في أربعاء مضطرب اخر وفي الثالث عشر من شهر حزيران عام 2007م تكررت
عملية تفجير المرقدين المقدسين في سامراء بعد العملية الأولى في شباط
فبراير من العام 2006 التي استهدفت قبة المرقدين لتضيف عبئا جديدا على
الساحة العراقية التي يكاد يختلط فيها العنف السياسي مع الطائفي مع
الإقليمي وحتى الدولي.
وقع الانفجار في التاسعة صباحا وهو نفس التوقيت تقريبا للتفجير
الأول، رغم وجود قوة من الشرطة في محيط المزار.
وقال مراسل فرانس برس، سمع دوي انفجارين بفارق زمني بسيط، أسفرا عن
انهيار منارتي الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي، وأضاف إن قوات
الشرطة والجيش والقوات الأميركية أغلقت الطرق المؤدية إلى المرقد.
وقال شاهد عيان توجهت إلى الشارع المطل على المرقدين فرأيت إحدى
المنارتين منهارة بشكل كامل وبعد سبع دقائق بالضبط وقع انفجار آخر في
المنارة الثانية التي سقطت على الأرض بشكل عمودي.
بدوره، قال مصدر امني رفض ذكر اسمه إن قوة أمنية وصلت من بغداد
لاستلام مهمة حماية المرقد بدلاً من القوة الموجودة هناك فحصل شجار
تبعه إطلاق نار استمر ساعتين انتهى بسيطرة القوة القادمة من بغداد.
ونقلت وكالة(اسوشيتدبرس) عن مسؤول امني خشيته من أن يؤدي التفجير
إلى المزيد من الاقتتال المذهبي.
خلية أزمة
وسارع رئيس الوزراء العراقي إلى تشكيل خلية أزمة( حسب العربية
cnn) للسيطرة على تداعيات عملية التفجير. واجتمع المالكي مع وزيري
الداخلية والدفاع وكبار القادة الأمنيين. كما تباحث مع قائد القوات
الأميركية في العراق لطلب إرسال تعزيزات لكبح العنف المحتمل بين الشيعة
والسنة.
ويعد المرقد من الأماكن المقدسة لدى الشيعة، ويحمل أهمية روحية ضخمة
لهذه الطائفة في مختلف أنحاء العالم، وقد اجتذب ملايين الوافدين عبر
القرون.
ردود الأفعال المحلية والدولية
جميع الأدلة تشير أن تنظيم القاعدة الإرهابي يقف وراء عملية التفجير
الثانية للمرقد المقدس في سامراء، وفي الوقت الذي توعدت فيه الحكومة
العراقية بالتحقيق بالحادث ومحاسبة المقصرين، فقد استنكر وأدان عدد
كبير من المرجعيات الدينية والعلماء والمثقفين كآية الله العظمى السيد
السيستاني وآية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي وآية الله
العظمى السيد محمد تقي المدرسي وعلماء من الطائفة السنية والوقفين
الشيعي والسني، وفي النجف (160 كلم جنوب بغداد)، اتهم الزعيم الشيعي
السيد مقتدى الصدر (أيادي الاحتلال الخفية التي تريد بنا السوء بتفجير
المرقد( على حد تعبيره) معلنا الحداد ثلاثة أيام).
أما عن الموقف الدولي فقد شجب مجلس الأمن الدولي والأمين العام
للأمم المتحدة بان کي مون الاعتداء الذي استهدف مرقد الإمامين
العسکريين علي الهادي والحسن العسکري (عليهما السلام) في سامراء شمال
بغداد، ودعا العراقيين إلى التحلي بضبط النفس.
وأفاد بيان قرأه جوهان فيربيك, السفير البلجيکي الذي يترأس المجلس
خلال شهر يونيو الجاري: إن المجلس دعا کل العراقيين إلى ممارسة ضبط
النفس ورفض ذلك الاستفزاز.
وأوضح أن المجلس المكون من 15 دولة جدد دعوته للمجتمع الدولي، خاصة
دول المنطقة، لدعم العراق في سعيه نحو السلام والاستقرار والازدهار.
ودان رئيس المجلس بان کي مون من جهته الاعتداء، داعيا العراقيين إلى
تجنب دوامة الثأر.
وقالت المتحدثة باسم الأمين العام للأمم المتحدة ميشال مونتا في
بيان: إن الأمين العام صدم لدى معرفته بالاعتداء المدمر، وأضافت: أن
بان كي مون يدعو العراقيين إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، ويدين
بشدة هذا العمل الرامي الى إشعال فتيل الفتنة الطائفية، والحيلولة دون
استقرار العراق.
كما أدانت الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي بشدة التفجير، وقال
بيان صدر في برلين: إن الهدف الواضح وراء هذا الاعتداء الخطير هو
المزيد من تصعيد العنف الطائفي في العراق وإشعال التعصب الديني العرقي،
مشددا على ضرورة العثور على الجناة وتقديمهم للعدالة.
وقد أثار انفجار مرقد الإمامين العسكريين موجة من ردود الفعل
الغاضبة في العديد من البلدان الإسلامية.
أما عن الشارع العراقي فالوضع مختلف نوعا ما ، هذه المرة لم تكن
كسابقاتها فالانضباط في ردة الفعل كانت صفة الشارع وهي مغايرة عن ما
جرى في المرة الأولى، فلم تسجل أحداث عنف إلا القليل هنا أوهناك ،
ولكن هنا يبرز السؤال من الذي أقدم على التفجير الثاني وهل هي ذاتها
الجهة التي قامت بالتفجير الأول وما الهدف من استهداف نفس المرقد وبنفس
التوقيت ؟
هنا ترد عدة احتمالات، وفيها أيضا عدة أبواب، فالحكومة التي جرى في
أيام حكمها التفجير الأول غير الحكومة الحالية والوضع غير الوضع ولا
الإستراتيجية الأمريكية ذاتها.
ولكن يبدو واضحا إن الهدف من التفجير الثاني كان مرتبط بأحد الأهداف
التالية:
1. يقال في السياسة أنها فن الممكن وقد يكون على هذا الأساس عمل
الكثير من داخل الصف الواحد أو خارجه ، وفي الأيام الأخيرة تواتر
الحديث عن الرغبة برحيل الحكومة الحالية لانها لم تلبي شيء مما طلبته
منها الإدارة الأمريكية، وكما يعرف الكثير في وضع كالوضع العراقي فان
استخدام القوة العسكرية او الانقلاب على حكومة جاءت بالانتخابات قد
يكون مستصعبا في الوقت الحاضر على الأقل نتيجة حساسية الظرف، ولكن قد
يستطيعون من جعل الأمر بسيطا إذا ما تمكنوا من إقناع الشعب بان الحكومة
الحالية غير ذات فائدة وهذا ما يحتمل ان تكون أيادي القوات الأمريكية
موجودة فيه للإسراع برحيل الحكومة الحالية بعد أن ينتشر العنف كما حدث
في المرة السابقة على جميع الأصعدة او قد يخرج عن دائرة السيطرة أصلا،
وتجد الحكومة نفسها غير مرغوب فيها حتى من اقرب الناس أليها كما
يسمونها بالطائفة الشيعية والسبب في ذلك إنها لم تقدم شيء لهم بل ولم
تستطيع تعمر مقدساتهم فضلا عن حمايتها.
2. أما العامل الخارجي والذي كثر الحديث عنه في دول الجوار عن طريق
أنشاء حكومة إنقاذ او ما شابه ظل يبحث عن باب للدخول بعد أن فشلت
المحاولات الأولى لدخوله عن طريق عزل الكتل وسحبها، فمن الممكن ان
يكون قد اختار طريق إثارة الفوضى الخلاقة لتنشئ الاحتياج الأهم الا وهو
الحكومة المنشودة والذي بقي الكثير يهيئ لها على أساس أنها ستكون
الطريق الوحيد للخلاص من الحالة المتردية في العراق، وهنا قد يكون
العمل تم بطريقة التنسيق الخارجي والداخلي عن طريق تناغم الأعمال في
سير المصالح.
3. والاحتمال الذي بدا يطرح نفسه بجدية أكثر في هذا الباب فهو دور
القاعدة في تنفيذ هكذا فعل، ولكنها اختارت هذا التوقيت للدفاع وليس
للهجوم، ويكمن ذلك في إن تنظيم القاعدة قد بدأ يفقد في الآونة الأخيرة
أهم مواقعه الحاضنة في المناطق السنية أو كما يعبر عنها البعض بـ
(حواضن الإرهاب)، والمعارك والانشقاقات الأخيرة التي حدثت بين بعض
الجماعات المسلحة وبين تنظيم القاعدة تشير بوضوح على أن القاعدة بدأت
تتحسس بابتعاد الطائفة السنية عنها نتيجة عدم قناعتها بما تحمله من
أفكار لا تنسجم مع الواقع العراقي، واستباقا لأي التصاق قوي بين
الشيعة والسنة يبدو أن القاعدة أرادت أن تذكر الطائفة السنية بأنها
المدافع عنهم من خطر الشيعة الذي بقيت تلوح به دائماً لاستجلاب اكبر
عدد ممكن منهم، وعليه قد يكون التفجير تم من اجل خلق توتر آخر بين
الطائفتين فتنبري القاعدة للدفاع عن أبناء الطائفة السنية، وهي بذلك
تكون قد خففت الوطأة عليها من الهجوم من قبل بعض الجماعات السنية وبنفس
الوقت شغلت الدولة والأمريكان وحتى القوى السنية بمعارك جانبية مع
المليشيات الشيعية أو العناصر المسلحة من الطائفة المقابلة في حال
اندلاع العنف الذي كانت ترغب به من التفجير، ومما يشير على إن الاحتمال
الأخير هو الأقرب إلى الصحة ، ما أعلنت عنه القاعدة بُعيد التفجير
مباشرة ، حيث تعهدت بالدفاع عن الطائفة السنية من هجمات الروافض (على
حد تعبيرها).
إضافة إلى ذلك إن للقاعدة ردود أفعال مشابهة في دول الجوار
كالسعودية وغيرها ، حيث دائما ما يقوم التنظيم بردة فعل على مواقع غير
ذات طابع سياسي أو عسكري للحصول على متنفس من الوقت أو لتخفيف الضغط
على حركتها في تلك المواقع.
وهنا قد تكون أصوات خارجية قد همست في أذان القاعدة على أنها قد
تستطيع أن تكون صاحبة المبادرة في العراق من جديد، ومما لاشك فيه بان
تلك الأصوات لها دوافع غير الذي أخبرت به القاعدة ولكن الأخيرة قد
اعتبرت النصيحة بمثابة رمي الحجر في الظلام وهي لن تخسر شيء إذا ما
كررت العملية بل بالعكس قد يكون العنف الطائفي الجديد حاضنة وبيئة
جديدة تستطيع فيها أن ترتب أوراقها إلى حين السيطرة على الأوضاع وهو
وقت لا يعرف به احد.
وقد يرى البعض إن ثم احتمالات أخرى تطرح نفسها كأتباع النظام
السابق الذين يرغبون بإثارة اكبر مساحة من الفوضى ليتسنى لهم التفاوض
من موقع القوة أو بعض الجهات التي ترى بأنها قد تستطيع خلط الأوراق في
أي لحظة، ولكن يبقى تأثير هؤلاء محسورا في ممر ضيق لعدم وجود السياسة
الواضحة لهم .
المرجح هنا بان التفجير الثاني لم يكن يقصد ضرب الوضع الأمني فقط
كما كان في الأول بل انه أراد الذهاب ابعد من ذلك لحساباته على ما قد
شاهده في المرة الأولى للتفجير ولاسيما ردة الفعل العنيفة التي وجهت
لجميع الجهات تقريبا وأثارت قتالا طائفيا كاد أن يجر البلاد إلى أتون
الحرب الأهلية.
فالاستراتيجيات المحتملة للإدارة الأمريكية بدت تتوالى على الحكومة
العراقية والمبعوثين الوافدين إلى العراق لا يغادر احد حتى يحط الآخر
الرحال مكانه وهذا ينبأ بشدة الحال الذي تمر به الإدارة الأمريكية
والقوات العسكرية لها في البلاد، وعليه فمن شان حدث كالتفجير الأخير إن
يسرع بكثير من الأمور ولا اقلها يزيد من شدة الضغط على الحكومة من
الجانب الشعبي الذي طالما تمسكت به ضد الضغوطات الخارجية.
ويصعب تنفس الحكومة في هذه الفترة الحرجة التي باتت تقاتل على عدة
جوانب وهي مبتورة بعض الأطراف نتيجة عدم الاتفاق على تسمية ست وزراء
نتج فراغهم عن انسحاب الوزراء الصدريين من الحكومة قبل عدة أشهر
احتجاجا على المحاصصة الطائفية على حد زعمهم.
وهي بذلك أي الحكومة لن تحتاج إلى مصاعب جديدة توضع في طريقها فالكل
يحملها نتيجة الوضع المتردي وأولهم الأمريكان الذين بدا يزعجهم كثيرا
عدم إقرار كثير من القوانين التي تعهدت لهم الحكومة بإقرارها قبل نهاية
حزيران، فضلا عن قضية المليشيات التي باتت الحكومة متهربة منه وهذا ما
أشير له في أخر لقاء له مع الأمريكان بان يتولوا أمرها ويخلصوه من هذا
النفق.
لكن يبقى واضحا أن الدافع الأهم من كل الإعمال التي سبقت التفجير
الأخير كتفجير الحضرة القادرية وبعدها حسينية الأئمة في بغداد ومازالت
تتوالى في تفجير بعض المراقد ودور العبادة في الجنوب وأخرها جامع
الخلاني في بغداد، هي إن اللعب في ساحة العراق على أساس التمهيد لخطة
فرض الطائفية والتي باتت القاعدة تقاتل من اجل الوصول إليها، والتي
تعتقد بأنها السلاح الطويل الأمد الوحيد الذي يمكن أن يستمر في العراق
أما بقاءها تقاتل لوحدها في الساحة العراقية فهذا أمر مستبعد لاحتمالية
توافق العراقيون في أي لحظة ، مما يجعلها مطاردة من الجميع أو متروكة
بدون أي ترحيب على اقل تقدير وهذا ما يسهل ضربها.
وبعيدا عن الاحتمالات التي تحملها الأيام المقبلة والتي يبدو أنها
بدأت تتسارع بشدة لضيق الوقت على الجميع، كيف يمكن معالجة الحالة
وتحويلها إلى نقطة تغيير ايجابية مهمة في الانقلاب على ما خطط له من
الدفع بالبلد إلى حافة الانهيار، ويكمن ذلك في:
1. البدء بحملة واسعة وكبيرة لأعمار المراقد ودور العبادة التي
تعرضت للتخريب بدون أي استثناء وتكثيف حملات المراقبة والحماية للبقية
حفاظا عليها من تكرار الحالة، وهذا مما يعطي زخما كبيرا في تقوية
الأواصر من جديد وإعادة الثقة بالقدرة على دفع الضرر عن تلك المقدسات
والحفاظ عليها ، وهو بنفس الوقت يعطي للحكومة الحالية قوة التحرك ويعيد
لها شيء من هيبتها.
2. القيام بحملة واسعة إعلامية وثقافية واجتماعية تبين أهمية
الموروث الحضاري والتاريخي والإسلامي والإنساني وخطورة التعرض له
وأبعاده عن جميع أنواع الصراعات وبشكل كلي لايختص بأي طائفة دون أخرى ،
وبيان موقف واضح من المتمردين على تلك القوانين والأعراف .
3. سن قوانين صارمة تختص بتلك الأحداث وتشكيل قضاة قانونيين إضافة
إلى قضاة شرعيين يتولون محاكمة ومسائلة ممن تثبت التهم بحقهم في
الترويج و التمهيد والتخطيط والتحريض والتنفيذ لمثل هذه الأعمال
والتركيز على كون التحقيق وإعلان النتائج يجريان على وجهة السرعة
وكشفها أمام الجميع.
4. العمل على المستوى الدولي لدرج تلك المراقد والأماكن ضمن قوانين
حماية الآثار الدولية وإعطاءها بعد أنساني اكبر وتهيئة خبراء وفنين
متخصصين في فنون العمارة والإنشاء والحماية للمحافظة عليها.
5. التركيز على الجانب العقائدي وإنشاء برامج تثقيفية يتناوب فيها
علماء من جميع الطوائف على توعية الجماهير لما يراد به من الهجوم على
تلك الأماكن وكيفية مواجهة تداعياتها، وبيان حرمتها لدى الجميع بدون
استثناء وعدم التعامل مع برامج وقتية فقط تتعامل مع ردود الأفعال التي
سرعان ما تنتهي بانتهاء الحدث. |