جلست أستمع إلى مرافعة أحد البعثيين السابقين عن أهمية المصالحة مع
البعث الصدامي وإعادة البعثيين (المظلومين) إلى مواقعهم الطبيعية التي
حرموا منها وكيف أخطأ من أخطأ عندما أطاح بهؤلاء من مناصبهم التي
ورثوها عن الآباء والأجداد والأهم من هذا أن (الظلم الذي وقع على هؤلاء
البعثيين هو الدافع وراء ما يشهده العراق من حمامات دم يومية)!!.
أفهم أن يطالب هؤلاء برفع الظلم عمن ظلم ولكنني لا أفهم تلك
المقايضة المطروحة عن إعادة البعث مقابل وقف شلال الدم الذي يتدفق
يوميا في العراق.
إنها مقايضة لا أخلاقية بل وتؤكد على أن منطق البعث الدموي القائم
على الحديد والنار ما زال على حاله وأن المصائب التي حلت بالعراق لم
تفلح في إقناعهم بالتخلي عن العنجهية ومحاولة فرض آرائهم وسياساتهم عبر
القوة وسفك المزيد من دماء الأبرياء.
كيف يمكن للبعض أن يستخدم عدة أدوات لتبرير حدث يومي متكرر ليس
قاصرا على العراق وإنما هو مشهد ممتد من باكستان في أقصى الشرق إلى
المغرب العربي.
لو كان حقا ما يطرحه البعض من أن مقاومة الاحتلال تبرر هذا الإجرام
اليومي في العراق فكيف يمكن لحزب التبرير أن يفسر ما جرى في الجزائر
والمغرب من تفجيرات انتحارية قام بها تنظيم القاعدة الذي أجهد البعض
نفسه لنفي تواجده في هذا البلد أو ذاك رغم أنه يعلن عن وجوده يوميا إما
بالبيانات أو بالمفخخات؟!.
الطريف أن هذه التنظيمات (كان وأخواتها) قد دخلت في شراكة سياسية
وعسكرية مع بعض النظم العربية والدليل على ذلك هو مشاركتهم في الحرب
التي يشنها النظام اليمني على جماعة حسين الحوثي وهم يبلون بلاء حسنا
في معارك صعدة ويسهمون في محاولة اقتحام مدينة ضحيان معقل الجماعة.
من ناحية أخرى فقد جاء تفجر الصراع الدموي بين مصاصي الدماء في
العراق ليضع السنة العراقيين في دائرة الاستهداف عبر السيارات المفخخة
بغاز الكلور السام التي جرى تفجيرها في مساجد الأنبار ويكشف عن بعض
الحقائق التي حاول المطبلون والمزمرون ترويجها من خلال الزعم بأن من
يسمونهم بالصفويين هم من يقتلون السنة بينما تقول الحقائق عكس هذا
تماما.
ففي بيان أصدره (الجيش الإسلامي لتحرير العراق) ونشره موقع إيلاف
بتاريخ 6-4-2007 هاجم هذا الجيش تنظيم القاعدة (واتهمه بأخطاء وتجاوزات
شرعية وقال إنه أصبح يقاتل فصائل مسلحة أخرى واستباح دماء أئمة المساجد
والمؤذنين والعزّل من أهل السنة، وكذلك الأغنياء فإما أن يدفعوا له ما
يريدون أو يقتلونه وكل من يخالفهم في مثل هذه الأفعال فإنهم يسعون
لقتله حتى أصبحت القضية سهلة وتبريرها أسهل حيث بات الاعتداء على بيوت
الناس وأخذ أموالهم أمرًا سائغًا وأصبح رمي الناس بالكفر والردة أمرًا
مألوفًا مشاعًا).
وذكر البيان (أن القاعدة قتلت بعض المقاومين ظلمًا وعدوانًا تجاوز
عددهم الثلاثين حتـى الآن وناصبت الجماعات الجهادية الأخرى العداء مثل
كتائب ثورة العشرين، ولا تزال المواجهات مستمرة إلى هذه الساعة بينهم
في أبو غريب، كان من أحدثها قتل أحد قادتهم الميدانيين وهو حارث ظاهر
الضاري، وقتلوا بعض أفراد جيش المجاهدين وبعض أفراد أنصار السنة وهددوا
الجبهة الإسلامية (جامع) فتحملت كل الجماعات أعباءً هائلة صيانة
للمشروع الجهادي كي لا ينحرف عن مساره وأهدافه).
وقال البيان (أن التنظيم أخذ يتجنى على الأمة وعلمائها ويرى أن ديار
الإسلام جميعًا ديار كفر وإن قتال الحكومات العربية أوجب من قتال
المحتل الصليبي ويحكم على أهل الكتاب في العراق بأنهم أهل حرب لا ذمة
لهم وأوضح الجيش الإسلامي أنه مع كل هذه التجاوزات فأنه قد آثر النصح
والإرشاد وذلك لأسباب عدة من بينها انشغالنا بقتال أعداء الله تعالى من
الأمريكيين والصفويين ومن يعينهــم والحفاظ على إخوة الإسلام مع كافة
المجاهدين).
يتفق الفريقان إذا على قتال الأمريكان والصفويين (الشيعة) ولكنهما
يختلفان حول اعتبار بقية ديار الإسلام ديار كفر وردة وهل يتعين البدء
بقتال الحكومات العربية أم يكفي قتال الشيعة الذين جرى إدراجهم في خانة
أعداء الله والشيء المؤكد أن ما يطرحه الفريقان هو وصفة لحرب إسلامية-
إسلامية تضمن جريان أنهار الدماء ليخلص العالم الإسلامي في النهاية
غنيمة باردة لأمريكا وإسرائيل.
لا يهم إذا أن نعرف أي التنظيمين هو الذي قام بتفجير سيارة مفخخة في
كربلاء يوم السبت 14-4-2007 مما أدى إلى مصرع 47 شخصا وإصابة العشرات
من بينهم العديد من النساء والأطفال لأنهم من (الصفويين أعداء الله؟!)
عندما فجر انتحاري المتفجرات التي كان يحملها في محطة حافلات مكتظة في
المدينة حيث وقع الانفجار على مسافة لا تتجاوز 200 متر من مرقدي الإمام
حسين بن علي وأخيه العباس.
وحفاظا على تلك المكتسبات ورغبة في إدامة هذه الإنجازات (؟!) فقد
قام عدد من شيوخ الوهابية بمحاولة لرأب الصدع بين (إخوة الدين)
المتقاتلين (القاعدة والجيش الإسلامي) حيث أصدروا بيانا يدعو فيه
للتوحد ورص الصفوف (حتى لا يفرح الكفار والمنافقون) كما قال البيان
(اتقوا الله في جهادكم، واتقوا الله في أمتكم التي تؤمل فيكم النصر
ورفع الذل والمهانة عنها فلا تحطموا آمالها وتصيبوها بالإحباط
والهزيمة.
إن بوادر النصر تلوح في الأفق وهزيمة العدو تبدو للعيان، وإن النصر
مع الصبر، وإن من الصبر كظم الغيظ وضبط النفس والحذر من إضرام الفتنة
بينكم، في هذه الأيام التي يسعى فيها عدوكم للخروج من مأزقه وتحويل
هزيمته إلى نصر).
مصلحة العراق
تنقل الواشنطن بوست عن علاء مكي وهو عضو بالبرلمان العراقي له
علاقات وثيقة مع المسلحين، إن الجماعات المسلحة السنيّة توصلت إلى أن
«هؤلاء الناس لا يعملون لمصلحة العراق» وأن عمليات تنظيم القاعدة في
العراق ربما تؤدي لتدمير العراق بكامله.
أما المتحدث باسم «دولة العراق الإسلامية» التي أنشأتها القاعدة
فهدد بأنهم سيقتلون أي سنّي يشتبه في أنه عميل للولايات المتحدة أو
الحكومة العراقية. وأضاف قائلا أن هذه الجماعات المسلحة لا خيار
أمامها، فإما أن تنضم إليهم في تشكيل مشروع الدولة الإسلامية في
المناطق السنيّة أو أن تسلم أسلحتها لهم قبل أن تتخذ المنظمة إجراء
بالقوة ضدها. وأضاف قائلا أن محاربتهم للأمريكيين خلال السنوات القليلة
الماضية لن تنقذهم. وقال أحد قادة الجيش الإسلامي، أن تنظيم القاعدة
قتل من السنّة في محافظة الأنبار خلال الشهر الماضي أكثر مما قتل من
الجنود الأمريكيين خلال ثلاثة أشهر.
ونحن نقول أن هذه الجماعات قد قتلت من العراقيين المدنيين خاصة من
الشيعة مائة ضعف من قتلتهم من المحتلين الأمريكان بالاستفادة من تواطؤ
بعض وسائل الإعلام وبعض الهيئات الإسلامية معهم وقيامهم بالتغطية على
جرائمهم في حين يعلن ما يسمى بالجيش الإسلامي أن ما يقوم به تنظيم
القاعدة ربما يؤدي إلى تدمير العراق!!.
وكأن مئات الآلاف من الضحايا المدنيين التي سقطت على يد هؤلاء
وهؤلاء لم تكن تدميرا للعراق.
وكأن نسف الجسور وحرق المكتبات وتفجير ضريحي الإمامين الهادي
والعسكري لم تكن تدميرا للعراق ودعوة إلى حرب مفتوحة بين شيعة العراق
وسنته!!.
وكأن الحديث المتواصل عن الحرب ضد من يسمونهم بالصفويين ليست دعوة
للقتال بين شيعة العالم الإسلامي وسنته.
هذه هي حقيقة تلك الجماعات المتقاتلة وكان من المتعين على هؤلاء
الشيوخ الذين نصبوا أنفسهم مفتين وقضاة في نفس الوقت أن يصدروا فتاوى
واضحة تحرم سفك دماء الأبرياء من الشيعة والسنة وأهل الكتاب وتلزم
هؤلاء بحصر جهدهم ضد الاحتلال الأمريكي فقط لا غير بدلا من صب الزيت
على نار الفتنة كما شاهدنا بأم أعيننا خلال الأشهر الماضية عندما قام
أحدهم بتعيين طرفي الخصومة وتحميل المسئولية للشيعة ثم الدعوة لرص
الصفوف لقتالهم وعندما قام البعض بإحراجه على الهواء مباشرة رد قائلا:
ليس لدي أجهزة مخابرات!!.
وإذا كان الرجل لا يملك أجهزة مخابرات ولا يقرأ الصحف ولا تعنيه
شهادة الشهود فلماذا ينصب نفسه قاضيا يصدر الأحكام من منبر البث
الفضائي المباشر؟!.
أليس من حقنا إذا وضع هؤلاء في خانة داعمي الإرهاب ومروجي الفتنة؟!.
وإذا كانت الشاحنات تضرب الآن في العراق فلا بد أنها ستصل إليهم غدا
أو بعد غد كما أن محاربتهم للأمريكيين لن تنفعهم كما قال أبو قتادة!!.
[email protected] |