مصطلحات اجتماعية: التماسك الاجتماعي

التماسك الاجتماعي: Social Cohesion

شبكة النبأ: ليس هناك معنى واضح وقاطع لاصطلاح التماسك الاجتماعي غير أنه يستعمل في وصف الحالات التي يرتبط فيها الأفراد واحدهم بالآخر بروابط اجتماعية وحضارية مشتركة. ويستعمل اصطلاح التماسك الاجتماعي عادة في تفسير أسلوب تماسك أفراد الجماعات الصغيرة الذي يكون إما بدافع الإغراء أي إغراء الجماعة الصغيرة لأعضائها أو بدافع المصالح والأهداف أي المصالح التي يحققها أعضاء الجماعة خلال انتسابهم لها. واستعمل كل من كارترايت وزاندر اصطلاح التماسك الاجتماعي في كتابهم الموسوم دانيميكية الجماعة عندما حاولا تحليل تماسك الجماعات الصغيرة.

واستعمل العالم اميل دوركهايم اصطلاح التماسك الاجتماعي استعمالاً علمياً في كتابه تقسيم العمل وفي كتابه (الانتحار). يقول دوركهايم أن درجة التماسك الاجتماعي تعتمد على طبيعة الجماعات والمنظمات والمجتمعات التي تؤثر تأثيراً كبيراً ومباشراً على أنماط سلوك الأفراد كما يظهر جلياً في حالة السلوك الانتحاري الذي يعتمده الفرد وقت تعرضه لظروف وعوامل اجتماعية معينة. لكن الاصطلاح يستعمل عادة من قبل علماء الاجتماع في حالة الجماعات الاجتماعية الصغيرة والكبيرة خصوصاً عندما تتوفر في هذه الجماعات الصفات التالية: اعتماد الفرد على المقاييس والقيم المشتركة، تماسك أفراد الجماعة بسبب المصالح المشتركة وأخيراً التزام الفرد بأخلاقية وسلوكية جماعته. ويحاول امتاى اتزوني تعريف التماسك الاجتماعي فيقول بأنه علاقة تعبيرية إيجابية تقع بين شخصين أو أكثر، غير أن هذا التعريف يبدو ناقصاً طالما أنه لا يشير إلى تطبيق التماسك على الجماعة ولا يذكر أي شيء عن قيم وأهداف ومقاييس الجماعة.

متعلقات

 

التماسك والترابط الاجتماعي(1)

أن انعقاد مثل هذه المجالس له عدة دلالات:

أولاً- إنه يدل على عمق الولاء الديني في نفوس أبناء المجتمع، فتراهم يهتمون بعلماء الدين ويحتفون بهم ويشاركونهم في مناسباتهم.

ثانياً- هذه المجالس تدل على عناية إلهية ربانية بالشيخ الفقيد، يقول تعالى: ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُداً﴾.

ثالثاً- وتدل هذه المجالس على درجةٍ من التماسك والترابط والانسجام الاجتماعي.

وقد تركز حديث سماحة الشيخ حول النقطة الثالثة لأهميتها.

حيث انطلق من الآية الكريمة التي تصدرت الكلمة فقال سماحته: هناك علاقة وثيقة بين قوة المجتمع تجاه التحديات الخارجية وبين قوة الترابط والانسجام بين أفراد المجتمع.

وتساءل سماحة الشيخ: متى يكون المجتمع شديداً تجاه الأعداد، وقوياً تجاه التحديات؟

وأجاب بقوله: إذا تحققت الصفة الثانية: ﴿رحماء بينهم﴾. فبمقدار ما يكون هناك تراحم بين أفراد المجتمع يكون المجتمع قوياً، أما إذا كان المجتمع متمزقاً فلا يمكن أن يكون شديداً مع الأعداء، لماذا؟ لأن الشدة والقوة والعنفوان تستهلك في الخلافات الداخلية.

وتحدث سماحة الشيخ عن ثلاثة مظاهر من مظاهر التراحم بين أفراد المجتمع.

أولاً- الاحترام المتبادل.

بأن يكون أفراد وفئات المجتمع يحترمون بعضهم بعضاً. وأورد سماحة الشيخ عدةً من النصوص التي تدعو إلى أهمية تبادل الاحترام بين أفراد المجتمع.

ثم قال سماحة الشيخ :إن أهمية التراحم المتبادل بين أفراد المجتمع تبرز عند الاختلاف في الرأي، سواءً كان ذلك الاختلاف بين أفراد أو فئات.

وذكر سماحة الشيخ نماذج من سيرة الرسول الأعظم  التي تدل على مدى التراحم الذي يغمر قلبه للمجتمع الذي كان يعيش فيه.

ثانياً- الاهتمام بمناطق الضعف في المجتمع.

الفقراء، الضعفاء، كبار السن، قال : «ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع»، والتدين الحقيقي يبرز في هذا الجانب، يقول تعالى: ﴿أ رأيت الذي يُكذب بالدين﴾ مَن هو؟ ﴿فذلك الذي يدعُّ اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين﴾.

ثالثاً- تشجيع الكفاءات، وتشجيع ذوي الطموحات والقدرات.

لأن قوة المجتمع لا تكون بعدد أفراده، وإنما بمقدار ما يمتلك من كفاءات وقدرات وطاقات، ولذا على المجتمع أن يُشجع ذوي الطاقات والكفاءات فيه.

وأشار سماحة الشيخ في هذا الجانب إلى نموذجين:

النموذج الأول: التطلعات العلمية الأكاديمية.

بعد فترة الامتحانات يأتي دور التوجه للجامعة، وهناك طلاب أو طالبات يطمحون للتخصصات المهمة والوصول لهذه التخصصات أصبح صعباً، لذا ينبغي للمجتمع أن يُشجع هؤلاء لبلوغ طموحاتهم وتطلعاتهم، من أي مصرفٍ كان: الحقوق الشرعية، عطاءات ومساعدات المؤمنين الواعين، وغيرها.

فرنسا تدفع ثمن التمييز وسياسات العزل والقمع(2)

بينما كانت الحرائق تشتعل فى المدن الفرنسية، كانت دول أخرى بالغة القسوة فى إصدار الأحكام على فرنسا. فأصدرت السفارات التحذيرات إلى السائحين ورعاياها الذين يقيمون فى فرنسا؛ وبثت البرامج الإخبارية التلفزيونية ساعات من المواد المصورة لسيارات محترقة. ويبدو أن حكومات الدول الأخرى كانت تحاول إبعاد نفسها عن المشكلة، خشية الإصابة بالعدوى التى يدركون أنها ستنتشر على الأرجح.

إن خصوصية الموقف الفرنسى تكمن فى أن التمرد فى فرنسا موجه نحو الدولة، وعلى نحو أكثر تحديداً، ضد قوات الشرطة. وعلى عكس أعمال الشغب التى وقعت فى المملكة المتحدة مؤخراً، والتى كانت بين أعراق مختلفة، فإن المواجهات الحالية فى فرنسا تضع المتورطين فيها وجهاً إلى وجه مع قوت الشرطة. ولا تتسم أعمال الشغب هذه بطبيعة دينية أو عرقية محددة، حيث شارك فى أحداثها شباب من خلفيات عرقية متنوعة.

مما لا شك فيه أن المحللين قد بالغوا فى تقدير حجم الشباب من الأقليات بين أولئك الذين تورطوا فى أعمال الشغب. وهذا ببساطة يرجع إلى العزل الجغرافي، وارتفاع معدلات البطالة ومعدلات التسرب من المدارس، والعلاقات غير العادية المستمرة بين هذه الطائفة من الناس وبين النظام القضائى الجنائي.

ولكن فى ضوء تنوع انتماءات الشباب الذين أدينوا حتى الآن، فمن الخطأ أن نقول إن أعمال الشغب هذه كانت نتيجة للتطرف الإسلامي. فحتى الآن لا توجد أية إشارة على الإطلاق توحى بوجود شبكات منظمة أو جماعات دينية تستغل هؤلاء الشباب. ولا أعنى بهذا بالطبع أن المتطرفين الإسلاميين لن يستغلوا هذه الفوضى إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع ومرضٍ لهذه الأزمة.

قد لا تكون أعمال الشغب منظمة فحتى الآن لم يظهر إلى السطح زعماء محددون أو مطالب سياسية واضحة. إلا أننا نستطيع أن ننظر إلى هذه الأعمال العنيفة بوصفها صراعات سياسية، ذلك أن الشباب يتحدون الدولة بصورة مباشرة من خلال مهاجمة ممثليها.

ويبدو هذا العنف متناسباً مع إحساس هؤلاء الشباب المحرومين من الحقوق والامتيازات بالظلم الواضح وافتقارهم إلى الفرصة للتعبير عن ذاتهم.

ومن هنا ندرك أن فرنسا تدفع اليوم ثمن افتقارها طيلة الأعوام الثلاثين الماضية إلى الاستمرارية والتماسك، وعجزها عن توفير التمويل الملائم لدعم سياسات التنمية الاجتماعية. وعلى الرغم من أن هذه السياسات قد ساعدت بلا شك المقيمين فى المناطق المحرومة، إلا أنها لم تكن على درجة من الطموح تسمح لها بتهدئة مشاعر الغضب وتخفيف الاستياء.

وتتضمن الأمثلة على تلك السياسات المفرطة فى التردد والعصبية، المبالغة فى الاعتماد على أساليب الشرطة "التى اعتمدها نيكولا ساركوزى عندما كان وزيرا للداخلية". ففى الأعوام القليلة الماضية، ميزت فرنسا نفسها عن غيرها من الدول الأوروبية بتخليها تدريجياً عن الضبط الشرطى ذى التوجه المجتمعي، والذى تعتبره الحكومة مغرقاً فى الاجتماعية وتتهمه بالاعتماد على الأساليب الوقائية. وبينما تضع قوات الشرطة الأوروبية محاولات الوقاية والمنع على قمة أولوياتها، فقد اختارت فرنسا أن تتعامل مع الوقاية باعتبارها هدفاً ثانوياً. ونتيجة لهذا، فقد تنامى التوتر إلى درجة لم يسبق لها مثيل بين الفئات المحرومة من السكان وبين قوات الشرطة، التى أصبحت تبدو دخيلة على نحو متزايد.

وفى غياب التوجه المعتمد على المجتمع أصبح التفاعل بين سلطات فرض القانون وهذه الفئة من الناس مقتصرة على مواقف متوترة تهيمن عليها الصراعات، الأمر الذى أدى إلى تصعيد جو المواجهة بين الشباب المتمرد وقوات الشرطة. وفى ذات الوقت، فإن اضطرار ممثلى الشرطة إلى التدخل فى مناطق غير مألوفة بالنسبة لهم يؤدى إلى إعاقة فعاليتهم على نحو واضح.

ومما يدعو إلى الأسف أن قوات الشرطة قد أصبحت، فى غمار أعمال العنف الجارية، فى موقف الممثل الوحيد للدولة. لكن الحكمة تتطلب استجابة جهات عامة أخرى، وليس قوات الشرطة فحسب، فى مواجهة المشاكل المدنية.

وفى المقام الأول والأخير، يتعين على محافظى المدن أن يعملوا كوسطاء، وذلك لأنهم يمثلون الخطوط الأمامية فيما يتصل بتنفيذ السياسات الحضرية. فعادة ما يُحَمِّل المواطنون محافظى المدن المسؤولية عن إخفاق هذه السياسات. لكن المحافظين هم أيضاً أكثر الناس علماً بعلاقات الاتصال داخل مجتمعاتهم، وهم بهذا أكثر الناس قدرة على تنظيم الشراكات الفعّالة لمواجهة القضايا المحلية وإيجاد الحلول لها.

كما تنبهنا الأحداث الجارية فى فرنسا إلى الحاجة الملحة على الصعيد الأوروبى إلى تعزيز السياسات فى مواجهة حالات التمييز وعدم المساواة، ودعم السياسات التى تشجع العدالة الاجتماعية.

وعلى الرغم من ضرورة تنفيذ مثل هذه السياسات على مستوى محلي، إلا أنه من الضرورى أيضاً أن تضطلع المؤسسات الأوروبية بدورها فى تحفيز هذه السياسات ودعمها. والحقيقة أن الجهود فى هذا المجال متوفرة بالفعل، لكن الحاجة أصبحت ملحة الآن لتعزيز هذه الجهود وترسيخها.

إن العدالة والتماسك الاجتماعى يشكلان حجر الزاوية لمحاولات دعم الحرية والعدالة وتوفير الأمن للمدن الأوروبية.

ولهذا، يتعين على محافظى المدن فى أوروبا أن يبادروا إلى دعوة المؤسسات الأوروبية إلى التركيز على التماسك الاجتماعى بنفس القدر من الالتزام الذى تم استثماره حتى الآن فى التعامل مع قضايا اللجوء السياسى ومراقبة الحدود.

تحــولات الطــريــق الثالــث:

 

بناء الرأسمالية الخيرة من أجل مجتمع المعلومات(3)

عند نهاية الثمانينيات ناقش معلقو الجناح اليسارى فى المملكة المتحدة سلسلة سياسية جديدة للتفكير تقوم على معرفة ان العالم قد تغير نوعيا ، سلسلة المناقشات تغلفت باصطلاح الأوقات الجديدة ، فى محاولة لصنع إحساس أفضل بالعالم ، وعلى هذه الأسس يتم إعادة تشكيل اليسار ليتواءم مع العالم الجديد. فى مايو 1997، حصل حزب العمال الجديد على السلطة فى المملكة المتحدة من حزب المحافظين والفلسفة الجديدة المسماة بالطريق الثالث أعطت ثمارها .

اصطلاح الطريق الثالث استخدم من قبل بمغزى سياسى ، وطبقا لوثيقة على شبكة المعلومات الدولية فان الاسم قد اعطى أو أطلق على الأنظمة التى مزجت بين أفضل ملامح الاقتصاديات المخططة وأفضل ملامح اقتصاد السوق خلال الإطار الواسع للديمقراطية الليبرالية.

الرئيس كلينتون استخدم نفس التعبير ( الطريق الثالث ) فى خطابه عن حالة الاتحاد عام 1998، حيث قال : لقد تحركنا فى الماضى فى جدل عقيم بين الذين يقولون ان الحكومة هى العدو ، وأولئك الذين يقولون ان الحكومة هى الحل، لقد وجدنا طريقاً ثالثاً.

ولقد أشار كوريرا الى أن التفسير الواقعى الذى قدمه كلينتون للطريق الثالث كان غامضا، إلا انه يقع بين الليبرالية ذات الحكومة الكبيرة والمحافظة المضادة للحكومة ، كما أن الرؤية البريطانية للطريق الثالث كانت فى البداية غامضة، ومن ثم فقد ينظر الى الفكرة على انها مجرد تكتيك انتخابى للوصول الى الحكم.

ولوعى الحكومة البريطانية بالطبيعة النظرية الغامضة للطريق الثالث، فقد ساندت إجراء مناقشة تجريبية لهذا الموضوع، نظمت فى مطلع عام 1998 ، وشاركت فيها مجموعة أساسية من المثقفين دعيت لقيادة المناقشات حول فلسفة الطريق الثالث ، فى المنتدى التكنولوجى الذى صمم خصيصاً لهذا الغرض.

وقد لاحظ أحد المعلقين ان الاهتمام بالطريق الثالث ربما يكون مجرد إعادة بناء للتفكير الليبرالى فى نطاق مزدوج مع الاهتمام بالمجتمعية. وأوضح ان التركيز على الفرصة والمسئولية والجماعة، قد صار مفتاح التأثير فى الحكومة الأمريكية. 

أولا: الجماعية: الذات الجماعة:

قدم المنظر الاجتماعى اميتاى اتزيونى فى السنوات الأخيرة شكلا جديدا للجماعية ، فهو يقترح نظاما اجتماعيا جديدا يقوم على أساس استعادة الجماعات لذاتيتها ، ويطرح فكرة القوة الجائرة والأشكال الأكثر قوة بعيدا ، ويرى أنه يجب الحفاظ بعناية على احترام الاختلافات الشخصية ، فالجماعية الجديدة تركز على المصلحة العامة ، هذا الأسلوب يدافع عن التحرك بعيدا عن الأنانية الفردية ،وصولا الى بيئات أخلاقية واجتماعية وسياسية جديدة .

ولتطوير الأساس والإطار المجتمعى، فان التعاون يجب أن ينمو بين منظمات المجتمعات الأصيلة والجماعات المتعاونة والأفراد . والنظرية، هى أن كل الأفراد يجب أن يعملوا فقط بالطرق التى تؤدى الى المساهمة والتبرع للجماعة بشكل أو بآخر، ومن خلال التعاون الكلى فان كل فرد فى الجماعة سيحصل على العناية والاهتمام المطلوب .

بالنسبة لأنصار هذا الاتجاه ، فان أصل المشكلات يرجع الى الانحلال الأخلاقى ، على سبيل المثال، التدهور الأخلاقى العام والخاص ، ارتفاع معدلات الجريمة ، إدمان المخدرات ، تدهور قيم العائلة، الفساد فى الحكومة . لإعادة بناء المجتمع الديمقراطى الأفضل ، فإنه من الضرورى أولا استعادة الكرامة البشرية ، والقيم الأصيلة ، كالانضواء فى حياة المجتمع وفى المسئوليات المدنية. وطبقا للجماعية، فان هذا النوع من الأخلاق يجب بناؤه أولا قبل بناء المجتمعات، فالمدن والبلدان يجب أن يعاد بناؤها على أسس وقيم أخلاقية جديدة. والجماعية تغض البصر عن الحدود بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لحياة المجتمع، وتلقى بالضوء على الحفاظ النشط على المؤسسات المدنية فى المجتمع ، وخلق المسئوليات والالتزامات المتبادلة، لتحقيق الحرية الشخصية واستعادة الجماعات لذاتيتها.

واذا ما تم بناء القيم الأخلاقية الجديدة بنجاح واستعادت هذه القيم شبابها ، فان إعادة بناء الجماعات سوف يكون ممكنا ، بحيث تكون قادرة على المشاركة والتمتع بالفوائد ، مثل انخفاض معدلات الجريمة ، الصحة الأفضل ، الإسكان المناسب ، البيئة الأكثر صحية ، المدارس المحسنة ، والبرامج الأفضل للتدريب وتنمية المهارات. بالإضافة الى ذلك، فبمجرد أن تأخذ الجماعات مسئولية أكثر لبناء مصالح المجتمع الخاصة ، فان الإنفاق الحكومى سوف ينخفض والمناطق التى تعانى من مشكلات سوف تكون أقل تهديدا للحكومة والمجتمع .

ومع ذلك، فان الجماعية يمكن أن تعانى من التفكك فى معانيها ، عندما تكون التصورات الخاصة ببناء المجتمع لا تعطى التاريخ المشترك أو انضواء المصلحة العامة للمجتمعات فى مشكلات المجتمع الأهمية المطلوبة . المشكلات يمكن أن تتصاعد عندما تكون الجماعات المساعدة منصبة على تقديم خدمات مخططة وفقا لرؤية معينة للتماسك ، فى حين أن التنافس فيما بينها من أجل الحصول على نفس التمويل قائم.

فى هذه البيئة القلقة، ترتفع المصالح الشخصية المختلفة لكل جماعة من جماعات المجتمع بسهولة لتعلو على المصالح العامة للمجتمع ككل. وعندما ننتقل الى درجة أقصى فى التحليل، فان الجماعية تستطيع أن تقود الى الاعتقاد بأن الجماعية عادة ما تحمل أهمية أكبر من الفردية، فالأشخاص الأقوياء، والجماعات الصغيرة التى تمثل المجتمع تستطيع ان تجمع القوة لنفسها، وتقلل من قدرة جماعات الأغلبية وقدرة المواطنين على عرض مصالحهم الخاصة.

بالإضافة الى ذلك، فإن المحترفين المنضوين فى أنشطة بناء المجتمع ، يستطيعون تشكيل جماعة فى داخل الجماعة، تسعى الى أن تعمل بصرف النظر عن الناس الذين يعيشون فى النطاق الجغرافى للمجتمع، ونتيجة لذلك فان عددا من جماعات المواطنين يمكن أن تستبعد عما يحدث فى مجتمعها المحلى.

المناقشات التى دارت وأحاطت بانتظام بتطورات بناء الجماعة يمكن أن تقود الى استخدام أساس للبلاغة وللشعارات، وهو ما يؤدى الى تصورات وهمية للمجتمع والديمقراطية ، تخفى وراءها النتائج المختلفة جدا عما هو مطلوب. فقد تؤدى على سبيل المثال، الى تركز القوة فى أيدى عدد قليل، والتركيز على الليبرالية.

يمكن اخفاء المعضلات بين جماعات المجتمع عن الرؤية العامة ولكن المصاعب ستبقى، كعدم القدرة على التعامل مع المشكلات، الفساد ، الصراع الداخلى ، عدم التسامح ، والشك فيما بين الجماعات المكونة للمجتمع ، كل هذه الأمور ستبقى خلف المظاهر الخادعة .

وفى مثل هذه الظروف توجد حواجز أمام إنجاز التحرر الحقيقى ، ونشر مشاركة المواطنين ، والتعاون فى النطاق الجغرافى للمجتمع .

ثانيا: إعادة تنظيم السياسة لتتلاءم مع الاحتياجات الجديدة.

1 - الطريق الثالث لاستعادة الثقة العامة وإقامة هيمنة جديدة

انعكاساً للطريق الثالث ، انتشر الاعتراف بأن السياسة الحديثة تتطلب استعادة الثقة العامة ، وإطارا جديدا لمعتقدات المشاركة، وأبنية اجتماعية واقتصادية جديدة كضرورة لمواجهة التقدم نحو التحول الى مجتمع المعلومات ، ولمواجهة التغيرات الاجتماعية والاتجاهات الثقافية والاقتصادية المعاصرة.

ولقد أجبرت الحاجة المدركة لعلاج الالتزامات والمعضلات فى مجتمع المعلومات الحكومة البريطانية - مثلها فى ذلك مثل سائر الحكومات فى دول العالم - على إعادة التأكيد على شخصيتها الديمقراطية ، وعلى التأكيد على الأدوار والواجبات لكل من القادة والمواطنين.

بالنظر الى الطريق الثالث كفلسفة سياسية تسعى الى تطوير قيم جديدة وتحفز على التغيير البنائى ، فان الطريق الثالث يشير الى حركة بعيدة عن أسلوب القيادة التفاعلية وباتجاه نموذج تحويلى للقيادة. القيادة التفاعلية تقوم على أساس تطوير العلاقات على أسس تبادلية. على سبيل المثال، المواطنون يكتسبون الحقوق الديمقراطية ويتمتعون بحماية الدولة ، فى مقابل إنجاز واجبات معينة لصالح الدولة. على الجانب الآخر، فان أسلوب القيادة التحويلية يسعى الى تحويل معتقدات المواطن واحتياجاته لمواجهة التغيير وبصفة خاصة للتعاون فى الابتكار والتجديد الاجتماعى ، والمبادرة باتجاه نظام القيم الملائم.

قيادة الطريق الأوسط لإصلاح وتحديث الديمقراطية تعنى بالنسبة للطريق الثالث الدفاع عن الحركة مع التأكيد على أن تكون بعيدة عن الأشكال البيروقراطية ، وباتجاه تنقية البنية اللامركزية، باعتبارها أكثر ديناميكية وابتكارية، وأكثر مقدرة وفقا للاصطلاحات الإدارية والحكومية.

2 - رفض الجناح اليمينى لليبرالية الجديدة والأسلوب القديم الجامد للديمقراطية الاجتماعية بالكشف عن عدم شعبية مذاهب الليبرالية الجديدة، فإن حزب العمال الجديد قد بحث عن فك للارتباط معه ، -عن الجناح اليمينى- الذى حاول أن يجعل مبادئ السوق الحر مبادئ شعبية فى الثمانينيات.

وقد قام هذا التصور على أن التأكيد على السوق الحرة قد أنتج الشخصية الأنانية ، وخفض من المسئوليات المتبادلة والمشتركة ، ووسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وفى الوقت نفسه، فإن حزب العمال الجديد ، قد بحث عن إبعاد نفسه عن النموذج القديم للديمقراطية الاجتماعية، الذى دعم الشخصية المحمية فى دولة الرفاهية الاجتماعية منذ الحرب العالمية الثانية، باعتبار أن دولة التدليل التقليدية غير مؤهلة للتعامل مع المشكلات الجديدة ، كما لم يعد ينظر اليها كمصير عالمى ، كما كان الحال تحت حكم مارجريت تاتشر.

وقد اكد جيدنز على الصعوبات المتعلقة بالنظام التقليدى ، إذ أشار الى فكرة أن الأفراد بدلاً من العائلات قد يحصلون على الحقوق من دولة الرفاهية الاجتماعية، قد أدت الى أن بعض أعضاء العائلات قد اعتبروا أنفسهم منفصلين عن وحدة العائلة. أشار أيضا الى صعوبات أخرى لدولة الرفاهية الاجتماعية ، مثل اقتفائها لأثر النظم البيروقراطية ، وعدم قدرتها على صنع قواعد أخلاقية للقضايا المختلفة، وزيادة ثقافة الاعتماد على الدولة ، وأيضا التكاليف المرتفعة مع ظهور المشكلات الجديدة ، هذا بالإضافة الى تأكيده على أن تطوير نظام جديد لتقديم الخدمة يدعمه ويتطلبه ظهور قضايا أخرى يجب معالجتها.

وفى هذا الصدد ، أشار جيدنز الى ان الأسلوب القديم للديمقراطية الاجتماعية لم يعد قادرا على التكيف والاستجابة الملائمة للمهام الايكولوجية النامية، وألقى بالضوء على ضغوط الجماعات الكونية والتجمعات غير الحكومية فى هذا المجال. ومن ثم، فانه توجد صعوبة كبيرة فى تطوير مفتاح للخدمات العامة يكون قادرا على تشجيع أكثر للرؤى الحكومية.

ومن ناحية أخرى، أشار جيدنز الى وجود دليل على أن الحساسية الأعظم للاهتمامات الأخلاقية ، ومعرفة قضايا كحقوق الانسان والبيئة ، قد تقود الى اهتمام أكبر بالفردية ، متوقعاً ضرورة إعادة معالجة العادات والتقاليد المبتذلة ، اذ رأى ان ضمان التماسك الاجتماعى لا يمكن ان يتم بواسطة فعل تقوم به الدولة من أعلى إلى أسفل ، أو استنادا الى التقاليد ، فما هو مطلوب الآن هو نشر المسئولية. بعبارة أخرى ، فإن عدداً أكثر من الناس يجب أن يصبحوا أكثر حساسية وأكثر قبولاً على تحمل مسئولية نتائج أعمالهم .

3 - الطريق الثالث ومزيد من الرأسمالية الخيرة

ومع ذلك، فان أى نهج لتفعيل عملية التجديد سوف يكون محدود الأثر. ومن ثم، ففى اتجاه الحركة المتزنة بعيدا عن مشكلات الجناح اليمينى لليبرالية الجديدة ، و الرأسمالية الجامحة والفردية الأنانية ، والتقاليد متعددة الأبعاد ، فإن الطريق الثالث يقدم فلسفة خيرة على مدى واسع متعدد الأبعاد ، تعرف منافع الناس المهتمين ، والجماعات المهتمة فى المجتمع .

ووفقاً لجيدنز، فان الطريق الثالث سياسة تتجنب الحكومة الكبيرة ، مفضلة بدلا منها الحكومة الديناميكية ، والأفراد والجماعات النشطة والمسئولة. ونتيجة لذلك ، يسعى الطريق الثالث الى جمع أكثر العناصر فائدة من تقاليد الليبرالية والماركسية ، مؤكدا على الجهد الاجتماعى ، والمبادرة العامة والخاصة ، والفعالية الاقتصادية ، آخذاً فى الاعتبار وواعيا بالمتغيرات الكونية والمحلية .

4- مجتمع المعلومات وعولمة العالم

لاحظ تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبى عام 1996، بعنوان نقاش من أجل مجتمع المعلومات، أن مجتمع المعلومات سيشمل كل انسان ، وأنه سوف يغير حياة الناس وطريقة عملهم معا تغييراً جذريا ، وأكد على ضرورة إعداد المؤسسات والناس لهذا العصر ، الذى يتطلب توسعا فى التعليم فى المنزل وفى الشركات وفى كافة المؤسسات .

وفى فترة متأخرة من التسعينيات، اعتبرت الرأسمالية الخيرة بالمفهوم الواسع ضرورية لمقابلة الاحتياجات المتصورة من جانب بعض المؤلفين فى المملكة المتحدة . فقد وصف فرانكلين مجتمع المعلومات ، بأنه مجتمع المخاطرة ، حيث تكون نماذج حياتنا غير مؤكدة أو غير موثوق فيها. ورأى دوتون، أنه للتعامل مع مجتمع المعلومات البارز ، يجب زيادة تمركز المعلومات حول الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية ، ورفض التعويل على الليبرالية الجديدة التى تركز على الاقتصاد فحسب. وأوضح عدد من الباحثين ان المتصور لمقابلة فرص ومخاطر العولمة والتكيف معها يشتمل على اتجاهات اجتماعية جديدة ، ومطالب اقتصادية بالتغيير ، إلا أن التكامل مع نموذج مجتمع المعلومات يظل أوضح جوانب التفكير فى الطريق الثالث .

ولقد أشار عدد من الباحثين الى أن دور السوق فى الحياة اليومية لا يمكن ضبطه والتحكم فيه ، وبينما كان الحديث عن الوصول الى عصر المعلومات لازال محلا للجدل ، فقد رأى طومسون ان القيادة الأمريكية والبريطانية تعتقدان بإمكانية وجود دور نشط للحكومة يتوافق ودوافع السوق فى ظل العولمة ، ويعد المواطنين للتعامل مع المخاطر المترابطة الحقيقية وغير الحقيقية.

ولقد تجادل عدد من الباحثين حول فكرة الزيادة السريعة الجديدة فى العولمة الاقتصادية، وعما اذا كانت قد حدثت بالفعل أم لا. وقد أشار فريق منهم الى أنه بينما توضح الاستطلاعات الزيادة المستمرة فى الإنتاج من خلال الشركات متعددة الجنسيات، الا انها توضح كذلك أن هذا الخليط المتسع لا يسيطر على أسواق العالم .

وبينما لاينكر هيرست التغيرات العديدة الهامة فى الاقتصاد العالمى وجوانب التطور الهامة الأخرى على المستوى الدولى فى السنوات الأخيرة ، الا أنهم يتجادلون بعنف حول فكرة التجمع الكبير للمفهوم الاقتصادى للعولمة ، بوصفه أنه لا يعدو أن يكون خرافة الليبرالية الجديدة والتى تكبح بنجاح إصلاح الاستراتيجيات القومية. أما فاندنبروك فقد أضاف بأنه لا توجد أسباب واضحة تجعلنا نرى أن التغيرات فى نماذج التجارة ونمو الاعتماد المتبادل كما هو ظاهر اليوم بالنسبة للاقتصاد الكونى على أنها تختلف عن مستوى أفكارنا بالنسبة للاقتصاد الدولى.

ووفقا لجيدنز ، فان أكثر التغيرات أهمية تتمثل فى اتساع دور الأسواق المالية العالمية والأزدياد المستمر فى عملها على مدى الزمن ، ويرى ان المعاملات المالية قد نمت أكثر من خمس مرات عن المعاملات التجارية خلال الخمس عشرة سنة الماضية ، والنتيجة هى رأس المال غير المترابط ، ويضيف بأن إداراة الأموال مؤسسياً قد زادت 1100 مرة فى العالم منذ عام 1970 بالنسبة للأشكال الأخرى من رأس المال ، الأمر الذى يؤكد أن العولمة الاقتصادية حقيقة واقعة.

كذلك، لاحظ جيدنز أنه لا توجد أهداف غير اقتصادية أساسية نتيجة للعولمة، وأشار الى أن الأحداث الاجتماعية والاقتصادية التى تحدث فى مكان ما فى العالم يمكن أن تؤثر تأثيراً مباشراً على أولئك الذين يعيشون فى الجانب الآخر من العالم. ومن ثم، فالعولمة تنمو وتزداد كل يوم وتتطلب تمويل وتطوير العديد من المؤسسات فى المجتمع ، ويعتقد جيدنز ان ثورة الاتصالات والانتشار السريع لتكنولوجيا المعلومات سوف تربط بعمق بين عمليات العولمة .

أما أولريك بيك، فقد أشار الى أن أبنية المعلومات والاتصالات الجديدة تفرض التحول المعاصر لمجتمع المعلومات ، وتجعل من الممكن التوصل الى أنواع جديدة من اللامركزية والإنتاج الكونى فى نفس الوقت. وأشار كذلك الى أن لعبة القوة الجديدة قد أخذت تحدث ، فقد قارن بين الفاعلين المركزيين إقليميا ( العمال ، الحكومات ، البرلمانات ، اتحادات التجارة) والفاعلين غير الإقليميين ( رأس المال، والقوى المالية والتجارية )، ليصل الى أن رأس المال قد صار كوكبيا فى حين ظل العمل محليا.

ويرى جيدنز أن سياسة الطريق الثالث تقبل حقيقة العولمة ، وتعرف أنه بقدر ما تحقق من فوائد فانها تخلق مشكلات ، وأوضح ان الطريق الثالث هو الاستجابة الإيجابية الاجتماعية الديمقراطية للعولمة ، وهو ما يتطلب الإداراة الجماعية ويستدعى حكومة نشطة على كل المستويات الكوكبية ، الوطنية ، و المحلية . وبالرغم من وجود العديد من الاختلافات حول العولمة ومعانيها ومكانها فى المجتمع، فان مصطلح العولمة له استخدام دائم اليوم ، فالساسة وبعض المخططين المنخرطين فى المملكة المتحدة يخططون لأدوار جديدة مطلوبة بشدة للتحول الى مجتمع المعلومات وذلك للتعامل مع الفرص والمخاطر المصاحبة للعولمة .

وفى هذا الصدد، تحاول البرامج السياسية تحويل المعتقدات ، القيم ، الاحتياجات ، بهدف بناء المسئولية المتبادلة وأبنية ديناميكية جديدة ، قادرة على التلاقى مع المطالب الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية لمجتمع المعلومات. ومن ثم، فإن ميكانزمات الرأسمالية الخيرة تعد ضرورية لمقابلة التحديات المثارة من التقدم باتجاه مجتمع المعلومات.

5 - التنظيم من أجل مجتمع المعلومات

توحى نظرية العولمة بالاعتماد المتبادل بين الأمم، والذى يفرض خصائص جديدة لمجتمع ما بعد الصناعة. الأنشطة الاقتصادية على سبيل المثال ، تتضمن تفاعلا واسعا وتحويلات مالية دولية ، ومع ازدياد حركة العمال ومرونة رأس المال فى ساحة السوق الآن ، فإن الأسواق تندمج الآن بفعالية أكثر من تفاعلات الانتقال لمجتمع المعلومات ، الحكومات الرأسمالية تشيد الآن أطر تنظيمية جديدة، لم يتراكم من خلالها رأس المال الاجتماعى ، وبناء الموارد البشرية التى تكون أكثر ملاءمة للتعبئة لدفع أسس مجتمع المعلومات .

معايير اجتماعية جديدة ، عقائد ، ثقافات ملائمة، إعادة بناء مهارات قوة العمل ، كلها أمور يجب أن تنظم لإعادة بناء المجتمع وفى نفس الوقت تعزيز التماسك الاجتماعى . ومن اللازم كذلك، النجاح فى تطوير مناخ مناسب للأعمال والمنافسة فى بيئات جديدة. فى المملكة المتحدة، تركز الإدارة الحكومية للبيئة والنقل والمحليات الاهتمام على الاتجاهات الاجتماعية الحضرية والفرص على مستوى المدينة والمجتمع المحلى، ويتم توجيه القطاع العام والخاص والتطوعى للعمل معا فى شراكة مع أبناء المجتمع المحلى، لتقديم أفضل الخدمات العامة، ولتطوير بناء نموذج أفضل للمجتمع المحلى ، لكى ينجز بنجاح عملية تجديد وإحياء المناطق الفقيرة ، ومع ذلك فان المستويات المختلفة للحاجة الاقتصادية والاجتماعية تتطلب سياسات للإدارة على مختلف المستويات الحكومية. وهكذا، فان العلاقات التى تم تشكيلها بين هذه المستويات المختلفة للحكم والمعروفة بالعلاقات الفرعية قد صارت حاسمة .

ووفقا لفريز فإن هذه العلاقات مرتبطة أساسا بالاتصال بدلا من التعريف الشخصى للمجتمع المحلى ، وأن تأسيسها يقوم على افتراض أن المجتمع المحلى يؤسس الطبقة الاولى من البناء فى عملية خلق المجتمع السياسى الوطنى، وذلك بدلا من أسلوب البناء الهيراركى من القمة الى القاعدة. وطبقا لهذا المفهوم، فان الدولة القومية لا تخلق المجتمع السياسى المحلى حتى لو أدمجته فى محيطها وبنائها المؤسسى ، ولأن المجتمع المحلى يسبق الدولة القومية ، فإن له الحق فى الاحتفاظ باستقلاله المحلى وهويته وموقعه ، ودوره فى الاستجابة لاحتياجات مواطنيه ، حيث لا تكون الدولة القومية ولا المؤسسات الكبيرة قادرة على القيام بذلك

ويرى دنيسون، أن العدل الاجتماعى يحتاج الى التأسيس من أسفل إلى أعلى، وأن يمارس نشاطه الأول فى المجتمعات المحلية ، ويوجد شعور عام بأن تقديم الخدمات المحلية يحتاج الى أن يكون متوافقاً مع الاحتياجات المحلية ، وان يتم من خلال المؤسسات الإقليمية والمحلية، ومن ثم، فنمو الثقة المحلية ضرورى ، وهذا الإطار يشجع المشاركة المحلية فى إدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية . وفى المملكة المتحدة ، أصبحت الحواجز القائمة لإنجاز ذلك معروفة وذلك بدلا من الديمقراطية السطحية .

وقد أشار التقرير الذى قدمته إداراة البيئة والمنشور على شبكة المعلومات الدولية بعنوان تعزيز المشاركة العامة فى الحكومة المحلية ، إلى ان المشاركة فى الديمقراطية تعنى أتوماتيكيا التعريف بالشئ الجيد ، وأنه عندما تترك الأمور دون شرح وتصير لغزا محملا بالافتراضات ، فإن النقاش من أجل زيادة الديمقراطية يمكن أن يستخدم كحالة أسطورية، ويشير التقرير الى أن هذا يعنى أن المواطنين يجب أن يفوضوا بمشاركة أكبر فى المجالات المحلية التطوعية والسياسية .

كما لاحظ التقرير السابق أن أغلبية الناس فى المجتمع المحلى لا يرغبون فى الانضواء فى السياسات المحلية طالما أن المجلس لا يفعل شيئا تجاه ما يرفضونه بقوة. وعندما سئل ثلثا هؤلاء ، قالوا بأنهم سوف يتخذون موقفا ، وطالما أننا نعرف أن القليل جدا من المشاركة العامة يحدث على المستوى المحلى، فان المقترح ان الناس على المستوى المحلى يجب أن يطمئنوا من خلال ثقافة الشمول بأن أولئك المهتمين يجب أن يفوضوا للمشاركة. أكثر من هذا، فإن الناس المستبعدين والموجودين على هوامش المجتمع يمكن أن يحصلوا على مساندة أفضل من خلال الاستراتيجيات الابتكارية الجديدة والتى تشجعهم على العودة مرة أخرى الى التيار العام للمجتمع .

6 - الرأسمالية الخيرة والتخفيف من الاستبعاد الاجتماعى فى مجتمع المعلومات

بالرغم من أنهم أكثر حاجة للمساعدة والمساندة من الآخرين، فإن هيل قد ناقش الكثير من السكان غير المنظمين بدرجة كافية ، من أولئك الذين لا سكن لهم ، ولا عمل ، والمعوقين ذهنيا ، والذين يعانون من مساوئ العنصرية ، موضحا أنهم لا يستفيدون من دولة الرعاية الاجتماعية ، كما أن الجماعات غير المستفيدة مسبقا عادة ما تتجمع فى جغرافية خاصة ، وتظهر استعدادا ضعيفا مريضا كى تنظم نفسها أو لتكفل مساعدة نفسها ، لانهم سقطوا فى هوة البطالة والمرض والهامشية السياسية .

وتوجد عدة طرق للتفكير فى التقدم نحو مجتمع المعلومات ، الأول الإمكانات الجديدة التى تقدم لتحسين خبرات الحياة فى المناطق المحرومة ، بالرغم من ان التحسينات يمكن أن تظهر فقط من خلال البرامج المخططة بعناية لهذا الغرض ، بدلا من النتائج الاتوماتيكية أو الآلية .

من ناحية أخرى، هناك خوفاً متزايداً من أن بروز مجتمع المعلومات قد يفاقم من المشكلات القائمة أو يقود إلى أشكال جديدة من الاستبعاد الاجتماعى. فى تقييمه لظروف الجماعات التى تعيش على هامش المجتمع استخدم الاتحاد الاوروبى اصطلاح الاستبعاد الاجتماعى ، وكانت السياسة الناتجة عن ذلك هى أن الحكومات الاوروبية القديمة قد بادرت بمحاولة لعلاج هذه المشكلة ، وتم توجيه المعونات الى المجتمعات الصغيرة فى المناطق المحرومة على امتداد أوروبا للتخفيف من حدة الاستبعاد الاجتماعى ، ومنع حدوث المزيد منه.

وعرف دافى الاستبعاد الاجتماعى بأنه الإبعاد وعدم القدرة على المشاركة بفعالية فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، بينما أشار تقرير آخر صدر عام 1997 الى أن الاستبعاد الاجتماعى وان كان ظاهرة اقتصادية أساسا إلا أن لها نتائج سياسية واجتماعية هامة ، بينما يرى أوبنهايم أن الذين يعانون الفقر ليسوا بالضرورة مستبعدين اجتماعيا لأن الفقر قد يكون عاملا مساعدا على استيعابهم اجتماعيا .

والإجابة الاولى على ذلك تتمثل فى ضرورة إيجاد طرق جديدة لمنع الاستبعاد الاجتماعى وإعادة الجماعات المستبعدة الى محيط المجتمع وتياره العام، ولعمل ذلك يقترح اوبنهايم انه من اللازم أن نأخذ فى الحسبان العولمة ، التغيرات فى سوق العمل، وفى تكوين الأسر ، والتغير فى رؤية الانسان لنفسه ومكانه فى المجتمع باستقلال أكثر ، الفردية ، الاختيار، المخاطرة ، بالإضافة الى هذا فقد ناقش المشكلات المستمرة والتى تتطلب تعريفا وتحديدا من أجل حلها .

ان هناك حاجة ملحة لتزويد الناس بما يشبه سلالم الفرصة كى يتحركوا بعيدا عن الفقر والى شبكة الأمان الأوسع لأجل هؤلاء الذين لا ذنب لهم فى أن يجدوا أنفسهم فى فاقة شديدة. ان المبدأ التقليدى للفوائد العالمية ، فى موضع تساؤل ثقيل ، ولقد نذرت حكومة المملكة المتحدة نفسها لتشجيع وتعزيز القيم الجماعية للفرصة والمسئولية والمجتمع.

ثالثا : تشكيل الطريق الثالث لثقافات مــن أجل رأسمالية أكثر تماسكا وأكثر اجتماعية وشمولا

1- استعادة شباب أدوار المواطنة

يشير الطريق الثالث الى أن الثقة والرغبة الطيبة والثقة المتبادلة أمر أساسى لما يطلق عليه الاستثمار الاجتماعى آخذا فى الاعتبار ضرورة تعميم وتعزيز أشكال المواطنة . ان التحرك بعيدا عن الأنانية والمصالح الشخصية باتجاه الشخصية الجديدة المهتمة ، والمواطنة الأفضل ، والمجتمعات المتساندة ، ينظر اليه كمؤشر أساسى للمشاركة فى المعلومات وتطوير القبول الواسع للمسئولية الاجتماعية الجماعية . النتائج الاجتماعية والاقتصادية المتصورة من توفر المعلومات الأفضل وجودة التفاعل والمشاركة التطوعية المتساوية تتمثل فى ان قدرة الأشخاص والجماعات على الإنجاز والمشاركة فى النتائج سوف تكون أكثر فعالية . لقد حاولت حكومة المملكة المتحدة حل مشكلة الاستبعاد الاجتماعى من خلال وحدة الاستبعاد الاجتماعى ، وتوازيها فى اسكتلندا شبكة الاستبعاد الاجتماعى الملحقة بحكومة اسكتلندا ، وكانت المشكلات تحل فى المناطق والمقاطعات ذات الإسكان السئ من الجهود التى تركز على إنجاز تحسينات فى الأعمال، وخلق مناطق جيدة لتربية الاطفال ، وتحسين مجالات الأمان للجميع ، بحيث تكون خالية من التخريب ، العنصرية ، الجريمة ، المخدرات ، مع توفير تعليم جيد ، وخدمات صحية، وتوفير الحصول على خدمات التسويق، النقل والبنوك ، بلطف واعتدال. ان النهج المؤسسى على الرفاهية التقليدية قد أعطى مجالا أكبر للاهتمام بالمشكلات الاقتصادية وإنجاز حلول لها فى المناطق والمجتمعات المحلية المستبعدة مع تأكيد خاص على الشباب . لقد بذلت جهود أخرى لمواجهة الاستبعاد الاجتماعى، من خلال تنمية استراتيجيات سوق العمل ، ومشاركة القطاع الخاص، ومساندة جماعات رجال الأعمال. عموما، فان الدور الاولى للحكومة المركزية يتمثل فى تقديم الموارد من أجل خلق ثقافات أفضل للمواطنة فى إدارات الحكومة ، والحكومة المحلية ، وقطاعات المجتمع الاخرى.

2 - قيادة الطريق الثالث: الشفافية، المسئولية وإحياء الحكومة المحلية

لقد دعا تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا الى الطريق الثالث فى الحكومة المحلية ، كى يزودنا بالقيادة التى تقدم او تعطى الرؤية ، الشراكة وجودة الحياة فى المدن والقرى فى كل انحاء بريطانيا ، لقد رأى بلير أن المحليات تحتاج الى حساسية واضحة فى التوجه عندما يكون المطلوب وضعه على برنامج العمل العام هو أننا يجب ان نعمل معا من أجل أهدافنا ، وتطوير المزيد من التلاحم والتماسك فى تقديم الخدمات المحلية ، وتنظيم أفضل لجودة هذا الخدمات التى تتسم الآن بانها متغيرة .

وقد أشار بلير عام 1998، الى ان الحكومات المحلية تحتاج الى تبنى ادوار جديدة للقيادة، ويجب ان تركز بقوة على الرؤية الأكثر وضوحا للمحلية وان تنظم وتساند الشركات وتضمن جودة الخدمات للجميع . بقبول ذلك، فان المملكة المتحدة قد جربت انخفاض عدد المشاركين فى الانتخابات المحلية والقاعدة الضعيفة للمساندة الشعبية ، وقد أشار بلير الى الحاجة الى شرعية ديمقراطية جديدة ، وتوفير طرق جديدة للناس كى يدلوا بأصواتهم ، كأن توضع صناديق الاقتراع فى المجمعات التجارية ، أو إجراء الانتخابات بواسطة إرسال ورقة الاقتراع بالبريد ، أو إجراء التصويت فى عطلة نهاية الأسبوع .

ان هذه القضايا لم ترتبط بعد بمفهوم الديمقراطية التمثيلية التى تحتاج كى توضع موضع التطبيق الى المجالس المحلية ، وتحتاج الى تجنب الإمساك بالحبل فى العالم السرى للمؤتمرات الحزبية ، والجماعة الحزبية .

البديل لذلك، هو أن الناس يجب ان يملكوا كلمتهم، وان يقولوها فى اختيار المحلفين ، الاستقصاءات المحلية ، والاستفتاءات الشعبية. ومن ثم، فان الأهداف الهامة للحكومات المحلية ، ان تعمل من أجل تحسين أعداد المشاركين فى التصويت ، وتقوية المشاركة الشعبية المحلية فى الحكومة المحلية .

وبينما يعتقد بلير بان الناس يحتاجون الى معرفة من المسئول سياسيا عن إدارة مجلسهم المحلى ، فانه يدرك ان الناس لا يملكون القول فوق قادتهم المحليين نتيجة لان قواعد القيادة غير مفهومة وليست معروفة بالقدر الكافى ، وللتخفيف من حدة هذه المشكلة فانه يعتقد بضرورة فصل القواعد التنفيذية عن القواعد غير التنفيذية . ولان الفساد وسوء التصرف لا يتسامح معه ، فان القواعد القانونية الصارمة للسلوك ، والفحص المستقل ، وتقرير الحجج الخطيرة نحتاج اليها للتعامل مع القلة التى تفسد .

وفى بعض القضايا النوعية، توجه الحكومة المحلية للعمل باقتراب مع الحكومة المركزية. ولتقليل أو التخفيف من الاستبعاد الاجتماعى، فان الحكومة المركزية تشير الى انه من الضرورى حل المشكلات وتقديم الخدمات بالشراكة مع الآخرين ، فالمجالس المحلية يجب ان تضع أهدافا للتعليم ، وفيما يخص العمل من أجل الحياة ، فان الشركاء يحددون الوظائف للشباب المتعطلين كى يشغلوها، ويطورون شبكات الاهتمام بالاطفال ، وبمستوى مهارات قوة العمل فى مجتمعهم المحلى. بالإضافة الى ذلك، فان استراتيجيات تقليل الجريمة يجب ان تنفذ من خلال عمل الشرطة المحلية والمجالس المحلية معا .

ولبناء الاقتصاد السليم، يجب على المجالس المحلية ان تعمل مع رجال الأعمال ومؤسسات التدريب ، ومجالس المؤسسات وأعضاء مجالس التجارة لجذب الاستثمارات ، ولتطوير وتنمية الأعمال التنافسية .

كما أن هناك حاجة الى تحسين الصحة العامة وتنفيذ برنامج البيئة للقرن الحادى والعشرين ، ومن ثم فانه لبناء مستويات عالية فانه من الضرورى أولا بناء مساندة المجتمع المحلى والتركيز على الشركات، ولإنجاز رؤية مشاركة ومتماسكة توجد حاجة ملحة للمجالس المحلية لتعبئة الاستثمار ، وإعطاء المنح وحفز طاقات أبناء المجتمع المحلى ومؤسساته لتلبية وتوفير احتياجات هذه المجتمعات .

ويرى بلير ان الدور الأولى للمجالس المحلية هو تطوير أكثر لدور قادر على نسج وربط المساعدات والتبرعات بالذين يحصلون عليها محليا. وطبقا لويلسون وجيم فان الدور القادر للسلطة الذى تبنته الحكومات المحلية منذ الثمانينيات يفترض من حيث الرؤية ان تستمر السلطات المحلية فى مقابلة الحاجات المختلفة لسكانها ، مستخدمة قنوات التوفير، سواء التوفير المباشر من جانب السلطة المحلية ، أو القطاع الخاص أو القطاع التطوعى .

ويوجد تركيز على الحاجات الجماعية والفردية على السواء ، وبصفة خاصة فان فكرة المجتمعات المحلية بعيدة عن تأثير او مضمون قواعد المستهلك، مع التلميح الى التأكيد العالى لديمقراطية المشاركة، ومسئولية المجتمع، والرغبة فى تطوير دور لشبكة خارجية للعمل من خلال التأثير الذى سيبذل .

3 - الطريق الثالث لأجل القطاع الثالث : تقليد التطوع النبيل والاقتصاد الاجتماعى المبادر

فى فترة ما بعد الحرب حاولت الجماعات التطوعية فى المملكة المتحدة ان تعمل الى جانب الدولة للتخفيف من حدة الفقر ، وبينما ترى الرؤية الليبرالية ان الجماعات التطوعية تتبع تقليدا نبيلا ، فان الديمقراطيين الاجتماعيين التقليديين كانوا ينظرون بتعالى ، لذلك كانت الجماعات التطوعية دائما فى موضع عدم الثقة .

مع تفكك دولة الرفاهية الاجتماعية التقليدية فى السنوات الأخيرة، فان تحركا مدروسا قد بدأ بعيدا عن الديمقراطية الاجتماعية الجامدة ، فقد صارت القطاعات الاجتماعية والمدنية تواجه ضغوطا متزايدة لتقديم الخدمات العامة الأرخص بطريقة أكثر فعالية، وأكثر مسئولية. وفى الوقت نفسه، فان بروز الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة لمجتمع ما بعد الصناعة ، ومتطلبات مجتمع المعلومات، قد تطلبا وجود جماعات فى القطاع العام والتطوعى تستطيع ان تكيف وسائل ومناهج جديدة لو أرادت ان تقدم استجابة مرضية للتحديات الجديدة .

خلال التسعينيات، بدأ استعمال اصطلاح الاقتصاد الاجتماعى كمرادف للقطاع التطوعى والقطاع الثالث ، كى يصف الأدوار الجديدة الهامة الموزعة على المنظمات غير التابعة للدولة وغير المشتركة مع الدولة ، وغير الساعية للربح أى المنظمات التعاونية العاملة للفائدة العامة.

وقد ازداد نمو وتطور الرؤية الخاصة بأن المديرين الحكوميين المبادرين يجب أن يتوسعوا فى بناء الجسور بين القطاع العام والقطاع الخاص ، وان يصبحوا أكثر استعدادا فى استخدام طرق الأعمال لتنظيم الشراكات المناسبة وتقديم خدمات أفضل للمواطنين . لقد ركز مركز التفكير فى المملكة المتحدة الاهتمام على هذه المناطق ، مقترحاً ان المبادرات الاجتماعية والمدنية يجب أن تقود تنمية الاقتصاد الاجتماعى، وان تقدم حلولا عملية وفعالة لحل المشكلات المحلية .

ومنذ التحرك المدروس بعيدا عن قيام دولة الرفاهية الاجتماعية بتوفير الخدمات، فان مسئولية تقديمها قد سقطت عن القطاع العام الذى أصبح عليه من ناحية أخرى أن يتعاقد مع القطاع الخاص والمنظمات الاجتماعية والمدنية الأخرى كى تقوم بهذه المهمة . وقد ساعد على ذلك التحول الى مجتمع المعلومات ، حيث وفر لهذه القطاعات البيانات المركزية المتطورة لمساندة المشاركة فى المعلومات وبناء البنية الأساسية الفعالة للاتصالات التى من المتوقع ان تساند وتدعم الحلول الجديدة المثابرة للمشكلات المحلية .

4 - مساندة المشروعات المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم

منذ السبعينيات تطورت طرق أكثر مرونة للتراكم الرأسمالى ، ونتيجة لذلك فان الأعمال الصغيرة والمتوسطة ارتبطت أفقيا من خلال شبكات قطاعية متعاونة مع الأجهزة الحكومية ، ووفقا لفريزر، فان المحيطات المحلية والوسط الاجتماعى كانت له أهمية حاسمة فى تقرير او تحديد نجاح التفاعل بين المؤسسات المحلية. بالإضافة الى ذلك، فقد أشار فريزر الى انه بينما تحتاج المشروعات المحلية الصغيرة والمتوسطة لان تتدعم بالمساندة الإدارية والعملية المنظمة بواسطة الأجهزة الحكومية الفرعية، الا انها يجب أن تستمر معتمدة على البنية الاقتصادية والخدمات الاجتماعية والخدمات الاخرى التى تقدمها الحكومات الإقليمية والمحلية. وتشمل هذه الخدمات ، طريقة الوصول الى التكنولوجيا، توفير المعلومات والتدريب اللازم لإنتاج قوة العمل المحلية ذات المهارات المطلوبة.

وبينما كان الحماس للمبادرة له تأثير مختلف من خلال التفاعل مع السقف الموروث للتركيز على الأنانية الفردية ، فان تنمية مهارات المبادرة والدافعية كانت مركزا لديناميكية المجتمع التجارى. ان ثقافة المبادرة ، ونظام التعليم المصمم بدقة يجب أن يتطورا ليقدما المساندة لخلق الأعمال الصغيرة، والتى يمكن فيما بعد أن تساعد على خلق مجتمعات محلية وحل أزمات اقتصادية واجتماعية فى الأمد الطويل. المساندة يمكن تنظيمها بطرق متعددة، جافرون يطالب بمزايا بارزة يمكن تنميتها من خلال بناء شبكة عمل مبادرة مع الأطراف، أو العمل كفرق. خلق فرص للمتعطلين عن العمل من خلال مخططات لتشجيع الأعمال الجديدة احدى السياسات الهامة للتنمية ، ويرى عدد من المؤلفين انه مع استمرار المساندة وانتشار التدريب الجيد الملتقط من الخدمات المنضبطة، فان نجاح المبادرة سوف يستمر .

ان الأهداف المتماسكة لتطوير ثقافة المبادرة أساسية بالنسبة للتدريب التعليمى ولمخرجات التوظيف للشباب ، وحدات المشروع والأعمال ترتبط بوكالات المشروع لتصبح أكثر مبادرة فيما بينها ، ولتشجع على تنمية الأعمال الجديدة ، وتشجع المبادرة لدى الآخرين.

الشراكات المتساندة بين القطاع العام والخاص والثالث، سوف تتشكل كلما كان ذلك ممكنا. والنصيحة الجيدة ، والتدريب الملائم ، والمساندة الرحيمة ، ستكون متاحة من خلال تقديم برامج أفضل للخدمة العامة .

5 - الرأسمالية الخيرة. لنمذجة وتجهيز المواطنين المسئولين والراضين :

تطالب حكومة العمال فى المملكة المتحدة ، باستقلال ديمقراطى ، وبديمقراطية المشاركة للمواطنين العاديين. الاستقلال الديمقراطى يعنى ان الناس يجب أن يكونوا أحرارا ومتساويين فى تقرير شئون حياتهم ، بينما ديمقراطية المشاركة تطوق الشخصية الجديدة ، وتعنى اننا جميعا يجب أن نشارك فى الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية الجماعية، وان يكون لدينا قدر من المعرفة بالقواعد الروتينية للإسهام فى وضعها على برنامج عمل الحكومة ، واستنادا الى قاعدتها الأخلاقية، فإن الرأسمالية الخيرة تجهز المواطنة المتعلمة المسئولة اجتماعيا.

فى اى مجتمع متساوى فان المثل الأعلى سيكون ان الناس سوف تحترم حاجات بعضها البعض، وتعد لتعمل للصالح العام، القبول الأعظم للناس العاديين يعنى قبول المسئولية لتطوير فرصهم وحياتهم الخاصة.

على سبيل المثال، من خلال البرنامج طويل الأجل للتدريب وزيادة المهارات فان برنامج التحول الاجتماعى الذى يستهدف أنصاره إعادة الذين استبعدوا من المجتمع الى داخل المجتمع، سوف ينجح لأنهم سيدركون انهم يمكنهم الالتحاق بالحياة الكريمة.

بالرجوع الى مبادئ الحياة الأمريكية، وهى الحرية وتحقيق السعادة ، فان مركز التفكير البريطانى ، طالب بان يكون مواطنو المملكة المتحدة فى كل قطاعات المجتمع مشاركين فى التنمية من أجل الحياة الكريمة ، ويوجد تأكيد على أن منهج التعليم الاجتماعى يساعد على تبنى أكثر للرأسمالية الخيرة ، فالناس يجب أن يرفضوا مفهوم الأنانية الفردية المرتبطة أساسا بالنمو الاقتصادى الفردى ، والنجاح المادى وارتباطه بتراكم السلع والمكانة. والحياة الطيبة وفقا لمركز التفكير البريطانى، يجب أن تؤسس على التفاوض وانتشار عدم الأنانية ، الأمر الذى ينتج سلوكا أكثر مراعاة لمشاعر الآخرين وأكثر رحمة، كما أنه ينتج شخصية جديدة ، ويوجد تركيز على تنمية نماذج جديدة للسلوك على أساس التحرك بعيدا عن الأنانية الشخصية وباتجاه أشكال أكثر نبلا للمواطنة ، ويتبع ذلك ازدياد أعضاء المجتمع الخيرى القادرين على الاهتمام الجماعى بحاجات الاخرين .

ان تعقب قوس قزح لا يقود بالضرورة الى السعادة ، بل أنه قد يؤدى الى إدمان المخدرات، القهر، وقد يقود الى المشكلات النفسية والى الحاجة الى العلاج .

التلوث مشكلة إضافية ظهرت نتيجة للانتشار الكبير للتصنيع الكونى والذى قاد الى التأكيد الجديد على توفير الخدمات، ومحلية النشاط الاقتصادى. ومن ثم، فانه من الحيوى ان الالتحاق بالحياة الطيبة يتدعم برأس المال الاجتماعى ليجعل تمويل اى اقتصاد مدعما للبيئة وقادرا على خلق مجتمع أكثر شمولا .

الناس يجب أن يشجعوا على عمل أفعال كمواطنين نشيطين، ويعدوا لكى تكون لهم كلمة بالنسبة للتغيرات التى تؤثر فى حياتهم. وبالتالى، فان جوهر الحياة الطيبة يتحدد موقعه فى تنمية الحياة التى تحقق الرضا الشخصى والحياة الأخلاقية الراقية ، عودة الى مفاهيم الأسرة ، الأصدقاء ، المجتمعات المحلية ، لتقود نماذج الحياة الأخلاقية ، المساندة بقوة بالمساواة الأفضل وبنهج أخلاقى واضح للسياسات يتعامل مع الدخل والحرمان .

ومع ذلك، فان المفهوم الواسع للأزمات الاقتصادية والاجتماعية يدعم ما ينظر اليه على انه منحرف ومعاد للسلوك الاجتماعى ، وقد اقترح مركز التفكير البريطانى ان مشكلات كالجريمة ، المخدرات ، البطالة ، العنف ، التمييز واستبعاد الكثير من الناس ذوى التعليم السئ لا تحل دائما بإنجاز مجتمع الوفرة. لأن الرخاء لا ينتشر ليصل الى كل انسان ، فلا يزال الكثيرون فى النظم الرأسمالية يعيشون فى الفقر ، بينما السياسة الاجتماعية بالمفهوم العميق تعنى بقضية ان الناس يجب ان يتحملوا المسئولية فى إدارة شئون حياتهم ، مع استمرار مساندة المجتمع والحكومات لتمكين المواطنين المفوضين بالقيادة من تحقيق الحياة الطيبة.

6 - المسئولية الجماعية لتحقيق تراكم رأس المال البشرى والاجتماعى وإنتاج قوة العمل الماهرة .

فى نفس اتجاه الجماعية ، يسعى الطريق الثالث لجعل الحدود بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع غير واضحة. الرأسمالية الخيرة تلقى الضوء على الاحتفاظ النشط بالمؤسسات المدنية فى المجتمع ، وخلق المسئوليات المتبادلة ، والالتزام بإنجاز الحرية الشخصية على المستوى المحلى ، فالحكومة المحلية والقطاع العام والخاص والتطوعى والمواطنون تحت ضغط متزايد لقبول المسئولية الجماعية ، وبعث النشاط والهمة على المستوى الحضرى، وإنتاج دافعية عالية وقوة عمل ماهرة .

أ - رأس المال الاجتماعى

ان اصطلاح رأس المال الاجتماعى هو اصطلاح مجازى فى الأساس، وهو يدعم المعنى البلاغى للخطاب. وبالرغم من ذلك، فان فائدته قد ازدادت ، وأصبح يستخدم بازدياد فى استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، رؤية المدنية ، صنع السياسة ، التنمية الحضارية، ووضع برنامج العمل السياسى .

وفكرة رأس المال الاجتماعى لها مضامين بالنسبة لممارسة التنمية ، وتدعم الاقتصاد والأبنية الاجتماعية التى تؤثر فى الحياة المدنية والرفاهية وتقديم الخدمات فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية اقترح البنك الدولى ان مفتاح مصادر رأس المال الاجتماعى ربما يوجد فى العائلة ، فى المجتمعات المحلية ، فى الحقول ، فى الخدمة المدنية ، فى القطاع العام ، فى الاثنيات والأعراق .

ومفهوم رأس المال الاجتماعى وفقا للبنك الدولى ، وكما هو منشور على شبكة المعلومات الدولية يشير الى المؤسسات ، العلاقات ، الشبكات ، قواعد السلوك التى تشكل الكيف والكم فى التفاعلات الاجتماعية للمجتمع ، فرأس المال الاجتماعى لا يتلخص فى المؤسسات المساندة فى المجتمع ، بل أنه المادة اللاصقة التى تربطهم ببعضهم البعض . بالضرورة، فان مصطلح رأس المال الاجتماعى يتأسس على عقيدة فحواها أن الثقة والتعاون ينموان بين الناس ، عندما ينتسبون ويتضامنون جماعيا فى أفعال مشتركة .

ان رأس المال الاجتماعى يمكن ان يعمل فى مجالات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية ، وعلى مستويات أفقية ورأسية. ويمكن ان توجد هذه الظاهرة ، فى التنظيمات المؤسسية المدنية ، فى المجالات العامة والخاصة ، وفى مجالات اخرى كالمشاركة السياسية ، الفرص او الهدف العام ، التعليم ، العمل ، ووسائل الاعلام ، كما أن الجماعات التى تساعد نفسها يمكن ان تضاف الى رأس المال الاجتماعى المتراكم من خلال المساندة المتبادلة والطرق الجديدة للكفاح .

شبكات الكومبيوتر تستعمل أحيانا للربط بين الجماعات ، وكما يقول أحد المعلقين فى وثيقة منشورة على شبكة المعلومات الدولية : رأس المال الشبكى والاجتماعى ربما يكون محليا بحيث يشمل الناس والعمليات فى الداخل، او كونيا بحيث يشمل الناس والعمليات فى الخارج .

ويرى التفكير المعاصر ان إنتاج شبكات التعاون والمساندة فى الجماعات التعاونية أكثر ملاءمة من نظام السوق او الدولة فى توليد رأس المال الاجتماعى وبناء مجتمع مدنى أفضل.

ان رأس المال الاجتماعى المتراكم فى الفضاء بين الدولة والسوق من المتوقع ان يساعد على خلق فرص العمل ، وان يقلل من الفقر ويؤدى الى زيادة التماسك الاجتماعى ، وتقليل الاستبعاد الاجتماعى، الا أن رأس المال الاجتماعى ليس نتيجة آلية لكل أنواع التنظيم. ومن ثم، فيجب عمل الفحوصات من خلال النظر فى العمق ، على سبيل المثال غرض التنظيم ، تصميمه، بناؤه وعمله ، للتأكد مما اذا كانت منتجا بالفعل لرأس المال الاجتماعى أم لا .

ب - رأس المال البشرى

يصف تودارو رأس المال البشرى بانه استثمارات منتجة تتجسد فى الأشخاص البشرية. وهذا يشمل، المهارات ، القدرات ، المثل ، والنتائج الصحية للإنفاق على التعليم، وبرامج التدريب والرعاية الصحية، والمعتقد هو أن رأس المال البشرى يساند قوة العمل الصحية.

خطة عمل التوظيف التى أعدت فى المملكة المتحدة عام 1997، وطرحت فى جدول أعمال الحكومة ، إعادة اوروبا الى عمل المبادرة اقترحت ان يعد الاستثمار فى رأس المال البشرى مرتبطا بالقدرة النوعية على التوظيف ، واعتبرته مفتاح المجتمع المتماسك الذى يمنح الفرصة لكل مواطنيه ، مؤكدة على موضعه كموازنة صحيحة بين الفعالية الاقتصادية والاستيعاب الاجتماعى .

وقد شملت الأولويات العليا لهذه الخطة ، تطوير التعليم الجامعى، حيث أن التأكيد قد وضع على التعليم ، برامج تنمية المهارات ، برامج إعادة بناء المهارات، وبرنامج العهد الجديد الذى ينوى نزع استغلال دولة الرفاهية الاجتماعية .

كما وضعت الكثير من أجل التأكيد على تحسين تعبئة العمل وتوفير مساندة أكثر للإدارة الاجتماعية للتوظيف ، وهدفت كذلك الى استعادة السلام المدنى وإحياء المجتمعات المحلية ، وبناء قوة عمل محلية أفضل .

ومع ذلك فقد أشار اولريك بيك الى انه بينما اختارت الحكومة إعطاء الاولوية العليا للعمل على مساندة النظام فى المجتمع الشامل، الا انها لم تأخذ فى الاعتبار بعد بأى عمق حقيقى المجتمع الذى لا يتمركز حول العمل المؤجر .

رابعا : الفلسفات النبيلة والمجتمع المرتكز على شبكات المعلومات

استوعبت الأبنية الروتينية فى المملكة المتحدة الكثير من جوانب الرأسمالية الخيرة، ولهذا فان استراتيجيات التعاون المعلوماتى قائمة فى عملية تطوير وتنمية الارتباطات العملية بين التحول الى مجتمع المعلومات ، وشبكات المجتمع ، وأنشطة بناء المجتمع .

ان المجتمع المرتكز على شبكات المعلومات، والذى انتشر منذ مطلع التسعينيات قد صاحبه مبادئ غير أنانية وفلسفات نبيلة. وبصفة عامة، تزعم الشبكات الجديدة انها تسعى لتشمل المجتمع، وانها تحاول ان تجد حلولا جديدة للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية من خلال الخبرة الطويلة للأحياء المتميزة .

وفى تقرير نشر فى مطلع عام 1997، وردت اشارة مبكرة الى أن المجتمع الجديد المؤسس على المبادرات يسمح لأعضائه فى اى مجتمع محلى باستخدام طريق المعلومات السريع من أجل مصلحتهم الخاصة ، وطالما انهم يشتركون فى نفس الأهداف ، ستحتفظ بقدرتها على التبادل ، كما أنها ستقترب لترتبط بالتاريخ المحلى ، والاحتياجات المحلية والكونية المتصورة فى كل مكان على مدى الزمن. أكثر من هذا ، فانه حيثما تبنى فانه سيكون من الملائم جدا ان التدريب والمساندة التى تستعمل للتحول الى مجتمع المعلومات سوف تكون متاحة .

تمنح شبكات المعلومات قضاء عاما لكل فرد فى الحى ، ومع ان القدرة على توفير المعلومات هائلة الا أن الاتصال يعد أكثر أهمية من المعلومات ، شبكات المعلومات المحلية يمكن ان تزودنا بخطوط او روابط اتصال عبر المجتمع. على سبيل المثال، بين الناس وبعضهم البعض، بين الناس ونخبة القوة، بين القطاعات الثلاث العام والخاص والتطوعى وجماعات المساندة المدنية الأخرى .

وفى حين ان جماعات المصالح والقطاعات تستطيع أن تعمل باستقلال لإنجاز أهدافها، فانها يمكن أيضا ان تعمل فى شراكة ، وفى المشاركة فى المعلومات لمساندة التطوير الاقتصادى والاجتماعى وتجديد المجتمع .

المديرون المحليون والإداريون الذين يشملهم توسيع الشبكات الاليكترونية يمكنهم ان يعملوا كوسطاء للتنمية فى المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكل نظام يستطيع أن يطور مدى مقعده الخاص فى تحديد الأهداف والأدوار. ولان النتائج لم تتحدد بعد ، فان الفروض التى وضعوها فى عملية بناء البنية الأساسية للمعلومات والاتصالات ، هى أن المجتمع المرتكز على الشبكات الاليكترونية سوف يولد فوائد ديمقراطية ، وسيساعد على إعادة بناء المجتمعات فى الأزمات .

خامسا : النتائج

فى نظريته البنائية، حاول جيدنز ان يقيم جسرا بين انقسامات النظريات البنائية، واولئك الذين يمارسون الفعل والتفويض ، وعند تقريره البنائية باعتبارها تمكن من الموارد والمحددات ، ناقش فكرة ان النظريات يمكن ان تتركب من خلال قدرة الوسطاء البشريين على إعادة إنتاج البناء ، وقد أكد على التناقضات بين أمرين تم تحليلهما من خلال العادات اللاشعورية التى أنتجت وأعيد إنتاجها دائما فى مجال الروتين والتفاعل اليومى ، آخذا فى التفكير ان الوكلاء البشريين مدعوون للعمل من خلال أبنية وسيطة .

وقد أشار المقال الى أن خصائص الطريق الثالث قد أدخلت فى الروتين اليومى وفى العادات فى المملكة المتحدة ، ومن خلال عملية التعليم الاجتماعى التى دائما تدعم الأعمال البشرية الروتينية ، لتقدم صورة أكثر جاذبية للرأسمالية الخيرة فى الأبنية العميقة للمجتمع.

كما ألقى المقال الضوء على الرغبة الواضحة لقطاع من الحكومة المركزية فى اللامركزية وخلق أبنية إدارية أفقية لتوليد نسق جديد من المعتقدات يتجنب قيادة جديدة تمركز أكثر على الرحمة والرأسمالية الخيرة ، كما أوضح المقال وجود رغبة قوية تتميز بالفصل بين المؤسسات والايديولوجية ، بين الأسلوب القديم للديمقراطية الاجتماعية والليبرالية الجديدة مستهدفة بذلك أسلوبا جديدا للديمقراطية الاجتماعية يزيد من الشفافية والمسئولية الديمقراطية .

يمكننا ملاحظة أن المبادئ والفلسفة التى تقود وتحرك الطريق الثالث تدعم وتتجه لاستعادة الثقة العامة فى السياسة ، وتوفر تسهيلات أكثر لميكانيزمات المساندة فى المجتمع ، كما انها يجب أن تكون أكثر ملاءمة لمجتمع المعلومات .

أشار المقال الى أن الدور المفضل للحكومة المركزية هو إنتاج الموارد ( المدخلات) اللازمة لخلق ثقافات أفضل للمواطنة فى كل قطاعات المجتمع ، وقيادة محلية أكثر رحمة ، وأكثر مسئولية وشفافية ، وأعمال محببة أكثر ، وقطاع تطوعى فعال ، وقطاع تعاونى قوى أكثر مساندة وذو مبادرة عالية للقيام بأعمال صغيرة فى المجتمع، وأكثر حرية ونشاطا وأكثر تحملا للمسئولية العامة ، ومجتمع ذو قوة عمل ذات دافعية ومهارة عالية ، وانه باستخدام هذا المنهج فان المجتمع سوف يشمل كل فرد فيه .

كما أوضحت الدراسة ان المجالس المحلية تواجه الآن ضغوطا متزايدة من أجل ان تقبل تحمل مسئولية تنظيم جودة الحياة على المستوى المحلى وفى ذات الوقت يجب ان تكون أكثر قبولا ومسئولية وشفافية .

كما بينت الدراسة أن احدى المهام الهامة للحكومات المحلية هى تقوية العلاقات بين المبادرات فى القطاع العام والخاص والتطوعى الذى لا يسعى الى تحقيق الربح ، كما أن هذه القطاعات يجب أن تعمل بتناسق وشراكة مع بعضها البعض ومع المواطنين فى المجتمعات المحلية لرفع مستويات المعيشة وهزيمة الفقر .

فالشراكات المتساندة وأبنية الاتصال الجيدة تتشكل لكى تبنى القدرة لدى المجتمعات الفقيرة ، ومن المتوقع أن تحقق تراكما فى رأس المال الاجتماعى والبشرى وتحسن الحياة فى المناطق الفقيرة والمعدمة ، وأساليب الحياة فى المناطق التى تعيش فى أزمات .

كما أشارت الدراسة باختصار، الى الأخطار الموروثة فى بعض المناهج الجماعية لبناء المجتمع المحلى ، موضحة انه يبدو أن هناك اقتراحا موروثا يتلخص فى انه عند استعادة قدرة الجماعة على العمل فانه يتم آليا تصحيح ما كان يعتبر خطأ فى الجماعة ، ونرى ان هذا موروث جيد حتى عندما تتجنب القواعد التنظيمية الجديدة التى وضعها الأعضاء الأقوياء فى الجماعة ، التشاور مع أبناء الجماعة وإبعادهم عن المشاركة فى المعلومات وموارد الاتصال.

وان ما دعا اليه جارنهام هو أن القوى الاتصالية غير المتساوية تتجادل مع بعض الطرق الإصلاحية الموظفة فى بناء الجماعة ، وقد رفع من أهمية موضوع سياسة المعلومات ، ملقيا الضوء على الحاجة الى التصرف على من الذى يقرر أو يحدد الموارد الثقافية والمادية للاتصال ، والى اى أغراض يوجهها ؟

اخيرا، فان المقال قد أشار الى الوصول الى المجتمع المرتكز على شبكات المعلومات والمصمم لتزويد المساندة الاليكترونية لبناء المجتمع المحلى ، ولأن المساحة المتاحة محدودة فى هذا المقال لمناقشة وبحث هذا الموضوع بالتفصيل فانه ربما يكون من المفيد توجه الاهتمام باختصار الى دراسة خدمة مجتمع المعلومات ، شبكة معلومات المجتمع فى ادينبرج وسكوتلندا.

لقد صمم الفحص الطويل الأمد لغرض تأسيس وتنمية ، واستعمال الاهتمام بشبكة المعلومات . ويوجد إطاران نظريان هما الديمقراطية الوهمية، والمبادرة الحضرية وقد تطور هذان الإطاران آخذين فى الاعتبار رؤى المطورين والمستخدمين ، وقد أخذت فى الاعتبار كذلك المصلحة المركزة على جوانب القوة والتحكم بمعنى : من يساند شبكة المعلومات ؟ من يتحكم فى موارد الاتصال ولأى هدف ؟ وماهى حقيقة القوة الاتصالية ؟ أو ما هو واقع القوة الاتصالية؟ .

انه يوجد مفتاح تحليلى يركز على العلاقة بين البناء والوكالة ، كما تركز الانتباه أيضا على الأبنية المساندة، الاجراءات المقبولة ، القواعد المكيفة بواسطة شبكة المعلومات وتصميم فئات الاتصال الوهمى .

ان فكرة الرأسمالية الخيرة التى تم وصفها فى الدراسة قد ظهرت من استعراض الأدبيات وبدرجة أكثر أهمية بعد تطبيقها لمدة طويلة فى الواقع. ومن ثم، فالرأسمالية الخيرة تزودنا بإطار مفاهيمى ونظرى يساعد أكثر فى التحليل ، كما أنه سوف يكون ذا قيمة كبيرة لو أن حقل دراسات الشبكة الاليكترونية قد اتسع ليشمل المجتمعات فى كل مكان، وهو ما يمكن ان يؤدى الى اكتشاف الإطار النظرى الذى يوضح ما جاء فى هذه الدراسة .

وسائل التنمية وكيفية تطبيقها(4)

لقد رسم الإمام علي (ع) لولاته مناهج واضحة، وبيَّن لهم شروطاً محددة، تستقيم أمور الرعية عند تطبيقها، وتتحقق عوامل التنمية عند تنفيذها والتي أهمها:

ـ توفير التماسك الاجتماعي وتحقيق المشاركة الشعبية.

ـ إقرار الأمن والنظام.

ـ القيام بالنشاطات الحياتية.

أ_ توفير التماسك الاجتماعي وتحقيق المشاركة الشعبية

يعتبر الإمام علي (ع) أن إقامة العدل وتحقيق المساواة يؤديان إلى التماسك الاجتماعي بين المواطنين وإلى رضي الرعية وتعاونها فيما بينها وبين راعيها، وهذا شرط أساسي لبناء العِمارة وبلوغ التنمية وتمكينها من الانطلاق، وإلا اضطربت الأمور وانتفت الاستقامة، وخيم التخلف. يقول الإمام:

"وأعظم ما افترض ـ سبحانه ـ من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله ـ سبحانه ـ لكلٍ على كلٍ، فجعلها نظاماً لألفتهم، وعزاً لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطُمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعية وإليها، أو أجحف الوالي برعيته اختلف هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثُر الإدغال في الدين، وتُركت محاج السنن، فعُمل بالهوى، وعُطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عُطل ولا لعظيم باطل فُعل، فهناك تُذل الأبرار، وتَعُز الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد1.

لقد نصح الإمام (ع) ولاته بأن يكونوا هم وخاصتهم ومن يلوذون بهم وعامة الناس سواء فلا يستأثرون بشيء من المغانم والمكاسب، وأمرهم بالاختلاط بالناس والخروج إليهم، والتعرف إلى حقائق أمورهم وعدم تركها إلى مقربين وبطانة تجعل من الحكم وسيلة لتحقيق المنافع، وتكوين مراكز قوى تستغل الحاكم لمصالحها ومآربها، وتوقع الظلم والقهر بالعباد يقول الإمام:

"إن أفضل قُرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية، وإنه لا تظهر مودَتهم إلا بسلامة صدورهم، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة الأمور، وقلة استثقال دولهم، وترك استبطاء انقطاع مدتهم، فامسح في آمال وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله، ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضيعن بلاء امرئ إلى غيره"2.

بهذه العدالة، وبإعطاء كل ذي حق حقه، وإضافة الجهد إلى صاحبه، تستقيم الأمور، ويتحقق الرضي الشعبي عن سياسة الدولة، وتحرص الجماهير على دوام العهد الذي تنعم فيه بتلك الرعاية، وتتسع في ظله آمالهم ومشاركتهم بتحقيق عمارة البلاد وبلوغ التنمية.

لم يكتف الإمام بدعوة ولاته إلى توفير العدل لتحقيق التماسك الاجتماعي وحصول المشاركة الشعبية بل أمرهم بتوضيح سياسة الحكم وتفسيرها وشرح أسباب بعض التصرفات حتى لا يترك مجالاً للشك وإثارة الريب والشبهات، فتكون القناعة في الطاعة، والولاء عند الرعية، وتقوى العزيمة والإرادة على محاسبة النفس عند الحكام.

يقول الإمام علي(ع): وإن ظنت بك الرعية حيفاً فاصحوا لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإن ذلك رياض منك لنفسك ورفقاً برعيتك وإعذاراً تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق"3.

بمثل هذه السياسة: صراحة الحاكم ورعايته للمحكوم، وطاعة المحكوم وولائه للحاكم، تتحقق الأخوة، ويقوى الترابط الاجتماعي، وتقوم دعائم التنمية والازدهار و"جميل الأثر في البلاد" كما سماها الإمام علي (ع).

ب_ إقرار الأمن والنظام

يعطي الإمام كرم الله وجهه أهمية كبرى للأمن والنظام، فهما قوام الحكم وأمل الرعية، فإذا وجدا أمكن أن يتحقق كل خير، وإن فقدا فقد كل خير، وهما ضروريان لتحقيق العمارة والتنمية. يقول الإمام:

"ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة، والزم كلا منهم ما الزم نفسه"4.

ينصح الإمام الولاة بتطبيق مبدأ الثواب والعقاب واعتماد حفظة الأمن أو "جنود الله" كما سماهم ليتمكن من الضرب على يد كل خارج على النظام، وتحقيق الأمن داخل المجتمع. واعتبر الإمام أن حفظة الأمن ومُقري النظام هم الحصون التي يتحصن بها المجتمع، والدروع التي يحتمي بها، وهم الطريق المؤدي إلى الأمن فيقول: "فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزَيْن الولاة، وعز الدين، وسُبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم"5. صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا مررت ببلدة فيها سلطان فلا تدخلها، فإن السلطان رمح الله في الأرض)6.

ج_ القيام بالنشاطات الحياتية

يرى الإمام الجهود المادية المبذولة لتحقيق العمارة تساعد في قيام مجتمع على مستوى من الإشباع المادي المرتفع، وتساهم بالتالي في تأمين حاجاته الاجتماعية والروحية لذلك يتعين على كل فرد أن يحقق ذاته في المجال الاقتصادي، وعلى الدولة أن تستجيب للآمال المتسعة للأفراد، وتشجيعهم على تحقيق النجاح في ميادين العمل والإنتاج التالية: الزراعة، الصناعة، التجارة، والخدمات.

1- الزراعة

كانت الزراعة في الماضي، وهي كذلك اليوم، عماد الاقتصاد ودعامته. والإنتاج الزراعي هو النصيب الأكبر للدولة من الخراج أو ما يسمى بالدخل القومي لذلك طلب الإمام من الولاة أن يهتموا بالزراعة والغرس ويعطوها العناية التي تكفل لهذا القطاع صلاحيته وزيادة انتاجيته امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من زرع زرعاً أو غرس فله أجر ما أصابت منه العوافي) وفي رواية أخرى أنه قال: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة)7.

فالإنتاج الزراعي، في رأي الإمام، هو القاعدة الأساسية لإنتاج المجتمع، وجميع القطاعات الأخرى تقوم عليه، وإن بناء غيره من القطاعات لا يجدي شيئاً وأهله8.

دعا الإمام (ع) إلى استثمار القطاع الزراعي بتخفيف الأعباء عن كاهل المزارع وتوسيع الموارد التي يملكها المجتمع، والعمل على زيادة الإنتاج الذي يعود بالخير والمنفعة على الأفراد، وليس إلى تكديسها في خزائن الدولة وجيوب الحكام، فيقول: "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً"9. ثم يضيف قائلاً:

"ولا يثقُلنَّ عليك شيء خففت به المؤنة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، وتزيين ولايتك"10.

إن هذا الذخر أو الادخار سوف يساعد الناس في تحسين أراضيهم، وتمويل الاستثمارات اللازمة لها، ويسند الدولة في أيامها العجاف الطارئة.

أما إذا تطلعت الدولة إلى جمع المال بتحميل القطاع الزراعي ما تستنزف كل إمكاناته فلن يبقى بأيدي أهله كما يقول الدكتور يوسف إبراهيم يوسف: "ما يمكنهم من بناء استثمارات جديدة به، فتتدهور قدراته (أي القطاع الزراعي) الإنتاجية، ويحدث به الخراب، أي التخلف الاقتصادي، وما يعرف اليوم بضعف إنتاجية هذا القطاع... ستحدث بالمجتمع ملمات ولن يجد المجتمع عندها في القطاع الزراعي كبير غَناء، ولن يتمكن المجتمع عندها من التغلب على ما حل به"11.

2- التجارة

إن القطاع التجاري في فكر الإمام (ع) يقوم بدور أساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يسرع بها أو يحدها، ويلعب دوراً جوهرياً في تطور المجتمع وتقدمه.

لقد أبدى الإمام اهتماماً بهذا القطاع، وبالعاملين فيه داخلياً وخارجياً حيث يقول: "استوص بالتجار وذوي الصناعات، وأوص بهم خيراً: المقيم منهم والمضطرب بماله، والمترفق بيده، فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجُلابها من المباعد والمطارح في بَرِّك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها"12.

فالتجارة تقوم بسد حاجات المجتمع ومتطلباته، والقائمين بها هم مواد المنافع وأصلها وأسبابها. لذلك نجد الإمام يعطي أهمية بالغة لعملية تنظيم القطاع التجاري بما يكفل تمتع المجتمع بخيراته، ووقايته من مضار انحراف القائمين به عن أداء مهمتهم، وتجنب الأضرار التي يلحقونها بأهلهم من جراء الاحتكار أو الغرس بالوزن، أو الزيادة في الأسعار يقول الإمام كرم الله وجهه: "تفقد أمورهم بحضرتك، وفي حواش بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع منه، وليكن البيع بيعاً سمحاً: بموازين عدلٍ، وأسعارٍ لا تجحُف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حُكرةً بعد نهيك إياه فنكل به، وعاقب في غير إسراف"13.

فإذا تأمنت عناية الدولة للقطاع التجاري، ورعايتها للتجار، ومنعت الاحتكار، وما يضر بالناس، وطبقت فكرة الثمن العادل، وضبطت الموازين والمكاييل، وحصلت السماحة في معاملات البيع والشراء فإن الإطمئنان سوف يصيب مجتمع المتقين وسوف تترسخ دعائم النهضة والازدهار.

3- الصناعة

لقد لقيت الصناعة، برغم بدايتها في عهد الإمام (ع)، عناية واهتماماً نظراً لما لمحه بفكرة الثاقب من الدور الهام الذي تقوم في تأمين الكفاية من السلع والخدمات الصناعية.

واعتبر الجنود وأهل الخراج والقضاة والكتاب والعمال وسائر الموظفين لا قوام لهم إلا بالتجارة والصناعة. يقول الإمام علي كرم الله وجهه: "لا قوام لهم جميعاً إلا بالتجار وذوي الصناعات، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم"14. ويقول الإمام في موضع آخر: "ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيراً"15.

إن مبدأ التخصص أو تقسيم العمل في الصناعات كما يسمونه حديثاً هو من المبادئ التي اعتمدها الإمام في القطاع الصناعي، والذي يؤدي إلى مستوى عال من الدقة والجودة. يقول الدكتور يوسف إبراهيم يوسف: "إن الصناع يبلغون من الرفق بالشيء وصناعته درجة لا يبلغها غيرهم، وهذا راجع إلى تخصصهم بالطبع، فهم يكفون المواطنين هذه المهمة، ويقدمون لهم سلعاً وخدمات لا يستطيع غير الصانع أن يوفرها لنفسه بالمستوى الذي يقدمه الصانع"16.

4- الخدمات

يعتبر الإمام علي (ع) أن القضاة والعمال والكتاب وغيرهم من الموظفين المنتجين لمنتجات غير مادية يقومون بدور حيوي في تأمين الخدمات للناس على اختلافها، وتحقيق المنافع التي تشغل مكانة كبرى في سد حاجات مجتمع المتقين، وبلوغ العمارة والتنمية بشتى أنواعها، وقد أطلق عليهم وصف الصنف الثالث فقال: "لا قوام لهذين الصنفين (الجنود وأهل الخراج) إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من المعاقدة، ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها"17.

إلى جانب الأصناف الأربعة (المزارعين، التجار، الصناعيين والموظفين) الذين أوصى بهم الإمام خيراً، هناك طبقة أخرى من اليتامى والمساكين، والعجزة، والمعاقين والمظلومين حظيت بمزيد رعاية الإمام وحسن اهتمامه. فهو القائل: "ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزَمْنى. فإن هذه الطبقة قانعاً ومعتراً، واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قِسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد... فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال... وكُلِّ فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد أهل اليتم، وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا يَنْصَبُ للمسألة نفسه... واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك. وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتُقعد عنهم جندك وأعوانك من احراسك وشُرَطِك حتى يكلمك مُكلِمُهم غير متتعتع"18.

إن نظرات الإمام (ع) في المنهج الإسلامي لتحقيق التنمية يتصف بالعمق والصدق والعمومية والتي يمكن تلخيصها بما يأتي:

1- تحقيق التماسك الاجتماعي المترتب على إقامة العدل، وتحقيق المساواة بين المواطنين والمنعكس في شعور الجماهير بالرضا عن الحكم والمشاركة بعمليات التنمية.

2- توفير الأمن والنظام الذي يستمد جوهره وإمكانية تحقيقه في أمن كل إنسان على نفسه وممتلكاته وانفساح آماله وتطلعاته.

3- العناية بشؤون القطاعات الرئيسية للإنتاج بإعانتها وتنظيمها، وتدعيم قطاع الخدمات في شتى إدارات المجتمع، ورعاية الفقراء والعاجزين والمعاقين والمظلومين.

1 الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص 94-95.

2 المرجع نفسه، م.س، ص 28-29.

3 الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص42.

4 المرجع نفسه، م.س، ص24.

5 المرجع نفسه، ص26.

6 الجامع الصغير، ج1، ص85.

7 رواه البخاري.

8 الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص33.

9 المرجع نفسه، ص33.

10 المرجع نفسه، ص33.

11 يوسف، يوسف إبراهيم، استراتيجية وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام، م.س، ص168.

12 الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص36.

13 المرجع نفسه،ص36-37.

14 الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، ص26-27.

15 المرجع نفسه، ص36.

16 يوسف، يوسف إبراهيم، استراتيجية وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام، م.س، ص172.

17 الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص26.

18 الرضي، الشريف محمد، نهج البلاغة، م.س، جزء4، ص37-38.

الاختلاط العرقي يقود إلى الوئام الاجتماعي(5)

 أوصى تقرير نظر في أسباب أعمال الشغب العرقية الأخيرة في بريطانيا بأن تقوم المدارس باجتذاب التلاميذ من جميع الأعراق والأديان.

ودعا التقرير المدارس إلى الحرص على أن يكون ربع تلاميذها من أعراق أو أديان أخرى غير الإنجليزية والمسيحية وأن لا يهيمن أي عرق أو دين على أي مدرسة.

ويحذر التقرير الذي تناول "التماسك الاجتماعي" في بريطانيا، وهو نتيجة لإحدى أربع دراسات تنظر في أعمال الشغب الأخيرة في ثلاث مناطق في بريطانيا هي برادفورد وأولدهام وبيرنلي، من هيمنة عرق أو ثقافة معينة على المدارس.

ويقول التقرير إن هذا المبدأ يجب أن يطبق على المدارس الدينية وعلى المدارس الحكومية أو المستقلة التي يهيمن عليها عرق واحد عن طريق الصدفة.

وينصح التقرير بالاختلاط العرقي والديني كسبيل إلى الوئام الاجتماعي.

ويشير إلى أن معظم المستَجْوَبين تحدثوا عن المدارس المنفصلة أو الأحادية الثقافة ورأوا أن مثل هذه المدارس تكرس الانعزال وعدم التواصل بين الثقافات والأعراق.

وفي الوقت الذي تلعب فيه المدارس دورا مهما في تعميق التفاهم بين الثقافات، فإنه من غير الواقعي أن يُتوقع منها أن تحل كل المشاكل العرقية والاجتماعية.

فالمدراس تعكس ما يجري في المجتمع الذي تخدمه، كما يقول أحد المسؤولين في بلدية برادفورد التي تقطنها أغلبية مسلمة، وبسبب الحرية التي يتمتع بها الآباء في اختيار المدارس فإن الحكومة لم تعد تتحكم بعدد التلاميذ في كل مدرسة أو خلفيتهم الدينية أو الثقافية.

وتأتي توصيات هذه التقرير في أعقاب موافقة الحكومة البريطانية على السماح بفتح المزيد من المدارس الدينية.

وقد دافع وزير الداخلية الحالي ووزير التعليم السابق، ديفيد بلانكيت، عن هذه المدارس وقال إن أداءها كان جيدا وإنها تعكس خيارات الآباء الذين كانوا يشكون من عدم الاعتراف بدينهم أو ثقافتهم.

كما عبر رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، عن تأييده للمدارس الدينية. لكن هناك من يرى أن مثل هذه المدارس تكرس الانعزالية في المجتمع.

ويرى آخرون أن الحل يكمن في التوفيق بين الحاجة إلى المدارس الدينية والابتعاد عن الانعزال الذي كان السبب وراء أعمال الشغب الأخيرة.

النمو والفقر في أوروبا الغربية(6)

بالرغم من النمو الاقتصادي المتواصل داخل الاتحاد الأوروبي، فإن البطالة (حوالى 15 مليون شخص عام 2000) والتهميش والفقر ما زالت نسبهم مرتفعة مع تسجيل فروقات كبيرة بين البلدان. ويمرّ التخفيف من هذه الأمراض الاجتماعية عبر تغيير بنيوي في العمق خاصة وأن من شأن توسيع الاتحاد مفاقمة هذه الأمراض بشكل كبير.

تظهر أحدث الارقام الصادرة عن مكتب الاتحاد الأوروبي للإحصاء (أوروستات) أن معدل الفقر النسبي (أي النسبة المئوية للأشخاص الذين تتألف منهم الأسر التي تقل مداخيلها عن 60 في المئة من متوسط الدخل الوطني) داخل الدول الخمسة عشرة قد وصل عام 1998 إلى 18 في المئة وهو قريب من رقم العام 1995. فالفقر يطال 68 مليون شخص يتوزعون بالتساوي بين العاملين وغير العاملين، نصفهم عاشوا تحت حد الفقر النسبي لثلاث سنوات متتالية (1995 ـ 1997).  أضف إلى ذلك أن تعريف حد  الفقر يختلف بين الدول ويتراوح بين 12060 يورو في اللوكسمبورغ و2870 يورو في البرتغال. علما أن الفقر لا ينحصر على المداخيل المنخفضة.

فالمفهوم الأشمل للفقر يشمل أيضا القدرة المحدودة على الاختيار وعلى المساهمة في الاقتصاد وفي المجتمع وعلى التمتع بالحقوق الأساسية. وغالبية المصنفين فقراء في أوروبا هم من النساء اللواتي يعانين التمييز في الأجور وفي فرص العمل وفي العناية الطبية.

من جهته، فإن برنامج الأمم المتحدة للتنمية الذي يتخذ نسبة عامة من السكان  تحت حد الفقر (خمسون في المئة من متوسط الدخل) يشير أنه في عام 2002 تراوحت نسبة الفقر بين 10،8 % في اللوكسمبورغ و12،2% في إيطاليا (أما نسبتي اسبانيا والبرتغال فكانتا غير متوفرتين).

وبمنتهى المنطق، البلدان الأكثر فقرا (أي البرتغال وبريطانيا واليونان وايرلندا واسبانيا وايطاليا) هي نفسها البلدان التي يتدنى فيها مستوى الانفاق الاجتماعي للفرد الواحد عن المتوسط العام في الاتحاد الأوروبي. فبدون التقديمات الاجتماعية (خصوصا الحد الأدنى المضمون من الدخل والتعويضات العائلية) يتهدد 26 في المئة من السكان في الاتحاد بالفقر: فمن المهم إذا المحافظة على مستويات عالية من التغطية الاجتماعية والاهتمام أكثر بالفئات الأكثر ضعفا وخصوصا النساء. ويؤكد مؤشر انعدام التساوي في المداخيل (الفارق بين الـ20 في المئة الأعلى والأدنى) هذا التوجه: إذ أنه في البلاد التي يتفاقم فيها الفقر يرتفع المؤشر (بين 7،4 و6 بالنسبة للبرتغال وبريطانيا واليونان واسبانيا وايطاليا) بشكل بارز فوق المتوسط الأوروبي (5،7)، في الوقت الذي ينخفض مؤشر الفروقات في البلدان الأغنى (بين 3،6 و4،7 في الدانمارك وفنلندا والسويد وألمانيا).

التزامات

خلال المجالس الأوروبية التي عقدت في لشبونة ونيس عام 2000، تعهدت الدول الأعضاء بتحديد أولويات سياسية لمكافحة الفقر والتهميش الاجتماعي، وذلك من خلال تأمين الوصول إلى العمل بالاهتمام خصوصا بالفئات الأكثر ضعفا من خلال منظور يشمل التعليم والإعداد المهني والصحة والسكن وأيضا من خلال تطوير نظام ضرائبي أكثر عدالة وخدمات عامة أكثر فعالية.

ومن المفترض أن تستند التدابير الفعالة على أفكار حول مفاعيل التغيرات البنيوية الحاصلة اليوم في الاتحاد الأوروبي. فتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يخلق فرص عمل ولكن أيضا أشكال تهميش جديدة. أما التغيرات الديموغرافية والتعديل في بنية الأسر وفي دور كل من الرجال والنساء والتنوع الاثني والثقافي والديني المتزايد بسبب تدفق المهاجرين والحركة داخل الاتحاد فإنها جميعها تخلق تحدياتّ جديدة أمام السياسات الآيلة إلى دفع التماسك الاجتماعي ومحاربة التمييز والتهميش وتصاعد العنصرية ورفض الأجنبي.

ويزداد الشعور بالقلق من هذه الحالة خاصة عشية التوسيع الأوروبي الذي يمكن أن يغير جذريا من تكوين  سوق العمل الأوروبية ومميزاتها. فنسبة البطالة مرتفعة بشكل لافت في البلدان المرشحة للانتساب إلى الاتحاد وتصل إلى ضعف متوسط النسبة في بلدان الاتحاد الخمسة عشر، خاصة ضمن فئة الشباب (32 في المئة مقابل 16% في دول الاتحاد). فيجب ألا يؤدي التحسن في أوروبا الغربية ونمو فرص العمل (+ 1،5 في المئة سنويا بين 1995 و2000) إلى تجاهل ما يحصل في البلدان المرشحة لدخول هذا الاتحاد.

مارتن هاليويل... جدلية الحداثة والأخلاق(7)

ثمة أسئلة في الواقع الراهن ما يزال المرء يبحث عن إجابة تاريخية لها ولمجمل احتياجاته الواقعية‏: وهو يبحث عن ذلك كله من منظورات مختلفة تتماوج بين العقلانية في التفكير، أو البراغماتية التي تساق أحياناً إلى موقف يصوغ المحددات المطلوبة للمجتمع، والسياسة والوطنية، وصناعة الحاضر، ومن ثم المستقبل. وقد استدعي لدى الكثير من المفكرين، والباحثين الواقع التاريخي لدخول وقائع التاريخ، والإلمام بزومانيته، وإحداث مؤالفة ممكنة بين ما فيه من ممكنات، لا تتكئ بالنهاية على فرائض النماذج التراثية بصورة إنكفاء باعتبارها مهما تكن عليه من حالة تاريخية إلا أنها ستبقى واقعة في زمن ما صنع من الحياة، في وقت نحتاج فيه إلى حياة تصنع لما هو قابل في التاريخ، والأزمنة، والحال كذلك فإن نظريات الرؤى الواقعية في شروط الاختيار الصحيح تستنسب مجموعة من المحطات الموصلة إلى فهم صحيح للماضي في غرابته، وغربته عنا كما يقول ابن خلدون. وإلى فهم صحيح للتاريخ على أنه مجموعة مسارات مختلفة لا توجد فيها فرادة ميتافيزيائية لتجربة قد حسمت في بنيويتها النموذج المبحوث عنه، وإلى فهم منطقي لعملية الإندراج في العالمية الإنسانية التي طبعت بلفتها المجال الأممي لمجتمعات القرنين الماضيين، وإلى فهم صحيح لأنانية العولمة المعاصرة، واعتراضه لأخلاق التميزّ، والتمايز، والخصوصية، والهوية، والسيادة تحت تأثير سيطرة اقتصادية، وسياسية، وعسكرية منطلقها القطب الوحيد المهيمن في غياب العالم المتعدد الأقطاب حتى تاريخه.‏

وما لا يني يعنينا في هذا المسعى ـ ولا سيما في الحالة العربية الراهنة ـ يمكن أن نشير إليه بثنائيات متعددة نكتفي منها بمعضلة استرجاع الفرادة من ما كان منيراً في ماضينا، وجعلنا قابضةً على واقعنا المتململ نحو مشروع نهضوي يجد مكامنه، وشروطه، ومقوماته في حركية التاريخ الحديث للحضارة الكونية المعاصرة، وعلى قاعدة أن النموذج الذي نستهدفه لم يكتمل في الماضي ليكون حلاً ناجزاً في حاضرنا ومستقبلنا. كذلك نرى إلى النموذج العالمي المعاصر أنه ليس فيه من الاكتمال ما يجبرنا ـ راضين ـ أن نتماهى به، ولذلك فالعقلانية في التفكير الحداثي اليوم هي أننا نتفتح على المشروع الحضاري الكوني بمشروع حضاري عروبي يتجاوز في متماهياته حدود الغرب. أو المركزية الغربية الرأسمالية أو الليبرالية بأثوابها الحديثة، وما بعد الحداثية كذلك، ليكون لنا سقفنا الخاص في إطار المشروع التاريخي الكوني المحايث في طابعه العولمي المتحرك.‏

ومن منظور أن الأخلاق تعتبر المقوّم الأساس في كل نظرية إنسانية، وأن الحداثة، والتحديث هو صلب العملية التاريخية في كل زمان، ومكان فإننا اخترنا أن نتداول المسألة في كتاب الحداثة والأخلاق للكاتب مارتن هاليويل المحاضر في الدراسات الأمريكية والإنكليزية في جامعة ليستر، وقد ترجمه إلى العربية الأستاذ محمد إبراهيم عبد الله. ونشرته دار إنانا للطباعة والنشر، وفي أهداف المؤلف من هذا الكتاب نستوضح بادئ ذي بدء أنه اجتهد من أجل تقديم دراسة تحليلية للحداثة، والأخلاق نلمس فيها ردة فعل علمية. وموضوعية على الأخلاق التي سادت العصر البرجوازي في أوروبا.‏

مع أن المؤلف قد حرص كذلك على استبقاء مقولة أن القضايا الأخلاقية قديمها، وحديثها لم تختفِ بالمطلق بل لا تزال آثارها موجودة في سياسة الأمم، وأدبياتها.‏

في مقدمة الكتاب تناول المؤلف الحداثة وأزمة الأخلاق ببعض الاهتمامات الأخلاقية الكبرى التي أبدتها أوائل القرن العشرين المنصرم بما يشير إلى أن بداية التغيير التكنولوجي لم تحدث تطوراً ملحوظاً في النظام العائلي والأسرة بل أخفقت في تقديم مجموعة من القيم الأخلاقية المقنعة بالتغيير الاجتماعي، والإنساني وعليه فقد تسببت قوى الحداثة بالنسبة له بوجود كدمات اجتماعية ظاهرة للعيان، وتجليات ذلك برزت في الطقوس، والانحراف، والدهاء، والخدعة، وتبادل المنافع. ولم تتقدم فلسفة متماسكة موضوعية للفرد، والمجتمع، والحياة، وعليه فقد أصبحت الصراعات الفردية ترمي إلى تغيير شروط الحياة الأخلاقية، والجمالية، والروحية، والمادية، وقد استحضر المؤلف مقولة الباحث ما يكل وود حين قال في منتصف سبعينات القرن الماضي: "إننا قد نكون جميعاً مصابين بالتهاب مفاصل حقيقي من ألم الحداثة، لكن هذا قد يكون شكلاً من أشكال العودة إلى البداية لنكتشف كيف نحسن بالألم حين لم يكن الألم نفسه قد تخطى نقطة البداية بعد"‏

ويضع الكاتب جهداً تحليلياً أبرز فيه إنشغال الكتاب الحداثيين بقضايا الأخلاق، ومنهم الأوروبيون، والأمريكيون الذين قاموا بمحاولات صاخبة للإنسلاخ عن القيم الأخلاقية البرجوازية، والأخلاقية النفعية. إلا أنهم غلبوا في هذه المسألة اهتماماتهم الجمالية الذاتية. ولاحظ المؤلف أيضاً أن الحداثيين من الكتاب قد جربوا عالم الأخلاق العملية بدلاً من عالم الأخلاق النظرية، وذلك لاستكشاف ممر بين القيمة الشخصية، والفعل الاجتماعي وغالباً ما تشير مساءلة المعايير الدالة على ما هو واقعي إلى استياء شديد من القيم الاجتماعية الحاكمة، وهنا تنطوي القضية، الأخلاقية على ضرورات ابتكار سنن جديدة للعيش تتحدى تلك القيم الحاكمة وتبطلها، وعبر جدلية الركود، والفعل أخذت الإشكالية الأخلاقية طابعها الدرامي كما كشف عنه الحداثيون في الأدب، والسياسة لجهة الحرية بشكل خاص التي يتم الوعد بها لكنها لا تجد طريقاً إلى التحقيق في هذا ا لعالم الحديث، والحداثي.‏

وما يذهب المؤلف إليه. ويثير الانتباه هو أن ما يجري في عصرنا الراهن من تحول باتجاه العولمة الاقتصادية والثقافية يحدث بعضاً من المعضلات الأخلاقية التي كانت قد طرحتها تكنولوجيا القرن العشرين المنصرم، وأزمتنا الحالية في الحياة الأخلاقية ليست سوى عواقب الصدمة التي ضخمتها نهاية القرن العشرين، ونشرتها وسائل الإعلام الطاغية على نحو متزايد، والكثير من الهزات التي تعرض لها القرن المذكور (كالحروب ساخنها، وباردها، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وإحياء الأصولية الدينية، والأضرار البيئية) كل ذلك قد نتج عن العجز في التوصل إلى حلول أخلاقية حقيقية للمعضلات المحلية، والخلافات الوطنية، والصراع الدولي. ولقد كانت كدمات الحداثة (حسب تعبير المؤلف) ناتجة إلى حد كبير عن المطامح الإمبريالية، والفكر الذرائعي، وتأثيرات التعصب بأنواعه على حياة الأفراد، والمجتمعات. وبرغم الشفاء الظاهري للندوب التي نجمت عن الحرب الكونية الثانية 1939 ـ 1945 إلا أن الجسم الاجتماعي ظل وكأنه يحتضر، والقيم الجوهرية تبهت برغم محاولات الغرب السياسية ـ خاصة في تسعينات القرن الماضي ـ إن يوجد برنامجاً أخلاقياً جديداً يعمل به كحافظ للسلام العالمي في الشرق الأوسط، وفي بلدان أوروبا الشرقية. وبدا أن لغة الحقوق الكونية غالباً ما تكون ستاراً دخانياً للتستر على عالم متشظ، ومنقسم إلى مناطق آمنة محمية، أو ذات امتياز يمكن الحفاظ فيها على القيم الليبرالية، ومناطق خطرة لا يمكن فيها للأخلاق الكونية أن تسود. وكما بدت الحداثة في النصف الأول من القرن العشرين توحي بعصر الأمل، ظهر أن مرحلة ما بعد انهيار جدار برلين 1989 تشبهها من حيث التعهد بتحسين الحياة المادية، والأخلاقية لكن هذا التعهد لم يبلغ سوى مرحلة حرجة من إرباك العالم، وها هي ذي معظم الانتقادات الموجهة للأخلاق الكونية ـ كما يرى المؤلف ـ تأتي من خارج الغرب بزي نظرية ما بعد الكولونيالية.‏

ويؤكد المؤلف في متن تحليله على أن الكثيرين من الحداثيين قد كرسوا حل اهتمامهم لدراسة أسباب الرضوض الاجتماعية من الحداثة قبل أن تصح كدمات، وذلك عبر تركيزهم على المعضلات الأخلاقية التي عانى منها الفرد، وهذا الحال يمكن أن يعتبر أحد أسباب إعادة النظر في ما بعد الألفية الثانية بالنظرية السياسية، والثقافية، ورأى المؤلف أن الكتاب الحداثيون ناهضوا خصائص معينة في العالم الصناعي كونها تجرد الإنسان من إنسانيته وتولد الاغتراب فيه.‏

ولقد سعى المؤلف أن يكون كتابه: الحداثة والأخلاق مقسماً على ثمانية فصول دون المقدمة، فالمقدمة تضمنت الحديث عن ثلاثة مستويات من الفكر تناولت نظرة تاريخية لانطلاق الحداثة من مناخ أخلاقية القرن التاسع عشر, وابتكار الحداثيين لنماذج أخلاقية تخص أعمالهم الفنية، وطرائق النقد الحداثي المتجاوزة للبالي من التحليل الأخلاقي. أما الفصول الثمانية فقد نسجت مستويات من الفكر بتناول أمثلة من الحداثية الأمريكية والأوروبية من المنظور التاريخي الذي يتفحّص المشاكل الأخلاقية عبر الأطلسي، وفي ظلال التحولات التاريخية التي حدثت ابتداء من آثار الحرب الباردة المدمرة لأوروبا، إلى المناخ التآمري لأمريكا الحرب الباردة، وصولاً إلى العولمة المتسارعة في نهاية القرن العشرين، وما بعدها,‏ ولقد عني الكاتب بالتعريف بمصطلحات ثلاثة أساسية وهو يناقش الأخلاقية الحداثية وهي: التحديث mod ernization والحداثة modernity، والحداثية modernism فالأول: التحديث يشير إلى التغيرات التي تؤدي إلى سيرورات تكنولوجية يقودها تطور الرأسمالية والمدنية التي جعلت الحياة في مطلع القرن العشرين تختلف عن سابقها في القرن التاسع عشر.‏

والثاني الحداثة للدلالة على الخبرة الفردية، والجماعية للعالم الحديث كما تم تجسيدها بأفكار تمثل رداً على سيرورات التحديث الاقتصادية، والاجتماعية، وهذه تتأرجح بين طرفي الطوعي للبيئة البديلة، والرفض لكل أسباب الحداثة.‏

والحداثية: تدل على الوسط الذي تم من خلاله التعبير عن تجربة الحداثة، والحداثية مصطلح جماعي تصف سلسلة من التيارات الفنية التجريبية التي ثارت ضد الأشكال السائدة، وضد نظم العقيدة للقرن التاسع عشر.‏

وفي خلاصة المؤلف لهذا الكتاب نجتمع بالعناوين التالية: إطلاق الخوف من الحداثة، والبحث عن البديل الثالث، والقوة الأخلاقية والخارج، وفي العنوان الأول تحدث الكاتب حول كينونة الحداثيين التي نادراً ما نجمت في التخلي عن الخيال ومعاودة القبول السلبي للواقع، لكنها، برغم ذلك استلزمت التوصل إلى تفاهم مع عالم قد يبدو جديداً، ومثيراً في ظاهره لكنه يخفي في طياته الخوف من الفراغ. وقلة من الحداثيين وخاصة الكتاب اختاروا الاستسلام للقوة الإبداعية للفن لأن هذا قد يرجعهم إلى العزلة، أو إلى العالم المجهول، ومثل هذا الإذعان من وجهة نظر المؤلف قد يعني الاستسلام إلى إمكانية ارتجال تقنيات أخلاقية تعيد توجيه الأفراد ضمن علاقات اجتماعية هادفة، ولطالما ساجل بعض النقاد بأن الحداثية ترتكز إلى حد بعيد على التجربة الفردية، فإن النسيج المتداخل للدوافع الحداثية، والجمالية، والأخلاقية والسياسية تعطي رؤية الأفراد مزيداً من التشابك فيما بينها ليظهر أن الالتزام الأخلاقي ينبع من مقاومة الأنا، والاعتراف بالآخرين، والتأقلم معهم، وبدون هذا الإقرار بالآخر، والاعتراف بتميزه تبدو الأخلاق غير ممكنة.‏

وفي البحث عن البديل الثالث: يرى المؤلف إلى العديد من الكتاب الأوروبيين والأمريكيين الذين واصلوا اختبار الحدود الأخلاقية في أعمالهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 إلى اليوم، وقد ارتبطت هذه المسألة عند الكتاب ذوي الاهتمامات الاجتماعية بمجادلات تدور حول القمع، والتحرر. وقد تعرض المؤلف لأخلاق الشدة التي مارسها السيناتور الأمريكي جوزيف مكارئي ضد المشقين. وكذلك العدائية للأجانب في أمريكا الحرب الباردة حتى يلقى الضوء على نظريات التآمر في الولايات المتحدة الأمريكية عبر تغيير وجهة السلطة الاجتماعية، والإيديولوجية إلى شركات دولية تستثمر وسائل الإعلام، والبديل الثالث رمى فيه إلى وجود القوة الحيوية المبتسمة القادرة على توليد نفسها بنفسها مراراً، وتكراراً؛ أي الروح غير المنقسمة في الحياة، والحياة في الروح المتوحدة. وهذا هو طريق التجنب لضعف الليبرالية، ومخاطر السياسة المتطرفة. بينما ترتبط الأخلاق الشخصية بالحياة العامة دون أن تطغى إحداها على الأخرى، وهذا لا يشير إلى أخلاق مستدامة كمسألة خاصة صرفة، لكنها الحاجة الدائمة إلى أخلاق تساهم في إعادة توجيه الآخرين، وتشكيل علاقات حقيقية فيما بينهم، فالهويات لا تكتمل لوحدها لكنها تبقى مفتوحة ومعتمدة على بعضها، وتتداخل، وتتشابك ثم تتناسج معاً.‏

وفي القوة الأخلاقية والخارج يصل المؤلف إلى إمكانية خلق تقنيات يمكن أن تواجه القوى المتسلطة وتسهل التحالف مع الآخرين والسلطة حينئذٍ لا تصبح القوة المقيدة الصرفة التي تسيطر فيها القوانين على الأفراد، بل بنية مطابقة تعزز العلاقات الاجتماعية، وتخلق الظروف لإيجاد سلوكيات هادفة من مقاومة، وصمود. فالسلطة المطابقة هي بنية ممكنة لم تعد تتبنى القانون على أنه نموذج، أو سنّة لتعريف التماسك الاجتماعي حيث إن السلطة آلة لا يمتلكها أحد، إنما يمكن نشرها عن طريق الأفراد، أو الكتل الاجتماعية بطرق مثمرة، ومناهضة للسيطرة، وعليه يمكن للأخلاق ـ كما يستنتج المؤلف ـ أن تتجاوز المجموعة المنظمة من الأحكام والقوانين لتصبح تفاعلاً معقداً، ومفرطاً للعناصر التي توازن، ويصحح بعضها البعض الآخر، وفي هذا ما فيه من ترجيح للعلاقات الإنسانية على الرغبات الفردية، ولم يعد ممكناً إيجاد الحلول للمشكلات المعاصرة من نماذج الماضي الزاهي وحسب، بمقدار ما تصبح هذه الحلول هي من مشروع الزمان الذي يشهد إرادتنا في ما نتوجه إلى صنعه بنظرياته الأخلاقية الجديدة.‏

...........................................................

1-معجم علم الاجتماع/ دينكن ميشيل

2-الشيخ حسن الصفار/  موقع الشيخ حسن الصفار

3-ميشيل ماركوس/ العرب اونلاين

4-إعداد : د . محمد سعد أبو عامود/ مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية     

5-د. إبراهيم العسال/ موقع البلاغ

6-موقع  BBC

7-العالم الدبلوماسي ومفهوم

8- د. فايز عز الدين/ مجلة الموقف الادبي السورية 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 27 حزيران/2007 -11/جماد الاخرى/1428