العجائبية والغرائبية في النص الروائي.. التقاط العجيب او الغريب..
او محاولة اصطناع هذا من خلال البناء الدرامي المتشكل عبر فانتازيا
الباكي / الضاحك في آن.. عبر آلية التوسل بنمط سردي خارج المعقول وخارج
المنطق المعروف في تتابع العلة والمعلول في سياق الحبكة وايضا في توظيف
المفردة التي لا تعطى في سياق مشتبك المعنى او التي تعطى عبر شخصيات لا
تحمل من المعنى بأي شكل بل على العكس من هذا يتم توظيف الشخصية القادرة
على اجتياز محور التواصل لتبقى شخصية.. تتمحور منطق التعليق..
إنها شخصية معلقة التأثير تبغى مراوغة من نوع مقولب حتى تستأثر
بحركية السرد حسبما تبغي هي.. لتكشف لنا او للقارئ عن المثير او الغريب
وغير المعتاد.. وليس في هذا سوى تفعيل عنصر التشويق والخروج من إطار
العادة في تشكيل المعنى.. بل هي تضيف لذاتها معنى خاص بها عبر ما تقوم
بتوصيله من علائقية جديدة بين الاشياء والمواقف..
من هنا قد تسيطر على الكاتب فكرة في باطن المعنى.. لكنه لا يبغي
توصيلها بصورة تثير القلق والشفقة أكثر مما تثير الفكر.. او التفكير..
بمعنى أنها تغوص مناطق وتقتحم مناطق اللاوعي للكشف عن متاهات التسليم !
للعادة.. ولكن متى يلجأ الكاتب لأسلوب الفانتازيا في تشكيل النص
الروائي عبر آلية السرد غير المتوقعة.... وهل المقصود من هذا التعبير
هو الوصول الى التعبير عن عبثية الكاتب او يأخذنا الكاتب الى بواطن
مناطق لم يطأها الفكر او التفكير بها بصورة تخرج على روتين اليومي
والمعتاد.. او هل بامكان الفانتازيا ان تقدم لنا من خلال تشكيلها
العبثي قيمة في نهاية الأمر.. أم يبقى الحكم خارج تقييم القيمة ,إنما
هي لتحقيق الامتاع بالدرجة الأولى.. لينطبق عليها فكرة الفن للفن..
في الفن السينمائي من الممكن توظيف الفانتازيا الى أبعد مدى كما
فعلها المخرج رأفت الميهي في أكثر افلامه ذات الطابع الفانتازي.. ولكن
هل قبل ان يتحول النص كان فكرة فانتازية بالفعل أم ان أدوات تشكيل
الصورة المرئية المباشرة يختلف عنه عن أدوات التشكيل اللغوي.. ومن ثم
من الممكن تحويل على أن مساحة الزمن والشخصيات لها من حرية الحركة في
الصورة المرئية بأكثر بكثير مما لها في التجسيد اللغوي..
على أن ايضا التصور الدرامي للفانتازيا في السينما يبقى رهنا
لحركية المشاهد التي تعمل على إمكان اختصار مساحة السرد.. لان لكاتب
بالضرورة يكون مطالبا بتشكيل الخلفية وهامش الحركة الفعلية.. التي
يطبقها المخرج حركة تأخذ زمانا فعليا عند التصوير.. من هنا الفانتازيا
بقدر سهولتها لها حرفية توجب قدرا من الذكاء والتمكن عند الكاتب
ليستطيع إنجاز فانتازيته بشكل مكتمل.. في وقت من الممكن أن نقول انها
تمثل مسرحا للأحداث والابطال بشكل يدخل القارئ في حركية الزمان /
المكان..
ولكن في ذات الوقت دون الاحساس مباشرة بهذين القطبين أو هذين
المحددين.. على أن يستشعر القارئ بأنه اصبح في عالم من التخيل المستمر
إلا أنه واقع لا محالة فيه يشعره ويحياه بالفعل.. معتمدا على فكرة الا
توقع او إمكان استجابة محايدة وليست متسائلة.. في الفنتازيا لا يحضرنا
سؤال لماذا او لما او كيف.. هي مسألة دخول وخروج.. لا تعطي جوابا
نهائيا.. بل تمنح مسمى آخر للأشياء.. كما أن حركية الألوان وطبيعة
امتزاجها يكون ذو طبيعة صارخة ولا تمتزج في العادة.. لتكشيل بورتريه
غرائبي الطبع.. لتمثل حركة ضمنية داخل النص او الصورة المرئية.. ولكن
يبقى المخرج أكثر تطبيقا لهذا الامتزاج من حيث طبيعة اللتحام الحسي
بالصورة المرئية.. ولكن الكاتب يبقى رهنا لطبيعة تذوقية بصرية غير
مباشرة من خلال القراءة من هنا قد لا يتفاعل القارئ بكثير من القبول..
!
كما عند التحام البصر بالشاشة او الكادر التصويري ليشعر بان
الحركية الزمانية تعطي تصورا مقبولا شاملا لكل مفردات العمل
السينمائي.. اي ان تلازم حركية الألوان تصبح أكثر انسيابية مع الدخول
في عالم الفانتازيا للكادر بشكل عام على ان حركية الفيلم عبارة عن
مقاطع حركية زماكانية تتلون بلون شبكة المدلولات كلها التي يأخذ بها
المخرج..
غير أن الكاتب يبقى مرتبطا بمساحة الحركة المحدودة على الورق او من
خلال النص او الفواصل الزمنية الممكنة التي تفرض ذاتها على حركية
الاحداث او اشتباك/ تراخي الابطال بينهم البعض.. فتتراجع عندها الخلفية
الصوتية واللونية أو تتخلف عن الحضور.. للتحرك فترات زمانية ما بين قبل
/ بعد.. ولكن في الاخراج لا يلتزم بالضرورة المخرج بما هو قبل / بعد في
الفانتازيا.. لأنها تتشكل من الآن وفي الآن. بمعنى أنه لا حبكة هناك
بالمعنى الفعلي ولكن الحبكة التي فقط يتطلبها الموقف الدرامي او
الكوميدي او الفانتازي.. ولكن الكاتب في حد ذاته مبدا في وقت ما لتوصيل
المدلولات المعنوية التي يريد تمثلها عبر نص لا يؤخذ بمبدأ التأطير
التقليدي.. ولكنه لا يخرج عليه كل الخروج.. إنما يخلق مساحة من
الحوارية يلتزم من خلالها بحضور الشخصيات ولربما تمثل شخصية واحدة
تستحضر شخصيات اثيرية بمعنى من المعاني.. وتصبح في ذات الوقت على هامش
الفعل ولكنها ضرورية للإلماح او الاشتراك في توصيل الدلالة او
المدلول..
بالنسبة للكاتب العبثي فهو ينطلق من الشعور بعبثية الوجود ومن ثم
ينعكس هذا في سياق بحثه عن جدوى الكتابة ذاتها الذي هو في حقيقته ما هو
إلا بحث عن يقين عبر سلسلة من البعثرة النفسية التي تتوق الى الامساك
بحقيقة الوجود.. عبر آلية يتوسم من خلالها الكاتب اللحاق بنفسه او
الامساك بذاته التي تهرب وسط ضجيج الوقائع ولتي هي في ذااتها تمثل له
وسيط معرفي يقف عند حدوده دون القناعة التامة بجدواه.. ومن ثم يرى في
الغريب والعجيب مدل لتبديد حيرته اوالتعبير عن بعثرته او التماس رؤى
مغايرة للتقليدي الذي فقد اهميته او سلطته عليه.. هذا بالنسبة للكاتب
فما هو الحال بالنسبة للمخرج لربما هو متأثر بذات النسبة مع مفرزات
الواقع بما فيه من تناقضات تقترب من التيه أو الضلالة.. ومن ثم.. هو لا
يخرج عن إطار الواقعية بقدر ما يصور او يحقق نسقا من الأولويات غريب عن
طبيعة تناولنا له أو احساسنا به.. ومن هنا كان لا بد من توفر حرفية
من نوع خاص.. تتطلب مهارة العرض او التجاوز في ذات الوقت.. بمعنى ان
تكون مزاولة هذه الحرفية عبر آليات تلتقط إمكان خلق المستحيل او تحويل
الممكن العادي لخارقة شعورية او تغريبة حاضرة من قلب اللاوعي المدرك
خلف الوعي المباشر.
كما لو انك تصنع صور من السحاب.. أو كأنك تصنع لوحات ملونة من قلب
لحن شجي أو تحاول اختراق الصمت معلنا حدا آخر للكلام.. أو تصنع من لقطة
باكية.. تصورا آخرا للضحك.. أو تصورا مقنعا بتفاصيل جديدة من خلال
توقعات الشعور حتى مجرد النظر الى ثوب رث..
ومن ثم لربما الفانتازيا العربية تفتقد عنصر التمكن من كسر جدار
التوقع المثالي الذي لا يخرج ايضا عن حدود السلبي فيما هي لا تعطي
توقعا معاكسا ومغايرا لتفاصيل المستحيل / الممكن الذي نعيشه حتى لو
بمجرد مزيج من الأوهام والتصورات.. لذا تقع التفاصيل الصغيرة على هامش
التفعيل الذي لربما يعطي احساسا آخر بالعالم والكون.. وتبقى الشخصيات
الرئيسية هدفا واستهدافا لقناعات خاصة بالكاتب او المخرج دون ترك
البساطة تعبر عن ذاتها لمجرد النظر الى ثوب رث هي في ذاتها نظرة قد
تومئ بتفاصيل تاريخ قد يبدأ من حيث انتهى.... ولكن في الفانتازيا
العربية يبقى التركيز على تبئير الحدث والابطال هدفا لاستعراض امكانات
فردية دون تجاوز هذا الى حد تفعيل دور الأدوات الأخرى او البقاء على
حضورها كما تعبر عن هذا الحضور في ذاته..
فمثلا عند توظيف شخصية مثل شعبان عبد الرحيم في سياق فانتازي كوميدي
من خلال ذات الآلية التي يقدم فيها نفسه للجمهور.. سوف نجد ان توظيف
دور الالوان في ارتدائه للملابس تمثل فانتازيا قائمة بذاتها ولكنها
مكملة لدور الكلمة والسياق النغمي ايضا لو امكننا استخدام هذا
التعبير.. لقد اتخذ شعبان شكلا كوميديا لكنه اصبح في حد ذاته يمثل
حضورا يأخذ شكلا غرائبي الشكل أو عجيب.. إلا أنه عند الوقوف عند هذه
التفاصيل سوف نجد ان هذا يلعب دورا في حضوره بشكل شامل.. ولو كان حضوره
بغير هذا لربما لم يكن مقنعا كثيرا.. خاصة بالنسبة لما يقدمه من خط
فني.. قد تصبح هذه الشخصية بحد ذاتها عبرة او شخصية أثيرية في فانتازية
تعبر عن اللا توقع او اللا متوقع.. ولكنه حدث بالفعل.. والفكرة الاصيلة
في الموضوع هو تجاوز الممكن بمراحل للوصول الى المستحيل او تحقيقه على
أنه واقعة مشتقة في الاصل من الواقع الذي اصبح فوق تصور الحدود
المحسوسة بالمباشرة فقط.. واصبحت فكرة المستحيل او التي كانت واقعة
فانتازية بمعنى فوق التصور اصبحت هي ذاتها واقعة فوق الفانتازية.. |