وحدة الكلمة وفشل تحصين المجتمع

بقلم: ياسر محمد/ القطيف

 تواجه الحريات والمعتقدات المذهبية في المجتمعات الشيعية هجوماً عنيفاً من قبل الجهات والمؤسسات المذهبية المقابلة والتي تمارس الحاكمية والوصاية على الأمة، إلا أن ما يزيد "الطين بلة" وقوف أطراف من داخل المجتمع الواحد في الجانب التبريري من قيام الطرف المقابل بإعلان الحرب علينا، ما يساهم في إضعاف كلمتنا وجعلنا أمما متفرقة لا رابط لها.

للحماسة أحياناً وافتراق كلمة المجتمع أحياناً عديدة تأثير عكسي – بطبيعة الحال- على الوقوف معاً لمواجهة الضغوط والتحديات التي تعصف بمجتمعنا، فهناك من يكون أسير حماسته واندفاعاته المتسرعة في اتخاذ القرارات الفورية التي ربما تكون ذات نتائج إيجابية، لكنها بالجهة المقابلة لها انعكاسات سلبية تضر بمن يمارسها ومن يستفيد من نتائجها إذا مورست بطريقة تعطي مخرجات خاطئة وإن لم يكن المتلقي هو المستفيد الأول منها، وهنا لابد من التعقل والتريث في إنجاز الأعمال أو ترويجها أياً كان نوعها مع التركيز على سلامة الرسالة من أجل اكتمال الصورة العامة للمتلقي ليكون المعين في الوقوف جنباً إلى جنب حال تعرض الفكرة أو صاحبها إلى المصادرة أو المنع، ولا يقصد بالتريث ، التوقف والامتناع عن إظهار الحقيقة تزلفاً للآخر الضد، وإنما المقصود الإحاطة بجميع جوانب الفكرة ورسم البدائل للأمور الطارئة.

الكلمة الواحدة... صراحة المبدأ

من هنا كان لزاماً على مجتمعاتنا الشيعية التوحد في كلمتها واستراتيجياتها في العمل الإسلامي والحقوقي لنيل كافة المطالب والحقوق بعزة وكرامة، إلا أنه ولشديد الأسف أصبح العمل الفئوي القائم على التحزبات المعاكسة داخل الإطار الشيعي هو الأنشط، فجاءت التراشقات والأوصاف المنتجة داخلياً لتعصف بوحدة الجماعات الدينية والاجتماعية معاً، لا لسبب سوى اختلاف الفرقاء في طريقة العمل أو الفكرة التي يناضلون لأجل إيصالها للمجتمع.

يعتقد كل طرف من أطراف العمل بسلامة المنهج الذي يتبناه كاملاً أو في جزئيات منه، وضعف الأطروحة المنافسة داخل المجتمع وعدم صلاحية تطبيقها كما يعتقد بفهمه القاصر، ومع هذا فإنه لا ينبغي علينا وعلى أي من المتصدين للشأن العام من أبناء المنطقة إفساح المجال للمتربصين من خارج المجتمع بإعطائهم الذرائع والتبريرات في اعتداءاتهم علينا، فكم من المختلفين من أبناء المنطقة الواحدة نشروا وينشرون غسيل اختلافاتهم للآخرين وحاربوا بعضهم البعض براءة أمام العالم من الآخر.

ومع إيماننا بأهمية التوحد أو التعايش - بالمعنى الأصح- مع جميع أبناء الأمة الإسلامية وحتى من غير المسلمين، فإن هذا يتطلب أولاً وحدة الكلمة الداخلية للمجتمع ووضع الأسس المتينة التي يتفق الجميع للعمل ضمنها والتي تكون المنطلق للقبول بالتعايش مع الآخر، فلابد من اتخاذ أسلوب صريح في الحوار والتعريف بالمبادئ والمعتقدات التي يرتكز عليها كل مذهب والتركيز على احترام الجميع لبعضهم البعض، وهذا ما يزيد قوتنا وتماسكنا.

إن تضعيفنا وتسفيهنا حتى للصغائر من أفكارنا وممارساتنا إن لم تكن بدعاً من الأفعال يزيد من تعميق الفجوات الداخلية الموجودة أصلاً ويثير الشكوك الدائمة في صحة ما يُمارس، خاصة مع انفتاحنا على العالم بوسائل إعلامه المختلفة التي لا تعد المكان السليم للنقد والمعالجة للواقع الداخلي، وهنا نبدأ بفتح جبهات داخلية ضد و مع أتباع الأطروحات الحديثة وهذا ما يسهم في فشل التوصل إلى قرارات جماعية موحدة وعمل كل طرف منفرداً من أجل تحقيق أهدافه ومصالحه وبالتالي عدم التوافق والتعاضد والوقوف صفاً واحداً مع من يتعرض للأذى من أبناء أمتنا، وفي أفضل الأحوال نلجأ إلى التأنيب واللوم للطرف الآخر.

ضمائر حية وأخرى ميتة

في كثير من الأحيان يحاول الطائفيون إشعال شرارات الفتن التي تشتعل في الهشيم الاجتماعي المفكك فتدمره وتجعل منه رماداً لا فائدة منه لتنتقل إلى هشيماً آخر حتى تقضي على كل المتناثر هنا وهناك، وفي أحيان أخرى ما إن تبدأ هذه الشرارة بالاشتعال إلا وتأتيها أنفاس المتعاضدين جميعا لتقضي عليها رغم حقارتها وصغر شأنها في المجتمع. وفي هذا الإطار أشير إلى ما قام به تجمع ثوابت الأمة الكويتي من إصدار بيان نشرته صحيفة الوطن الكويتية ومما جاء فيه: "أنه سيسجل ما تشهده الحسينيات من خطب خلال شهر محرم الماضي" وقيامه من تحريك دعوى ضد أحد خطباء الكويت البارزين بدعوى تعرضه "للصحابة" وأبرزهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وفقاً لأمينه العام محمد هايف المطيري ، وهنا يأتي دور الكلمة الواحدة بالتصدي لهذه التهديدات والمنع من تكرارها كما حدث فعلاً نتيجة لوجود ضمائر حية تعي خطر المشروع الذي يهدد الحريات الشيعية ولذي لو تم تجاهله  لتغلغل محاولاً السيطرة والتدخل مرات ومرات.

على النقيض تماما في مجتمعنا، وبعد انتشار رسالة قصيرة الأسبوع الماضي عبر الجوال ومنتديات الحوار والتي تطالب من أسمتهم بـ"أهل التوحيد" في بلاد الحرمين إلى منع تجاوزات "رافضة الشرقية" على خلفية بث القنوات الشيعية فيديو كليب لأحد رواديد المنطقة يصور في ثوان الحدث التاريخي الأبرز بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وآله- والذي عرض قبل 3 سنوات ويعرض هذا العام، علت أصوات ناشزة في بعض الساحات الحوارية تحمل صاحب العمل المسؤولية الكاملة، وتدعوه كما أقدم على تصوير العمل والقبول به فعليه أن يدافع بنفسه عن نفسه!، هكذا وصل الحال بالجسد الواحد، فإذا اشتكى منه عضو لم يتأثر العضو الآخر ولا يعنيه ما يؤلم صاحبه فينام قرير العين، إنها الضمائر الحية حديثاً!.

فمتى اجتمعت كلمتنا واحدة ووصلنا لمستوى التحدي المطلوب، تمكنا حينئذ من الانفتاح على الجميع بقوة والوقوف صفاً واحداً ضد الاختراقات التي نتعرض لها مطالبين بكامل حقوقنا ومحافظين على منهجية ثابتة في التعامل تجعل من الآخر الإلتزام باحترامنا كما ينبغي، وإلا فسنتيح الفرص للمتربصين حتى نصل إلى مرحلة نقول على مجتمعنا السلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18 حزيران/2007 -30/جمادي الأول/1428