الإعلام واستلاب العقول: التدجين والتعبئة

أمل فؤاد عبيد

في سياق الحديث عن وسائل او آليات الإعلام يكون للتحليل النفسي ضرورة منهجية لفهم كيفية تدجين العقول والنفوس.. وذلك على اعتبار ان النفوس محال لتمكين الرغبات والتوجهات..

ومن ثم عملية التدجين هذه هي حشو مع سابق الأصرار والترصد..  من خلال تخطيط يعتمد هذا التحليل النفسي والدراسات التي تكشف الباطن الخفي لتحرك الدوافع وكيفية استغلال هذه الدوافع مع مراعاة الكم عند تحديد الكيف.. فليس أي كم يكون مهما او ممكنا اومطلوبا.. إنما الكيف يتحكم في منهجية هذا التوجه الإعلامي دون غيره.. ومن ثم الكيف يتحدد تبعا للكم..

ولكن ليس كما هو منطق العقل ان الكم يتحول كيفا.. إنما هنا ما يقصد به ان الكم يحدد آليات اتخاذ الاسلوب الأمل لتحقيق اعلى كيف.. وهو المطلوب في نهاية الأمر اكبر شريحة كمية لتحقيق اكبر اثر نوعي / كيفي..

في مجال التعبئة الفكري لا يختلف الامر كثيرا او قليلا.. ولكن هنا غير مجال النفس اجتماع.. ذلك ان هنا لابد من حسابات أخرى يجب الأخذ بها واعتبارها محلا لدراسة مكثفة.. لانها لا تعتمد فقط الجوانب الخفية ولكن أيضا الحركة الظاهرية للوعي والذهن..

وما الاستلاب سوى محو وملء.. او استلاب إرادات بالمعنى الحقيقي اي لا يكون هناك الفكرة التي يكون لها حق الانتماء الحقيقي ولكن يكون الانتماء لانفار او اشخاص او طريق / طريقة.. يتحقق بها العجز الذي يترسب ولذلك يكون لإعلام في مجال ترويج الأفكار والنهج الذهنية وطرق التفكير.. سلبا آخر.. لا يمكن للفرد ان يعيش مفرغا من مضمونه أبدا لذا إذا افترض هذا الفراغ معنويا بمعنى انه لا فكرة هناك او لا أساس.. يصبح الفرد عرضة لتحريك العقل او استلاب الذهن.. بما يمكن ان يكون متوائما ايضا وبالضرورة مع شخصيته واحساسه بنفسه.. فهذا يعتمد اسلوب الاستقطاب وهذا الأخير هو آلية تتحرك على نسيجها الآليات الأخرى ليكون في ذات الوقت نتيجة وسبب ومسبب..

الاستقطاب معاقل من حديد للعقل الذي يفقد مهمة وجوده الحقيقي وهو عقله لذاته.. العقل الذي لا يعقل ذاته عقل مسيطر عليه.. ومن ثم كانت منهجية الإعلام هي بداية استقطاب العقل من النظر الى ذاته الى النظر الى العالم.. وحوصر بالإغراء حول كل ما هو خارجه..

ومن ثم يستحيل الاستقطاب آلية متمكنة من هذه العقول التي تفتقد الى إدارك ذاتها وآلياتها ومن ثم يصبح العقل عقل الآخر.. لانه نحو الآخر.. فالانتباه الاول هو انتباه لما هو خارج العقل.. ورغم ان إدراك العقل للعالم ياتي مرحلة تالية لادراك العقل لذاته.. وبالتالي يكون حرزا لذاته من عقل الآخر.. إنما ما يحدث هو نوع التلقي الذي يسلب معه فاعلية أو إمكانية التدريب على ان يعقل العقل ذاته بذاته ولذاته وفي ذاته.. ومن ثم يؤخذ في المدارس اسلوب التلقين والدمج المعرفي والتدجين الحيواني غير الإنساني الغرض منه معرفة خالصة لغير طبيعة العقل لذاته.. وإنما تكون المعرفة لمعرفة الخارج دون الداخل / العقل ومن هنا يكون الطالب في حالة اغتراب دوما بين عقله والكتاب او ما يتلقاه من علوم ومفاهيم.. هو لا يستطيع ان يعقلها بعقله.. هذا العقل الذي لا يعقل ذاته او لم يعتاد او يتمرن على هذا الدور الفعال في إدارك العقل و آليته..

 ومن ثم لا يمكن ان يتفاعل الطالب مع المعلومة سوى بالتوحد معها دون فهما او استيعابها او الاحساس بها. وكذلك جميع المواهب التي لا تعقل ذاتها لذاتها.. فتصبح الذوات التي لا موهبة لها اسيرة اعتقال الذهن لغيره دون سواه..

 وكما ان العقل في المجال الديني بداية صريحة لفهم الحق.. لابد من عقل العقل لذاته ومعرفة قدراته التي من خلالها يتم استبعاد المستحيل في مجال إدارك الغيب ومن ثم يتحقق في هذه الكيفية ضرورة التماس الروح التي تتفوق على مجال المرئيات والاحساس بحواج الجسد والنفس فقط..

 من هنا.. ليس كل من يعقل عقله من الممكن ان يتم الاستحواذ عليه كما في عروض الفاترينات فليس كل بضاعة هي فرض قصر على ان تكون مقبولة.. فكل عقل عندما يعقل ذاته يصبح قادرا على تحديد ما يروق له وما يرغبه وما يجيده في ادراك ذاته من خلال هذا العوالم التي يخترقها.. لذا يصبح مشاركا في تحرير العقول او توجيهها الوجهة الصحيحة وهو العقل الذي يفترق ايضا كما النفوس بين الخير والشر.

 فالعقل الغربي.. اشرقت أنواره عندما تحرر من سلطة العالم والاحساس به كما هو.. وترفع به الحال إلى ان اكتشف او وصل الى القمر.. وهنا مازال الحجر.. عثرة طريق بين اقدامنا..هناك يتم تاسيس العقول الجدية عبر آليات ذهنية وأدوات منهجية تعبوية تشعر بالعقل.. وبالذات.. ومن ثم ظهر الصراع مفتقدا لروح الدين.. هنا تمأسس الدين على وعي الزيف.. بتقزيم الله وهناك استبعدوا الله.. ومن ثم اصبح العقل وسيلة لتدمير ذاته.. بدلا من إسعاف ذاته او وسيلة لتحرر الإنسان..

على أن الإعلام حتى عندما يروج للعقل الديني لا يعلن عن تحرره  بقدر استلابه ولا يعمل أو يؤسس لهذه الحرية العقلية بقدر ما يستعبد العقل ويحجمه.. ومن ثم يعمل منه آلة لتحقيق مآرب دنيوية وتزداد ( فكرة الله ) تقزيما ولربما استبعادا.. هذا في مجال العقل والفعل الإعلامي او التعبوية الإعلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 27 حزيران/2007 -11/جماد الاخرى/1428