تفجير سامراء الثاني: الخلفيات والتداعيات

إنشاء قواعد عسكرية تؤمن بقاء الاحتلال الامريكي 100عام

 اعداد: المركز الوثائقي والمعلوماتي 

شبكة النبأ: يتسارع الزمن وتتسابق الأحداث لتتجاوز الخطوط الحمراء التي طالما توعدت بتجاوزها الجماعات المسلحة لتستطيع أن توسع نفوذها وترغم الحكومة العراقية والأمريكية على التنازل لمتطلباتها.

 ويعتبر من بين هذه الأحداث تفجير المرقدين في سامراء من جديد ومع هذا التطور الخطير يزداد حدام الصراع على السلطة وتتجدد زيارات من قبل المسؤولين الأمريكيين، ويتزامن في الوقت نفسه الاقتتال مابين الفصائل السنية.

اليوم وما جرى في سامراء من تفجير آخر يعتبر الثاني من نوعه لنفس المرقدين فجر مسلحون مجهولون، منارتي المزار الذي يحتضن مرقدي الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي في مدينة سامراء، وفق ما أكدته الشرطة العراقية ومسؤول أمني.

التفجير وقع قرابة الساعة التاسعة من صباح الأربعاء، رغم وجود قوة من الشرطة في محيط المزار، حسب ما قاله مسؤولون.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس أن مسؤولا أمنيا في العاصمة بغداد طالب بعدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع، أكد وقوع التفجير الذي قد يؤدي إلى مزيد من الاقتتال المذهبي في البلاد. وأشارت تقارير أولية إلى وقوع ضحايا جراء التفجير.

ونقلت شبكة CNN أنه سبق التفجير اندلاع اشتباكات بين عناصر الشرطة ومسلحين، تبعها نجاح المسلحين في دخول المزار وزرعه بالألغام قبل تفجيره.

يُذكر أن مزار الإمامين العسكري والهادي كان دمر في فبراير/شباط الماضي، في تفجير نحت مسؤوليته على جماعات مسلحة على صلة وثيقة بتنظيم القاعدة، وإن لم يمس مأذنة ومحيط المزار أي ضرر.

وأعلن مصدر مطلع إن انفجاريين وقعا اليوم الأربعاء في مرقدي الإمامين العسكريين في مدينة سامراء، موضحاً إن الانفجار الأول ادى إلى انهيار المئذنة اليمنى للمرقد تبعه انفجار ثان تسبب بانهيار المئذنة اليسرى. ولم يذكر تفاصيل أكثر حول الحادث أو الجهة التي قامت بتنفيذ العملية.

وكان مرقد الامامين العسكرين قد تعرض إلى أضرار بالغة في شهر شباط من العام الماضي.

ونقلت وكالة رويترز عن صالح الحيدري رئيس ديوان الوقف الشيعي قوله الانفجار استهدف المئذنتين الذهبيتين. لحقت بهما أضرار... هذا عمل إجرامي يهدف لإثارة صراع طائفي.

المالكي يحمل القاعدة المسؤولية عن هجوم سامراء

حمل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تنظيم القاعدة وأنصار الرئيس السابق صدام حسين المسؤولية عن هجوم على مزار شيعي مهم في مدينة سامراء.

وقال المالكي في كلمة تلفزيونية انه يعتقد أن مساجد أخرى سيجري استهدافها وانه طلب من قوات الامن العراقية تكثيف التدابير الامنية حولها.

تحشد لمظاهرات

وتسود العاصمة العراقية بغداد، حالة من الاحتقان والتوتر الشديدين، فيما تجمع المواطنون حول المساجد والحسينيات، بانتظار ما سيصدر عن مقر المرجعية الشيعية في النجف التي اتجهت إليها الأنظار اليوم، لتطوق هذه المحنة الجديدة التي عصفت بالبلاد.

وانتشرت القوات الامنية والعسكرية في شوارع بغداد خشية من تجدد مواجهات العنف الطائفي على غرار تلك التي شهدتها بغداد في اعقاب تفجير قبة سامراء في شباط من العام الماضي.

ورفض المسؤولون الامنيون في اتصالات هاتفية اجرتها وكالة ( الملف برس) التعليق على الحادث الذي ما زالت ملابساته غامضة، لاسيما وان اهالي سامراء يقولون ان قوات مغاوير الداخلية والالوية العسكرية تقوم بحماية المرقد منذ نيسان الماضي، وقال العميد عبد الكريم خلف مدير العمليات في وزارة الداخلية إن وزارته "تحقق في هذه التقارير" .

وبالرغم من حالة الذهول التي خيمت على العراق من اقصاه الى اقصاه، الا ان الدعوة للتهدئة هي سيدة الموقف الصعب الذي وضع فيه العراق والعراقيون اليوم بعد اقل من اربع وعشرين ساعة على لقاء المالكي – نغروبونتي، الذي قيل ان الاخير امهل حكومة المالكي شهراً واحداً لانجاز تعهداتها.

وانحى سياسيون باللائمة على قوات الاحتلال والارهابيين معاً باوقوف وراء التفجير. واتهم الشيخ ضياء  الدين الفياض، عضو مجلس النواب عن كتلة  الائتلاف  العراقي الموحد الارهابيين ومن يتامر معهم  بتفجير منارتي مرقد العسكرين  في سامرء، مشددا بان  اوامر صدر من جهات سياسية  باهمية ضبط  النفس وعدم انفلات  الامور كما حصل  في  العام الماضي على اثر تفجير قبتي هذا المرقد الشريف.

واشار  القيادي في  منظمة بدر الى ان الجهات التي تقف وراء هذا  التفجير معروفة باهدافها  الواضحة لجر البلد الى حرب اهلية، في سلسلة استهداف الاماكن الدينية ومن بينها مراقد  شيعية وسنية، فبعد سامراء استهدف مرقد الشيخ الكيلاني وبعد ذلك حسينية الائمة في حي  العامل، واليوم تعاد عملية استهداف المرقد الشريف في سامراء،  لاظهار العراق  في حالة  من الانفلات الامني، لاسيما بعد  النجاحات الواضحة التي  احرزتها خطة  فرض  القانون  في  الشهر  الماضي.

لكن عبد المهدي المطيري ، رئيس اللجنة السياسية في مكتب الشهيد الصدر ، كان اكثر  وضوحا في اتهامه للقوات الاميركية التي وصفها ب"قوات الاحتلال" وقال  لوكالة " الملف  برس" ، انه "من الواضح لا توجد سيطرة على الارض في منطقة مثل  سامراء لغير قوات الاحتلال، ومرة اخرى تسهل هذه القوات للارهابين امكانية الاعتداء على مقدسات المسلمين في تدمير منارتين من مرقد العسكريين الشريف بعد ان فجرت قبة هذا المرقد  العام  الماضي. 

واضاف" لا احد باستطاعته ادخال معدات تحدث مثل هذا التفجير او ان تسهل لارهابيين عمل  هذه  التفجيرات".  وشدد  المطيري على ان التعليمات الصادرة من مكتب  الشهيد الصدر لكل فروعه في عموم العراق تؤكد العمل على  التهدئة،واهمية ضمان وحد العراق الوطنية  والعمل على تعزيز اواصر هذه الوحدة الوطنية.

من جانبه قال الدكتور عدنان الدليمي رئيس  جبهة  التوافق  لـ"الملف برس"  انه يتوقع  استيعاب هذه  الحادثة التي وصفها بالمؤلمة مؤكدا بان جبهة التوافق بصدد اصدار بيان  حول  الموضوع.

وفرضت الحكومة العراقية حظراً للتجوال في مدينة سامراء، حتى اشعار اخر، فيما اشارت تقارير صحفية الى ان اهالي مدينة سامراء خرجوا بتظاهرة موحدة تنديداً بالحادث الاجرامي، لكن قوات الامن اطلقت العيارات النارية في الهواء لتفريق المتظاهرين.

العنف الطائفي منذ سامراء يهجر 30 ألفا

اضطر أكثر من 30 ألف عراقي إلى النزوح من ديارهم بسبب أحداث العنف الطائفي التي اندلعت إثر تفجير مقام الإمامين في مدينة سامراء.

هذه الأرقام التي أعلنت عنها الحكومة العراقية تعكس ما أعلنت عنه المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.

وكثيرون من هؤلاء المهاجرين في الداخل يعيشون في مخيمات مؤقتة.

وتتبدى هذه الحقيقة أكثر ما تتبدى في العاصمة بغداد، ففي كل يوم تقريبا يتم اكتشاف ضحايا جدد لهذا العنف الطائفي، وجثثهم تلقى مبعثرة في أنحاء المدينة.

وبسبب هذا العنف هجر نحو 33 ألف شخص منازلهم وفقا لوزارة الهجرة والمهجرين. وكثيرون من هؤلاء جاؤوا من مناطق مختلطة حيث كانوا يشكلون أقلية.

لكن المنظمة الدولية للهجرة ومقرها سويسرا والتي تقدر أن نحو 30 ألف شخص قد نزحوا من ديارهم تقول لبي بي سي إن الرقم الفعلي أكبر بكثير، لأن معظم الناس قد انتقلوا للعيش مع أقربائهم أو أصدقائهم.

كما قال الهلال الأحمر العراقي لبي بي سي إنه يقوم برعاية أكثر من ألف شخص في مخيمات مؤقتة.

وهذه الأرقام رغم كبرها لا تشكل نزوحا ضخما للناس في العراق، لكن إذا ما استمر التوتر الطائفي فإن هناك خشية من أن ترتفع هذه الأرقام أكثر.

ويقول محلل شؤون الشؤق الأوسط في بي بي سي انه حيث ان بغداد كانت المدينة التي تذوب فيها الطوائف المختلفة فان الرحيل عنها بهذا الشكل يعتبر ظاهرة ملفتة للانتباه.

وقد نزحت العائلات السنية الى منطقة تعرف "بالمثلث السني"، أما الشيعة فقد نزحوا الى الجنوب كالنجف مثلا.

ويقول محللنا ان تفشي الطائفية في العراق هو ظاهرة حديثة ولكن يصعب التنبؤ بكيفية السيطرة عليها، حيث تأتي من القاعدة، ففي ظروف انعدام الأمن ربما رأى الناس في الميليشيات المحلية القائمة على أساس طائفي القوة الوحيدة التي تستطيع حمايتهم.

وكذلك تنبع الطائفية من القمة، من القادة السياسيين الذين اكتشفوا ان بامكانهم كسب الكثير من الولاء الطائفي، ربما أكثر مما لو توجهوا نحو الوحدة الوطنية كما يقول محللنا.

السيستاني يدعو الى ضبط النفس

دعا المرجع الشيعي الاعلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني العراقيين الى ضبط النفس ومنع الفتنة، في اعقاب تفجير مئذنتي مرقد الامامين العسكريين اليوم، فيما قال الجيش الاميركي انه وضع في حالة تأهب قصوى تحسباً من اندلاع اعمال عنف وانتقام طائفي على غرار ما حدث في العام الماضي.

وبالرغم من ان تقارير اعلامية اشارت الى وقوع اشتباكات مسلحة في عدد من مناطق بغداد، الا ان اي بيان رسمي بذلك لم يصدر عن الجيش الاميركي او القوات العراقية، واكتفى المتحدث الليفتنانت كولونيل كريستوفر جارفر "استنادا الى نتائج هجوم العام الماضي.. نحن نراقب الوضع عن كثب" .

وأشار الى أن الجيش الاميركي لم يجر بعد تقييما مستقلا للحادث الذي وقع في سامراء. قال إن الهجوم الجديد على مزار شيعي بسامراء من شأنه اثارة موجة أخرى من أعمال العنف الطائفية في العراق وأعلن أن الجيش الاميركي سيبقي الوضع قيد المراقبة الدقيقة.

 سيناريو سرّي لحرب أهلية واستمرار الاحتلال 100 سنة

عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجددا في تقرير نشر أمس عن استعداده للنظر في توسيع وجود المنظمة الدولية ودورها في العراق.وقال بان في تقريره الفصلي حول النشاطات الأممية في العراق إن الدعوات تزايدت كي تلعب المنظمة الدولية دورا أكبر هناك، مشيرا إلى أنه "من الضروري لتحقيق ذلك التوصل إلى تنسيق أفضل مع شركائنا الدوليين الرئيسيين".وعبر بان عن أمله في أن يواصل أعضاء مجلس الأمن والأمم المتحدة تأمين "دعم سياسي ولوجستي قوي" لوجود المنظمة الدولية في العراق.

 وخفضت الأمم المتحدة عدد موظفيها في العراق بعد تفجير مقرها العام في بغداد في أغسطس/ آب 2003، في اعتداء أسفر عن مقتل العديدين بينهم ممثلها الخاص في العراق سيرجيو فييرا دي ميلو.

وأشار بان إلى الحاجة لإنشاء "البنى التحتية والظروف العملية الضرورية" التي تسمح للأمم المتحدة بزيادة وجودها في العراق، مؤكدا خصوصا على ضرورة تأمين "حماية مناسبة وترتيبات أمنية ودعم جوي ومنشآت آمنة".

 وتعليقا على هذه التصريحات، قال السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد للصحفيين "أعتقد أن ثمة مجالا أمام الأمم المتحدة للقيام بالمزيد في العراق"، مشددا على أن تلعب المنظمة الدولية دورا أكبر على صعيد المصالحة الوطنية والتعاون الإقليمي مع العراق.

 وكان بان قد زار العراق في مارس/ آذار الماضي وعاين حينها الوضع الأمني القائم عندما سقطت قذيفة هاون على مسافة 40م من الموقع الذي كان يعقد فيه مؤتمرا صحفيا مشتركا مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في المنطقة الخضراء وسط بغداد.

ربما يكون أمراً (أغرب من الخيال) لكنـّه سيناريو من عدد من السيناريوهات التي تدعو الى بقاء طويل الأمد في العراق قد يمتد الى (100) سنة بعد أنْ يتم تفتيت البلد وإضعافه نهائياً بحرب أهلية مفتوحة الأبواب، وبتدخلات خارجية مفتوحة الأبواب ايضاً وكلها تساعد على المكوث الأميركي وابقاء العراق تحت الاحتلال في الأقل لخمسة عقود طبقاً للنموذج الكوري الجنوبي.

وهناك من يشير الى أن ما يجري الان في العراق، هو عملية تمهيد حقيقية لتفكير إستراتيجي بهذا المستوى لكنّ هناك تخوفات من صدمة الرفض سواء في واشنطن أو في الشرق الاوسط.

وثمة سيناريوهات  تتم مناقشتها الآن في الولايات المتحدة، وأحدها –يجري تسريبه ببطء- يخطط لاحتلال العراق مدة قرن كامل. ولم يدرك المراقبون وأوساط الخبراء حتى الآن ماهية التغيـِّر المفاجئ والحاد جداً من مناقشات الأشهر الماضية التي ترواحت أفكارها بين الانسحاب المجدول والانسحاب الفوري الى طرح أفكار بناء قواعد عسكرية على غرار التجربة الكورية الجنوبية (التي سيصل عمرها حتى الآن الى ستين سنة، وتستمر واشنطن في تغذية أسبابها)، ومن ثم سيناريو البقاء الدائم في العراق.

ويرى (هاورد لافرانتشي) المحلل السياسي في صحيفة الكريستيان ساينز مونيتور أنّ الإشارات التي تصدر من الإدارة الأميركية للبقاء الطويل في العراق، تستفز المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال. وأكد المحلل السياسي أنّ نقاد السياسة الأميركية يستغربون (الانتقالة الحادة) في المفاهيم التي تطرحها واشنطن بصدد مشكلة العراق، ففي مناقشات الربيع الماضي كانت هناك آراء تحتمل الانسحاب الفوري من العراق، لكن المؤشرات الأخيرة التي أظهرتها الإدارة الأميركية وأكدها المسؤلون العسكريون في بغداد وفي البنتاغون تطرح سيناريو مختلفاً تماماً.

وقالت الصحيفة: ليس من الصعب الإشارة الآن الى وجود أفكار –في أوساط هؤلاء السياسيين والعسكريين الأميركيين في بغداد وواشنطن- تؤسس لإقامة قواعد دائمة في العراق. وأوضحت أنّ خطط هذه الأفكار تحت المناقشة، مشيرة الى جدية فكرة البقاء طبقاً للنموذج الكوري الجنوبي. وطبقاً لأحد المسؤولين الأميركيين الكبار فإن البقاء في العراق قد يمتد الى عقود.

ويؤكد (هاورد لافرانتشي) المحلل السياسي في الكريستيان ساينز مونيتور، أنّ الهدف الأكبر –في واحد من السيناريوهات المهمة- هو إبقاء الجنود الأميركان فوق التراب العراقي في وضع ممتاز الى مدة (قرن كامل) ووضع ذلك تحت لافتة (مساعدة الحكومة العراقية ضد الاعتداءات الخارجية)، وفي الوقت الحاضر، تأخذ هذه اللافتة اسم (تدريب القوات العراقية الجديدة وتطوير الجيش العراقي)، وهو البرنامج الذي تقاتل من خلال الولايات المتحدة القاعدة والآخرين من معارضي الاحتلال الذين تتهم بالإرهاب أيضاً.

ولحد الآن –تقول الصحيفة- فإنّ هذه المقترحات المبكرة موجودة فقط في ملفات البيت الأبيض والبنتاغون، ويكشف عنها ببطء لإن الحرب في العراق تواجه معارضة متزايدة في أوساط الرأي العام الأميركي. وقد حذر العديد من خبراء العراق والشرق الأوسط من أنّ أية خطة لإنشاء قواعد عسكرية دائمة في هذا البلد، تدعـّم صورة الولايات المتحدة في المنطقة كقوة احتلال لا غبار عليها.

و يقول (لاري دايموند) المسؤول السابق في السلطة المؤقتة التي حكمت العراق بعد سنتي سقوط صدام: "إنها حقاً لفكرة سيئة، وهي تغذي فقط التصور العام عن أميركا كدولة احتلال، وكسلطة كولونيالية". وأضاف: "ليس هناك طريق لانشاء قواعد عسكرية دائمة ستصبح مقبولة من قبل أغلبية السكان العراقيين".

والبروفيسور (دايموند) الذي يعمل الآن خبيراً في (الدَّمقرَطة) بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا، يدعو –بموجب تجربة السنتين الأوليين من الاحتلال الأميركي للعراق- الى التخلي عن خطط القواعد الدائمة. ويقول: إنّ مثل هذه الخطوة (أي ترك أفكار البقاء الطويل) يمكن أنْ تعمل بشكل أحسن من أية أفكار أخرى، فهي ستهدئ النزاع وتخفف المعارضة الشديدة لوجود 160 ألف جندي أميركي على التراب الوطني العراقي.

وحتى المؤازرون للحضور العسكري الأميركي في العراق –كما تقول الكريستيان ساينز مونيتور- يؤكدون أنّ الوقت غير مناسب لإذكاء نار العداء للأميركان بمناقشات مفتوحة للبحث في فرص إنشاء القواعد العسكرية الدائمة في العراق.

 ويقول (رالف بيترز) ضابط الاستخبارات العسكرية المتقاعد، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط: "سنكون أغبياء، إذا لم نخطط لاحتمالية البقاء الطويل في العراق. لكنْ من السابق لأوانه مناقشة فرصة تحقيق هذا البقاء بشكل صريح الآن ومن المناسب ترك ذلك الى أنْ نربح الحرب". وأضاف: "لذا يجب أنْ اقول إنّ هذه الأفكار لم تنجز بطريقة ماكرة".

وفي التعليقات الأخيرة كشف (توني سنو) الناطق باسم البيت الأبيض، و(روبرت غيتس) وزير الدفاع الأميركي عن فكرة الوجود العسكري الدائم في العراق لأبقاء 30 ألف جندي أميركي في قواعد ثابتة لمدة خمسين سنة وطبقاً للنموذج الكوري الجنوبي.

وتقول الصحيفة ان مثل هذه التعليقات من قيادات مدنية في الولايات المتحدة تعكس وجهة نظر القادة العسكريين في العراق. ويؤكد ضابط عسكري اشترط عدم الكشف عن اسمه لكونه غير مخوّل في الحديث عن سياسة البقاء الطويل، أنّ الإجماع يتزايد وسط الزعماء العسكريين لتدريب طويل المدى للقوات العراقية والاستمرار في الحضور الأميركي لمقاتلة القاعدة. وفي رأي الخبراء أنّ واشنطن كشفت عن أفكارها بصدد القواعد العسكرية الدائمة، لتوجه رسالة بهذا الخصوص الى الحكومة العراقية.

وحسب اعتقاد (مايكل اوهانلين) خبير الشؤون العسكرية في معهد بروكنز بواشنطن، فإنّ "السبب في ترويج هذه الأفكار خارج البيت الأبيض، وبشكل أساس الآن يأتي في سياق تأملات الكونغرس ومناقشاته لانسحاب كبير في الأفق". ويضيف: "إنّ إدارة بوش تريد توجيه (رسالة قرار) الى الأميركان ولكنها من حيث الجوهر الى المواطنين العراقيين، مفادها أنّ من الأرجح تركهم التحضير لحرب مدنية قريبة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وليس هناك خطوات يـُحتاج اليها في المصالحة الوطنية شبه الممتنعة عن التحقق الآن".

والعديد من القادة العسكريين الأميركان في العراق يتحدثون عن بقاء 30 ألف الى 50 ألف جندي (أو ربع الموجودين حالياً) للبقاء في قواعد ثابتة وفقاً للنموذج الكوري الجنوبي. لكن بعض الخبراء يحذرون من النظرة المتساوية الى تجربة كوريا الجنوبية في القرن العشرين وتجربة حرب العراق في القرن الحادي والعشرين. كما أنّ هناك اختلافاً مهما برأي الخبير (أوهانلين) إذ لا تناظر يمكن أنْ يفهم بين كوريا الجنوبية التي كانت مهددة بعدوان خارجي وبين العراق الذي تهدده الفوضى الداخلية.

ويتحدث الخبراء عن اختلافات أخرى جوهرية بين التجربتين فكوريا الجنوبية كانت أميركية الولاء، وكان هناك احساس مشترك اميركي-كوري جنوبي بالخطر الشيوعي، حسب (دايموند) خبير جامعة ستانفورد، الذي يؤكد أنّ التخطيط لقواعد عسكرية دائمة يمكن أن يؤثر سلبياً، ويؤخر التقدم الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة في الانتصار على القاعدة، وخاصة بوجود منعطف التحالف مع معارضين سابقين، فالمتمردون السنة الذين يرغبون بالعمل مع الأميركان الآن قد يعودون الى المقاومة إذا ما جرى الحديث عن قواعد دائمة.

لكنّ (رالف بيترز) ضابط الاستخبارات العسكرية المتقاعد، له وجهة نظر تختلف فهو يقول: إن السنة الأقلية قد بدأوا يرون الحضور الأميركي ضمن نظرة مختلفة (في وقت يختصمون فيه مع الأكثرية الشيعية والحكومة بشأن مستقبل العراق). ولهذا يفترض (بيترز) أنّ أية قواعد دائمية ينبغي ان تكون في الشمال العراقي الكردي الموالي للولايات المتحدة. 

ويؤكد (بيترز) قوله: "لا اعتقد أننا يجب ان نتحدث بشكل مفتوح عن قواعد عسكرية يرفضها او لا يريدها العراقيون الان". وافتراضه هذا –تقول الكريستيان ساينز مونيتور- يشير الى ان الخطة الأميركية يمكن ان تدعو الى قاعدة أو قاعدتين جويتين ترتبطان بقواعد عسكرية أرضية تضم حوالي 30 ألف جندي.

ويرى أنّ المناقشات الأميركية بشأن القواعد الدائمة كجزء من المخطط لاحتمال ان العراق ربما يتعرّض للتقسيم، ستعرض الحضور الأميركي في العراق للخطر سواء من خلال المقاومة الداخلية أو بتدخل الجيران المذعورين الأمر الذي يدفعهم الى التدخل والتحيز للأطراف المتنازعة بشكل مفتوح ايضا. لكنه يرى في المشروع الكوري كنموذج بعض ما يمكن استيساغه. يقول: :القوات الأميركية حافظت على السلام هناك حقاً. ولم تقبل ببقاء كوريا مدمرة نتيجة الحرب. والكلام عن تجربة كوريا يجب ان يجعل العراقيين يفهمون أنهم سيحققون تطوراً كبيراً.

وهذا يعني حسب رأيه أنّ طرح فكرة الوجود الأميركي طويل الأمد يجب ان يقترن لدى العراقيين بالاستقرار والتطور الاقتصادي. مع ذلك فإنه امر لا يمكن ان يوافق عليه العراقيون جميعاً. اما (أوهنلين) خبير معهد بروكنز فيقول: "على الرغم من جهودنا الجيدة، وطروحاتنا اننا سنبقى لسنوات، فإن الحديث عن البقاء لعقود طويلة لا يساعد على تقدم الوضع الامني في العراق. إنّ ذلك سيكون سبباً لمزيد من الفوضى في هذا البلد الذي يختزن طاقة كبيرة للنزاعات. ويجب أنْ لا نعطي افتراضات مسبقة في أنّ حضورنا الدائم في العراق سيكون مربحاً".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14 حزيران/2007 -26/جمادي الأول/1428