هل صحيح ساركوزي يكره العرب والمسلمين !؟

 د. محمد مسلم الحسيني- بروكسل

 سطع نجم نيكولا ساركوزي في فرنسا عندما قاد حملته المعروفة على الهجرة غير الشرعية وحاول السيطرة على أعمال العنف والشغب التي اندلعت في أحياء فرنسا بين بعض المغتربين والشرطة الفرنسية عام 2005 م. وقد كسب ساركوزي معركة الإنتخابات الرئاسية التي جرت في السادس من شهر أيار الفائت وهو يرفع شعاراته التي تتناغم مع نبض الشارع الفرنسي وطموحاته وتتلخص بتنظيم الهجرة واحتواء استشراء العنف والجريمة.

كانت هذه الإحداث بداية للتساؤلات المريبة، التي يسألها المهتم بالشأن العربي والإسلامي، حول تطلعات ساركوزي ونواياه تجاه العرب والمسلمين! لقد راقب الكثيرون تصرفات ساركوزي وتحركاته وأصغى المراقبون الى أحاديثه ولقاءاته وتمعنوا في تفسير أقواله في الشأن العربي خصوصا والإسلامي عموما.

ورغم أنه من الصعب الإستنتاج أو الإستدلال على حقيقة رؤى ومشاريع ساركوزي الجوهرية والمستقبلية تجاه العرب والمسلمين ، إلاّ أن الشارع العربي بشكل خاص والإسلامي بشكل عام يتوجس خيفة من الرئيس الفرنسي الجديد ويسىء الظن به .

 ومن أهم أسباب شكوك وهواجس العرب والمسلمين هو أن ساركوزي يتحدر من أصول يهودية من جهة الأم ونواياه المعلنة في إقامة علاقات ودية وحميمة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، ورفضه الصريح لإنضمام تركيا الى المنظومة الأوربية.

كما أن شعاراته النارية ووصفه لبعض المغتربين بـ "الحثالات" قد ضرب على الأوتار الحساسة عند بعض العرب والمسلمين وأعتبروها حقدا منه على أصول الجاليات المغتربة في فرنسا.

المحلل السياسي المنصف والحذر لا يستطيع أن يجزم على ضوء المعطيات الحالية عن حقيقة توجهات ساركوزي تجاه العرب والمسلمين وعلى مشاريعه وتطلعاته المستقبلية تجاههم. أن مد جسور الود والصداقة مع إسرائيل لا يعني بالضرورة خرقا لعلاقات الود التي تربط فرنسا مع غالبية الدول العربية، بل قد تكون مغايرة لذلك. فالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وبعلاقته "المتشنجة" مع إسرائيل لم يستطع أن يؤثر على الإسرائليين من أجل تليين مواقفهم المتزمتة إزاء القضايا الفلسطينية والعربية أو إيقاف إضطهادهم للشعب الفلسطيني. كما أنه لم يستطع تحريك عملية السلام الجامدة لسنين طويلة ولم يستطع فك الحصارالظالم عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في حينه. إذ عجزت فرنسا عن مساعدة الفلسطينيين حينما كانت جسور الود مقطوعة مع إسرائيل، فلماذا لا نجرب ما ستفعله فرنسا للقضية الفلسطينية حينما تصبح جسور الود ممدودة بينهما، فلرب ضارة نافعة!

 القول نفسه ينطبق تماما على موقف فرنسا من أمريكا في الشأن العراقي. فحينما غضبت فرنسا وتمردت على الإرادة الأمريكية الجامحة لغزو العراق عام 2003م لم تستطع منع أمريكا من إجتياح العراق، بل جعلت أمريكا تسرح وتمرح لوحدها في خيرات العراق وشؤونه وفقدت هي الأخرى مصالحها كاملة في هذا البلد. ولا أعتقد بأن الشقاق الفرنسي - الأمريكي بشأن العراق قد خدم أو سيخدم المأساة العراقية. بل على العكس، فأنه ربما قد أزاد الطين بلة! وربما توافقا سياسيا أمريكيا- فرنسيا بشأن العراق سيلقي بظلاله على دول محيط العراق وتتوافق هي الأخرى مع بعضها على الشأن العراقي بدل تشرذمها وتناقضها، وهكذا ربما تنعكس الحالة نفسها على الداخل العراقي المفكك والذي هو بحاجة الى توافق في أفكار العالم بشأنه لا الى تنافرها وتباعدها !

 أما مسألة تعامل ساركوزي مع المهاجرين الأجانب ربما هو تعامل يصب في مصلحة المهاجرين وليس ضدهم ، فهو يريد أن ينظم الهجرة حتى لا تكون عشوائية وتؤدي الى إستشراء الجريمة والعنف وتحفز الفرنسيين على إتخاذ مواقف صارمة ومتطرفة ضد الأجانب على وجه العموم، "فيحترق الأخضر بسعر اليابس" ويدفع المهاجرون الشرعيون ضريبة التسيب والإهمال بهذا الشأن.

 ان خبرة إنتخابات الرئاسة الفرنسية التي جرت عام 2002م هي خير دليل على أن الشعب الفرنسي قد بدأ يئن من المشاكل المتراكمة بسبب عدم تنظيم الهجرة الى فرنسا ، حيث أعطى رسالة واضحة وذات مدلولات صريحة الى سياسييه. اذ اعتلى جون ماري لوبان الزعيم اليميني المتطرف المركز الثاني في نتائج إنتخابات الرئاسة في جولتها الأولى. إذن تفاقم المشاكل الحاصلة من جراء الهجرة سوف يزيد من نسبة المتطرفين في فرنسا شيئا فشيئا وهذا ما قد يؤدي الى حصول سياسات متطرفة ضد الأجانب يدفع ثمنها إبناء الجاليات المغتربة المستقرة في فرنسا أصلا.

كما أن تسمية السيدة رشيدة داتي لمنصب وزارة العدل هي بادرة إستثنائية في تاريخ فرنسا السياسي، إذ اعتلت سيدة تتحدر من أصول أجنبية (الأب مغربي والأم جزائرية) منصب وزاري هام وحساس كوزارة العدل. هذا الأمر لم يحققه أي من رؤساء فرنسا من قبل، حتى الرؤساء المعروفين بعلاقاتهم الودية مع العرب كالرئيس السابق جاك شيراك! إن يعني هذا شيئا إنما يعني بأن ساركوزي يتبع سياسة إندماجية تربط المهاجر بالمجتمع الفرنسي وتشد المجتمع الفرنسي الى إستيعاب المهاجر وذلك لتضييق الهوة بين الفرنسي المهاجر والفرنسي الأصيل. هذا من جانب ومن جانب آخر أراد ساركوزي أن يعطي إشارة الى الذين يتهمونه بالعنصرية وكره العرب بأنه ليس كذلك. 

أما مسألة إنضمام تركيا الى المنظومة الأوربية فهي مسألة قد حسمها الشعب الفرنسي وليس ساركوزي نفسه، فغالبية الشعب الفرنسي يرفض هذا الإنضمام وما ساركوزي إلاّ اللسان الناطق عنهم . وان تميز ساركوزي بصراحته وإعلانه بالرفض فأنه أختلف فقط بالشكليات عن سلفه شيراك وغيره من الرؤساء الفرنسيين الذين طالما عارضوا عملية إنضمام تركيا الى دول الإتحاد الأوربي ، إلآ ان دبلوماسيتهم قد منعتهم من التصريح الصريح والقول الصادق بهذا الشأن! وان كان أسلافه يرفضون إنضمام تركيا ولا يعرضون بديلا عن ذلك، فأن ساركوزي عرض بديلا حيويا لتركيا وذلك بإنضمامها الى دول الإتحاد المتوسطي.

أما وجهات نظره الأخرى التي تتعلق بشؤون العالم العربي والإسلامي فهي لا تختلف أبدا عن وجهات نظر سلفه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. فهو يرى حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم الفلسطسينية على تراب وطنهم كما يرى حق إسرائيل بالوجود الآمن والمستقر، ويرى ضرورة إحياء العملية السلمية الجامدة بين الفلسطينيين وإسرائيل. وهو ليس أقل تحمسا عن جاك شيراك في فكرة إقامة محكمة دولية تبحث تفاصيل إغتيال الرئيس الحريري، وليس أكثر كرها للحركات الإسلامية المسلحة في لبنان وفلسطين كحزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي. وسيصطف الى جانب أمريكا ماديا وسياسيا ومعنويا في معالجة الملف النووي الإيراني والتعامل مع" الإرهاب" تماما كما فعل الرئيس السابق شيراك.

 إذن فمن المنطق جدا أن يسير رئيس فرنسا الجديد على خطى سلفه دون نقص او زيادة لافته للنظر، لإن هذه هي ستراتيجية فرنسا الدولة والمتبعة منذ عقود ولا أحد يستطيع أن يغير اتجاه هذه السياسة المتأصلة في أعماق الفرنسيين ونفوسهم بسهولة وبساطة. والمتغير في السياسة الفرنسية عادة هو أسلوب التعامل وطبيعة وشخصية الرئيس دون المساس بجوهر السياسة الفرنسية الثابتة. وعلى هذا الأساس فإن بعض المحللين السياسيين لايشاطرون الناس مخاوفهم وهواجسهم تجاه ساركوزي بل يتوقع بعضهم بأن حالة الركود السياسي العامة التي تعتلي العلاقات الفرنسية العربية بشكل خاص والأوربية العربية بشكل عام ربما تخرج من طورها الحالي وتدخل مرحلة جديدة فيها شيئا من الحيوية والتجديد وعندها ربما سيدرك الكثيرون بأن الظاهرة "الساركوزية" المخيفة التي تحدث عنها بعض الكتاب هي ظاهرة وهمية، ليس لها أساس أو واقع!

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12 حزيران/2007 -24/جمادي الأول/1428