الغاية والوسيلة في نظرية اللاعنف

 شبكة النبأ: جدلية الصراع في الحياة بين الشر والخير جدلية مستمرة لا تعرف الهوادة او النضوب وان بدى ضمورها في فترة من الفترات إلا انها تستعد وهي متحفزة لتنهض من جديد ليبذل طرفيها كل ما بوسعهم من اجل هزيمة الطرف الآخر، ثم انه ليست هناك هزيمة بالمعنى الكامل فلا تمضي فترة وجيزة حتى ينهض الطرف المهزوم ليباشر بذل الطاقة والجهد في ادارة الصراع الابدي.

والخير والشر احيانا يتساويان ويتشابهان حد التطابق في استعمال الوسائل والآليات التي تنطوي جميعها وتتركز باستعمال العنف والقسوة واراقة الدماء.

فالخير يبرر الوسيلة بالغاية النبيلة التي تشكل المبتغى ويرى بانه مضطر الى احراق اجزاء من الغابة للحفاظ على مساحتها الاكبر، ويمكنه ايضا ان يضحي بالنصف لحماية النصف الآخر من الفساد.

فيما يتخذ الشر وتحت الشعارات المظللة نفس الاسلوب وهكذا ياخذ الصراع مداه المتصاعد بهذه النمطية، وقد ادرك بعض الانسانيون هذه الجدلية النارية التي تضطرم في المجتمعات والتي وقودها الانسان نفسه، منطلقين من ان كفي الصراع هما مكون انساني يحاول بدفع من غريزة البقاء والاستحواذ وعدم قدرتهم من الانتصار على ذواتهم ان يكدس اناه وجوعه من النقائص ومن اجل التفرد فانه يصارع الخير الذي يحسبه شرا في قناعاته الفكرية، وعلى هذا فان هؤلاء الانسانيون لا ينطلقون من العنف في صراعهم مع الشر وانما يرون ان النضال يجب ان يعتمد نظرية اللاعنف لإنها الاجدى والافضل، ويرون ايضا بان هذا المبدا انما سيكون وبتوالي اعتماده من قبل المناضلين والسياسيين سيؤول الى ثقافة تتأصل يوما بعد آخر وتوصل بني الانسان الى الشفافية الرقيقة والمحبة واضمحلال مشاعر الاستحواذ والخروج من المشاعر الذاتية السوداء.

وكان الإمام الشيرازي(قدس سره) داعية مجدد ورائدا في مجال اللاعنف في حل المشكلات الاسلامية والقضايا السياسية وكل ما تعانيه البشرية.

فانتشار الاساليب والآليات التي يدعو اليها في حل الصراعات الفردية والجماعية والدولية في طريقها الى التطبيق والتنفيذ.

وما زالت دعواته تجد صداها في عالم اليوم وهي نابعة من الفكر الاسلامي المتجدد. فقوله للفلسطينيين في ثورتهم بالحجارة: ان التظاهرات الحالية لو تحولت الى مظاهرات سلمية لكانت اقرب الى النجاح، لأن الاستناد الى قوة الروح أمضى وأنفع.

ان الامام الشيرازي(قدس سره) حينما يرفض العنف والعدوان كأسلوب لحل المشكلات باعتبارهما من الظواهر التي تؤثر في حياة الفرد والجماعة، انما يستند في ذلك الى فكره الاسلامي القائم على جانب السلام بقوله:

ان السلام يصل بصاحبه الى النتيجة الاحّسن، والمسالمون يبّقون سالمين مهما كان لهم من الاعداء.

وازاء ذلك عندما يطرح آراءه ونظرياته كاتجاهات حديثة تواكب السياق الدولي في رفض التسلط والعنف والتعسف بكل اشكاله على الافراد او على الشعوب او على الدول، إنما يستمد رؤيته من القرآن الحكيم حيث قول الله سبحانه وتعالى ( ادخلوا في السلم كافة ).

ان الاصل في الاسلام السلم واللاعنف. وتتفق نظرية الامام الشيرازي مع الآراء والاتجاهات النظرية الحديثة في دراسة المجتمعات والشعوب، ودعواتها الى السلم والمحبة.

يقول رينيه جيرارد: إن الاضطهاد الذي يترك انعكاسا اجتماعيا، هو العنف الذي يتخذ شكلا قانونيا.

فالامام الشيرازي (قدس سره) حينما يطرح هذه الرؤى ينطلق من استخدام العقل وقوته في تمييز الخير والشر وهذه الرؤية انما هي رؤية الاسلام، الذي يدعو الى السلام والحوار والتفاهم وحل النزاعات كافة مهما اختلفت الازمنة والاحوال والاماكن، لا سيما ان الانسان هو الذي اصطفاه الله من بين الكائنات الحية الاخرى لنشر تعاليم الاديان وحمل الرسالات واشاعة الصفاء والمحبة بين الجميع.

ويؤكد الامام الشيرازي: ان منطق الرسل والانبياء هو منطق السلم واللاعنف والاحتجاج العقلاني من اجل انقاذ البشرية حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم حول استخدام السلم واللين وسياسة العفو والاعتماد على منهج الشورى كاسلوب للاقناع الحر والحوار السلمي والمشاركة في اتخاذ القرار: ( فبما رحمة من ربك لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين).

وفي معرض رده على بعض المسائل الفقهية يقول الامام الشيرازي(قدس سره):

يحّرم الاسلام الغدر والاغتيال والارعاب وكل ما يسمى اليوم بالعنف والارهاب فإنه لا عنف في الاسلام ولا يجوز أي نوع من اعمال العنف والارهاب الذي يوجب إيذاء الناس وارعابهم

والغدر بحياتهم او المؤدي الى تشويه سمعة الاسلام والمسلمين.

والامام الشيرازي يؤكد على المداراة واللاعنف كنظرية متكاملة الابعاد والاسس في التكوين والنشأة والتعامل الحياتي إزاء مواقف الحياة المتعددة مستمدا هذه النظرية بكل ابعادها من القرآن الكريم وما قال به رسول الله النبي محمد(ص) من احاديث وما رواه آل بيت الرسول عليهم السلام في مختلف المواقف فضلا عن قدرته الابداعية في الاجتهاد وآراءه الفقهية النوعية.

ويمكننا اجمال بعض النقاط التي هي من تاكيدات الامام الشيرازي (قدس سره):

*حركة اللاعنف وإن كانت صعبة جدا على النفس لكنها مثمرة جدا في الوصول الى الهدف.

* اللاعنف ليس في إبعاد السلاح فقط بل يشمل حتى الكلمة والنظرة والإهانة وغيرها.

* إن السلم حالة نفسية تبدأ من الداخل تنتشر على الجوارح، فعلى الانسان ان يروض نفسه على السلم ويلقنها ليتمكن من كبح جماح الغضب.

* قوة الروح غالبة على قوة الجسد.

* إن الاصل في الاسلام السلم واللاعنف.

* تغيير القوانين التي تهتف بالحرب وتحفز عليه.

* محاسبة النفس ورقابتها.

* الثقة والامانة والصدق.

* التسلح بالعلم.

وهذه المبادئ انما هي واقعية في نظرية اللاعنف للامام الشيرازي(قدس سره)، ويمكن ان تطبق في التعامل الانساني والسلوك اليومي للافراد الذين هم على درجة ثقافية إسلامية متواضعة وبامكانهم ان يكونوا نماذج طيبة ليقتدي بهم الاخرين.

وبالاجمال فان نظرية اللاعنف وان حظيت بمن يؤيدها على المجالات الواسعة ووجدت صداها في الافق العالمي الا انها دعوى تظل متوهجة مثل فنار يهدي الناس السبيل والرؤية الاسلامية الصحيحة ليتلمس بنوا الانسان طريقهم ويكون صراعهم من اجل الخير صراعا شريفا في اساليبه وغاياته أي تتحد الغاية والوسيلة في سيادة الحق والعدالة والمساواة من اجل الانسانية المعذبة.                    

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11 حزيران/2007 -23/جمادي الأول/1428