التصدي للإدارة وتمييزها عن الديكتاتورية

 شبكة النبأ: لعل مفهوم الادارة اوسع مما يتبادر الى الذهن في انه ادارة اعمال في اطار شركات او معامل او قطاعات عامة متنوعة، لكنه في الحقيقة يشمل بنطاق اوسع مما يفهم بصورة تقليدية كونه ايضا يحوي فيما يحوي مفهوم ادارة الدولة وهي ادارة شاملة مختزلة لكل الفعاليات الحكومية وجميع القطاعات الداخلة  ضمن التفاعل العام للدولة.

والادارة وفق هذا المفهوم فانها مسؤولة عن التوفيق بين مختلف الاعمال للوصول الى مكاسب لصالح الشعب كذلك مسؤولة عن التنمية البشرية بما يتلائم والروح الايمانية أي كانت هذه الروح التي تمثلها وتمليها الارادة العامة في الانتماء الروحي لذلك الشعب.

ويمكن ان يطرح السؤال عن المسار الذي تسلكه الحكومة المعاصرة في ادارة دولة على الاقل ان دستورها يعترف باسلامية مجتمعية وداخلة او انها تحب ان تدخل في مربع الديمقراطية؟.

من خلال التجارب التي مرت عبر السنين السياسية والعهود التي تبوأت فيها سلطات متنوعة على شعوب العالم الثالث وبشكل خاص الدول المحسوبة سلطويا بانها إسلامية، تلك التجارب اثبتت بان الحكام وان كانوا ينفون كونهم اهل ملك كما كان نهج الدول الغابرة مثل الخلافات الاسلامية مثل الاموية والعباسية والعثمانية، الحكام الجدد يثبتون عمليا بانهم اهل ملك يكتسبون الشرعية من القوة التي يملكونها حالما كان بيدهم مقاليد القوى العسكرية والامنية.

ومن هذا المنطلق كانت ركائز الحكام وسلطتهم الدموية او ما يسمى بالدكتاتورية.

والجانب المهم انهم يدّعون وربما يتبّنون الدين بما يعّزز تلك السلطات ويدعمها، مما يغّيب الرؤية الحقيقية للاسلام وبذلك فان الدكتاتورية هي من اكبر المشوهات للدين والسياسة المعتدلة التي يمثلها الدين معا.

فهل كان الاسلام ضمن المربع الذي يرّونه فعلا وهل ان الاسلام مجرد داعم للسلطات القائمة كما يرغب الحكام ان يطبعوه في ذهن الفرد الاجتماعي؟.

ونرى ان خير من يعطينا الجواب الشافي للنمط او الصراط الذي يجب ان يسلكه من يتولى ادارة الدولة او يتصدى لأي قطاع عام او خاص في شتى مجالات العمل، انما هو الرجل الحكيم وسيد البلغاء في امر الدنيا والاخرة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام.

ونجتزي منه وصية اوصاها لأحد عماله على بلاد من ارض المسلمين:

امره بتقوى الله وإيثار طاعته وإتباع اوامره في كتابه فرئض وسنن وان ينصر الله بيده وقلبه ولسانه وان يكسر من نفسه الشهوات وان يعتمد كتاب الله عند الشبهات.

ثم يقول عليه السلام:  واعلم اني وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون من امورك في مثل ما كنت تنظر فيه من امور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وانما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على السن عباده، فليكن احب الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح بالقصدفيما تجمع وما ترعى به رعيتك، فاملك هواك وشح نفسك عما لا يحل لك،فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما احببت وكرهت، واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بالاحسان اليهم، ولا تكن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم،فانهم صنفان إما اخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق، تفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل، ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ، فاعطهم من عفوك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه، فانك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك، ولله فوق من ولاك، بما عرفك من كتابه وبصرك من سنن نبيه، ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يّد لك بنقمته، ولا تسعن الى بادرة وجدت عنها مندوحة ولا تقولن اني مؤمر آمر فأطاع، فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الفتن، وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق واعملها في العدل واجمعها للرعية فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة، وليكن ابعد رعيتك عندك اطلبهم لعيوب الناس فإن في الناس عيوبا الوالي احق بسترها، فلا تكشفن ماغاب عنك واستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ماتحب ستره من رعيتك، واطلق في الناس عقد كل حقد واقطع عنك كل وتر واقبل العذر وادرأ الحدود  بالشبهات، ولا تعجلن بتصديق ساع فأن كل ساع غاش وان تشبه بالناصحين،ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يخذلك وجبانا يضعف عليك ولا حريصا يزين لك الشره.

واحذر بطانة السوء ولا تشركهم في امانتك كما شركوا في سلطان غيرك فاردوهم واوردوهم مصارع السوء، ولا يكونن المحسن والمسيء عندك سواءفإن ذلك تزهيد لأهل الاحسان في الاحسان وتدريب لأهل الإساءة على الإساءة، ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة واجمعت بها الالفة واصلحت عليها الرعية .

واكثر من مدارسة العلماء ومثافنة الحكماء . 

وبعد هذا الاجتزاء لجواهر الأثر النوراني نستشف المغزى الكبير في التكليف الدنيوي وما ينطوي عليه من احكام في التصدي لإدارة شؤون الناس في كل مسؤولية اينما كانت وبأي اختصاص مهما كان صغيرا او كبيرا فأن له اسس مكينة يجب مراعاتها في أي زمان ومكان.

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء 19 حزيران/2007 -3/جماد الاخرى/1428