كيسنجر والاحتمالات الكارثية للصراع الأمريكي الإيراني في العراق

شبكة النبأ: بعد عجز الادارة الامريكية في ايجاد مخرج مشرف من الوضع في العراق يحفظ لها ماء الوجه اخذت انظارها تتجه صوب الحلول السياسية واشراك دولي في هذا المسعى يضمن لها عدم البقاء وحيدة في المعاناة المستمرة وسط الضغوط الهائلة بامريكا نفسها وكذلك الوضع المتردي في العراق.

ان الادارة الامريكية اخذت مؤخرا تدرك بان الطوائف العراقية لا تستطيع لوحدها تسوية خلافاتها بالوسائل الدستورية فقط، فهي بحاجة لعملية دبلوماسية تؤمن لها الدعم الدولي من اجل التوصل لأية تسوية داخلية، او لاحتواء الصراع اذا لم تتمكن الاطراف الداخلية من الاتفاق وتواصل انهيار العراق.

كما ان الحقائق على الارض تؤكد يوما بعد اخر على وجوب التفاهم والتفاوض الامريكي مع دول الجوار وان كانت ايران وسوريا من ضمنها.

يقول هنري  كيسنجر في مقال بصحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون، من الواضح ان الحرب في العراق تقترب من ذروتها ذاتيا. فادراك الرأي العام لاوهامها وتحرره منها بات ملموسا، ومن المؤكد ان الكونغرس سيضغط من اجل التعجيل بسحب القوات الامريكية من هناك.

غير ان الاندفاع لتنفيذ مثل هذا الانسحاب يمكن ان ينطوي على كارثة، فهو لن ينهي الحرب بل سيحولها الى اماكن اخرى مثل: لبنان، الاردن، او المملكة العربية السعودية. كما ستزداد الحرب اشتعالا بين الفصائل العراقية المختلفة، وسوف يقوي العجز الامريكي الاسلام الراديكالي ويقوي عزيمة انصاره الراديكاليين بدءا من اندونيسيا والهند وحتى ضواحي العواصم الاوروبية.

والواقع اننا نواجه جملة من المتناقضات فالانتصار العسكري المتمثل باقامة حكومة قادرة على فرض ارادتها في كل انحاء العراق هو امر غير ممكن في الاطار الزمني المتاح للعملية السياسية الامريكية.

وبالرغم من هذا لا يمكن تصور حل سياسي بمعزل عن الوضع القائم على الارض، وليس هناك اية دولة مجاورة للعراق، ولا حتى ايران، في موقف يمكنها من السيطرة على الوضع بوجود معارضة من كل الأطراف المعنية الاخرى.

حل ثلاثي

ويضيف كيسنجر، لذا، يتعين البحث عن حل على ثلاثة مستويات: داخلي، اقليمي، ودولي، لقد واجهت الاطراف الداخلية ـ الشيعة، السنة والاكراد ـ طلبات امريكية مستمرة لتحقيق المصالحة الوطنية. الا ان المجموعات التي تناصب بعضها بعضا عداء داميا منذ قرون، لا تستطيع لوحدها تسوية خلافاتها بالوسائل الدستورية فقط، فهي بحاجة لعملية دبلوماسية تؤمن لها الدعم الدولي من اجل التوصل لاية تسوية داخلية، او لاحتواء الصراع اذا لم تتمكن الاطراف الداخلية من الاتفاق وانهار العراق.

لذا، يتعين ان يتركز الهدف الامريكي على العمل للتوصل لاتفاق دولي حول وضع العراق الدولي وسوف يشكل هذا اختيارا لمعرفة ما اذا كان جيران العراق، وبعض البلدان الابعد عنه، على استعداد لترجمة الافكار العامة الى سياسات متقاربة، ومن شأن هذا ان يؤمن اطار العمل السياسي والقانوني المناهض لاية انتهاكات قد تحصل فيما بعد.

ويقول كيسنجر، ان سبب اعتقادنا ان مثل هذه الدبلوماسية يمكن ان تكون مجدية هو ان استمرار الازمة الراهنة في العراق يمكن ان يثير مشاكل متزايدة امام كل جيرانه، اذ كلما طال امد الحرب فيه يصبح الاحتمال اقوى لان يتمزق الى وحدات طائفية، صحيح ان تركيا اكدت اكثر من مرة انها ستقاوم مثل هذا السيناريو تحول العراق الى كيانات بالقوة بسبب التأثير الكبير الذي يمكن ان يشكله قيام دولة كردية في العراق على الجالية الكردية فيها، الا ان مثل هذا التدخل التركي سيجعل أنقرة في خلاف غير مرغوب به مع الولايات المتحدة ويفتح الباب ايضا أمام تدخلات أخرى اشد ضرراً. فالمملكة العربية السعودية والاردن يخشيان من هيمنة الشيعة على العراق، ولاسيما اذا ما بدا نظام بغداد تابعاً لايران، وسوف تجد دول الخليج العربية الأخرى انفسها في موقف حرج ومن المرجح ان تكون مواقف سورية متضاربة بسبب علاقاتها مع ايران.

لكن اذا اتسمت الدبلوماسية الامريكية بالحكمة والتصميم سيدفع هذا حتى ايران للاستنتاج ان اخطار استمرار الصراع والغليان في العراق تفوق المغريات والتوقعات المرجوة فيه.

بالطبع، ربما يعتقد الزعماء الايرانيون ان الرياح تجري لصالحهم، وان اللحظة الراهنة ملائمة بشكل فريد لتحقيق الأحلام القديمة في اقامة الامبراطورية الفارسية لكن لو توفر لايران زعماء يتسمون بالتعقل والحصافة لرأوا ان من الافضل لهم الاستفادة من الظروف المواتية كورقة مساومة في التفاوض بدلا من المجازفة بها في سباق للهيمنة على المنطقة، اذ ليس بوسع أي رئيس امريكي في النهاية، ان يتغاضى عن ايران عندما تصبح عواقب سيطرتها على المنطقة واضحة.

ويضيف كيسنجر، ان لروسيا اسبابها الخاصة ايضا لرفض الهيمنة الايرانية والاسلام الراديكالي على الخليج بسبب انعكاسات ذلك على الاقلية الاسلامية في روسيا.

ولو أضفنا هذا للجدل الدولي القائم حول برنامج اسلحة ايران النووية سيجد الزعماء الايرانيون ان اخطار التحدي الماثل امامهم أصبحت غير مقبولة.

واذا ما وصلت ايران الى مثل هذه النتائج يتعين الايفاء عندئذ بشرطين، أولاً ينبغي الا تستند اية دبلوماسية جادة للافتراض القائل ان الولايات المتحدة متلهفة للوصول الى الاتفاق اي يتعين ان تظهر امريكا وحلفاؤها تصميما في الدفاع عن مصالحهم الحيوية التي تدرك ايران انها معقولة.

ثانيا، يجب على الولايات المتحدة ان تتخذ موقفاً دبلوماسيا يعترف بمصالح ايران الامنية المشروعة بيد ان المفاوضات يتعين ان تبدأ بعد ذلك من خلال منتدى دولي، لان التفاوض على اساس ثنائي بين أمريكا وايران من شأنه ان يثير الكثير من الشعور بعدم الامن في المنطقة في حين ستتمكن الولايات المتحدة من خلال العمل في اطار دولي من اجراء محادثات احادية مع المشاركين الرئيسيين فيه، كما حدث في محادثات المنتدى السياسي السداسي مع كوريا الشمالية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5 تموز/2007 -18/جماد الاخرى/1428