الجولة الأخيرة لحكومة المالكي وملامح الضربة القاضية

الدكتور محمد مسلم الحسيني - بروكسل

 حينما أزاح الأمريكيون صدام حسين من سدّة الحكم، لم يكن في خواطرهم ونواياهم إبدال دكتاتوريته بديمقراطية قائمة الإئتلاف العراقي الموحد!. هذا الإئتلاف المكون من أحزاب دينيّة شيعيّة متقاربة في القلب والقالب مع نظام الحكم في إيران،العدو الإستراتيجي اللدود لهم!.

حيث يعني هذا إتساع نفوذ الخصم وصعود نجمه في منطقة حساسة وهامة وغنية في الثروات والنفط !.

 الأمريكيون عقدوا العزم على إزاحة صدام حسين من الحكم ولإسباب "خفيّة" على الأرجح!. إلاّ أن حجة إدخال الديمقراطية الى العراق كانت من شعاراتهم المعلنة أنذاك، رغم أنهم يعرفون جيّدا بأن إبحار السفن العربية في بحر الديمقراطية سيكون بقيادة ربابنة الأحزاب الدينيّة الإسلاميّة.

 وقد دللت التجارب على ذلك حينما اختارت شعوب كل من الجزائر والسودان النظام الإسلامي إبان إعلان العملية الديمقراطية فيهما وعلى يد الشاذلي بن جديد في الجزائر وسوار الذهب في السودان. ان لأمريكا حساسيّة سياسيّة تلقائيّة ضد أي حكم إسلامي في المنطقة!، وعليه فأن زرع حكومة إسلامية في العراق وبصنع أيديهم هو كارثة سياسيّة أمريكيّة لا يمكن لها أن تمر دون نقاش وتفاعل.

على السياسي أن يتوقع بأن حسابات أمريكا في العراق كانت مختلفة مع الواقع الحالي وإفرازاته، وما حصل على الأرض لم يكن في حساباتهم النظرية والستراتيجية!. كانت الإدارة الأمريكية تتوقع فشل الإسلاميين في العراق في الفوز بالأكثرية وذلك لأن العراق يختلف عن الجزائر والسودان في كونه مزيج غير متجانس في أعراقه وطوائفه ولغاته. فللأكراد زعامات تأريخية علمانية لها حصة الأسد في كسب الأصوات الكرديّة. والأحزاب الإسلامية الشيعيّة والسنيّة لا تتحد في قوائم إسلامية موحدة أو تتوافق في برنامج عام، بل على العكس من ذلك فإنها أقرب للتوافق والتآلف مع أحزاب علمانيّة من تآلفها مع بعضها!. كما أن هناك قيادات ورموز وطنية شيعيّة قد تحصد ما يكفي من أصوات الشيعة مما لا يجعل للأحزاب الإسلامية الشيعيّة حظ كبير في فوزها بالإنتخابات.

وفوق كل هذا وذاك فأن الأحزاب الإسلاميّة الشيعيّة غير متناغمة مع بعضها وامكانية جمعها في كتلة واحدة سيكون أمرا عسيرا وصعبا إن لم يكن مستحيلا. هذا إضافة الى دور الأمريكيين في اللعب بكفتي المعادلة وتشجيع ومساعدة العلمانيين في مسعاهم للوصول الى الحكم من خلال مراكز ثقلهم ونفوذهم المباشر في الشؤون الداخلية وتفاصيل حياة العراقيين. كل هذه الأسباب والحقائق جعلت الأمريكيين يتفاءلون خيرا في عدم وصول الإسلاميين الشيعة الى السلطة.

 إلاّ أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن الأمريكيّة !. فلقد هبّ الشيعة بكثافة الى صناديق الإقتراع لينتخبوا أحزابا إسلامية، جعلت منها أكثرية في البرلمان بحيث لا يمكن تجاوزها !. لم يكن الخلاص من هذه المحنة السياسيّة سهلا، ولم يبق للأمريكيين خيارا آخرا إلاّ أن يتقبلوا هذه النتيجة ويتجرعوا العلقم ويقّروا بالواقع ويتعايشوا معه. سار الأمريكيون مع التيار مكرهين ولم يقفوا بصراحة واضحة ضدّه ليخرجوا بقناع زاهي أمام العراقيين وأمام العالم. وهكذا كسب الائتلاف العراقي المعركة وتصدر الحكم بعدما أصبح من المستعصي قلب الحقيقة أو تغييرها.

لقد بقت العقول الأمريكية تقلب المواقف وتتدارس الإحتمالات وتتصيّد الحلول في واقع شائك وصعب. فكل الإحتمالات مطروحة وكل الحلول واردة والتغيرات الميدانية تتطور من مرحلة الى أخرى بأسرع من لمح البصر. الممكن يصبح مستحيل والمستحيل ينقلب ممكن في واقع معقد وخضم واسع وعميق. وبمرور الأيام تتضح الصورة وتستقر الرؤى ويتبين أن الحكومة الإسلامية بقيادة المالكي عاجزة عن تحقيق ما وعدت به. فجلب الأمن والأمان والعيش الرغيد صارت أضغاث أحلام عند المواطن العراقي!. الطامة تتزايد بشكل مستمر رغم تعاقب الخطط الأمنية وتواليها. الدماء تسيل كالأنهار في الشوارع. العنف الطائفي سيد الموقف والباحث عن نور الشمس لا يرى صبحا في ليله الداكن الطويل!.

 وجاء الدور الأمريكي المنتظر !. ولكن أي دور!؟ وكيف سيتصرفون لإستغلال الظروف والمواقف!؟. سؤال مفتوح وواسع، تغرق به الإحتمالات وتضيع به التحليلات. الأمريكيون لا يتباكون على حرج المأزق الذي تعيشه حكومة المالكي الآن. فهذا برهان قاطع على عدم قدرة الحكومة من الوقوف أمام الهجمة الشرسة التي تتعرض لها البلاد. ويعني أيضا وبشكل قاطع سقوط هذه الحكومة ان عاجلا أم آجلا، ومهما طال عمرها فهو قصير !.

وهكذا تنجلي الغمة عن أفكار وعقول وعيون الأمريكيين وترجع الكرة الى ملعبهم يستطيعون تسديدها نحو الهدف المطلوب في الوقت المناسب. وإن كان لا بد للمحلل السياسي أن يبين رؤاه وتصوراته،فلابد أن يقال بأن الخطط الأمريكيّة القادمة في العراق ربما تكون مستنبطة على ضوء ما يلي:

1- الخطة الأمنيّة: إعلان التعاون المشترك بين القوات الأمريكية والعراقية في خطة أمنية هو سلاح ذو حدين. الغرض الأول منه هو إضعاف ومتابعة وتحجيم العناصر المسلحة ولو بشكل مؤقت، وإعطاء إشارة مفادها أن الأمريكيين قد تعاونوا وبكل جهدهم مع حكومة السيد المالكي ولم يبقوا مكتوفي الأيدي عن مساعدتهم والتعاون معهم، وبذلك يردعون عن أنفسهم أية تقولات أو شكوك.

 والغرض الثاني هو إحراج هذه الحكومة في حالة فشلها بإنجاح الخطة الأمنية وتوجيه اللوم لها وذلك لعدم قدرتها على التصدي للمسلحين والسيطرة على ناصية الأمور. وهذا ما سيثير التساؤل الحاد حول صلاحية بقاء الحكومة في ناصية الحكم وهي غير قادرة على ضبط الأمن وحماية العراقيين!

2- سقوط حكومة المالكي: فشل حكومة المالكي في خططها الأمنية ومن ثم سقوطها الحتمي يعني، على الإرجح، إعلان حكومة خلاص وطني تحكم العراق بنفس عسكري وتعلن حالة الطوارىء وحتّى إشعار آخر. المؤشرات التي تدعم هذا الرأي هي الإتصالات الحثيثة التي تجريها القائمة العراقية مع مختلف الأطراف العراقية ذات الشأن وتداولها لشؤون مستقبل العراق معها وبدفع وتشجيع أمريكي واقليمي خفيّ وظاهر. هذا التبلور القائم على الساحة السياسيّة يقابله تفكك في الإتجاه المقابل، فقائمة الإئتلاف العراقي الموحد تحلق اليوم في فضاء مجهول، وبدأت تفقد ثقلها الشعبي شيئا فشيئا! فكتلة التيار الصدري المشاركة في الإئتلاف بين الوجود والعدم وحزب الفضيلة يلعب لعبة الكر والفر وكان الفرار الأخير عن الإئتلاف نهائيا!. وتأييد السيد السيستاني لها بين الشك واليقين وتحالف الأحزاب السياسيّة الكردية معها بين الأخذ والرد!. كل هذه الأمور مجتمعة تجعل عملية الإنقضاض على الإئتلاف العراقي الموحد، بعدما بقي إسما بدون جسم، أمرا سهلا وبسيطا.

3- حكومة الإنقاذ الوطني: أن سقوط الحكومة الحالية ومجيء حكومة إنقاذ أو خلاص وطني لا يعني نهاية المطاف ودخول الجنّة. فهناك الكثير من التساؤلات والمشكلات والعقبات التي تنتظر المعالجة وتتقبل إختلافات في الرأي والرؤى. فرغم أن القائمة العراقية هي المرشح الأول لقيادة حكومة الخلاص إلاّ أن حكما عسكريّا للبلاد وبقيادة عسكريّة خالصة يبقى أمرا واردا وإن كان ضعيفا. والعوامل التي ترجح رجوع القائمة العراقية لسدة الحكم كثيرة ومن أهمها طبيعة ومميزات رئيسها الدكتور أياد علاوي والتي تتلخص بتأريخه في العمل في صفوف حزب البعث مما يمهد له فتح قنوات إتصال وتفاهم مع بعض القوى المسلحة من جهة، ومن جهة أخرى فإن إتجاه علاوي العلماني يجعله مقبولا عند السنة العرب رغم كونه من الشيعة وسيفضلوه على الأحزاب الدينية الشيعية التي يتهم بعضها، من قبلهم، بالتطرف الطائفي. كما أنه يبقى خيار أمريكا الأول بين الساسة العراقيين الشيعة لتسنم مهام الحكم في العراق، وفشله في الحصول على المقاعد الكافية في البرلمان في الإنتخابات الأخيرة كان ضربة قاسية لأمريكا ولخططها المستقبلية في العراق. أما الأكراد فليس لديهم ممانعة في تشكيل جبهة سياسية مشتركة معه من أجل المصلحة العامة والنهوض بواقع العراق.

 4- المصاعب والتحديات: رغم أن الشعب العراقي وبشكل عام يتقبل اليوم أي حكومة قوية وشرسة تجلب الأمن والإستقرار للبلاد وتحت أية مسميات أو اعتبارات، إلاّ أن مستقبل واستقرار حكومة إنقاذ وطني في العراق يعتمد على أمور كثيرة وعلى أسئلة معقدة ومطروحة ومن أهمها: هو هل ستعلن غالبية الفصائل المسلحة الولاء للحكومة الجديدة أو على الأقل عدم محاربتها لها!؟. وهل ستقتنع تنظيمات القاعدة في العراق بالتوقف عن أعمالها وهي تتوهم بأنها قاب قوسين أو أدنى من ناصية الحكم وإعلان "دولة طالبان" في بلاد الرافدين!؟. وهل ستتخلى دول الجوار عن سياسة التدخل في الشؤون الداخليّة للعراقيين!؟. وهل ستعلن القوات الأمريكية المتواجدة على أرض العراق جدولا زمنيّا لإنسحابها نهائيّا !؟. هذه الأسئلة الهامة والمصيرّية وغيرها تبقى طلسم مجهول تصعب معرفته قبل الأوان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 4 تموز/2007 -17/جماد الاخرى/1428