ضريح العسكريين و ثوب الحسين

محمود الموسوي

جريمة تلو الجريمة، بل حمق تلو الحمق.. قد يظنّ السفاكون والمفسدون في الأرض أتباع يزيد والحجاج وكل طغاة التاريخ، أن اعتداء بالقذائف على ضريح الإمامين العسكريين (عليهما أفضل الصلاة والسلام) قد يمحو ما يعبران عنه من الحق، أو قد يوهنوا حبهم أو ذكرهم في قلوب محبيهم ومواليهم، إلا أن ذلك الظن إنما هو جرم وحمق كبيران..

هو جرم لأنه اعتداء على أبسط الحقوق المشروعة للإنسان ومعتقداته، وهذا الجرم عبّر عن مدى تلك النفس الشيطانية التي تسكن تلك القلوب، التي غلفها الشيطان بغلاف الحقد والرذيلة، ألا أنهم في سكر قد لا يفيقون منه إلا في عالم الآخرة عندما يأمل الواحد منهم أن ينال جنة عرضها السموات والأرض، وإذا به يفاجئة بجهنّم يصلاها وبئس المصير.. هذه العاقبة نعتبرها من البديهيات، لكل من يعادي نور أهل بيت العصمة والطهارة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً..

إلا أن ما ينبغي أن نعرفه كحقيقة واقعية أن قبر الإمامين العسكرين (ع) كان حافظاً للناس من شر طوارق الليل والنهار ومن آثار الفتن، وهذه الحقيقة قد لا يستوعبها من لا إيمان له بأهل البيت (ع) و ولايتهم، إلا أننا بنظر بصير يمكن أن ندرك ذلك، فأهل البيت (ع) بعمومهم هم (أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء) كما قال رسول الله (ص) كدلالالة كونية على آثار وجودهم المقدّس في الدنيا، بل وحتى لوجود قبورهم بيننا، فهذا الامام الحسن العسكري (ع) يصرّح بهذه الحقيقة قائلاً : (قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين)، فقبره (عليه السلام) الذي اعتدي عليه مرتين، هو أمان للناس، ولعل تعبيره بأهل الجانبين هما الطائفتان، ممن والا أهل البيت (ع) ومن لم يوالهم..

لذلك فإن الإعتداء على القبر الطاهر، إضافة إلى أنه جريمة عظمى بحق صاحب القبر (ع)، هو أيضاً اعتداء على أمان الناس.. وإن الإعتداء عليه لا يمكن أن يضعف من قدسيته، بل يزيده إشراقاً في قلوب المحبين، ويزيد في عذاب المعتدين في الدنيا قبل الآخرة.

لقد ظنّ من قبلهم الذين قتلوا الإمام الحسين (ع) وسلبوه ثوبه و مزّقوه أنهم بذلك يجهزون على الحق المتمثل بالإمام، وأنهم يمزقون الحقيقة بتمزيقهم ثوب الإمام، وضربه بالسيوف وقطع رأسه الشريف.. إلا أنهم رأوا رأي عين كيف أن دولة بني أمية لم يستقر لها حال بعد هذه الجريمة النكراء، وقد عاشوا في بحور الدم وصراعات الحكم و الإقتتال، حتى آل بهم الأمر إلى سقوط دولتهم الجائرة..

فعندما نرى المشهد عن بعد، فإننا سنخلص إلى حقيقة هامّة، هي أن الإمام الحسين (ع) بثورته المباركة، قد حطّم عروش الطغيان في بني أمية و أسقط دولتهم..

وهكذا هو حال أتباعهم المنحرفون اليوم، يظنون أنهم بتفجيرهم للقبر الشريف، سيضعفون من الحق ومن نور الحق، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون والمنافقون.. و هكذا شاهد الناس أجمعين، كيف أن الاعتداء الأول على القبر الشريف، قد رفع بسببه الأمان وسالت أنهر الدم بغزارة، وعاش الناس في خوف ورعب، جرّاء الإقتتال الطائفي..

ولن يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فإن الإعتداء الثاني، عبر عن حقد دفين و طغيان كبير، مما سيعود أثره على الفاعلين بشكل مباشر، وذلك بما كسبت أيديهم، وبما لجّوا في طغيانهم.. وستتهاوى عروش الكبر التي أحاطوا أنفسهم بها وسيخيب سعيهم وتبطل جهودهم الحاقدة، و سيدمغ الباطل ويولي زاهقاً..

وطالما بقي الضريح الشريف مهدماً، فإن جزءاً كبيراً من الأمان سيبقى مرتفعاً.. وهذه حقيقة من صلب قول الإمام العسكري (عليه السلام) : (قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين)، وهذه الحقيقة لا يعيها إلا أولوا الأبصار.

www.mosawy.org

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء 19 حزيران/2007 -3/جماد الاخرى/1428