حياته الشخصية:
ولد غوردن براون،رئيس وزراء بريطانيا الجديد، في 20 شباط من
سنة1951م في اسكوتلندا. وهو يتحدر من عائلة دينية حيث كان والده من
رجال الدين المسيح يعمل في كنائس اسكوتلندا. وقد عرف براون بذكائه في
حياته الدراسية والعملية، حيث كان طالبا مجتهدا ومثابرا في دراسته وقد
عمل بنجاح في مهنة الصحافة التي كان يحبها قبل أن يبدأ عمله في
السياسة.
كاد ان يفقد النظر بعينه اليسرى لولا نجاح العملية التي أجريت له
في عمر الشباب وذلك إثر تعرضه لحادث أثناء لعبه للركبي حينما كان طالبا
في سن الـ (16).
تزوج عام 2000 م من فتاة بريطانية اسمها (سرى ماكوله) ورزق منها
بثلاثة أطفال. الطفلة الأولى وافاها الأجل بعد ولادتها بقليل، حيث كانت
ولادة قبل أوانها. وله اليوم طفلان الثاني منهما مصاب بمرض مزمن وخطير
في الرئة قد لا يمهله طويلا!
يصف أصدقاء براون شخصية صديقهم بأنه حازم في قراراته، حاد المزاج،
سريع الإنفعال، قوي الشخصية، ثاقب الرؤى، إنطوائيا وذو شخصية غامضة،
مرهف الحس ومتحمس جدا لمشاريعه وعمله.
كما يعتبره المحللون السياسيون زعيما ناجحا لحذاقته وبعد نظره وقوة
حجته وبلاغة كلامه. يعشق بروان أمريكا ويحب الديناميكية الأمريكية،
ويقضي عادة عطله الرسمية هناك. وقد كان يشارك وبشكل مستمر في ندوات
تتناول دراسة المبادىء والقيم المشتركة في مجال التقدم والحرية بين
بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا يتوقع المحللون السياسيون
بأنه سيكون حليفا مخلصا للأمريكيين وإمتدادا حيّا لسياسة بلير تجاه
أمريكا.
حياته السياسية:
بدأ غوردن براون عمله السياسي المتميز منذ الصغر حيث كان يشارك في
اعمال الدعاية للجنة المحلية لحزب العمال وهو في الـ (12) من عمره،
وانضم الى حزب العمال في الـ (18) من عمره.
أصبح نائبا عماليا في البرلمان الإسكوتلندي وأنتخب نائبا في
البرلمان البريطاني في ويستمينيستر وذلك في الفترة الواقعة بين 1983 و
2005 م. أصبح وزيرا للمالية والإقتصاد البريطانية في حكومة بلير عام
1997م. وقد نجح بهذا المنصب وطوّر النظام الضريبي البريطاني كثيرا.
بعد وفاة جون سميث زعيم حزب العمال البريطاني الذي
وافاه الأجل بسبب سكته قلبية في 12 أيار 1994م، أبرم
غوردن براون مع توني بلير في نهاية شهر أيار عام 1994م إتفاقا شفويا
مثيرا للجدل!. وقد كان ذلك أمام شهود عيان، حيث تتلخص بنود هذا الإتفاق
بأن يدعم بروان ترشيح بليركرئيس لحزب العمال البريطاني ولا ينافسه على
منصب رئاسة الوزراء في الإنتخابات البريطانية التي من المزمع إجرائها
في عام 1997م، شريطة أن يحصل بروان على حقيبة وزارة المالية في هذه
الحكومة.
كما ضمّت بنود هذا الإتفاق على أن يصبح غوردن براون رئيسا للوزراء
في الولاية الثانية ان فاز بلير في الإنتخابات مرة ثانية وقبل أن تنتهي
ولايته. إلاّ أنه لم يحدد السقف الزمني الدقيق الذي سيترك بلير على
أساسه منصب رئاسة الوزراء ليسلمه الى خلفه غوردن بروان خلال هذا
الإتفاق الشفوي.
ويبدو أن السيد بلير قد تهاون في تطبيق مبادىء هذا الإتفاق بل
أنكره مناصروه والسائرون بركبه جملة وتفصيلا!. وهكذا رفض بلير تطبيق
بنود هذا الإتفاق وتسنم رئاسة الوزراء لولاية ثالثة، وهذا ما أحدث
نزاعا كامنا ومريرا بين الزعيمين لم تستتر مظاهره أمام عيون الصحافة
والناس!
أعطي لهذا الإتفاق إسما تردده السنة الصحافة البريطانية والعالمية
وهو إتفاق (كرانيتا)، وذلك تيمنا باسم المطعم الإيطالي الذي حصل فيه
هذا الإتفاق الشفوي والذي يقع في منطقة من مناطق لندن المعروفة، حيث
يرتاده كبار المسؤولين البريطانيين والشخصيات السياسية والصحفية
البريطانية البارزة. كلمة كرانيتا هي كلمة إيطالية تعني مرطبات بالعصير
والسكر. ورغم أن غوردن بروان لم يأكل مرطبات العصير بالسكر في ذلك
المطعم اثناء تدارس مبادىء هذا الإتفاق، إلاّ أنه خرج مسرورا ومرتاحا
بهذا الإتفاق!
بعد أفول نجم بلير الساطع وتناقص شعبيته الى مستويات دنيا، أراد
بلير أن يتدارك الموقف قبل فوات الأوان وقبل أن يحصل الإنقلاب السياسي
من قبل حزبه ضدّه وكما حصل للسيدة مارغريت تشارتشر مع حزبها في السابق،
ويفقد عند ذلك كلّ شيء! وهكذا فقد أعلن في العاشر من شهر أيار الماضي
عزمه على إستقالته من منصب رئاسة الوزراء ورئاسة حزب العمال ليفسح
المجال أمام غوردن براون ليقود هذا الحزب ويتسنم منصب رئاسة الوزراء
بدلا عنه وذلك في السابع والعشرين من شهر حزيران لهذه السنة.
وهكذا سيقود براون حزب العمال في بريطانيا لإنتخابات عام 2009 م
القادمة.
رؤاه ومفاهيمه السياسية المستقبلية:
يستشف المتابع لتصريحات غوردن براون وسيرته بعضا عن نواياه ورؤاه
السياسية العامة والتي قد تختلف عن سياسات سلفه السيد بلير وهذه تتلخص
بما يلي :
1- ينظر الى إقتصاد بريطاني وأوربي ديناميكي حر وقوي مع الحذر
واليقظة في التعامل. ولا يتحمس الى وحدة أوربية دون النظر الى كل
الإيجابيات والسلبيات المترتبة عن ذلك، ويرفض شعار " أوربا مهما غلى
الثمن". كما يتطلع الى إتحاد أوربي متزن الخطوات في مشاريعه وأسسه وغير
متسرع في الخطوات والقرارات المستقبلية.
2- له تحمس واضح في تعميق الصلة بين بريطانيا والولايات المتحدة
الأمريكية في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية
والثقافية. ورغم أنه متحفظ في التنويه عن وجهة نظره في سياسات بوش
الخارجية، إلاّ أنه من المتوقع أن لا يكون مخالفا للخط السياسي
الأمريكي العام تجاه الوضع في العراق بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط
بشكل عام.
3- يطمح في تغيير سياسة بريطانيا في العراق، إذ أنه يعطي أولوية في
ملف العراق السياسي الى تحسين الوضع الإقتصادي والى عملية المصالحة
الوطنية بين الفرقاء والأحزاب. كما يعترف بوجود أخطاء كانت قد أرتكبت
من قبل الإدارة الأمريكية والبريطانية في العراق. وقد وعد بزيارة تقصي
الحقائق الى العراق يحاول بها أن يطلع بنفسه على مواقع الخلل ويلتقي
بالمسؤولين العراقيين هناك، وقد حقق هذه الزيارة مؤخرا وقبل تسنم منصبه
الجديد.
كما يعارض براون تحديد جدول زمني لإنسحاب القوات البريطانية من
العراق، علما بأن الجيش البريطاني المرابط في العراق قد تقلص من 44000
الى 7000 جندي حاليا وهو في حالة تناقص مستمر !
4- يرى بعض المحللين السياسيين بأن هناك تشابها كبيرا في الرؤى
والأفكار الإستراتيجية بل وحتى في الصفات الشخصية بين غوردن براون
والرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي، ولذلك فأنهم يعتقدون بأن محورا
سياسيا جديدا سينطلق في قلب أوربا يضم فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وقد
أطلق على هذا المحور إسم (التريومفيرا الأوربية) أي ثالوث القوى
الأوربية، تيمنا بثالوث القوى الذي حصل عبر تأريخ الأمم وذلك بإتحاد
ثلاث قادة يتوازون في القوة والنفوذ ويتشابهون في الرؤى والأهداف من
أجل تكوين نواة صلبه وقوية تستطيع إدارة البلاد والسيطرة عليها وردع
المعتدين عنها. وهذا التوافق الفرنسي البريطاني سيكون بادرة جديدة في
التأريخ الحديث، حيث أن بريطانيا وفرنسا في صراع سياسي كامن ومستمر رغم
الشكليات التي تنكر ذلك! |