اصدارات جديدة: اوجه المكعب الستة ومفردات اللغة

 

 المؤلف: عقيل عيدان

الكتاب: اوجه المكعب الستة

الناشر: مركز الحوار للثقافة-الكويت

عدد الصفحات: 76-قطع متوسط

عرض: هشام صلاح الدين- صحيفة الوطن

 

شبكة النبأ: الفلسفة سؤال متزامن مع الحياة يظل دوما هائما يتقدم الجميع كونه لا يركن الى اجابة محددة وكونه ايضا لايؤمن بما للانسان من حواس يمكنها ان تجيبه عن التساؤلات بشكل قاطع، فمهره الذي يعدو في عالم المعرفة انما هو العقل تلك الجوهرة التي اعطاها الله سبحانه وتعالى لبنو البشر وظلت هي المقياس والمنجى لهم من آثام الحياة وصراعها باتجاه ان يبلغ الانسان الكمال.

كتاب اوجه المكعّب الستة صدر حديثا للزميل عقيل عيدان ويدور منحاه الاهم حول اللغة إضافة للرؤى الفلسفية، وبما انه كان قد اورد الاستخدام المتضارب للغة فان العنوان قد يعني به ( اوجه المكعب اللانهائية ) فذلك اقرب الى المنحى.

اوجه المكعب الستة، يتناول فيه الاديب والزميل عقيل عيدان العاب اللغة عند الفيلسوف فتنغشتاين.. ولأن الفلسفة هي احدى اهم جزئيات الثقافة ـ ومنذ فجر التاريخ ـ والى الآن.. كما انها تمثل لعيدان جناحا يحب الطيران به في عالم المعرفة.. هذا الطيران الذي يروي ظلمأ الروح لديه ولدى كثير من المثقفين او العامة.. فان الاهداء الذي صدر به الكتاب لا يدهشنا.. انما يؤكد لنا شغفه بهذا الجانب المعرفي / الثقافي.

يقول عقيل في اهدائه: لكل انسان مثقف هوايته واحيانا غوايته في لون من الوان الثقافة يعشقه ويلتفت اليه اكثر من غيره.

اذا كان هذا التصدير اكد ما اشرنا اليه آنفا.. الا انه يأخذ به الى تساؤل موضوعي: هل ينجح الكاتب في الاقتراب بالمتلقي / متلقيه.. من الغوص في العمق الفلسفي.. دونما ألغاز او تعقيد او بالاحرى من خلال اسلوبية بسيطة؟!

هنا والآن.. سأخالف الكاتب ـ عيدان ـ مفتتح كتابه الذي جاء فيه على لسان الفيلسوف فتنغشتاين: لن يفهم هذا الكتاب ـ فيما اظن ـ الا اولئك الذين كانت قد طرأت لهم الافكار نفسها الواردة فيه أو قد طرأت لهم على الاقل افكار شبيهة بها، ولذا فهو ليس كتابا مدرسيا وإنه ليحقق الغاية منه لو أنه امتع قارئا واحداً قرأه وفهمه.

هذا ما صدر به فتنغشتاين كتابه الأول رسالة في المنطق والفلسفة، والاختلاف ليس مع الفيلسوف، إنما مع عيدان الذي استطاع توصيل الكثير من أفكار وفلسفة فتنغشتاين إلى الكثيرين.. وأضعف الإيمان انه استطاع ان يعمل فكر- هذا البعض- فيما ضمنه كتابه من فكر فلسفي لفتنغشتاين.

أول الكلام

بذكاء.. صدر عقيل مقولة الأديب النمساوي بيتر هانكه قبيل المقدمة وتحت عنوان أول الكلام حيث يقول هانكه: عندما أكتب أكون أكثر انصافا من لحظة الكلام، أتجرأ على العمق، وعلى المجاز مثلما استطاع ان يفعل فتنغشتاين في فلسفته.

الذكاء هنا يكمن في استشهاد عبقري لكاتب أديب مما يصوغ للكاتب والقارئ معاً، الالتحام بالافكار التالي تناولها والعرض لها.

يبدأ عيدان تقديمه بقوله: بما أن الفلسفة هي استئناف للمعرفة، وأن السؤال الفلسفي ليس له أن يخمد بمجرد التوصل الى إجابات علمية، فإن العلوم الإنسانية ليس من شأنها القضاء على الفلسفة خلافا لما يظنه البعض، بل ان النقد الفلسفي حاضر حضوراً متميزاً على المستويات كافة.

يدخل عقيل عيدان بداية من الجزء الثاني للمقدمة، في صلب الموضوع الذي عني به فتنغشتاين في فلسفته بقوله: لم يعد أغلب الباحثين المعنيين بقضية المعنى اليوم يشكون في أن اللغة كما تكون وسيلة للفهم والإفهام هي في الوقت نفسه وسيلة ممتازة لسوء الفهم وقطع التفاهم، فهي إذا وسيلة من وسائل حجب المعنى الفعالة، بل لقد أصبحت هذه القضية من أعقد المشكلات وأصعب قضايا اللغة.

ولأن عقيل شعر بثقل مهمته - بداية- فقد اختتم تقديمه بقوله: إن الواحد منا لا يكتب لكي يعلم الغير او يفكر عنه او يقول له الحقيقة فحسب، بل يكتب ويفكر، لكي يمارس فاعليته وحضوره أو فرادته عبر ممارسته لحريته في التفكير ولحيويته الفكرية بصورة غنية، مثمرة وثمينة، ومصير الافكار ان تتغير أو تعاد قراءتها بصورة مغايرة، مع تطور الاحداث وتغير الحقائق.

مجلة تايم وفتنغشتاين

يبدأ عقيل الكتاب بتقديم لفتنغشتاين لا يمكن تجاوزه- اذ انه يجيب عن: لماذا اختار عقيل هذا الفيلسوف تحديدا؟.

اختارت مجلة تايم البريطانية في عددها الصادر 29 مارس عام 1999 الذي كرسته عن اعظم عشرة من رجال العلم والفكر.. وجاء اختيارها لأعظم فيلسوف في القرن العشرين للنمساوي لودفك فتنغشتاين كمفاجأة كبيرة للكثير من قراء الفلسفة ومتابعيها.. وجاء في تبرير اختيارها، ان الفيلسوف العظيم واحد من اثنين -الاول يحل اشكالية فلسفية بحيث ينتهي البحث والتفكير فيها الى الابد، والثاني يؤلف كتابا على درجة كبيرة من التعقيد، ويظل محلا للمنازعة والاختلاف الى الابد ايضا.

تضيف المجلة، فتنغشتاين تصدى لتأليف الكتاب الاول وأراد ان يكرس حياته لذلك، ولكن الامر انتهى به الى تأليف الكتاب الثاني بدلا من الكتاب الاول، الامر الذي يذكرنا بمقولته الشهيرة: الفلاسفة مثل الاطفال الصغار الذين يخربشون كلمات على الورق ثم يسألون الآخرين عما تعنيه!

فيما بعد يعرض عقيل لحياة ونشأة الفيلسوف في عائلة نمساوية ثرية جدا ماكان له أكبر الأثر في سلوكه وتعليمه فيما بعد.. وكيف انه شارك في الحرب العالمية الاولى وحصل على الميدالية الاولى من ميداليات الشجاعة ثم يصل بنا الى كتاب الفيلسوف الاول،رسالة في المنطق والفلسفة.

كتاب مختصر

يقول عيدان في ص 28: يعتبر كتاب الرسالة من الاعمال الفلسفية الكلاسيكية في القرن العشرين وهو كتاب مختصر يقع في حوالي سبعين صفحة ويحتوي على ملاحظات عن جوهر اللغة، وطبيعة العالم، والمنطق والرياضيات، والعلم والفلسفة وينتهي بملاحظات عن الاخلاق والدين والتصوف.

ويضيف عقيل: يتأسس كتاب الرسالة على نظرية انطولوجية وجودية، تعتبر بمقتضاها بنية الواقع متجانسة في عمقها مع بنية الفكر.

وفي ص 30 نقرأ: اعتقد فتنغشتاين أن كتاب رسالة في المنطق والفلسفة قد وجد حلا لكل المشاكل الفلسفية.. لكنه عندما تلقى عرضا بالعمل كمدرس بكيمبردج عام 1929.. انخرط فكره في عملية هدم تدريجية لاطروحات كتابه الرسالة وتجلت في تلك النصوص التي رفض نشرها، فطبعت بعد وفاته بفضل تلاميذه.

هدم الرسالة

يقول عيدان ص 31: منطلق عملية الهدم هذه هو نفسه المعبر عنه في الرسالة والمتعلق دائما بمعرفة الكيفية التي يمكن ان تحل بها نهائيا المشاكل الفلسفية، لكن البحث هذه المرة سيتخلى عن الانطولوجيا، لينطلق من التفكير في اللغة بما هي عالم مستقل لا كصورة لوقائع.

ويضيف ص 33: أثار هذا الكتاب ردود فعل كثيرة، والسبب في ذلك هو التالي: بينما كانت الرسالة تقدم في ترتيب وعلى نمط دوغمائي الطروحات وكأنها نهائية.. كانت البحوث الفلسفية تكشف عن فكر متحرك، فكر يغتني بفضل حوار متخيل مع مخاطب ارتيابي، حوار لا يفضي - قطعا - لخلاصة ثابتة.

أما في الفصل الثاني.. فقد تناول عقيل عيدان نظرية المعنى عند الفيلسوف الانجليزي جورج مور الذي يقوم منهجه في التحليل عبر خطوتين هما (التقسيم والتمييز) ومن ثم عرض لنظرية المعنى عند فتنغشتاين الذي قال بأن معنى كلمة ما يتحدد باستخدامه.. وطالما ان للكلمة الواحدة طرقا عديدة للاستخدام، فإن للكلمة ايضا معاني عديدة.

ويعرض عيدان لالعاب اللغة ص 57: إن لكل كلمة استخداما معينا وسياقا معينا ترد فيه، واننا بالنظر الى طريقة الاستخدام والسياق نستطيع معرفة معناها، واننا اذا فهمنا معنى اللفظ فان ذلك يحدد نوع الاستجابة التي نقوم بها لدى سماعنا هذا اللفظ.

ولكي نضع القارئ في الحالة.. فقد جاء بـ ص 58 هذا المثال: لنلاحظ الاستخدامات المختلفة لكلمة (هذا).. إن كلمة هذا ليست اسماً الا انها ترتبط بالاسماء، فعن طريقها يتم شرح الاسماء.. انظر كيف يمكن استخدام الاسئلة التالية وكيف يتم الفصل فيها:

-1 وهل هذه الكتب كتبي؟..، -2 وهل هذه القدم قدمي؟..، -3 هل هذا الجسد جسدي؟.. -4 هل هذا الاحساس احساسي؟.

لكل (هذا) في العبارات السابقة استعمالات مختلفة، في السؤال الأول المثال تشير الى اشياء خارجية وهي الكتب.. أما في الثاني فتشير الى احد اجزاء الجسد وفي الرابع تشير الى شيء داخلي هو الاحساس.. بذلك نجد ان معنى كلمة (هذا) في هذه الجمل يختلف من جملة الى اخرى.

ألعاب اللغة

يجيء في ص60 : تفيد الأمثلة السابقة لبعض الالعاب اللغوية، ما ذهب اليه فتنغشتاين من اعتبار العاب اللغة.. وبالتالي اللغة بمثابة عالم كامل من الحياة، حيث كانت تنوعت استخدامات الكلمات - الالفاظ في اللغة العادية مما اكسبها مرونة تمكننا من القول، انها تتغير وتتبدل حسب الاستخدام.

ثم عرض عقيل لمقارنة وضعها فيما بين الكتابين الرسالة والبحوث حول بنية اللغة، وفي ختامه للكتاب الرائع يقول عقيل: فتنغشتاين تناول هذا الموضوع المهم بنظرة جديدة متطورة تمثلت فيما عرف بفلسفته الثانية او المتأخرة عبر كتابه بحوث فلسفية حيث اكد على خلاف النظريات السابقة عليه - ان معنى الكلمة ليس له ثبات او تحديد، وانما تتعدد معاني الكلمة بتعدد استخداماتنا لها في اللغة العادية، كما تتعدد معاني الجملة الواحدة حسب السياق الذي تردُ فيه.

جهد كبير

حينما يحب الانسان ما يعمل - يفعل.. يستطيع ان يبدع فيه، وعقيل عيدان يحب الفلسفة ويجد ذاته فيها، لذا تطيعه ادواته وتخلص له كما امرأة جميلة - عاشقة وجدت نصفها الآخر بعد طول عناء - انتظار.. لذلك ابدع!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18 حزيران/2007 -30/جمادي الأول/1428