لبنان: صيف يغلي في نهر البارد

اعداد: مركز الدراسات والتطوير/ قسم الرصد والتحليل

 شبكة النبأ: بدأت المعارك بين الجيش اللبناني وجماعة تطلق على نفسها اسم (فتح ‏الإسلام)، الأحد 20 مايو 2007م وهي الأعنف منذ انتهاء ‏الحرب الأهلية في لبنان في عام 1990. وتسببت المواجهات بقتل 68 شخصاً هم 30 جندياً لبنانياً و18 مسلحاً ‏من فتح الإسلام و19 مدنياً فلسطينياً ومدني لبناني.           

وتوقف القتال، الذي أدى إلى موجات نزوح خارج المخيم، يوم 22 مايو بهدنة بين الطرفين تسمح لشاحنات الإغاثة بدخول مخيم نهر البارد بطرابلس.                                     

وأسفرت المعارك عن قتل بعض قادة فتح الإسلام، منهم السوري (محيي الدين عبد الحي عبود) الملقب بـ (أبو يزن) أو أبو مدين الذي كان يتزعم المجموعة التي نفذت عملية (عين علق) في المتن الشمالي،  واللبناني صدام الحاج ديب المطلوب إلى القضاء الألماني بتهمة الاشتراك في محاولة تفجير القطارين، كما ذكرت ذلك المصادر الأمنية اللبنانية لوسائل الإعلام.                 

ولم تحسم المصادر ما تردد عن قتل السعودي عبد الرحمن اليحيى الملقب بـ (طلحة) في اشتباك شارع المئتين، ومنذ نهاية العام الماضي قدم (شاكر العبسي)الأردني المقيم في مخيم نهر البارد نفسه على أنه زعيم حركة (فتح الإسلام ).                                  

وكان الظهور الأول لـ(فتح الإسلام) بعد اشتباك في مخيم البداوي في الشمال، في أواخر شهر نوفمبر تشرين الثاني 2006،  بين عناصر من الكفاح المسلح الفلسطيني، وجماعة منشقة عن حركة (فتح الانتفاضة) (ابو موسى) التي دعمتها سوريا عام 1983م  في وجه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.                    

ثم أعلنت مجموعة فلسطينية في نهر البارد البيان الرقم واحد، أكدت فيه انفصالها عن حركة فتح الانتفاضة، وأطلقت على نفسها اسم فتح الإسلام.             

سيطر عناصر (فتح الإسلام) في مخيم نهر البارد، على موقع صامد القريب من شاطئ البحر، وتبلغ مساحته حوالي الـ 1000 متر، أحيط بسواتر من الاسمنت المسلح.      

من هي فتح الإسلام؟

تشير المعلومات الواردة عن ماضي المجموعة بأنها بدأت بمجموعة الضابط (شاكر العبسي) التي انشقت عن حركة فتح الانتفاضة بقيادة (أبو موسى وأبو خالد العملة)،  والتي بالأصل كانت انشقت عن حركة فتح بزعامة الراحل ياسر عرفات سنة 1983م،  حيث حوصرت طرابلس ودار قتال عنيف بين الفلسطينيين أنفسهم مع تدخل سوري ولبناني وليبي (ضد ياسر عرفات) وكانت بعض الجماعات اللبنانية مثل حركة (التوحيد الإسلامية) تقاتل إلى جانب عرفات، وبما أن أوضاع (أبو خالد العملة) كانت على غير ما يرام مع (أبي موسى) ومع القيادة السورية،  وكذلك لأن( العبسي) يحب ركوب الموجات الثورية،  ركب موجة فتح الإسلام كي يعود إلى الساحة من بوابتها وبقوة، هذا بالرغم من يساريته الزائدة.

 ويذكر ان العملة قام بتسليم فتح الإسلام معسكرات تدريب وقواعد ومعدات وأسلحة تابعة للحركة في لبنان، كانت هذه الحركة ترسل المقاتلين إلى العراق لمحاربة الأمريكان وقوات الامن العراقية وسقط منهم كثيرون في العراق، كما وأعلنت الحركة في بياناتها أنها سوف تحارب أمريكا وإسرائيل.

ومن العمليات التي نسبت الى  فتح الإسلام قيامها بالسطو على بعض البنوك في لبنان لتمويل نفسها مع العلم انه لا يوجد أدلة مادية على ذلك، وأعلنت الحركة في بيانات لاحقة أنها لا تعمل من لبنان سوى ضد إسرائيل.

  وللحركة امتدادات داخل المدن والبلدات اللبنانية وخاصة في شمال لبنان حيث الوجود المكثف لفقراء السنة، المهمشين والمعدمين،  كما لها حلفاء (من الجماعات الإسلامية المتشددة في مخيم عين الحلوة 100 ألف نسمة أكبر مخيمات جنوب لبنان).

 لم تكن باقي البلاد العربية بمنأى عن الحركات الجديدة وبالدعوات لإقامة التنظيمات المهيأة لها ، ولكنها كانت تختلف من منطقة إلى أخرى وحسب وضع الدولة وموقفها السياسي، إلا إن أهم ما تمييزت به تلك الحركات هو استغلالها الوضع الأمني في داخل الدول العربية ليبدأ حراكها، وكأنه متناوب تماما مع الحالة الأمنية فيها فما أن تشعر إن احد البلدان قد تعرض لهزة سياسية او أمنية إلا وظهرت الحركة من السر إلى العلن وبأشكال متعددة.

ولكن ما جرى في لبنان من أحداث على يد المجموعة التي تسمي نفسها ( فتح الإسلام) كان يحمل الكثير من الغموض,  حيث ان أهم الأسباب التي تتبناها الحركات في أثارة الأعمال العسكرية في بلد ما كونها  ترزح تحت الاحتلال كما في العراق او أنها دول تمثل الامتداد الغربي في البلاد العربية حسب ( وجهة نظرهم).

 ولكن ما حصل في لبنان لا يحمل أي من هذه الأسباب فالبلد يتعرض لمؤامرة كبيرة تهدد مستقبلة السياسي والوضع الأمني فيه مهدد من قبل قوات الاحتلال ولاسيما بعد حرب الصيف الماضي التي خاضها حزب الله في الجنوب مع الإسرائيليين ، أضف إلى ذلك ما ترتب على تفجيرات واغتيالات من أنشاء محكمة دولية وغيرها .

اسباب استهداف لبنان

وهذا بمجمله يدل على أن البلد يتعرض لنطاح سياسي كبير، فهل من المعقول ان يندرج في خانة العمالة للمحتل المتصور او انه يسير في ركب الغرب؟ أضف الى ذلك انه يمثل الآن إحدى صور المقاومة التي تتبناها تلك الحركات المدعية بالفتح الجديد.

 اذن فلماذا استهدف لبنان مع انه يمثل الخط الأبعد عن الغرب والأقرب من المقاومة؟

هنا تأخذ الاحتمالات والتكهنات مأخذها حول هوية الجماعة وأهدافها وارتباطاتها. ومن هذه الاحتمالات:

* الأول أن تكون فتح الإسلام (مجموعة سورية) تعمل في لبنان لخدمة مصلحة النظام السوري الغاية من ذلك عرقلة المحكمة الدولية التي أُقرت وأثارت الكثير من المتاعب للسياسيين اللبنانيين.

* الثاني أن تكون مرتبطة بتنظيم القاعدة، عقائديا أو تنظيميا لكنها استدرجت إلى معركة في غير أوانها ولم يكن تواجدها على الأرض اللبنانية إلا منطلق لمواقع أخرى خارجها .

* ثالثا قد يكون العمل ناتج خليط من مخابرات دولة خارجية مستفيدة من بعض المغرر بهم من أصحاب الفكر الأصولي المتطرف.

حيث يذهب الوزير اللبناني أحمد فتفت  إلى هذا الرأي  فيقول( القيادة هي المرتبطة بالنظام السوري، في حين أن العناصر مغرر بهم ويعتقدون فعلا أنهم يعملون لقضية دينية).

وعن علاقة (فتح الإسلام) بالقاعدة،  قال احد المختصين بالشؤون السياسية إن (القاعدة لم تعد تنظيما فقط وإنما طريقة بالتفكير والعمل، ومن هذه الناحية يمكن أن نقول إن (فتح الإسلام) قريبة من القاعدة، وأما الحديث من الناحية التنظيمية لا نعتقد أن لها صلة بالقاعدة، ولكنها تشبه القاعدة).

 وقد يكون بين عناصر فتح الإسلام من جاء وتطوع للقتال في العراق ولكن لم يصل بتطوعه إلى القاعدة وإنما إلى جماعات أخرى تلقفته قبل ان يصل لغايته.                                                             

وفي سياق الموضوع، قال الصحافي حازم الأمين، المراقب لأوضاع الجماعات الأصولية في لبنان، إن( الحركة في مخيم نهر البارد ستنتهي ولكن إلى متى ستكون السلطات اللبنانية قادرة على محاصرة هذه الجماعة خارج المخيم، هذا أمر غير مؤكد وغير محسوم، وإذا لم تتمكن من محاصرة هذا التنظيم خارج المخيم سيتحول إلى شبكة أو مجموعات منتشرة في أكثر من مكان.)                              

وأضاف، الأهم من ذلك هو ما أُريد لهذه الجماعة أن تلعبه في لبنان، وإذا أرادت الجهة التي طلبت منها هذا الدور أن تتابع نشاطها في لبنان فهذا أمر خطير، ولبنان سيبقى بدائرة التهديد طالما لهذه الجهات الإقليمية مصلحة بتفجير الوضع فيه،  وفي لبنان توجد بيئة حاضنة لهذا النوع من الجماعات ولكن الأساس بالنوايا الإقليمية.

صمت مطبق!

لقد كانت المعركة الأخيرة في نهر البارد بمثابة نكبة كبيرة لتلك الحركات والسبب فيها إنها أخطأت خطئا كبيرا في مواجهة الجيش اللبناني وعلى الأرض اللبنانية كونها كانت تمثل الاحتواء السكاني لأكثر المواطنين الفلسطينيين اللاجئين، وتصورت العملية كأنها موجهة للإساءة إلى هذه الفئة  بالذات.

في هذه المرة كان الصمت المطبق موجود بشدة على جميع الجهات والإطراف التي كانت تعتبر هذه الحركات في متبنياتها وأيدلوجيتها حركات تحررية او مقاوماتية، لكنها في نهر البارد لم تكن تقاتل جيوش محتلة ولم تثور ضد نظام مستبد، لذلك لم نسمع من أي جهة تعاطفها او تدخلها لوقف القتال باستثناء من نادى على استحياء بضرورة المحافظة على أرواح المواطنين غير المتورطين.

 وبعيدا عن ما يدور على الساحة العسكرية، هنالك ثمة  نقاط  من أصل الحالة فالحركة لم تكن لها تجاذبات سياسية مع الدولة اللبنانية و لا حتى مع أي طرف سياسي أو حزبي في لبنان،  وهي أيضا لم تساند علنا أي طرف في المواجهات السياسية الأخيرة بما فيها اعتصام المعارضة والامتناع الحكومي عن الرضوخ لمطالبها.

 إذن فعلى ظاهر الحال هي تحوي على أفكار ابعد من العمل في داخل لبنان في بادئ الأمر وكانت تسير باتجاه بناء قاعدة لها في الأراضي اللبنانية وتّكون بعد ذلك أجزاء متحركة في باقي دول المنطقة القريبة على الأقل لضمان نجاح عملها وهذا ما كانت تفعله أكثر الحركات التي تتبنى العمل المسلح،  حيث إن العمل في مقر ومركز واحد يكون محفوفا بمخاطر جمة ولاسيما في مناطق طالما استهدفت من قبل الإسرائيليين بحجة النشطاء الفلسطينيين.

  وعلى ما يبدو ان التغيرات التي طرأت على الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة ومجريات الإحداث قد أدت إلى تداخل كبير في عمل البعض ومنها الحركات الإسلامية التي تداخل عملها مع عمل بعض الأحزاب الأخرى نتيجة متطلبات المرحلة والبعض اضطر للعمل وفق آراء أخرى، وكان من بين تلك الحركات ماتبنته فتح الإسلام والتي يبدو أنها قد اخَترقت بالفعل من قبل جهات خارجية وسيست باتجاه هدف  لا يشوبه الكثير من الشك إن مرماه الأول هو ما حملته الأيام السابقة من المحكمة الدولية وما سيترتب عليها من آثار مقبلة على الكثير من المشتبه بهم في قضية اغتيال الحريري.

 وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الرسالة واضحة  في القول، ولكن ما وقعت فيه هذه الحركة من الخطأ كان كبير بحيث أصبحت وكأنها جزء من الذين خططوا لقتل الحريري وان لم يفعلوا ذلك فهم ساهموا( وهنا حسب وجهة نظر القادة اللبنانيين) بتأزم الموقف بعد إقرار المحكمة او قبيلها وفتحوا أبواب الجبهات على لبنان بدون أي مسوغ شرعي او قانوني .

 وبعد تلك العمليات  أصبحت الحركة ذات طابعي عسكري بحت مما يمهد لشمولها بقانون الإرهاب الذي تعمل أكثر الدول على سن قوانين للتعامل معه بشدة إضافة إلى ذلك فقدانها  مواطئ القدم في مقراتها لان الحملة العسكرية يقينا ستتبعها حملات دهم وتفتيش عن الخلايا الباقية منها، الأهم من ذلك كله هو فقدانها لحركتها المستقبلية بعد أن  أصبحت الصفة البارزة لها تبعيتها لغير جهات وهذا يرفع عنها ثوب العمل ألمقاوماتي.

نهاية دموية

ان فتح الإسلام لم تأخذ الوقت الكثير للظهور ونعتقد إنها لن تأخذ الوقت الطويل أيضا لضمورها فهي حركة فتية ذات أبعاد غير واضحة،  ويبدو إن المنتمين لها كانوا يخططون لبناء فرع للقاعدة في لبنان على غرار تنظيم  القاعدة في بلاد الرافدين أو غيرها ضمن الحملة التي تتبناها القاعدة في أنشاء فروع لها في البلاد العربية والتي كانت أخر نتاجاتها ( تنظيم القاعدة في المغرب العربي)،الذي تبنى عمليات واسعة ضد الدول العربية كما حصل في الجزائر والمغرب.

 لم تكن حركة الفتح موفقة على الإطلاق هذا إذا لم تكن مجندة من حيث لا تعلم على أيديولوجية غير تنظيم القاعدة لتستفيد منها بعض الدول التي راهنت على الوضع الأمني في لبنان والمنطقة.

 ويبدو إن الإفراد فيها غير القيادات وهذا ظاهر بوضوح في سرعة اختفائهم وكأن الطريق معد مسبقا للفرار، أما الأشخاص المنتمون لها فيبدو ان أكثرهم من الذين يلتصقون بالأفكار الداعية الى العمل المقاوماتي او هكذا يصور لهم ولكن في نهاية المطاف لم يكونوا سوى مركب لتنفيذ جزء من خطة كبرى ضد لبنان وان لم يشعروا بذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 17 حزيران/2007 -29/جمادي الأول/1428