تعليق العضوية...ممارسة أم عرقلة للديمقراطية!

عدنان الصالحي/ مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

تُعدُّ التجربة البرلمانية العراقية من التجارب النادرة في مستوى العالم الثالث ، وهي وان جاءت حسب ما يرى البعض تحت ظلال الاحتلال وتدخلات إقليمية هنا أو هناك إلا إنها تعتبر بمثابة تجربة حقيقية لقيادة الشعب نفسه بإختيار ممثليه بغض النظر عن الآليات التي أوصلت شخصيات جيدة أو غير جيده إلى البرلمان.

 وبعد فترة الإقصاء والتهميش الطويلة التي عاشها الشعب، يبدو إن رياح التغيير أتت ثمارها حتى مع من لا يؤمن بأول العمل بنص الفكرة القائمة في العراق على بناء مشترك حكومي وجهاز متعدد لإدارة الدولة.

 وعلى هذا الأساس إشترك الأغلب في الانتخابات الأخيرة لدورة مجلس النواب العراقي ، وكانت الثمرة إنتاج البرلمان المتكون من 275 مقعد لكتل مختلفة من جميع الطوائف تقريبا.

 وهي طريقة ليست بالجديدة على العالم المتقدم ولكنها كما أشرنا جديدة على دول المنطقة  والعربية منها بالذات.

بدأ العراقيون بالعمل في هذا الميدان  بصورة عامة بدون مقاطعة أي طائفة أو جهة منذ كانون الأول  عام 2005م لتبدأ مرحلة جدية من العمل في أسلوب أدارة الحكم النيابي، ويبدو إن من أهم ما تميز به عمل البرلمان العراقي هو حالات التشنج التي مر بها ولازال يعيشها بدأ من اختيار رئاسة البرلمان إلى رئاسة الجمهورية ونهاية برئاسة الحكومة.

لكن قضية تعليق العضوية والانسحاب من حضور الجلسات لم تفتح أبوابها إلا بعد سنة تقريباً على نشوء المجلس، وكانت الكتلة الصدرية هي أول من إقتحم هذا الطريق وكان السبب في ذلك إحتجاجاً على لقاء رئيس الحكومة العراقية (نوري المالكي) للرئيس الامريكي جورج بوش في عمان بعد أن طالبته الكتلة بعدم الذهاب وجدولة الإنسحاب إلا أنه لم يأبه بما طلبت منه ، فما كان من الأخيرة إلا إن تنفذ التهديد بتعليق عضويتها.

 ليفتح الباب بعد ذلك على مصراعيه، أما باقي الكتل والتي توجت أخيراً  بتعليق العراقية والتوافق عضويتهما إحتجاجاً على ضعف الحكومة وقضية وزير الثقافة (حسب وجهة نظر الكتلتين) منفردة كل واحدة عن الأخرى في المطاليب.

والآن وبغض النظر عن الأسباب والأسماء التي بدأت وتوالت على الدخول والسير في هذا الطريق، لنحاول تشخيص هذه القضية من باب العمل الديمقراطي البحت، هل إنها ممارسة لروح الديمقراطية الجديدة أم إنها وسيلة لعرقلة العملية برمتها.

  في الوضع العراقي المتشابك تمام وعادة في مثل هذه الأوضاع تحتاج البلاد لجهد أضافي لتجاوز العقبات ولتسير أمور البلاد والعباد، نحن لا نقول إن من خرج من داخل البرلمان  سيذهب إلى فراش الراحة بل إن الكثيرين لا يتقيدون بمثل هذه المواقع ولكن عادة ما يكون التواجد والتوحد في السير في هذه الطريق وتحت قبة البرلمان يرسل إشارة بأكثر من إتجاه أهمها التصميم على السير قدماً في هذا الطريق رغم المصاعب الجمة التي تواجههم وتكوين جسد واحد في مقاتلة الرافضين للتغيير السياسي.

لا احد يستطيع أن يقول لآخر إن تعليق العضوية ليس من حقك بل هو أمر قانوني اقره الدستور الجديد للعراق والحياة الجديدة،وفي ذات الوقت الذي لازالت فيه أزمة رئاسة مجلس النواب العراقي قائمة، يتجه البرلمان إلى تشريع قانون يحد  من الآثار السلبية التي تسببها ظاهرة الغيابات المتكررة لنوابه وتعليق العضوية الذي تلجأ أليه بعض الكتل والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى تأخير إقرار عدة قوانين.

حيث بحث البرلمان في جلساته الأخيرة التي ترأسها الشيخ خالد العطية النائب الأول لرئيس مجلس النواب ظاهرة غياب أعضاء مجلس النواب حيث أكد العطية أن هيئة الرئاسة تدرس إتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من ظاهرة الغياب مطالبا بتشكيل لجنة لإعادة صياغة النظام الداخلي بما يسمح بمعالجة تلك الحالة.

ومن جهته دعا نائب التحالف الكردستاني محمود عثمان إلى تعديل النظام الداخلي وإنهاء الكتل تعليقها عن حضور الإجتماعات مشدداً على إن يعلن تعليق العضوية داخل مجلس النواب وليس عن طريق الإعلام.

أما نائب القائمة العراقية وائل عبداللطيف فأشار إلى أن نظام مجلس النواب لا يمنح الحق في تعليق العضوية مقترحاً مفاتحة المحكمة الإتحادية العليا لمعالجة تلك الحالة.

وليس جبهة التوافق أو جبهة الحوار الوطني وحدهما من قاطعا عمل البرلمان العراقي فقد قاطعت الكتلة الصدرية (30 نائبا) والمنضوية تحت الإئتلاف العراقي الموحد وعلقت عضويتها على خلفية أحداث سامراء الأخيرة ورهنت عودتها بتحقيق الحكومة لجملة من مطالبها.

ومن جانبه كشف النائب حسن السنيد عن الإئتلاف العراقي الموحد عن (أن الأسبوع المقبل سيشهد البدء بقراءة قوانين النفط والغاز والمساءلة والعدالة وإدارة المحافظات).

وقال:(إن القراءة الأولى لهذه القوانين ستتم خلال الأسبوع المقبل).

وعن تعليق جبهة التوافق عضويتها في المجلس احتجاجاً على الدعوة لإستقالة المشهداني ذكر السنيد الذي يشغل منصب مستشار رئيس الوزراء، ) إن انسحاب جبهة التوافق من جلسات المجلس ليس الحل الأمثل وان إنسحابها سيؤثر على جلسات المجلس لكنه لن يوقفها).

وتابع السنيد:(إن الجلسات المقبلة ستكون مفتوحة وسيترأسها الشيخ خالد العطية وسيتم فيها قراءة مشاريع القوانين المعروضة على المجلس وسنحتاج إلى اكتمال النصاب في حالة التصويت). وكان مجلس النواب قد مدد عمل فصله التشريعي لمدة شهر بعد إن كان من المقرر إن يتمتع أعضاء البرلمان بعطلة اعتبارا من شهر تموز.

لعل إغلب المطلعين على القضية العراقية وتفاصيلها يدركون تماماً إن الجميع سيعود لقبة البرلمان عاجلاً أم أجلاً ، ولكن ما الشيء الذي أرادوا تحقيقه في هذا الوقت بالذات؟

أسئلة يمكن أن تخطر على بال أي إنسان متتبع للحالة، هل هو عملية لي الذراع ؟ أم هي إقتناص للفرص ؟ أم إنها طريقة لعرقلة العملية بكاملها؟

قد يكون الجواب في أحد الأسئلة أعلاه وقد يكون غير ذلك ولكن هذا لا يعني شيء لحياة البرلمان الذي بدأ الوهن يدب فيه من كل الاتجاهات، وأولها عدم اكتمال النصاب الذي بوجوده لايتم الاتخاذ أي قرار.

إذن ما الغاية من ذلك؟

 إن القرارات التاريخية والمهمة كما أسلفنا سابقاً هي ما إتخذ في زمن حرج من تاريخ الشعوب وهي إنعطافة كبيرة في إتجاه  السلب أو الإيجاب، فهل أدرك العاملون في العضوية البرلمانية    ( إن صح التعبير) مدى خطورة الموقف الذي تمر به البلاد والذي يتطلب تكاتف الجميع وأن إختلفوا في الرأي تحت قبة واحدة.

 هذا لا يعني إن يكون الجميع موافق على إقرار القرارات أو رفضها ولكننا نتكلم عن  أهمية العمل وعدم ترك الموقع شاغراً، فالذي أُختير لنيابة المنتخبين له عليه إن لا يتركه إلا لضرورة قصوى ، وإلا فهو قد ترك موقع قد أعطاه الآخرون له من غير موافقتهم.

وهنا لابد إن نراقب الظاهرة- تعليق العضوية- من جانب القانون الوضعي والأخلاقي  وعلى أساس إن القوانين الخاصة بالعمل البرلماني قد أقرت في الدستور المصوت عليه ولو بصورة أجمالية، فهذا يعني إن من حق أي شخص يرى إستحقاقه الدستوري أن يفعل ما يراه مناسبا لمقتضيات المصلحة العامة أو الشخصية بدون المساس أو التجاوز على الآمن العام أو المصلحة العليا للبلاد، وعليه يمكن القول بان ما أقدمت عليه بعض الكتل البرلمانية أو الشخصيات منفردة من تعليق عضويتها في البرلمان العراقي ، وفقاً للقانون الدستوري فإنه موضع إستحقاق وطريقة طبيعية للتعامل مع الأسلوب الجديد في الحكم.

 ولكن بقي شيء مهم إلا وهو الإلتزام الأخلاقي والوطني فهذا القانون لا يخضع لترتيبات القوانين الوضعية أو التوافقات السياسية بل  يخضع للمصلحة العليا للبلاد بكل طوائفه.

 وهنا يتبادر السؤال، هل كانت الكتل موفقة بمراعاة المصلحة العليا  للبلد من خلال تعليق عضويتها أو الإنسحاب من جلسات البرلمان؟

 يقيناً إن الأغلب لم يكن موفقاً والسبب واضح وكبير فالبلد محتاج في هذا الوضع بالذات لتظافر الجهود وتجاوز الأزمة  وليس للتهرب من المسؤولية  خلف عناوين ومبررات قد تكون قانونية ولكنها ليست وطنية بحتة، وعلى سبيل المثال لا الحصر هل تستحق قضية (إقالة  عضو من رئاسة البرلمان) بالمغامرة بحقوق طائفة كاملة لتعلق العضوية من أجلها ولتغيب تلك الطائفة بممثليها عن مواقعها المطلوب تواجد ؟ ، ولا سيما خلال فترة إقرار قوانين مهمة وتاريخية، وإذا كان هنالك شعور بالغبن والإجحاف بحق تلك الشخصية أو غيرها فلماذا لا يكون التواجد في قبة البرلمان هي الوسيلة لدحض تلك التهم والوقوف وقفة قانونية بل اللجوء إلى الأطر الإعلامية التي طالما لم تكن غير ذات فائدة.

 هذا من جانب ومن جانب آخر استغل البعض تلك القضية( أي تعليق العضوية) ليعلق عضويته لا لشيء فقط لنيته بعمل غير شرعي أو إنقلاب على الشرعية وبحجج واهية.

 أذن فقد استُغل من علق عضويته بصيغة أو بأخرى في عرقلة الديمقراطية حتى وان لم يقصد،  ويكفي في هذا الإطار إن من إتجهوا لهذا الركن هم مختلفون بالرأي أصلاً في أكثر المواضيع بل حتى الطرق واللباس السياسي ، فيا ترى كيف إجتمعوا من حيث لا يشعرون في هذا الطرق؟.

 فلابد من وقفة تأمليه لمن إستخدم هذا الباب وهو حق دستوري ولكن عليه أن يلاحظ بأنه قد يكون أن جعله بوابة لعبور آخرين لايؤمنون بهذه الطريقة إلا لمصلحتهم الشخصية.

وإجمالا يمكن إن نختصر مانراه مناسباً للقول بما يلي:

1.  إن من حق أي إنسان في البلاد أن يعبر عن رأيه وفق مصلحة البلد ومصلحته الشخصية وضمن التشريعات الدستورية والقانونية ولكن مع مراعاة الأهم فالمهم ونعتقد  بل نكاد نجزم إن تواجد الكل تحت قبة البرلمان هي قوة للبلاد ونظامه الجديد وتكرار الإنسحاب أو تعليق العضوية على أي أمر جار هو بمثابة ضعف للجهة التي لا تستطيع طرح رأيها بشكل متزن.

2.  يعلم الجميع وأولهم الأعضاء في البرلمان إن قضية تعليق العضوية في البرلمانات الدولية أو الدول المتقدمة  لا تتم إلا في حدود الضرورة القصوى التي لا توجد فيها مخارج  وفي قضايا حادة ومهمة جدا، لذلك علينا أن لا نجعل من تلك الحالة متكررة إلى حد الملل منها لدى المتابع فيكون بعدها الحضور وعدمه سيان لدى المواطن والمتابع والأعضاء.

3.  لابد للبرلمان من قانون ينظم ذلك ووفق متطلبات قانونية وتشريع واضح وبصيغ غير سياسية بل مهنية بحتة وبعدها يعد من علق عضويته بصورة خارج عن ذلك الإطار من المتغيبين واللذين لم يشملهم قانون وافي لحد الآن.

قد يرى البعض إن من حق أي إنسان التطلع بصيغ جديدة إلى العمل السياسي ولكن مازلنا نقول هذا حقا دستوري وقانوني ولكن لا تجعلوا من تطبيق الديمقراطية حجر عثرة في طريق البلد بل طبقوها بما فيه مصلحة البلاد والعباد.                                           

* قسم الرصد والتحليل

مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://www.shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7 تموز/2007 -21/جماد الاخرى/1428