حي على المسير الى سامراء

لطيف القصاب

 سؤل الاديب العراقي فاضل العزاوي يوما عن رايه في العودة الى العراق فرد بانه وان كان عراقيا يحب العراق الا انه يحب الحياة اكثر..، ومع ان الرد ينطوى على انانية واضحة،الا ان علماء النفس وهم الاعرف بخبايا النفوس، يباركون ماذهب اليه اديبنا العراقي اللامع بالحرف الواحد، حتى ان احد اؤلئك النفسانيين كان قد ابتكر مقياسا عالميا على هيئة هرم معتدل، قسّمه الى سبع مستويات تمثل بمجموعها الاحتياجات الانسانية الاساسية، وجعل في راس المستوى الثاني من ذلك المقياس الحساس ذي الشكل الهرمي الحاجة الى الاحساس بالامان..،اي بفارق مستوى واحد عن الحاجة الى الماء والغذاء..،

 وقبل العزاوي وغيره بقرون وقرون  قال علي بن ابي طالب :ليس وطن احق منك بوطن وخير البلاد ماحملك"، واذأً،فليس من الضروري ان يعرض العزاوي نفسه العزيزة الى خطر زيارة اخطر دولة على وجه الارض..، وماينطبق على روح العزاوي ينطبق بنفس الدرجة على سائر ارواح بني ادم  كما يقول اولئك النفسانيون،اذأً مرة اخرى، ماذا يفعل الملايين ممن يعيشون حالة الاكتواء بحرائق القلق من المصير الاسود الذي قد يداهمهم في اية بقعة واية لحظة،هنا في ارض السواد وهم بشر ايضا وتنطبق عليهم مستويات الهرم الذي سبقت الاشارة اليه..؟

يقول بعض المتدينين المتمكنيين..، ليس ثمة حل جذري سوى الهجرة من هذه الارض الظالم اهلها والسياحة في ارض الله الواسعة..، ولكن ماذا يستطيع فعله المتدينون المفلسون، بل ماذا يستطيع فعله المفلسون من غير المتدينيين؟ ارجو ان لا يستشهد احد "البطرانين" بمثل عراقي كاذب يقول : ان المفلس في القافلة امين..، وبعد، فهل تستطيع عائلة بقال في سوق الشواكة مثلا ان تهاجر الى المانيا لتلتقي هناك بالاستاذ الفاضل فاضل العزاوي فيحدثها الاخير بتواضع جم عن منجزه الابداعي الفريد،وهل يستطيع نجار من اهالي الحيانية ان يهاجر الى "بصرة" لاهاي فتكتحل عيناه بمراى محّيا جبين الكاتب العراقي الظريف جاسم المطير فيخوضان معا باحاديث شيقة عن "الجاكوج" والمسامير..

لا اظن ان الغالبية العظمى من معاشر البقالين والنجاريين يقدرون على فعل امور تعجيزية كهذه، ويبقى الحل الوحيد من وجهة نظر مفلس مفكر، ان يعمد اؤلئك الملايين الى احياء ثقافة التعايش السلمي، وعليهم ان يبتكروا الوسيلة تلو الوسيلة وينتهزوا الفرصة تلو الفرصة بغية تحقيق غايتهم النبيلة تلك..، فبهذه الحيلة الماكرة استطاع بنو الانسان ان يظلوا سادة الارض بلا اي منازع كل هذه الالاف من الاعوام.

 وفيما يخص سكان وادي الرافدين بالذات فقد تميزوا عن سائر الاقوام الاخرى بالقابلية الفذة على التكيف واستيعاب المتغيرات وامتصاص الازمات وان تغولت عليهم حدة المعاناة وقسوة التقلبات، ولم تستطع امواج فيضانات دجلة والفرات على ضراوتها الغابرة كما يحدثنا التاريخ،ان تقتلع جذور سكان الرافدين عن واديهم..،

ومن هاجر منهم عاد مسرعا ما ان سمحت بذلك الظروف..، فقد عاهد اسلافنا العراقيون بساتين النخيل ان يعيشوا جنبا الى جنب والى ابد الابدين، كما ان سجلا يضم بين جنبيه اسماء العشرات من امثال علي والحسين والنعمان بن ثابت ومنصور الحلاج وجواد سليم وعلي الوردي وعزيز السيد جاسم وعبد الكريم قاسم وغيرهم، لا يمكنه الا ان يدفع باسماء الحجاج وهولاكو وتيمور لنك وصدام حسين والزرقاوي الى سفليات الهوامش،فقدر السلام ان يعلو ولا يُعلى عليه وان طالت قعقعة السلاح..،ومما يحتفظ فيه التاريخ من سيرة شجعان العرب انهم كانوا يطيرون عند الهيعة والنجدة باجنحة النسور ويجنحون الى السلم جنوح الحمام...،

كما ان الغالبية في اي مجتمع حي كالمجتمع العراقي مثلا تستطيع دائما ان هي قررت الخروج عن صمتها ان تلغي معادلات السياسة مهما اوتيت الاخيرة من بطش وتعنت واباطيل..، وعلى ذلك فلن يخسر عرب العراق شيئا وقد يربحون اشياء واشياء، اذا ما هم استجابوا لدعوة اطلقها احد رجالاتهم من غير ما تهوين او ترويج..، وتنادوا الى المسير نحو مدينة الهادي والمعتصم..، وهم يحملون بايديهم اغصان الزيتون، وياحبذا رؤيتهم في ملابس الافراح لا في اقمشة الاكفان...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 20 حزيران/2007 -4/جماد الاخرى/1428