسان كائنا طبيعيا ماديا كميا بأتجاهه نحو مركزية الكون ولايمتلك مكانةخاصة به فصار يسري عليه مايسري على الاشياء الطبعية الاخرى .وبهذا تم تفكيكه تماما وتحويله من انسان منفصل عن هذه الطبيعة الى انسان مادي يتحد ويذوب فيها ويستمد معاييره منها . هكذا نرى كيف ان العلوم حاولت ان ترسم خريطة المؤنث والمذكر وان هذا الرسم تعرض للنقد والتجاوز بفضل اكتساب ادوات معرفية جديدة تساعد في تجديد المقاربات والرؤي .

وقد مرت الحركات النسوية كما ترى جين فريدمن في كتابها fenensm النسوية بتداعيات احدها كسر البني الثنائية للمرجعيات العامة والخاصة وقد علمت هذه الحركات ان القوة في كل العلاقات والبنى مشهودة وهي واحدة من جملة الموارد المهمة جدا التي جعلت النسوية تؤثر في النظريات الاجتماعية والسياسية الحاضرة.

لقد مرت النسوية الغربية كما اشارت غامبل في كتابيها femensm & postfemensm - النسوية وما بعد النسوية - بثلاث موجات مهمة , ترى ان اولاها رفضت تفسيرات البيلوجيا والتحليل النفسي والفرويدي والاطروحة الماركسية معيدة قمع المرأة الي الشكل الثقافي لها كآخر , وتورد الكاتبة هنا مقولة المفكرة الفرنسية سيمون دو فوار "ان المرأة لم تولد امرأة بل تصبح امرأة " ,بينما دعت الموجة الثانية- والرأي هنا- ل تامبي فريدام الي اعادة تشكيل الصور الثقافية للا نوثة بما يسمح بأن يصل الي النضج واكتمال الذات - تحقيق الذات - كونها غامضة وغريزية وقريبة من خلق المرأة واصلها الي درجة ان العلم الذي صنعه الرجل قد لايتمكن من فهمها . لقد نوقش مفهوم الانوثة والعلاقة بالابوة والايديولوجيا من قبل ثلاثة تيارات للنسوية اضافة الى نسوية التحليل النفسي وهذه التيارات هي :

1.تيارات ليبرالية

2.تيارات راديكالية

3.تيارات اشتراكية

وكان الهدف من هذه المناقشة استنهاض الوعي والنظر الي الثقافة علي انها من الامور السياسية حيث ان الصور والمعاني والرؤي الثقافية تعمل علي تعريف معني المرأة وفرض السيطرة عليها ؛وان المطلوب هو ثورة في اللغة والثقافة الي جانب الهياكل المادية والسعي لتغيير العالم الداخلي للخبرة الجسدية والاستعمار والاسكات الثقافي بالاضافة الي تغيير الظروف المادية والاجتماعية للعالم الخارجي . ان القراءة المتأنية تبين لنا ان المشكلة تنبع من ان الرجل قد تم تحديثه بشك متطرف وتم استيعابه في هذه الحركة الاستهلاكيةالعمياء بحيث اصبحت البدائل المطروحة امامه تفوق بكثير البدائل المطروحة امام المرأة .

ثانيا: النوع الاجتماعي

لقد اكتسبت الموجة الثانية للنسوية طابعا اكاديميا سواء داخل مجال الدراسات النسوية او في غيرها من الجالات , ولكن هويتها السياسية قد شهدت تصدعا بسبب الخلاف المتعدد على تعريفها من قبل النساء انفسهن . اذ دخل في منتصف الثمانينيات مصطلح ليس له معنى محدد المعاني الاوهومصطلح مابعد النسوية postfemensm .واثير الجدل حول مكوناته وحول ماهيته كما هو الحال في ما اثاره مصطلح ما بعد الحداثة Post moderensm .ولكن هذه المرة مال الجدل لصالح النزعة الانسانبة الليبرالية التي تتمييز بالتكييف المرن مع الاحتياجات والرغبات الفردية وحاول وضع مجموعة من الاولويات التي تمثل الرجل ؛ الا ان بعض المفكرات في المجال النسوي اعتبرن ان ال POST FEMENSM بمثابة رفض لمكاسب النسوية ونضالاتها السياسية اذ انه يبعدها عن العمل السياسي والاجتماعي وعرفها بأنها ظاهرة يساعد في تحريكها السوق والاعلام الذي يرى ان المرأة هي مجال اختصاصه كما اشارت جرماين جرير . ا ن ما بعد النسوية جاء ليوجه انظار النساء الي مايسمى بظاهرة تأنيث الفقر POVERITY OF FEMENIZATION ؛ التي صارت ظاهرة اجتماعية معروفة في الولايات المتحدة فبدت المرأة في اطار ما ممنوح لها من حرية الرجل في ظل النسوية صار بأمكان الرجل التعايش معها لمدة معينة وقد تنجب منه طفلا" او طفلين دون رباط زوجي شرعي ثم يعمد هذا الرجل الى تحقيق ذاته في ما يسمي التمركز حول الذكورة وترك هذه المراة وحدها - وبدافع من الملل او المشاجرات- ترعي اطفالها الامر الذي يزيد من اعبائها النفسية والاجتماعية والاقتصادية " مهما دفع الرجل من نفقة " وازداد الرجال متعة وحركة استهلاكية . ومما يلفت النظر ان معظم النساء اللواتي ترتبطن بما بعد النسوية لاينسبن وصف انفسهن بأنهن مابعد نسويات وانما الآخرون وصفوهن بهذه الصفة ؛ وعلى اية حال فأن الاعلام هو المتهم الاول في الترويج لما بعد النسوية التي تعد حركة نظرية أكثر مما هي واقعية بل وتمثل تفكيكا" معرفيا" تعدديا" كرس لتحجيم الانماط التفكيرية التي ترمي الي العمومية . واذا ما قرأنا نظريات كريستيفيا و سيكسو التي بنيت علي التفكيك والاختلاف بتأن نري انها وصلت الى طريق مسدود مما تطلب ان يتم التحدث عن موجة ثالثة من موجات النسوية من خلالها لاتجد النسويات حالة التناقض والتعدد . ان الموجة الثالثة من الحركات النسوية اخذت افكارها من تجارب نسويات العالم الثالث اللواتي قدمن نقدا" للحركة النسوية البيضاء في الغرب . واعيد الربط مع العمل السياسي وضرورة التصدي للظلم الاجتماعي مع الموازنة بين المرونة والاتزان ونقد التبعية وحاولت هذه الموجة تفكيك الافتراض الذي يعد الفروق بين الجنسين فروقا اصلية في طبيعتها- في مايتعلق بالعنصر والنوع- وبذالك حاولت عبور الهوة بين النظرية والتطبيق.

لقد درست هذه النظرية قضية المرأة داخل الاطار التاريخي والانساني فادركت انها قضية انسانية ذات سمات خاصة بها نافضة عن نفسها غبار التبعية الادراكية وهي تبحث عن حلول لمشاكلها التي ولدت من نماذجها المعرفية ومنظوماتها القيمية والاخلاقية وانسانيتها المشتركة

في المؤتمر الدولي الرابع حول المرأة الذي عقد في بكين عام 1995ظهر للوجود مصطلح جديد اريد له ان يكون حلا سحريا لهذه القضية التي تمتاز بالضبابية في فلسفتها المطلبية الاوهو مصطلح Gender الذي عرفة بأنه نوع الجنس من حيث الذكورة والانوثة وقد عرفته منظمة الصحة العالمية علي انه المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية لاعلاقة لها بالاختلافات العضوية.

ان الافكارالمتعلقة بالنوع اكتسبت صياغات جديدة لها خلال عقد التسعينات فظهرت دراسات حول الاختلاف الجنسي التي لاصلة لها بالنضال من اجل المساواة وانما اخذت تثير التساؤلات حول المعايير والاطر التي تقيس النوع من اجل اعادة تعريف الذات وفقا لها وهذا ما مهد الطريق الي ظهور النظرية الاسايبرنتيكية التي تطرقت بأجمالها الي التصادم بين المعلوماتية الرقمية في عصر مابعد الحداثة والنسوية وحللت التحولات التي طرأت علي افكار العرق والنوع والطبقة ووفق تطورات التكنولوجيا التي انتهت الي نقد النظرية الماركسية ونظريات التحليل النفسي مستخدمة مصطلح الانسان السايبرنتيكي لتقد الجندر حيث أعادت من خلال هذا المصطلح صياغة الذات وتجميع مكوناتها وبذالك نفت الفهم الانطولوجي للذكر قاصدة من ذلك ان النوع ليس الا تصورا خياليا.

لقد اصبح الرجل بموجب هذا المصطلح بأمكانه المشاركة بتنشئة اطفاله ليعرف وبطريقة تطبيقية جهد المرأة الام في هذا المجال ومن ثم يمكن لانسانيتنا المشتركة ان تؤكد نفسها مرة اخرى . ان هذا المعادلة اذا تساوت اطرافها في المسؤولية المنزلية ولو بشكل تجريبي ستجعل النظرة من الطرف الآخر – الرجل- اكثر احتراما للمرأة ولعملها المنزلي وان هذا الاعجاب قد جاء بعد تجربة معاناتها داخل المنزل مما يجعل المرأة اقل احساسا وهي تمارس العمل البيتي ويجعل الرجال يقرون لها بأنها تعمل في المنزل . ومع ان المصطلح Gender الذي تتعدي معانيه الى الجنوسة والنوع الاجتماعي يشكل معيارا اجرائيا في عملية تحليل العلاقات الفيما بينية للجنسين ثقافيا واجتماعبا ويتيح لنا القاء الضوء علي الجوانب الطبقية والعرقية والعمرية والجنسية واللغوية للمجتمع ضمن شكل الحرية ونوع الديانة وشكل العائلة ونموها الاقتصادي الا انه لايعد المعيار الاكثر رجحانا لسبر وادراك بنية المجتمعات وتنظيمها الثقافي - الاجتماعي ولايشكل تلك العصا السحرية التي توفرنوعا من العدالة بين الجنسين فهو وكما ترى الدكتورة نهى بيومي استاذة النقد واللغة في جامعة البحرين يرتبط بالمواطنة والمجتمع ونحن ندرك ان المواطنة ضعيفة في المجتمعات العربية بسبب قوة دينامكيات اخر يمثل الطبقية والقبلية والعائلية والطائفية اما المجتمع المدني فلا يمكننا الاقرار بوجوده بشكل منفصل وواضح عن الديناميكيات المذكورة آنفاً.

ولعل من المفيد القول ان قضية المرأة في البلاد العربية والعراق اخذت منحي اخر غير النظرة الدونية للمرأة بعين الرجل وانما التناسي والاغفال والانصياع لاجزاء من تشكيلات الذاكرة الجمعية لديه يركزه حول كونها قاصرا وفقا للفهم الخاطئ لفلسفة هذا القصور وكذلك ماتحتفظ به ذاكرته الفردية كونها جزءا من الذاكرة الجمعية عن المرأة وهي تباع وتشترى كجارية في الازمنة الغابرة ؛ لذا فأن حركة النضال في هذه المجتمعات يجب ان تنطلق من هذا الاتجاه بأطراف تصحيحية لايكولاوجيا التناول ومع كل هذا الطرح الذي قد نجد له صورا سلبية في بعض البلدان العربية الاان تجربتنا الجديدة ابرزت وجة المرأة العربية التي لاتلهث وراء فقدان الانوثة ولاتعير اهتماما لمعاني الجندر بقدر ما تعير اهتماما لعملها في تنشئة الاطفال او العمل في الخارج همها الوحيد ان تثبت جدارة في ذلك وتنال اعجاب الرجل واحترامه .

ومع تعدد ثقافاتها وتدرجها في المناصب الاجتماعية والادارية الا ان الكثير من النساء يبدين اعتزازا بهذا الامتياز الذي يميزهن بين نساء العالم اجمع .    

الحركة النسائية العربية التحديات النخبوية(4)

  ورقة عمل مقدمة من السيد احمد ثابت/ رئيس مجلس أدارة مركز ابن رشد للتنمية في مؤتمر تقدم المرأة العربية 2004 يظهر السياق التاريخي للكتابات والحركات المدافعة عن تمكين النساء من نيل حقوق المواطنة الكاملة سياسيا وقانونيا على قدم المساواة مع الرجال وخصوصا من الناحية الواقعية ، ودون التوقف عند حد النص على الحقوق المتساوية في الدساتير والقوانين، عددا من الحقائق المشتركة بين الحركات النسائية وبغض النظر عن منابعها المختلفة .

ومن أهمها الحقيقة القائلة بأن توسيع حيز المشاركة الديمقراطية لا يمكن أن يتم من دون تحويل المرأة إلى مواطنة كاملة على أساس أن تمكين النساء يرتبط ارتباطا وثيقا بتأسيس الديمقراطية وتحقيق المساواة و " أن الديمقراطية وتحقيق المساواة يتقاطع في أهدافه النهائية وفى تطويره مع تحرير المرأة في ميادين الحريات ( الشخصية والمدنية ) وحقوق الإنسان ، والكرامة والمساواة والاستقلال وتقاسم التأثير والقوة والتعددية " .

ذلك أن هناك تداخلا بين مهمات النضال الديمقراطي وتحرير المرأة سياسيا ، وان النظم السياسية التي تغيب فيها الديمقراطية المبنية على المشاركة الفعالة لمختلف قطاعات المجتمع عادة ماتضع عراقيل تحول دون المشاركة السياسية للمرأة ، وهذا مايضفى مزيدا من الصعوبات على النضال السياسي للمرأة التي تعمل في ظل نظم سلطوية وأبوية من اجل تحرير المجتمع ككل ، ونيل حقوق المواطنة الكاملة للنساء . ومن هنا فأن هذا النضال السياسي وأن كان يسهم في تحرير المرأة بصفة أساسية الأ أن ذلك لا يمنع من أن يؤدى إلى تحرير مجموعات اجتماعية أخرى تعانى من الضعف والتهميش مثل الشباب والمتعطلين عن العمل وذوى الاحتياجات الخاصة في البلاد العربية وفى عالم الجنوب ، والأقليات والمهاجرين والنساء من أصل افريقى في المجتمعات الغربية .

ويمكن القول أن الأفكار سالفة الذكر صارت تمثل مساحة اتفاق مشترك بين الحركات النسوية في مختلف ربوع العالم ، غير أن ذلك تم بعد أن مرت الحركات النسائية بمراحل تطور مختلفة بحسب الاعتبارات الجغرافية والسياسية والتاريخية . فعلى سبيل المثال مرت الحركة النسوية الغربية بثلاث مراحل أو موجات منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الآن . حيث ركزت الموجة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على المطالبة بحق النساء في التصويت أسوة بالرجال وكذلك الحقوق القانونية والمدنية للمرأة بما فيها الحق في التعليم. في حين أن حركة تحرير المرأة في المجتمعات العربية نادت في هذه الفترة بحق المرأة في التعليم والخروج من المنزل وحق اختيار الزوج وغير ذلك. وقد ظهرت الموجة الثانية في الأربعينات وحتى بداية السبعينات من القرن العشرين واتسمت بتنوع وتباين التوجهات والمطالب بين الحركات النسائية في كل من العالم الراسمالى والعالم الأشتراكى والعالم الثالث ، وان كانت هذه الحركات تشترك جميعا في العمل ضمن الإطار القومي الداخلي .

تمحورت المطالب النسائية في الدول الغربية إبان هذه الموجة حول ضرورة حصول المرأة على المواطنة الكاملة والحقوق الاجتماعية انطلاقا من الدور الهام الذي لعبته النساء في بناء دولة الرفاه الغربية والذي يستمد أهميته هذه من المساهمات المتميزة والفريدة للنساء ، الأمر الذي يتطلب ضرورة انخراطهن بفعالية في عملية صنع القرار ، غير أن النساء ظللن يفتقدن فرص الوصول إلى القوة السياسية التي تمكنهن من نيل الحقوق السياسية .

وعلى الجانب الأخر طرحت المرأة في الدول الاشتراكية في هذه الفترة مطالب مختلفة انطلاقا من العلاقة المختلفة لها مع الدولة ، إذ أولت الحركة النسائية اهتماما ملموسا بحقوق المرأة العاملة على قدم المساواة مع الرجال بالنظر إلى دور النساء الهام الذي لا يقل عن الرجال في بناء الاشتراكية والمجتمع ، ومن ثم ركزت على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة بصفة أساسية . غير أن انهيار النظم الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية وما أعقبه من إنهاء الدور الأنتاجى الأقتصادى للدولة وتصفية القطاع العام والتحول لآليات السوق ، جعل النساء يواجهن صعوبات عديدة بعد ضياع نسبة كبيرة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي حصلن عليها إبان الحقبة الاشتراكية . ومن هذا تركز الخطاب النسوى هناك على ضرورة معالجة الآثار السلبية لنظم الاقتصاد الحر على أوضاع المرأة معيشيا واقتصاديا ، وكذلك طالبت بتوسيع قاعدة المشاركة الديمقراطية للنساء وخصوصا في مقاعد البرلمان .

وبالنسبة للحركة النسائية في العالم الثالث عموما والوطن العربي خصوصا فقد ركزت مطالبها على الكفاح الوطني والتحرر من الاستعمار ثم المساهمة في بناء الاستقلال ، مع التأكيد على حقوق المرأة في التعليم والعمل وكذلك قضايا الزواج والطلاق ، وبيان أهمية دور المرأة في تحرير المجتمع كله على قدم المساواة مع الرجال . وأسهمت سياسات التخطيط القومي واضطلاع الدولة بمسئوليات اقتصادية واجتماعية في اكتساب المرأة حقوق المساواة في التعليم والعمل والرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية في عديد من البلاد العربية .

كما نالت النساء نفس الحقوق السياسية للرجال في سوريا ومصر والجزائر والأردن والعراق وتونس عندما التزمت هذه الدول باتفاقية الحقوق السياسية للمرأة التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في الخمسينات ، بيد أن مطالب وتوجهات الحركة النسوية الغربية في أطار الموجة الثانية اختلفت عن نظيرتها في العاملين الأشتراكى والثالث ، فقد ابرز الاتجاه الليبرالي منها طبيعة الاختلافات بين ادوار الرجال والنساء استنادا إلى الدوافع البيولوجية والنفسية والاجتماعية . وركزت على المساواة بين الجنسين وما تقتضيه من وضع حد لاستبعاد النساء من العملية السياسية أو التنبيه لخطورة الوضع المتدني للمرأة في السلطات والمؤسسات السياسية وفى فرص العمل ، ونادت بأن تمتد الحقوق المتساوية للنساء إلى نطاق الحق في الخدمة العسكرية والمشاركة في العمليات القتالية . في حين أن الاتجاه النقدي أكد على أهمية تغيير نمط العمل في المؤسسات والذي يتميز بغلبة الطابع الذكورى وبحيث تكون هذه المؤسسات " صديقة للنساء " ، كما ركزت على قضايا العنف ضد المرأة الذي يتسبب في حرمانها من الحصول على الموارد وربطت بين السياسية والنوع بمعنى القول بأن التفرقة ضد النساء هي ذات طابع سياسي بالأساس .

شهد عقد الثمانيات من القرن الماضي تبلور الخلافات حتى داخل الحركة النسوية الغربية ، إذ وجهت الحركات النسائية لذوى الأصل الأفريقي وتلك العاملة في الدول النامية النقد للحركة النسوية " البيضاء " لتجاهلها دور العرق والثقافة والعلاقات الاستعمارية في التمييز ضد النساء من الأقليات الأفريقية ومن بلدان العالم الثالث ، فعلى الرغم من أن الحركة النسوية " البيضاء " تعانى من قهر الرجال على مستوى النوع وفى بعض مجالات العمل والممارسة السياسية ، الأ أن النساء البيض يكتسبن مزايا عديدة من جراء اشتراكهن في الثقافة والعنصر الأبيض المسيطر ، كما يتمتعن بحقوق المواطنة في الدول الغربية الثرية . وقد نجم عن هذه الانتقادات تعاطف بعض الاتجاهات النسوية البيضاء مع دعوات وتحركات مناهضة التفرقة العنصرية .

وفى هذا الإطار ازدهرت الموجة الثالثة من الحركة النسوية منذ عقد التسعينات من القرن الماضي وظهر حقل جديد في العلوم الاجتماعية والعلاقات الدولية يسمى بالدراسات النسوية FEMINISM ونشطت الحركات النسوية المختلفة في أطار نهضة المجتمع المدني على المستوى العالمي والمنظمات غير الحكومية ، وركزت على ضرورة توسيع أجندة الأعمال التقليدية على مستوى السياسات الدولية ، وإدخال البعد النسوى تحت مسمى جديد هو النوع أو الجندر والتمييز بينه وبين مفهوم الجنس SEX الذي يرتبط بالفروق الطبيعية والبيولوجية بين الرجل والمرأة ، في حين يشير مفهوم الجندر إلى الفروق التي خلقها كل من المجتمع والثقافة السائدة في مجال تقسيم الأدوار بين الجنسين والتي قد تشمل على تقسيم مجحف بالمعنى الأجتماعى يفرضه المجتمع نفسه تبعا لمروره بمراحل مختلفة من النمو ، ومعنى ذلك أن مفهوم الجندر لا ينطلق بالضرورة من الأقرار بوجود مشكلة للمرأة دون الرجل ، بل تكمن المشكلة في هيمنة المجتمع الذكورى الأبوي الذي لا يعير اهتماما لاضطلاع المرأة بغالبية الأعباء المنزلية وعدم إدخالها في الحسابات الاقتصادية وكذلك عدم الاعتراف بدورها المهم في عديد من القطاعات الاقتصادية ... وعلى هذا الأساس تشير دراسات الجندر إلى أن التنمية المستديمة هي التنمية المتوازنة التي تتيح الفرص المتكافئة للرجل والمرأة وللفئات الاجتماعية المختلفة ، وإدخال المرأة في كافة عمليات ومراحل العملية التنموية ، هذا إلى جانب القول بأن التمييز بين الرجال والنساء لا يرجع بالأساس إلى تباين الرجال والنساء من حيث الصفات النفسية والعاطفية ، ولكنه يعود إلى المجتمع الذي يتولى تحديد الأدوار والعلاقات الاجتماعية للجنسين والتي تختلف من مجتمع لآخر ومن مرحلة زمنية لأخرى ،ويمكن لهذه الأدوار أن تتغير بحسب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة .

وهذا يفرض أهمية أبراز دور العادات والتقاليد والقوانين في تكوين الفجوة الحادثة بين وضع كل من الرجل والمرأة ، كما أن كفالة مشاركة الجنسين في التنمية والاستفادة المتساوية من ثمارها تعنى مشاركة كل منهما عبر : الدور التربوي والأسرى ، والدور الأنتاجى ، الدور العام والسياسي .

وإذا كان الاتجاه سالف الذكر يعنى بدور المرأة في التنمية WOMEN IN DEVELOPMENT ( WID ) وتعد أفكره قريبة إلى حد ملموس من الواقع ، فأن هناك اتجاها آخر يسود الموجة الثالثة من المنظور النسوى وينطلق من مرجعية غربية يعتبر أن المرأة هي محور تركيز المنظور الجندرى متأثرا في ذلك بالنظرية الماركسية التي أبرزت أهمية رؤية العالم من بؤرة تركيز محددة هي عمال العالم بحسبانهم القوة المنتجة ، ويرجع أنصار هذا الاتجاه إدخال المرأة في صلب قضايا حقوق الإنسان وغيرها إلى ملاحظه من كون أن غالبية اللاجئين وضحايا الحروب والمجاعات هم من النساء والأطفال وأهمية التنبيه إلى حوادث الاغتصاب إبان الحروب وتدفق اللاجئين بعيدا عن مناطق الصراع والتوتر ، كما يلفت النظر إلى الآثار السلبية لسياسات التكيف الهيكلي والعولمة الاقتصادية على النساء وكذلك أثر المشكلات المترتبة على تدهور البيئة .

غير أن هذا الاتجاه النسوى يولى أهمية كبيرة لطرح غالبية القضايا الخاصة بالمرأة على بساط النقاش العلمي بما فيها الإجهاض والختان وحرية المرأة الشخصية في التصرف بجسدها ، كما بالغ في نقد المعارف المتداولة عن العالم يزعم أنها مأخوذة من خبرات القطاع الأقوى في المجتمع وهو الرجال ، كما يعتبر أن النظام العالمي القائم على ممارسات القمع والقهر للمرأة ينتج اتجاهات وأفعالا وشخصيات " مرضية " في صفوف كل من يمارس القمع ومن يجرى عليه القمع . ومن ثم فأن مقاومة كل من المرض والقمع تتطلب من البشر أن يؤكدوا الذات الفردية من جهة وتنظيم وتعبئة الناس في مجموعات متميزة . وهذه النظرة المتأثرة بنظرية ما بعد الحداثة لا تنظر إلى المجتمع كوحدة واحدة ولكن بحسبانه منقسما بين مجموعات اجتماعية أثنية أو عرقية أو نسويه تواجه القمع والبيئة الذكورية.

رابعا : الجدل حول مقومات تطور النضال النسائي : خارجية أم وطنية ؟

يثور الجدل حول مقومات وعوامل دفع وتطوير النضال النسائي من اجل اكتساب حقوق المشاركة السياسية من الناحية العملية بعد أن تم اعتمادها في نصوص الدساتير والقوانين الوطنية ، فهل هذه المقومات تأتى من خلال ارتباط حركات الدفاع عن حقوق المرأة في البلدان النامية بالحركة النسوية العالمية ذات المرجعية الغربية أم عن طريق الانطلاق من الديناميات المجتمعية الوطنية بصفة أساسية ؟ مع عدم إغفال أهمية الاستفادة من المكاسب التي حققتها المستويات الدولية لصالح المرأة سواء على المستوى النظري أو على الصعيد العملي .

وتتبع أهمية دراسة هذا الموضوع من عدة جوانب من أهمها أن الحركة النسوية ومنظور الجندر الغربي السائد لم يعد يهتم بالقضايا الطبقية والأيديولوجية والاقتصادية بعد أن حققت المرأة الغربية مستوى من الرفاه الأقتصادى والمعيشي ، وصار يركز على موضوع تأكيد " الهوية " اى الذات بالمعنى الثقافي والأنطولوجى ( الوجود ) ، كما يؤخذ انحسار دور الدولة كحافز لبروز فاعلين غير مرتبطين بالدولة ويرتبطون عبر تجاوز الحدود الوطنية في أطار مؤسسات وشبكات تحالف ذات منحى عالمي ، في أطار مواجهة الشركات متعدية القومية والطبقة الرأسمالية العابرة للحدود والمخترقة للحواجز القومية . كذلك تذهب الباحثات التسويات إلى أن الانقسامات الاجتماعية المستمرة مثل الطبقة والدين والإقليم واللغة والأثنية يمكن أن تمثل حافزا للحركة النسوية باعتبارها احدي الحركات الاجتماعية الجديدة ، التي ترتكز على إدراك للهوية الجماعية وللمعاني المشتركة ولكن دون تقدير لأهمية الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية وتنوعها واختلافها بين المجتمعات الغربية والنامية .

وعلى الرغم من عدم إمكانية إغفال الحاجة الماسة لتضمين النوع / الجندر داخل التفاعلات السياسية والثقافية والمؤسسية ، وعلى الرغم من إمكانية تنظيم النساء وتعبئة قدراتهن بأساليب مختلفة عن الرجال ، الأ أن المنظور النسوى الغربي السائد يبالغ عندما يؤكد على ضرورة خلق أنماط للإدارة وادوار للقيادة قائمة على التنوع . ومن ناحية أخرى فان حاجة المرأة والحركات الممثلة لها إلى إحداث تغيير سياسي ـ اجتماعي عن طريق إجراء تحسينات في الوضعين القانوني والأجتماعى للمرأة تتطلب أولا دعم دور الدولة الوطنية في التشريع والرعاية والتشغيل وحمايتها ـ اى الدولة ـ من موجات العولمة التي تعمل على إضعافها وتفويض سلطاتها وأدوارها في الحياة الاجتماعية الاقتصادية والثقافية ، إذ يبدو دور الدولة هاما كجهاز يعمل بالتعاون مع المؤسسات المدنية أو الأهلية في إعادة تشكيل مختلف الأطر والهياكل الاجتماعية وبما يكفل تحرير المرأة والرجل معا وتحرير المجتمع بأسرة وهى المهمة الرئيسية التي يتحدث عنها هشام شرابي .

والواقع أن القضاء على التخلف الأجتماعى الداخلي يتطلب تركيز النضال السياسي للمرأة والرجل معا في المستويات الوطنية ، هذا فضلا عن أن الفصل بين الحيزين العام والخاص ، كما في المنظور النسوى الغربي ، لا يعطى اهتماما ملموسا لكيفية حل الإشكالية المرتبطة بالعلاقة بين دور المرأة التقليدي في رعاية الأسرة من الأطفال أو كبار السن وتدبير شئون البيت وبين القضايا المتعلقة بالصحة والتعليم والتموين وشئون المياه والمجارى , والمواد الاستهلاكية ، وكذلك بسلامة المجتمع المحلى ... أن بلورة مثل هذه العلاقة مهم جدا للنساء في المجتمعات الفقيرة الشرقية والعربية والأفريقية ولا تهتم بها النساء الغربيات التي حققت مجتمعاتهن مستوى عاليا من رفاهية المعيشة ، وهذه العلاقة هي التي تشكل قاعدة رئيسية للمطالبة بمشاركة أكثر فعالية للنساء في المواقع التشريعية والتنفيذية التي تعنى بصياغة وتنفيذ السياسات العمة في المدن والمحليات .

وهناك ضرورة للنظر إلى أن المشاركة الفعالة للمرأة في العمل العام والممارسة السياسية تهدف ليس فقط إلى كفالة حقوق المرأة السياسية والقانونية بل وأيضا إلى الحفاظ على تماسك المجتمع والهوية الوطنية ، وأن مطلب تأكيد الهوية الجماعية على أساس عولمى كما تطرحه الحركة النسوية الغربية يتعارض مع هذا الهدف .

بل ربما كان تأكل مؤسسة الدولة الوطنية وازدياد حدة الانقسام المجتمعي عنصرا يدفع المرأة إلى الانكفاء والبعد عن العمل العام والسياسي ، وهذا ما تعبر عنه دلال البرزى بقولها : " ... ولأن النساء هن اللواتي يدفعن الثمن الأكبر لتزر المجتمع وتضعضع سلطة الدولة وتقوقع المجتمعات البشرية على نفسها ، ارتدت المرأة عن خط مسارها شبه الطبيعي ... لتحفظ جسدها قبل موقعها أو عقلها من التدمير المتسلل إلى جميع الثنايا، فضوعف بهذا اغترابها عن ذاتها ثم عن غيرها " .

ولا تختلف وضعية المرأة الأفريقية عن نظيرتها العربية ، فقد أدى التدخل الأستعمارى الأوروبي إلى تقويض دور المرأة الأفريقية الهام الذي مكنها قبل الحقبة الاستعمارية من الحصول على التعليم وممارسة دور كبير في تربية الأطفال وفى التجارة في السلع التقليدية وإدارة شئون المنزل بل وزراعة المحاصيل التقليدية ، كما أن حقبة ما بعد الاستقلال شهدت تبنى الحكومات الوطنية للنظرة الأبوية للمجتمع التي ورثتها عن الاستعمار الأوربي من قبيل أبعاد المرأة عن المجال العام واضغاف الأدوار التقليدية التي طالما سيطرت عليها النساء الأفريقيات ، هذا إلى جانب أن عمليات التخطيط والتنفيذ للتنمية اتسمت بإغفال ادوار المرأة ، وزاد الأمر خطورة مع الآثار السلبية لسياسات الإصلاح الأقتصادى والتكيف الهيكلي المفروضة من قبل صندوق النقد والبنك الدولتين ، والتي تمثلت في مزيد من إفقار الشعوب بعامة والنساء بخاصة من جراء تخفيض الأنفاق العلم في ميادين الخدمات العامة والاجتماعية على وجه الخصوص وتخلى الحكومات عن دعم السلع الأساسية ، ما أدى إلى تدهور المستوى المعيشي والصحي للنساء والأطفال .

الأنوثـة والذكـورة المتخيلة هما تركيبة ثقافيـة ونظـام تمثيلي(5)

فى أشكال متعددة وتعقيدات متغيرة تحدثت نساء مثل أريجاراي وكريستيفا وسيكسو وفرجينيا وولف عن النسوية والنقد النسوي والكتابة النسوية، حيث بدا هذا الحديث متبايناً على الصعيدين المعرفي والثقافي، فمفهوم النسوية والكتابة النسوية والنقد النسوي، وبخلاف ما يبدو للوهلة الأولى، ليست بدهية أو واضحة بذاتها، ولا هي محل اتفاق عام بين النسويين أنفسهن، بل خاصة بينهن، فكما تذهب جانيت تود فى مقولاتها الى أن النساء كون جماعة عرقية داخل إطار مجتمعهن الخاص، هذا الامر، وبحسب الكثير من الباحثين أسس لاتجاهات متعددة فى النظريات النسوية الأمر الذي لا يمكن معه الحديث عن نظرية نسوية واحدة أو اتجاه نسوي واحد، وفى طرحه لتلك التعددية التى ينطوي عليها الخطاب النسوي خاصة فى الربع الأخير من القرن العشرين، ما دفعني لأن أخوض غمار هذا المبحث الشائك والمعقد، هي طبيعة الاشكالات التى تعيشها الثقافة العربية على صعيد التلقي بالنسبة للكثير من المفاهيم ومفهوم (النسوية) أحدها، حيث أزعم بأنها محاولة لمراجعة منطلقاته ومفاهيمه وتمحيصها، من خلال فتح الحوار مع عدد من مثقفي ومثقفات الوطن العربي.

البعض كان يتحدث عن مشروعية تبني أفكار ونظريات أنتجت فى سباق وأوضاع ثقافية وسياسية مختلفة وحول جواز استيراد النظريات العلمية والثقافية!! كما ان البعض الآخر كان يرى أن الحركات النسوية العربية ما تزال تعاني خللا ما فى التلقي، وأنها تعاني من داء الاجترار والمطابقة لثقافة الآخر الغربي دون النظر فى مواءمة هذه المفاهيم لثقافتها، وفى هذا الطرح يستشعر بعض المثقفين ظهور أو تشكل عقدة الآخر التى نستشعر هامشيتنا فى وجوده. ان مصطلح النسوية الشائع الآن فى ثقافتنا العربية هو المقابل العربي للكلمة الأجنبية (Feminism)، والبعض فى هذا السياق يرى ضرورة الالتفات قليلا الى هذه الكلمة وما يرتبط بها من كلمات أخرى لا بد من إيجاد مقابلاتها العربية الدقيقة والمميزة، عبر تلك الرؤى التى حملناها طابع السؤال. التقيت د. نهى بيومي أستاذة النقد والأدب الفرنسي في كلية الآداب بجامعة البحرين، وعضوة تجمع الباحثات اللبنانيات، للحديث عن الشأن النسوي في العالم العربي، فكان معها هذا الحوار:

هل »الأنوثة« و»الأنثوي« و»المرأة« هي موضوع النسوية، أم أن النسوية استراتيجية لتفكيك الكيانات المتخيّلة التي شكّلت المفهوم الثقافي/الاجتماعي للجنس المؤنث والمذكر سواء بسواء؟ وبعبارة أخرى هل يمكننا أن نتحدث عن »أنوثة متخيّلة«، وأيضاً عن »رجولة متخيّلة« كما هو عنوان الكتاب الذي قامت بتحريره مي غصوب وإيما سنكليرويب؟

من الطبيعي انه في ظروف عالمية مجحفة بحق النساء كمواطنات، على المستوى القانوني والحقوق في العمل والعلم والتساوي في الفرص والتشارك في السلطة السياسة والمدنية، فإن النسوية التي تولدت في هذه الظروف وفي بدايات تشكلها على ما تذكر سارة جامبل في كتابها »النسوية وما بعد النسوية«، سعت إلى تغيير المواقف قبل تغيير الظروف القائمة، فتصدت للفكرة السلبية عن النساء المستمدة من الكتابات اليهودية-المسيحية، وتوقفت عن كشف الدونية التي توصم بها النساء من انها فكرة مفروضة ثقافيا وليست مستمدة من مصادر طبيعية.

حتى أن العلم الذي أنتج في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فإنه من نتاج هذه الثقافة سواء بالتماهي بها أو بنقدها ورفضها. فكتابات داروين وتأثر بعض المفكرين العرب بها وخصوصا فيما يتعلق بالنساء مثل كتابات شبلي الشميل، فإنها تحط من شأن النساء كجنس وتعلي من شأن الرجال كجنس (إن راجعنا الصحف النسائية في أوائل القرن العشرين فإننا نجد العديد من المقالات التي تناهض الداروينية). للأسف لا يمكننا الاستفاضة في هذه النقطة، مع انها مهمة جدا، التي تربط بين صدور مفاهيم جديدة كرد فعل على واقع غير مرض، وعلى اطروحات »علمية« مستحدثة.(من ميزة العلوم البحتة انها تذهب قدما في كشوفاتها غير عابئة بالثقافة، وهي مثقلة فقط باطروحاتها التي سرعان ما تنقدها وتغيرها باعتزاز دون وجل).

من هنا تطورت اطروحات النسوية، وقامت بمراجعات نقدية للفكر الغربي وأطره المعرفية ومناهجه عموما، واذكر هنا دراسات ميشيل بيرو المهمة. كما أن التحليل النفسي الفرويدي الذي اعتبر أن الجنسانية واللاوعي هما مكوني الذاتية، فانه قطع معرفيا مع الداروينية، وانتزع الجنسانية من أساسها البيولوجي جاعلا إياها نفسجنسانية. لكن في الوقت نفسه فإن نظريته التحليلية كانت تعتمد على نفسجنسانية الصبي. لذلك تعرض النقد النسوي لهذه المسألة، وحاولت بعض المحللات النفسانيات النسويات تعديل الخطاب الفرويدي، كي يتخذ من الأم محورا، وهذا ما كان له الأثر في تغيير اتجاه التحليل النفسي. واليوم فإنه يذهب باتجاه علائقي، واذكر دراسات المحللة النفسية الفرنسية Caroline Eliacheff.

هكذا نرى كيف أن العلوم حاولت أن ترسم خريطة المؤنث والمذكر وان هذا الرسم تعرض للنقد والتجاوز، بفضل اكتساب أدوات معرفية جديدة تساعد في تجديد المقاربات والرؤى.

قصدنا من ذلك إظهار أن المناهج العلمية تؤثر في رؤيتنا لأنفسنا ولمجتمعاتنا وتراثنا. وان تغير الرؤى يتم في ايكولوجيا معينة. وان رغبنا في معرفة موجات النسوية الغربية الثلاث فما علينا إلا العودة إلى كتاب غامبل الذي ذكرناه. حيث نتبين أن الموجة الأولى رفضت تفسيرات البيولوجيا والتحليل النفسي الفرويدي والأطروحة الماركسية، معيدة قمع المرأة إلى التشكيل الثقافي لها كآخر. ألم تقل سيمون دو بوفوار في مقولتها الشهيرة »إن المرأة لا تولد امرأة بل تصب«؟

بينما دعت الموجة الثانية إلى إعادة تشكيل الصورة الثقافية للأنوثة بما يسمح للمراة بالوصول إلى النضوج واكتمال الذات أي تحقيق الأنوثة. ذلك لان الأنوثة غامضة وغريزية وقريبة من خلق الحياة واصلها إلى درجة أن العلم الذي صنعه الرجل قد لا يستطيع فهمها، تبعا _لبيتي فريدان. هنا ظهرت ثلاثة تيارات للنسوية إضافة إلى نسوية التحليل النفسي: ليبرالية وراديكالية واشتراكية، ناقشت مفهوم الأنوثة وعلاقته بالأبوية والايدولوجيا، هادفة استنهاض الوعي والنظر إلى الثقافة على انها أمرا سياسيا وباعتبار أن الصور والمعاني والرؤى الثقافية تعمل على تعريف معنى المرأة والسيطرة عليها. وان المطلوب هو ثورة في اللغة والثقافة إلى جانب الهياكل المادية، وسعي لتغيير العالم الداخلي للخبرة الجسدية والاستعمار النفسي والإسكات الثقافي بالإضافة إلى تغيير الظروف المادية الاجتماعية العالم الخارجي.

ونذكر في هذا الصدد تميز النسوية الفرنسية عن نظيرتها الامريكية في استخدامها التحليل النفسي كأداة تفسيرية- لوسي اريجاري وهيلين سيكسو وجوليا كريستيفا، اللواتي حاولن استجلاء الطرق التي تؤدي بها اللغة والثقافة إلى تكوين الاختلاف الجنسي وتقويض مركزية الذكر في النظام الرمزي. اتُهمت النظرية النسوية الفرنسية بأنها في محاولتها تحديد مصدر قمع المرأة في اللغة والثقافة، دمرت النضال السياسي النسوي الذي يجب أن يقوم على هوية اجتماعية مشتركة وأهداف اجتماعية وسياسية مشتركة.

ومنذ بداية الموجة الثانية اكتسبت النسوية طابعا أكاديميا سواء داخل مجال الدراسات النسائية أو في غيرها من المجالات، أما من حيث كونها هوية سياسية فقد تصدعت على جبهة الخلافات المتعددة بين النساء. ويبدو أن النسوية منذ منتصف الثمانينات، مصطلح ليس له معنى محدد وغير محدد المعالم، إذ ظهر مفهوم ما بعد النسوية، الذي أثار الجدل حول مكوناته و حول ماهيته- كما هو حال ما بعد الحداثة- لكنه يميل لصالح النزعة الإنسانية الليبرالية التي تتميز بالتكيف المرن مع الاحتياجات والرغبات الفردية. وحاول وضع مجموعة من الاولويات التي يمثل فيها الرجل.إلا أن بعض النسويات اعتبرن أن ما بعد النسوية هو رفض لمكاسب النسوية ونضالاتها السياسية، وانتقدن ابتعادها عن العمل السياسي والاجتماعي. ورأين انها ظاهرة يحركها السوق وخاصة الإعلام الذي يرى المرأة على انها مجال اختصاصه، هذا ما تؤكده Germaine Greer.

والملفت أن معظم النساء اللاتي يرتبطن بما بعد النسوية لا ينسبن هذا الوصف لأنفسهن بل يفعل ذلك الآخرون. واتهم البعض الإعلام في ترويج هذا المصطلح ومن موقع رجعي، من أن النسوية موضة قديمة. نستنتج أن ما بعد النسوية نظرية أكثر منها واقعية، تمثل نسقا معرفيا تعدديا مكرسا لإبطال أنماط التفكير التي ترمي إلى العمومية، ويتوازى مع مصطلحات ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية وما بعد الاستعمار. وقدمت كريستيفا وسيكسو قاعدتها النظرية المبنية على التفكيك والاختلاف. وهي كظاهرة وصلت إلى طريق مسدود لا يمكن الخروج منه بحل متسق. هكذا بدأ الحديث عن موجة ثالثة حيث لا تجد النسويات مشكلة في التناقض والتعدد. وهكذا دخلت أفكار جديدة على النسوية صادرة من تجارب نسويات العالم الثالث اللواتي انتقدن الحركة النسائية البيضاء، مثل فكرة التهجين، والتباين في تفسير القمع تبعا للمواقف والأزمنة والأمكنة. وأعيد الربط مع السياسي وضرورة التصدي للظلم الاجتماعي، مع الموازنة بين المرونة والالتزام، ونقد التبعية على طريقة جياتري سبيفاك، ونقد هوية النوع الذي كتبته جوديث بتلر وهيلين سيكسو.ويمكن اعتبار رغبة الموجة الثالثة في تفكيك الافتراض بأن الفروق بين الجنسين فروق أصيلة في طبيعتهما فيما يتعلق بالعنصر والنوع، محاولة لعبور الهوة بين النظرية والتطبيق.

هذا العرض التاريخي الموجز يؤكد التغيرات التي تعرضت لها النسوية وينفي أحادية توجهاتها واستراتيجياتها. وبالتالي فإننا لا نستطيع القول أن النسوية هي فقط استراتيجية لتفكيك الكيانات المتخيلة التي شكلت المفهوم الثقافي الاجتماعي للجنس المؤنث والمذكر على السواء. مع أن ذلك يمثل احد تياراتها الذي قادته المحللات النفسيات والمنظرات المتأثرات بالتحليل النفسي. ففي هذا التيار يصح الحديث عن »أنوثة متخيلة« و»رجولة متخيلة«. وفي كلتا الحالتين فإن الذكورة والأنوثة مصطلحين إشكاليين. فلقد بينا في دراسة لنا (مواقف) أن المجال النفسي ليس واقعيا بالكامل، فهو مزيج من الخيال والواقع وربما الخيال يلعب دورا اكبر لذلك فان مجال الإدراك كالمنطق والعقلانية والحجة والبرهان والواقعية تضعف في المجال الذي يشكل تهديدا وهو هنا دور المرأة في المجتمع والذي هو مجال الهوام.

تنتج هذه العلاقة ميلا إلى النكوص والتثبيت، أي تثبيت الماضي والنزوع إلى العودة النكوصية الدائمة إليه، انها تفسر الحركة باتجاه مقاومة مؤشرات التغيير في البنية وفي السلوك، وهذا يحدث طبعا في ظل غياب المؤسسات وطغيان الجماعة على الفرد. ثم إن وضع الرجل للمرأة في الحيز الرمزي وإقصاءها عن حيز الواقع، هو نوع من التعويض ليس فقط عن الماضي لكنه أيضا تعويض عن عدم سيطرته على حركة الواقع بمستوياته المختلفة. هكذا تتسم العلاقة بالمرأة بحركة زمنية استرجاعية عود على بدء ورفض للانطلاق في حركة مفتوحة على المتغيرات.

لكن وبما أن كلا الجنسين يخضعان للترسيمات الثقافية الاجتماعية، التي تحدد ادوارهما ووظائفها في المجتمع، بمعزل عن رغباتهما وإرادتهما، وتبقيهما ضمن هذه المنظومة ووفق تخطيطاتها. فإن الأنوثة المتخيلة والذكورة المتخيلة هما تركيبة ثقافية و نظام تمثيلي، كما يقول ايستهوب، مؤكدا أن الذكورة السائدة تقوم مقام المعيار الخاص بالنوع بحيث تقاس عليها النوعيات الأخرى. يبني هذا النظام التمثيلي تنميطات للجنسين تحدد ادوارهما ووظائفهما وعلاقاتهما، ويفرض توقعات اجتماعية عليهما. لذلك فإن الانحياز عن نموذج الأنوثة أو الذكورة ليس بالأمر الهين في النظام الأبوي. وبتأثير من هذه الأفكار التي تزيح التمركز حول الذكورة (يعرف دريدا رمز الذكورة بأنه »دال متعال« أي نقطة ثابتة وموحدة خارج اللغة وهي قمة السلطة الذكورية.

أما الذات النسائية في علاقتها برمز الذكورة المثبت فتصور على انها »آخر« أو »هامشي«، الأمر الذي يجرد المرأة من القدرة على الفعل ويضعها موضع المُزاح والمُستبعد في الخطاب المتمركز حول الذكورة) وتبعد تبعية المرأة لذات الرجل، وتطالب بحضورها كما الرجل حاضر، فان بعض الرجال زادت حساسيتهم على تركيبتهم الثقافية وبدأوا بأخذ مسافة منها تساعدهم في نقدها وتفكيك تمثلاتها، في محاولة للخروج من القوالب النمطية المرتبطة بالنوع. من هنا ظهر مصطلح »الرجل الجديد«: الذي يحتفظ بالقوة والجاذبية المذكرة إضافة إلى تعزيز حسه المرهف وحنانه وعطفه، في محاولة لتغيير الصورة التقليدية للذكورة والرجال في المجتمع. والمرأة الجديدة« التي تحتفظ بقوة الأنوثة وجاذبيتها إضافة إلى تعزيز كفاءاتها المعرفية والعملية وتغيير أدوارها التقليدية كي تخوض المجالات كافة وتشارك في السلطة.

هل يشكل الانثوي، الذي هو بناء ثقافي، جوهراً ثقافياً للنساء ام ان الامر يدور حول نقد كل جوهر ثابت، سواء كان بيولوجياً ام ثقافياً ؟

خصوصا وأن المؤتمر الدولي الرابع حول المرأة والذي عُقد في بكين ٥٩٩١ م والذي يعد من أهم المؤتمرات النسوية.. ظهر بعبارة (Sexual Orientation) التي تفيد حرية الحياة غير النمطية كحق من حقوق الإنسان في نص المادة ٦٢٢ في وثيقة بكين . في مقابل هذا المصطلح »التوجه الجنسي« الذي يعني حرية الحياة غير النمطية كمصطلح للشذوذ الجنسي، ظهر مصطلح الجندر »G ENDER « وتم تعريفة بأنه »نوع الجنس« من حيث الذكورة والأنوثة، ظهر المصطلح في مؤتمر بكين كلغم قابل للإنفجار، حيث عرفته منظمة »الصحة العالمية« على أنه »المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية ، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية« .. .بمعنى أن كونك ذكراً أو أنثى عضوياً ليس له علاقة باختيارك لأي نشاط جنسي قد تمارسه فالمرأة ليست إمرأة إلا لأن المجتمع أعطاها ذلك الدور، ويمكن حسب هذا التعريف أن يكون الرجل امرأة .. وأن تكون المرأة زوجاً تتزوج امرأة من نفس جنسها وبهذا تكون قد غيرت صفاتها الاجتماعية وهذا الأمر ينطبق على الرجل أيضاً.

اعتقد إنني أجبت جزئيا على هذا السؤال من خلال عرضي لماهية الأنوثة المتخيلة والذكورة المتخيلة. وأضيف أننا إذا كنا نتحدث عن الثقافة فلا يمكننا الإقرار بالجوهر. وكيف يمكننا ذلك والإنسان رجلا أم امرأة لا ينفك عن التغير والتقلب والتعدد. وهل واحدنا واحد؟ فالثقافة متغيرة وفقا للمكان والزمان ومكوناتهما الفلسفية والسياسية والاقتصادية والعلمية،هذا على المستوى الثقافي. أما على المستوى البيولوجي فبفضل الاكتشافات العلمية الجديدة فإننا نتعرف إلى تراكيب الأنثى والذكر البيولوجية بشكل أعمق، التي تبين الفروقات بين الجنسين، فروقات تفسر بعض السلوكيات وتلغي بعض الترسيمات.مثلا يمكننا وضع مفهوم »التوجه الجنسي« مقابل مفهوم »الجنوسة«. وظهوره في مؤتمر بكين عام ٥٩٩١ لا يعني أن المؤتمر هو الذي ابتكر هذا المفهوم.ففي ذلك موقف مبطن لا يجرؤ على التصريح! إن مفهوم التوجه الجنسي يعتبر في الغرب إشكاليا ومثيرا للخلاف ( انظر اللغط الذي حدث مؤخرا في فرنسا حول إقرار الزواج المثلي). لا نظن انه أمر مقر من قبل جميع المجتمعات الغربية. أما في بلادنا فانه غير مطروح للنقاش والتداول. ولا يهمني في هذا المجال التعليق على قبوله أو رفضه، فانا بعيدة جدا عن خطاب الدعوة أو التبشير أو إصدار الأحكام، بل أسعى إلى العرض التحليلي. لذلك انشغل الآن بالتقابل الخاطئ بين هذين المفهومين والتفسير الأحادي للجندر. فالجندر يطلق عليه في الأدبيات النسائية وأدبيات الأمم المتحدة النوع الاجتماعي أو الجنوسة.

وهو التعبير الثقافي الاجتماعي عن الاختلاف الجنسي في أنماط السلوك الذكرية التي يتبعها الرجال وأنماط السلوك الأنثوية التي يتبعها النساء، وفق المنظومة الثقافية الاجتماعية التي ينضويان تحتها.هنا أعود لأذكر بما عرضناه سابقا حول مقولة سيمون دو بوفوار في كتابها الشهير »الجنس الثاني« ٩٤٩١ بأن المرأة هي »الآخر« بالمعنى الفلسفي، وليس بمعنى »الغير« في العلوم الإنسانية، أي الفرد الذي تحدد خصائصه الذهنية والنفسية والبدنية باعتبارها الخصائص المضادة أو المقابلة للخصائص المعيارية للرجل.

وقد حاولت كاتبات كثيرات الكشف عن ضروب الخلل القائمة في توزيع السلطة في المجتمع والتي تختفي تحت قناع الاختلاف بين الجنسين. كما أن نظرية المعرفة من وجهة نظر الحركة النسائية، قد طرحت مسألة الوعي بصورة الذات الذكورية/الأنثوية، وهي نفسها صور تتفاوت من مجتمع إلى مجتمع وتتعرض لقدر كبير من التحريف والتشويه فيما يتعلق بما ينبغي أن تكون عليه أنماط الفكر والعمل. ثم نصل في الثمانينات مع كريستيفا إلى المطالبة بفرص متساوية للمراة بالرجل في »النظام الرمزي« من اجل المساواة في الحقوق، وان تؤكد المرأة تفرد طبيعتها الأنثوية المختلفة عن الرجل وان ترفض المرأة الفصل بين الذكر والأنثى بمعنى إقامة حاجز بينهما باعتباره أساسا ميتافيزيقيا. وفي تلك الفترة أيضا رأت إليزابيث رأيت أن هوية النوع gender identity بناء ثقافيا تكتنفه المشكلات النظرية للرجل والمرأة على حد سواء. هكذا نلحظ استخــدام النـــسوية المعاصــرة استراتيجيات تفكيكية لكي تزعزع استقرار النظام الثنائي الكامن في ثنائية المذكر/المؤنث، وتخلخل الهياكل الأساسية التي تقوم عليها هذه الثنائية، منعا للتمييز بينهما. ذلك يتيح للرجال والنساء المشاركة في التوصل إلى طرق جديدة لصياغة الذات المعاصرة. وفي الثمانينات أصبحت الطبيعة الجنسية المذكرة موضوعا أساسيا في دراسات النوع، عندما بدأت التنظير للنسوية بلغة التـــحليل النفـــسي. بـــين الفكر الــذي يقوم على جوهرية الاختلاف، قام فكر مضاد له يقـــوم عـــلى فكـــرة أن الــنظام الأبـــــوي يضــع المــرأة موضــع »الآخر« ومــن ثم فـإن المـرأة تشـــــير إلى الاختلاف الجنسي، ولكن هذا الاختلاف لا يشكل هوية ثابتة ومستقرة، فهيلين سيكسو على سبيل المثال ترفضه لأنه تبسيطي واختزالي. 

يستنتج أن سياسات النوع لا تتحدد فقط بقضايا التحرر، كما تقول سبيفاك، ولكن أيضاً بكيفية صياغة الفئات النوعية وفهمها وتمثيلها.  اما جوديث بتلر في كتابها "مشكلة النوع" (1990) فانها تحلل التحديد المعياري للهوية، وتبين أن تكرار النوع – تقليد الرجل – قد يعزز من الثقافة المحافظة، لكنه يلفت الانتباه أيضاً إليها ومن ثم يحاكي تلك الثقافة المحافظة نفسها.  وتشير إلى فكرة فريدريك جيمسون عن المحاكات الساخرة في ماب عد الحداثة التي يميز فيها بين "محاكاة ما بعد الحداثة كنوع من رد الفعل.  حيث يرى أن تكرار النوع الأول يخدم مصالح الثفافة المحافظة بالتأكيد على سردياتها المؤسسة لها، بينما التكرار في النوع الثاني يمكن أ، يقاوم الترميز الثفافي السائد بالتأكيد على ما فيه من خيالات ومن ثم تكرارها. 

في التسعينات اكتسبت الأفكار المتعلقة بالنوع صياغات جديدة مع ظهور دراسات الاختلاف الجنسي التي لا تعني بالنضال التحرري من أجل المساواة، بل تهتم بإثارة التساؤلات حول الأطر السائدة عن المعيارية القائمة على النوع، من أجل إعادة صياغة موقة الذات.  ومع التطورات التكنولوجية وظهور النظرية السيبرنطيقية، تم التطرق إلى الصدام بين ثورة المعلومات الرقمية في عصر ما بعد الحداثة والنسوية وتحليل التحولات التي طرأت على أفكار العرق والنوع والطبقة بفعل التطورات التكنولوجية، التي أفضت إلى نقد الماركسية والتحليل النفسي، وبينت أن لا شئ يجمع بين كل النساء، فنفت الكيان المذكر او المؤنثن واستخدمت تعبير الكائن السيبرنطيقين وهي اشتعارة تعبر عن الذات المعاصرة.  إذ أعادة التكنولوجيات الرقمية تشكيل العالم، حيث يمثل الكائن السيرنطيقي إعادة صياغة الذات بعد تفكيكها وتجميع مكوناتها من جديد. 

إن النسوية التفكيكية بإلغائها الفهم الانطولوجي للذكر بقصد إظهار أن النوع ليس إلا تصوراً خيالياً، تدعو الذات المذكرة إلى رفض الاستعارات المعبرة عن الذكورة الجوهرية، والمشاركة في عملية التغيير اللازمة حتى يعتنق الرجال النسوية.  نيو أخيراً أن النسويات الجديدات neofeministes يحاولن الربط بين المطالب المتعلقة بالنوع ونقد العولمة الليبرالية.  ويرني في النطق النابع من الليبرالية – داروينية اجتماعية، وعدوانية السوق، ومعارك التنافس – تشجيع على العودة إلى العنف في العلاقات الإنسانية.  ويدركن أنه حين يحل العنف في المجتمع فإن أولى ضحاياه هن النساء.  لذلك هن يناضلن مع الرجال من أجل تغيير العالم.  فعالمياً تشير الاحصاءات حول مشاركة النساء في مواقع القرار في الغرب، إلى انها لم تصل بعد إلى المساواة، على الرغم من وجود قوانين المساواة.  فالنساء هن في أدنى سلم المشاركة في المجلس النيابي الفرنسي مثلاً، والمساواة، على الرغم من وجود قوانين المساواة.  فالنساء هن في أدنى سلم المشاركة في المجلس النيابي الفرنسي مثلاً، والمساواة السياسية ما زالت بعيدة، والعنف الاجتماعي والمنزلي والجنسي هي ضحيته الأولى. 

وشفافية النساء في وسائل الاعلام الكبرى تظهر أن 18% من المُقابلين هم من النساء، وحين يتم الاستفتاء حول الحياة المنزلية فإن 20% من النساء تستفتي بصفتهن زوجات، ذلك مقابل 4% من الرجال.  وثلث كتب الأطفال تمثل الرجل في العمل،  مقابل 15% من النساء، إضافة إلى أن الخطاب الإعلاني وبطرقة المخاتلة يساهم في تدعيم الترسيمات المميزة بحق النساء.  تملكن هناك تيار من المثقفين الرجال في فرنسا المؤمنين بقضايا النساء الذين يساهمون علمياً في انتاج دراسات تقدم فهماً جديداً للنسوية، من أجل تحسين نوعية الحياة نذكر منهم، Pfefferkorn Alain Bihr Roland الذين يرصدان التغيرات في المجتمع الفرنسي واستمرار عدم المساواة، و يؤكدان أن طريق المساواة تمر في التحولات التي تحدث في الحياة المنزلية.  فيعدن الكرة إلى ملعب الحياة الخاصة التي يصعب قوننتها، بعد أن قننت الحياة العامة.  فيقترحان طرقاً مداورة للالتفاف، من أجل الدفاع عن حقوق النساء وتوسيعها في العمل وفي الحياة العامة. 

هذه الاقتراحات تأتي مباشرة من برهانهم على وجود علاقات اجتماعية جنسية sexe rapport sociaux de يفضلان تسميتها كذلك على استخدام المصطلح الانغلوسكسوني الجندر.  ومع أن مصلح الجندر (الجنوسة) النوع الاجتماعي شكل أداة إجرائية لتحليل العلاقات الثقافية الاجتماعية بين الجنسين، واتاح إلقاء الضوء على أثر الطبقة، العرق، العمر، الجنس، الثقافة، اللغة، الحرية، الدين، العائلة، الاقتصاد.  الخ.  لكنه لا يعتبر، وكما بينا في العرض، الأداة الوحيدة لفهم بنية المجتمعات وتنظيمها الثقافي/ الاجتماعي.  ومع أن أدبيات الأمم المتحدة تركز عليه وكأنه حل سحري لإحلال العدالة والمساواة في الحقوق بين الجنسين، فإنني أجد في هذا المنحى على أهميته، فهما محدوداً لقضايانا. 

لا حلول سحرية، وكل مفهوم تستنبطه البشرية يخدم جزء من فهمها لنفسها، ويساهم في تبين جزء من المشكلة وليس المشكلة برمتها.  يرتبط الجندر بالمواطنية والمجتمع المدني، لكننا ندرك تماماً أن المواطنية ضعيفة في المجتمعات العربية بسبب قوة ديناميكيات أخرى مثل الطبقية والقبلية والعائلية والطائفية، أما المجتمع المدني فإننا لا نستطيع الإقرار بوجوده بشكل مستقل وواضح عن الديناميكيات التي ذكرناها، إلا بنسب ضعيفة. لذلك لا يمكننا الاكتفاء بهذا المفهوم والركون إلى تحليلاته وتطبيقاته، بل لنجتهد في تجديد المفاهيم وتشبيكها مع أخرى، إذ أخشى أحياناً من أن يسطح هذا المفهوم القضايا الأساسية ويبسطها، مع أن قضايا النساء مركبة ومتشابكة بقضايا الرجال ومجتمعاتهما على المستوى الثقافي، السياسي، الاقتصادي، التكنولوجي، ومتشابكة أيضاً بعلاقة مجتمعاتهما بالعلم على هذه المستويات نفسها. 

ألا تؤثر القوة الفجة البارزة اليوم في العالم مثلاً، على تأخير عمليات التنمية في العالم الثالث، وبالتالي تؤخر في تطور أوضاع النساء نحو الأفضل؟ ماهي قوة مفهوم الجندر في التغيير عندها، وكيف يواجه غياب الحريات والحقوق؟

إني أدعو إلى تمكين معارفنا عن أنفسنا وعن غيرنا، وممارسة النقد على هذه المعارف العالمية والمحلية في الوقت نفسه، وإجراء المقارنات بيننا وبين الغرب، وبيننا وبين الشرق (اليابان، الصين، الهند، إلخ).  فالدراسات المقارنة تمثل طريقاً ديناميكياً يدرس القضايا في سيرورتها الثقافية والعلمية والسياسية، فلا يسلخها عن ايكولوجيتها ولا يختزل أبعادها المترابطة.  بما زال المكتوب يخيفنا ويقلقنا (الأبحاث، القوانين، المفاهيم المستجدة على ثقافتها)  ذلك لأن جزءاً كبيراً من الشعوب العربية أمي، وثقافته ما زالت شفيهة، لا ترغب في التدوين أو تتهيبه، وتناهضه وتناصبه العداء.  غير أن الأشكال اليوم هو في عودة العالم المتقدم من المكتوب إلى الشفهي مع آخر ابتكارات الصورة وتقننياتها الرقمية التي تؤثر على رؤى وأفكار الشعوب في العالم.  بالطبع انها عودة تستند إلى المكتوب لكنها تتجاوزه، نحن آفاق جديدة. 

ونحن ما زلنا في الطور الشفهي القديم!  لذلك أجد نفسي اليوم أشبه، يا للأسف النهوضيين، وأطالب بالعلم وإلغاء الأمية اللغوية والثفافية والتاريخية العربية والغربية.  وأدعو إلى تطوير برامجنا الأكاديمية للتسع لوقائع عيش النساء العربيات في مجتمعاتهن، فندخل إليها الدراسات النسوية بقوة كتخصص ودراسات عليا، وكمادة اجبارية تخضع لها جميع التخصصات.  وذلك لكسر حواجز الأمية وتنوير العقول، فنحول المعرفة بمجتمعاتنا إلى علم وليس إلى تابو يحرم التفكير فكيف بالتغيير!

الموجة الثالثة وقضايا البقاء(6) 

*تأليف: علي حبيش - بيروت: مؤسسة الأهرام 2005م

ينبِّه المؤلف إلى أن العالم يواجه على جبهة اللغة موقفاً مصيرياً في مجتمع المعلومات أكثر من ذي قبل، فإما أن يتمسك بتعدُّد لغاته وما ينطوي عليه ذلك من صعوبة التواصل وإعاقة تبادل المعلومات والمعارف، وإما أن تتوحد لغات العالم في لغة قياسية واحدة، الإنجليزية في أغلب الظن، وساعتها تكون قد حلَّت بالبشرية الطامة الكبرى التي تتمثل في: انقراض اللغات، والعنصرية اللغوية، والحروب اللغوية، وإدراج اللغة ضمن قائمة موتى عصر المعلومات، واندثار الخصوصية الثقافية والقيم المحلية والسيادة الوطنية، وخصوصاً في عصر العولمة. وما يهم عشاق اللغة العربية في هذا الأمر أنها - بالفعل - تواجه موقفاً مصيرياً خاصاً بها، نتج عن وجود ما يُعرف باسم (الفجوة اللغوية) التي باتت واضحة المعالم في مجتمع المعلومات. فهذه اللغة إما أن تصبح أداة البلدان العربية للحاق بالركب المعلوماتي، وإما أن تتسع الفجوة التي تصل بينها وبين لغات الدول المتقدمة، وبخاصة الإنجليزية. (لذا - يقول المؤلف - ناشدتُ زملائي الأفاضل في اتحاد كتَّاب الإنترنت العرب إلى إدراج هدف حماية اللغة العربية على شبكة الإنترنت ضمن أهداف الاتحاد الوليد، ومن ثم نستطيع التواصل معاً من خلال لغتنا القومية، وليس من خلال لغة أو لغات دول أخرى غيرنا، وإلا سنضطر بعد عقود قليلة من عصر المعلومات أن نعلن انضمام اللغة العربية إلى قائمة موتى هذا العصر!!).

ناقش الكتاب أيضاً، بالإضافة إلى مسألة الفجوة اللغوية، قضايا التعليم في القرن الحادي والعشرين، واقتراح مفهوم الشجرة التعليمية بدلاً من السلم التعليمي؛ حيث يكون التركيز على تعليم التلميذ كيف يعلِّم نفسه بنفسه، وهو المفهوم الذي يتَّسق مع مفهوم التعليم مدى الحياة بعد ذلك. (وفي مجال التنمية والتقدم العلمي والتكنولوجي لُوحظ - خلال القرنين الأخيرين، وخصوصاً خلال الثلاثين سنة الأخيرة - حدوث تراكم معرفي رهيب، وواكبت الدول المتقدمة نموها الاقتصادي بدعم البحث العلمي؛ مما جعل التراكم الرأسمالي في هذه الدول مرتبطاً بالتراكم المعرفي والتنمية المستمرة للبشر).

وقد ناقش الكتاب - في هذا الفصل - ما يعرف باسم (الفجوة الرقمية)، وحتمية المشاركة، والدور المحوري للعلم والتكنولوجيا، حيث أدت الثورة العلمية والتكنولوجية إلى ظاهرة العولمة التي تشير إلى أن العالم بأسره على مشارف عصر جديد لاحت بوادره في الأفق، ويتأهب المجتمع الإنساني لنقلة نوعية جادة نحو مجتمع جديد لم تتضح معالمه بعد، لكنه بلا شك مجتمع دينامي سريع التغير.

كما تناول الكتاب ثقافة التنمية، ودور الإعلام، والمقومات التي تغرسها الثقافة العلمية والتكنولوجية في المواطن، وأيضاً أهمية التثقيف العلمي والتكنولوجي، وضرورة التفكير العلمي، وطريقته التي تعني طريقة التربية السليمة، مع ملاحظة أن التفكير العلمي يعد المدخل الأساسي للتثقيف العلمي والتكنولوجي الذي يقودنا إلى الحديث عن علوم الصدارة؛ مثل: التكنولوجيا الحيوية، والهندسة الوراثية، وتكنولوجيا صناعة الدواء، وتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات، وتكنولوجيا الفضاء، وتكنولوجيا الليزر، وتكنولوجيا النانو.. وغيرها من التكنولوجيات. ثم يتناول المؤلف البحث العلمي، فيضع يديه على نقاط القوة ونقاط الضعف في منظومة البحث العلمي، والملامح الرئيسة الاستراتيجية له، وكيفية الارتقاء بمنظومة البحث العلمي، مع عرض للتجارب العالمية المقارنة في التطور التكنولوجي والاقتصادي في دول مثل: الولايات المتحدة، واليابان، والاتحاد السوفيتي السابق، والصين، وكوريا الجنوبية، وتايوان، والهند، وهونج كونج، وسنغافورة، وماليزيا، وإندونيسيا، والمغرب، وتونس، ثم الحديث عن الدروس المستفادة من تجارب هذه الدول. يتوقف المؤلف بعد ذلك عند المكوِّن التكنولوجي في النمو الاقتصادي الذي يتجسد في الآلات والمعدات والأجهزة التي تستخدم في الإنتاج السلعي والخدمي والعلمي، وكيفية تعظيم هذا الدور من خلال التخطيط، والفرص المتاحة لمصر للارتقاء بهذا المكوِّن.

وفي الفصل الرابع يتحدث المؤلف عن الاهتمام بقضايا البيئة، والتلوث البيئي، وعلاقة الإنسان بالبيئة، والنظم البيئية، والإنتاج الأنظف، والتسويق البيئي، والبطاقات البيئية، والحركة الخضراء. أما الفصل الخامس فأفرده المؤلف للحديث عن وقع الموجة الثالثة على الإنسان المصري تحديداً، حيث تناول محصلة نتاج الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة، وتأثير التكنولوجيات الجديدة والمستحدثة على المجتمع المصري، وأخلاقيات العلم والتكنولوجيا، والموجة الثالثة وثقافة الفقر في المجتمعات النامية. كما تحدث عن المؤتمر الدولي الأول للعلم والتكنولوجيا الذي عقد في كيوتو باليابان في نوفمبر 2004م. أما الفصل السادس والأخير من الكتاب فجاء بعنوان: (نحو مجتمع المعرفة)، وفيه تحدث عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والفجوة الرقمية، وأشار إلى أن نصيب العرب من إجمالي مستخدمي شبكة الإنترنت 0.5% (نصف بالمائة)، في حين تبلغ نسبة العرب إلى إجمالي السكان العالمي 5% تقريباً. لذا كان لا بدَّ من دعوة إلى توظيف تكنولوجيا الشبكات والتعايش مع عصر المعلومات، وتوجيه الاستثمارات نحو التكنولوجيا. يقع الكتاب في (256) صفحة من القطع العادي.

...................................................

المصادر/

1- فسحات

2- النادي العربي للمعلومات

3- د. رضا الموسوي/ جريدة  المدى

4-  بوابة المرأة

5- علي القميش/ جريدة الايام البحرينية

6- جريدة الجزيرة السعودية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12 تموز/2007 -27/جماد الاخرى/1428