شبكة النبأ: العدد 64 من مجلة كتابات
معاصرة ضم مجموعة من المقالات والبحوث .. في ملف/ قتل الأب الإبداعي
(فتح التابو العربي) نقرأ لسامي أدهم الكل واحد: شذرة برمنيدس/ قتل
الأب اللغوي، يعاند النص الفلسفي التحليل المنطقي الفيلولوجي ولا يُطوق
باللغة العادية، ولا يدلي بمعانيه العميقة في مستوى دلالي لغوي. هذا ما
تشهد به الفلسفة المعاصرة التي قامت على تخوم الفلسفة اليونانية وقد
قال هيدغر: الفلسفة الحديثة قامت على تحليل العبارة التالية:
(النَّفْسُهُ فكر ووجود، برمنيدس (شذرة III من القصيدة) هذه الشذرة
التي تختصر التفكير الفلسفي الغربي كانت ركيزة جميع الفلسفات والمدارس
الفكرية منذ أفلاطون وحتى يومنا هذا.
هذه العبارة لا تخضع للتحليل السيميائي بجميع أطيافه وتلوناته، ولا
للتأويل والهرمينوطيقا التاريخانية التي تناولها غادامير بالتحليل
والتفصيل، لأنها تحتوي على ميتارموز في بنيتها النحوية التي تتكون في
ذاتها من جواهر مستقلة بطريقة مطلقة غير متمازجة على الإطلاق، ولا تظهر
للعيان مباشرة إلا بالمعبّر اللغوي العادي... هكذا مع بحث شيق للدكتور
سامي أدهم.
لا يظهر الميتارمز إلا من خلال تحليل مكثف وتفكيك أركيولوجي للوغوس
المتعالق والمتشابك إلى منطق خاص، وفي المدارس اللاهوتية إلى الكلمة
التي تتحول بدورها إلى الروح أو إلى الإمام إلى جبريل في إقرأ، وتتحوّل
إلى رموز ميتولوجية في الهرمسية وفي الأورفية القديمة. وهي تظهر كثيراً
في النصوص اليونانية الأساسية ما قبل سقراط المدرسة الطبيعية) (برمنيدس،
أنكساغوراس، هيراقليطس، بروتاغوراس،...).
اكتشف المفكرون الأوائل صيرورة النص من خلال تأويله واضعين جوهراً
وحيداً يحمل في داخله طاقات كل صيرورة: الماء، الهواء، التراب،
اللامحدد، اللانهائية، التضاد، الواحد، الكثرة، الصيرورة.. وكلها
ميتارموز وجواهر كوّنت أسس النصوص القديمة وركائزها بحيث ظن أنها نفس
الظواهر الفيزيائية، لكنها في نهاية التأويل والتحليل والتفكيك
الأركيولوجي ظهر أنها ميتارموز ميتافيزيقية، ولا تنتسب للواقع
الفيزيائي بشيء فالماء ليس ماءً فيزيائياً كيميائياً بل هو ميتارمز
مفارق وجوهر يدل على الوحدة في تفسير النص أو المشهد.
ونقرأ لعمر مهيبل (التفكير مع دريدا ضد دريدا)، في آخر مقال كتبته
عنه قمت بتمييز لحظات ثلاث تشكل الهرمية الفكرية لدريدا: اللحظة
الفينومينولوجية واللحظة الغراماتولوجية واللحظة النوستالجية، وسأضيف
إليها هنا اللحظة الهرمينوطيقية، والحال أنه لا يمكن فهم دريدا إلا
داخل سياق ثورة الألسنية والنقد الأدبي لجهة أن إنتاجه يبقى إنتاجاً
لغوياً شكلانياً في المحصلة – وإن كان هو نفسه يرفض هذه الموضعة –
وداخل سياق مبحث المعنى والدلالة بتلويناته الفينومينولجية –
الهرمينوطيقية، وهو السياق الذي يضعه في موقع مفصلي يخص إشكالية
الكتابة بما هي مفتاح المعنى، ولكنها أيضاً بما هي مفتاح التفكيك،
والتشتيت، والبعثرة، والمهمازات التي يحسن تحريك توجهاتها بشكل بارع
قصد تحطيم كل ما يحيل إلى الكثرة والمركزة وهو ما ينفر منه الفلاسفة
اليهود على مختلف مشاربهم ولغاتهم، حيث يصبح الهامش لديهم بمثابة
المركز.
على أن المقاربات الألسنية الصارمة لمشروع دريدا كما تجلت أساساً في
كتبه التي أنتجت إبان فورة الألسنية وهي: الغراماتولوجيا، الصوت
والظاهرة، الكتابة والاختلاف، وهي التي دعت إلى تثمين فعل الكتابة بما
هو الوسيلة الأنجع لضمان ترسيم الأثر الخاص بكينونة الإنسان الزئبقية
كما يلاحظ رونيه جيرار زميله في مدرسة البعثرة والتشتيت، بدأت في
الانحسار عن صدارة التراتبية الفكرية في فرنسا لصالح مقاربة نقدية
فينومينولوجية – هرمينوطيقية تسعى إلى إعادة تثمين موروث دريدا بدءاً
من توجهه الفينومينولوجي الأول الذي أظهره في كتابه حول (اصل الهندسة
عند هوسَّرل). فإذا كانت الدراسات الأولى حول دريدا وبخاصة دراسات
فيليب لاكولابارت Lacoulabarth وجان لوك نانسي (مؤسس مدرسة ستراسبورغ
للدراسات الأدبية والجمالية) وسارة كوفمان وروجي لابورت ومارك غولدشميت
وبدرجة اقل بعض أعمال صديقته هيلان سيكسوس – وهي أيضاً أديبة يهودية من
مواليد مدينة وهران – تعد بمثابة مداخل مفتاحية لفلسفة دريدا يغلب
عليها أسلوب التفخيم والمديح، فإن الدراسات المتأخرة وضعت دريدا أمام
امتحان معرفي في غاية القساوة إن لجهة الغموض الإبلاغي واللغوي الذي
يطبعها – وهو ما كنت قد اسميته، بكل تواضع، منذ أكثر من عقد من الزمن
(الكتابة الغرائبية) عند جاك دريدا، والتي لا هم لها سوى البحث في
انسجامها الأفقي الشكلاني – وإن لجهة المضامين الهرمينوطيقية
والتأويلية المستقر في أعماقها الراكدة ومنها على سبيل المثال لا
الحصر: التفكيك، التشتيت، اللامركزة، الحضور، الغياب، الميتافيزيقا،
العدم، الخرق، الاختراق، الجسد، اللذة، النسق، البنية، إلا أن أخطر هذه
المفاهيم على الإطلاق يظل مصطلح التفكيك Deconstruction فما هي دلالته
أو دلالاته يا ترى؟ إنه لا شيء بما أنه يحيل إلى لا شيء، وكل شيء بما
أنه يحيل إلى لا شيء أيضاً، (إنه أكثر من لغة) كما عرفه أول وآخر مرة
في كتابه الذي يحمل عنوان مذكرات لأجل بول دومان Memoires pour paul de
man وإعادة تأكيده في كتابه الآخر أحادية الآخر اللغوية Le
monolinguisme de I autre أمام دهشة أصدقائه ومريديه الذين صعقوا لهول
ما سمعوا بما أنه كان يخبرهم دائماً أنه لا يجد الكلمات المناسبة
لتعريف ما لا يعرف Indefinissable، وتفكير ما لا يمكن التفكير به
Impensable.
وكتب سعيد بنكراد (العين المكتشفة في التابو). وكتب مصطفى كيحل (إشكالية
المنهج التأويلي والأصيل).
في ملف نظرية الشعر: الفن البصري نقرأ لفيليب سولليرز (الفكر يُصدر
العلامات) ولعصام شرتح نقرأ (الشعرية من وجهة نظر بنيوية) وكتب عدنان
خوجة (الساحة الثقافية: دور الخطاب البصري في الخطة السياحية)
الثقافة العربية، وإن كانت سماعية كما يشاع، فإن لها في الوقت
الراهن مساهمات في مجال الثقافة البصرية امتدت على مساحة القرن العشرين،
وبلغت من الكثرة والتنوع وسلوك منحى الاختبار والتجريب ما يؤهلها لأن
تكون واحدة من التجارب الجمالية الفتية على ضفاف المتوسط التي لم تخضع
للدرس بعد، والتي تمتاز بحيوية لافتة في مجالها الإبداعي منذ أوائل
الستينيات من القرن الماضي، رغم امتلاكها الكثير من المعطيات الجمالية
والفنية في الإطار التاريخي والاجتماعي القابلة للبحث والتدقيق
واستخراج الكثير من الأحكام حولها بصورة منهجية، للإسهام في رسم صورة
الإبداع الراهن بكامل تجلياته..
ونقرأ لناومي غرين (سينما بازولين/ الما بعد سينمائي) وكتب محمد بو
عزة (كيمياء الشعر/ تقويض الاليغوريا العرقية) وكتب مصطفى شويرف (كاليغولا:
مسرح جنون التسلط واللامعقول).
وفي هذا الملف أيضاً نقرأ حواراً مع جان داود حول المسرح العربي
والميديا والثقافة.
في ملف التراث ونقد الأسطوري نقرأ لنسمية ضاضي سيسطة (أسطورية
المرأة/ احتفالية جسد)
وللحبيب العوّادي نقرأ (عودة إلى حوار المقدّس والمدنّس).
ونقرأ لمحمد حرير (التراث وكشوفات الحداثة).
ونقرأ لسليم الشريطي (تكرار في النقد الحديث)
ولحسن عجمي نقرأ (السوبر حداثة) ولمنجية التومي نقرأ (ظلال
الأساطير).
في ملف الحرية واستعبادها نقرأ لمصدق الجليدي (المثقف والحرب) طرح
فيها عدة أسئلة هل بالإمكان تكوين لوبيات عربية وإسلامية في الغرب
لصالح قضايا العالم العربي؟ ألا يكون العمل على الاستفادة من
الإمكانيات المدنية القانونية والثقافية والتواصلية والإعلامية المتاحة
في البلدان الغربية بديلاً فعالاً عن خيار (الإرهاب) هذا إذا لم تثر
قضية مشروعيته الأخلاقية التي يصعب إثباتها في الواقع؟ وماذا يمكن
للمثقفين أن يفعلوه لاستعادة المبادرة على هذا الصعيد؟
ونقرأ لكمال السخيري (استعباد الحرية) وكتب طيبي غماري (الآخر
والهوية الإسلامية) يرتبط هذا التتابع التاريخي لواقع المسلمين بهوية
نمطية كونها الآخر ممثلاً بالغرب. من هنا سيدور الحديث في هذه الورقة
عن هذه الهوية النمطية التي صنعها الغرب عن المسلمين، وعن تحولات هذه
الهوية من فترة إلى أخرى، ولكن عبر تحديد الأطر النظرية التحليلية التي
يتأسس عليها هذا التحليل. ففي البداية سيتم تحديد مفهوم الهوية
الجماعية المستعمل لتحليل الهوية الإسلامية، ثم تناول مفهوم الآخر
وكيفيات استعماله في هذه المقاربة، للوصول في نهاية المطاف إلى وضع
تصنيف تاريخي للهويات النمطية الإسلامية التي حددها الآخر للمسلمين.
وكتب محمد عبد الله عطوات (صراع اللغات) يحدث بين اللغات ما يحدث
بين أفراد الكائنات الحية وجماعاتها من احتكاك وصراع وتنازع على البقاء
وسعي وراء الغلب والسيطرة. وتختلف نتائج هذا الصراع باختلاف الأحوال،
حيث ترجح تارة كفة أحد المتنازعين فيسارع إلى القضاء على الآخر
مستخدماً في ذلك وسائل القسوة والعنف، ويتعقب فلوله فلا يكاد يبقي على
اثر من آثاره، وتارة ترجح كفة أحدهما كذلك، ولكنه يمهل الآخر، وينتقص
بالتدريج من قوته ونفوذه، ويعمل على إضعاف شوكته شيئاً فشيئاً حتى يتم
له النصر، وأحياناً تتكافأ قواهما أو تكاد، فتظل الحرب بينهما سجالاً
ويظل كل منهما في أثنائها محتفظاً بشخصيته ومميزاته. د. محمد عبد الله
عطوات يبحث عبر نشوء هذا الصراع عن عوامل كثيرة أهمها عاملان: أحدهما
أن تنزح إلى البلد عناصر أجنبية تنطق بلغة غير لغة أهله، وثانيهما أن
يتجاور شعبان مختلفا اللغة ليتبادلا المنافع وتتاح لأفرادهما فرص
للاحتكاك المادي والثقافي، زد على ذلك التفرع واللهجات المحلية
والاجتماعية. كذلك احتوى العدد الجديد على ملف القصة القصيرة وفنون
وعلوم وديوان كتابات معاصرة. |