
شبكة النبأ: اضاف الرئيس الايراني
احمدي نجاد (نزعة خلاص) الى الهجوم السياسي الذي يقوم به على الداعين
للاصلاح والتغيير في ايران، اذ ابلغ الطلاب في قم الشهر الحالي بأن
«المهدي المنتظر» سيعود قريبا، غير ان جاذبية مثل هذه الرسالة بسبب
توقيت اطلاقها قد تكون محدودة، فالطبقة الوسطى المثقفة في ايران ورغم
التزامها بالعقيدة الاسلامية التي تؤمن بمضمون هذه الرسالة تريد ان
تكون مرتبطة بالعالم وتتذمر من ان اصدقاء ايران الوحيدين هم سورية
وبيلاروسيا وفنزويلا وكوبا. ولكن ذلك ليس له تأثيره في جمهور الناخبين
الرئيسيين لأحمدي نجاد. حيث ان السواد الاعظم ممن امنوا بتوجهاته هم من
الفقراء والريفيين البسطاء الذين يشكلون النسبة الاكبر من السكان في
ايران.
وفي مقال نشرته صحيفة واشنطن تايمز كتب ماتي فين مؤسس معهد الدراسات
الفارسية في واشنطن قائلا: ثمة حاجة واقعية لاستراتيجية جديدة من اجل
تغيير النظام في إيران، فلقد بينت التجارب السابقة ان الجمع بين
العقوبات الاقتصادية المتصاعدة وتخصيص مبالغ محددة علناً، كما فعل
الكونغرس بتقديم 75 مليون دولار للعناصر التي تسعى لتغيير النظام، لم
تؤد للنتيجة المطلوبة، فالنجاح ممكن فقط من خلال واحدة من وسيلتين: اما
الامل بحدوث تصدع داخلي مدعوم بمشقات اقتصادية او تشجيع قيام ثورة
داخلية طبيعية مع وعد سري بدعمها عسكريا.
وهنا نقول ان المتشككين بنجاح التغيير في إيران استناداً الى الفشل
في كل من العراق وأفغانستان هم مخطئون.
فبالمقارنة مع هذين البلدين، يبين لنا تاريخ إيران وثقافتها
وتجربتها الدستورية انها ارض خصبة لتغيير النظام هذا العام.
فالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في صناعة النفط والغاز
وغيرهما منذ اكثر من عشر سنوات لم تؤد لإزاحة ملالي إيران المتطرفين عن
السلطة او لتخفيف حدة مواقفهم العدائية، فهم لن يتغيروا أبداً.
كما ان الصين وروسيا لن تتعاونا أبدا ايضا.. فهما مستعدتان لتزويد
إيران بكل اشكال السلع والخدمات بصرف النظر عن طموحاتها النووية،
وسجلها في مجال حقوق الانسان، ودعمها للارهاب عبر حزب الله او حماس او
اذكاء لهيب الحرب الطائفية في العراق.
بل ويمكن القول ان الصين وروسيا تستفيدان من مواجهات إيران مع
الولايات المتحدة.
ولابد ان نقول هنا ايضا ان تخصيص 75 مليون دولار علنا لمؤيدي تغيير
النظام هو إجراء غير مثمر على الاطلاق، ولنعد قليلاً الى الوراء، ففي
عام 1955 رتبت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية مشروع الاطاحة
بحكومة رئيس الوزراء الإيراني الوطني محمد مصدق، ووضعت مكانه الشاه
المخلوع رضا بهلوي.
ويضيف الكاتب ماتي فين، غير ان هذا الانقلاب لا يزال محفورا في
ذاكرة الايرانيين تماما مثل الهجوم الياباني على ميناء بيرل الامريكي
الذي لا يزال يتذكره الامريكيون الى الآن.
لذا، اذا تلقى اي شخص او مجموعة ايرانية من الايرانيين الذين يعيشون
في المنفى أية اموال بشكل علني، فانه سيصبح على الفور هدفا على مستوى
الدعاية لرجال الدين في طهران، وتكفي الاشارة الآن الى ان هناك ثلاثة
امريكيين من اصل ايراني متهمون بالتآمر لقلب نظام الجمهورية الاسلامية
في ايران.
ومن الواضح ايضا ان تزويد ايران شيعة العراق بالسلاح يفاقم تورط
امريكا في المستنقع العراقي، ويمكنها من التلاعب في السياسة الطائفية
فيه.
لكل هذا لا بد من القول ان تغيير النظام في ايران لن يأتي من خلال
ثورة مخملية مثلما حدث في تشيكوسلوفاكيا او اوكرانيا.
ويختتم ماتي فين مقاله بالاشارة الى تزايد الصراع اتساعا بين القائد
الاعلى آية الله علي خامنئي والرئيس محمود احمدي نجاد من جانب وبين
الرئيسين المعتدلين السابقين محمد خاتمي وهاشمي رافسنجاني من جانب آخر.
اذ بادر المتطرفون لشن حملة شبة ارهابية ضد خصومهم السياسيين وضد غير
الملتزمين بالتعاليم الاسلامية في اللباس والسلوك.
وتعرض الرئيس السابق خاتمي للهجوم بسبب مصافحته لامرأة أجنبية
وتحدثه معها، وتفاخر رئيس جهاز الشرطة في ايران باحتجازه اكثر من 150
الف شخص لمخالفتهم اللباس الاسلامي في فصل الربيع.
طهران بين ثورة ثقافية وأخرى مخملية
وفي مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز قال الكاتب والمحلل غيل
ماكفاركهر: تشهد ايران الآن حملة قمع كبرى للمنشقين والمعارضين لم تعرف
مثيلا لها من قبل منذ سنوات طويلة، فهي تستهدف ليس فقط زعماء العمال،
الجامعات، الصحافة، المدافعين عن حقوق المرأة فقط، بل وايضا مفاوضا
ايرانيا سابقا في ملف ايران النووي، وأمريكيين من أصول ايرانية ثلاثة
منهم في السجن منذ أكثر من ستة أسابيع.
ويحدث هذا في وقت يواجه فيه اقتصاد البلاد متاعب عدة لدرجة جعلت
ايران على وشك تقنين بيع البنزين بالرغم من انها ثاني أكبر دولة مصدرة
للنفط في العالم. وهذا بخلاف المأزق النووي الذي تواجهه مع الغرب،
والذي يمكن ان يؤدي لفرض عقوبات جديدة عليها.
يقول المحللون ان حكومة الرئيس محمود احمدي نجاد المتشددة تواجه
الآن ضغوطا متصاعدة لفشلها في الايفاء بوعودها التي قطعتها على نفسها
لتوفير الرخاء والازدهار للشعب اعتمادا على عائدات النفط المتزايدة.
لذا، دأبت هذه الحكومة على استغلال الدعوة الأمريكية لتغيير النظام في
طهران والهجوم العسكري المتوقع على ايران كذريعة لملاحقة المعارضة
والمتعاطين معها.
ويضيف الكاتب غيل ماكفاركهر، يصف بعض هؤلاء المحللين ما يجري بأنه
ثورة ثقافية أو محاولة لإرجاع عقارب الساعة الى الوراء لعام الثورة
الايرانية 1979 عندما حاولت الجمهورية الاسلامية الاستفادة من الحماس
الديني والنزعة المناهضة للامبريالية لتأكيد نفسها كدولة اقليمية
بارزة.
ومن الملاحظ ان الحكومة لم تسمح لوسائل الاعلام مناقشة ما يجري الا
في أضيق الحدود، بل وركزت على خصومها السياسيين كالرئيس السابق محمد
خاتمي والجدل حول ما اذا كان قد انتهك معايير الأخلاق الاسلامية
بمصافحته امرأة أجنبية بعد انتهائه من القاء خطاب في روما.
بالطبع رد خاتمي، الذي تشكل حركته الاصلاحية آخر أمل لايران، على
ذلك بالقول ان الازدحام الشديد من حوله بعد القاء الخطاب منعه من
التمييز بين الأيدي الممدودة اليه، وما اذا كانت تعود لرجال أو نساء.
ومن الواضح ان الخلاف حول هذه المصافحة يأتي في ذروة مواجهات شرسة
بين مختلف الفصائل السياسية في البلاد من مظاهرها: قيام ضابط الشرطة
بجر الشبان، الذين يرتدون قمصانا قصيرة الأكمام أو يزينون شعورهم بقصات
شعر تبدو غريبة، في شوارع طهران، وتوجيه عبارات ساخرة اليهم.
ويفتخر رئيس جهاز الشرطة بأنه قد القى القبض على 150000 انسان منذ
بدء الحملة في الربيع ضد أولئك الذين يرتدون اي ثياب تعتبر غير
اسلامية،. كما تم القاء القبض على أكثر من 30 ناشطا وناشطة من مؤيدي
حقوق المرأة في يوم واحد خلال شهر مارس الماضي، وفقا لما ذكرته لجنة
مراقبة حقوق الانسان.
يقول هادي غانمي، الذي ينتمي الى هذه اللجنة: تشكل هذه الحملة رسالة
قوية من قوات الأمن والمخابرات تؤكد بها ان حكومة أحمدي نجاد مسيطرة
على الوضع الداخلي تماما، لكن هذه الحملة مؤشر في الواقع على الضعف
وعدم الإحساس بالأمن.
لكن لا بد من القول، ان هناك ثلاث منظمات غير حكومية بارزة، كانت
تدعو لتوسيع اطار الحقوق القانونية والمجتمع المدني، أصبحت الآن غير
موجودة نتيجة لحملة الحكومة، كما اضطرت المئات من المنظمات الأخرى
للعمل بشكل سري.
ويلاحظ مقال حديث في موقع بازتاب على الانترنت، ان حوالي 8000 منظمة
غير حكومية مضطرة الآن لإثبات براءتها لشكوك الحكومة بأنها حصلت على
شيء من الأموال التي خصصتها الولايات المتحدة لتعزيز النشاط المؤدي
لتغيير النظام. كما تم تحذير الاساتذة الجامعيين من مغبة حضور مؤتمرات
في الخارج أو الاتصال بحكومات أجنبية كي لا يتم تجنيدهم كجواسيس.
حملة لقطع الطريق على تحالف لخاتمي
ورفسنجاني
وفي مقال نشرته صحيفة واشنطن قال الكاتب نيل ماكفاركوهار، ان إيران
تشن أكبر حملة ضد المعارضين منذ سنوات كثيرة، حيث تركز الحكومة
إجراءاتها الصارمة ضد زعماء النقابات، والجامعات والصحافة والمدافعين
عن حقوق المرأة، وتم حتى الآن اعتقال مفاوض سابق بما يتعلق بالملف
النووي وأميركيين من أصل إيراني، قضى ثلاثة منهم حتى الآن أكثر من 6
أسابيع في السجن.
ويأتي هذا التحول على خلفية وضع اقتصادي متأزم. ورغم ان إيران هي
ثاني أكبر مصدر للنفط عالميا فانها الآن على وشك فرض سياسة ترشيد في
استهلاك الغازولين. وفي الوقت نفسه، يسود اعتقاد أن المواجهة القائمة
ما بين إيران والغرب بخصوص النووي الإيراني ستجلب عقوبات اقتصادية
أخرى.
وتواجه حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد المتشددة ضغوطا متصاعدة
لفشلها في تحقيق الوعود التي قطعها على نفسه بتحقيق رخاء أكبر من ريع
النفط المتصاعد. كذلك استخدم أحمدي نجاد الضغط الأميركي لإجراء تغيير
في الحكومة أو التلويح بهجوم عسكري محتمل كحجة لمطاردة المعارضين له
والمتعاطفين معهم حسبما قال بعض المحللين.
ويصف بعض من هؤلاء المحللين الإجراءات المتشددة باعتبارها «ثورة
ثقافية» وهي محاولة لإعادة عقرب الساعة إلى وقت الثورة الإسلامية
الإيرانية عام 1979 حينما حاولت الجمهورية الإسلامية الجديدة مزج
الحماسة الدينية بالخطاب المعادي للإمبريالية سعيا وراء فرض نفسها كطرف
قيادي في المنطقة. كذلك أصبح الإعلام يركز أكثر فأكثر على خصوم أحمدي
نجاد مثل الرئيس السابق محمد خاتمي والجدل حول ما إذا كان قد خرق
الأخلاق الإسلامية بعد أن صافح امرأة عند انتهائه من إلقاء خطاب في
روما. وشعر خاتمي الأمل الضائع للحركة الإصلاحية بأنه يتوجب عليه ان
يرد على الاتهامات، قائلا إن الجمهور كان شديد الحماس لتهنئته على
الخطاب بحيث أنه لم يكن قادرا على التمييز بين أيادي النساء عن الرجال.
وبالطبع، عرض فيديوكليب يظهر رجل الدين خاتمي في كياسته الاجتماعية
المعتادة وهو يصافح المرأة الأولى التي خاطبته أثناء سيره فوق الممشى
الجانبي، حيث بدا وهو يتحدث معها بلطف. ونشب الخلاف حول المصافحة خلال
جولة مواجهات حادة شلت البلد بشكل لا نظير له من ثورة 1979. وهناك
أمثلة كثيرة مماثلة.
ويضيف الكاتب نيل ماكفار كوهار، نشرت وكالة «فارس» الحكومية للأنباء
صورا لشباب يرتدون قمصانا من نوع «تي شيرت» اعتبرت ضيقة جدا أو مع قصات
شعر اعتبرت غربية جدا، وهم يُعرضون في شوارع طهران على يد ضباط شرطة،
حيث راح الأخيرون يجبرونهم على شرب الماء من «جراكن» (جرادل) بلاستيكية
تستخدم في المرافق، بينما كانت الدماء تنزف منهم. وهناك صور أخرى أكثر
بشاعة تم عرضها على عدد من مدونات الانترنت.
وردد رئيس الشرطة لعموم إيران مفتخرا أن 150 ألف شخص قد تم احتجازهم
خلال حملة الربيع ضد الملابس التي اعتبرت غير إسلامية. وتم اعتقال أكثر
من 30 امرأة من المدافعات عن حقوق النساء في يوم واحد من شهر مارس
(آذار) الماضي، حسبما جاء في تقرير مراقب حقوق الإنسان، وصدر منذ ذلك
الوقت حكم ضد خمس منهن بالسجن لمدد تصل إلى أربعة أعوام. ووجهة إليهن
تهمة تعريض أمن البلد إلى حملة انترنت منظمة لجمع أكثر من مليون توقيع
لدعم إلغاء القوانين التي تميز ضد النساء.
ويضيف الكاتب ماكفار، كذلك تم اعتقال 8 زعماء طلابيين من جامعة أمير
كبير في طهران، والتي شهدت احتجاجات علنية ضد أحمدي نجاد، حيث اختفى
هؤلاء في سجن ارفين منذ أوائل مايو(أيار) الماضي. وأرسل مجلس الأمن
القومي الايراني تحذيرا من ثلاث صفحات إلى كل رؤساء تحرير الصحف يفصل
فيه كل الموضوعات المحظورة بما فيها ارتفاع أسعار الغازولين أو أي آثار
اقتصادية سيئة تنجم عن عقوبات دولية محتملة، أو عن المفاوضات الجارية
مع الولايات المتحدة بخصوص مستقبل العراق، أو حول اعتقال أعضاء من
حركات المجتمع المدني أو اعتقال الأميركيين ـ الإيرانيين.
ويختتم ماكفار قائلا، يمكن القول إن مجمل الحملة هي رسالة قوية من
حكومة أحمدي نجاد وقوات الأمن والاستخبارات بأنهم يسيطرون على الوضع
المحلي حسبما قال هادي غائمي المحلل السياسي الإيراني في منظمة «مراقب
حقوق الإنسان». وأضاف، لكنها حقا علامة على الضعف وعدم الشعور بالأمن. |