شمس الانتظار تصهر احلام اللاجئين العراقيين

 شبكة النبأ: احلام تتخفى تحت العرق الناضح من الجباه والعيون المنطبقة لتفادي الوهج الحامي الذي تسكبه شمس حزيران على هامات الجالسين فوق الرصيف الممتد باعياء.

العيون رغم تخاتل حدقاتها الا انها تراقب بحذر وتتربص بالداخلين والخارجين من باب المفوضية عسى ان يأتي الفرج البطئ المتثاقل ليمحو هذه الماساة الرائبة مثل طين ثقيل.

وهذا هو حال المنتظرين على الابواب شبه الموصدة في الاردن وهم قدموا او يقدمون طلبات اللجوء لصيد فرصتهم التي يتاملونها للعيش بأمان.

على ابواب المفوضية السامية للاجئين في عمان، اصطف طابور طويل للعراقيين الذين هاجروا من بلادهم بحثا عن الامان والعيش تحت خط القلق الذي كانوا يعانونه في وطنهم، وعلى بعد امتار تناثرت مجاميع الجالسين على الارصفة أو الذين يستظلون من شمس حزيران تحت الاشجار أو الجدران العالية.

مظاهر الاستياء التي علت الوجوه المتعبة كانت تشير الى حجم المعاناة اليومية التي يعيشها هؤلاء، وعيونهم تتساءل، ماذا لو وفروا لنا صالة أنتظار تليق بالبشر، أو على الاقل  مظلة تقينا من وهج الشمس؟، قال ذلك رجل في اواسط الخمسين وهو يدخن سيكارته بانفعال واضح.

وأضاف الرجل، الذي رفض الكشف عن اسمه، لوكالة (أصوات العراق) منذ اللحظة الاولى التي اردت فيها ان ادخل عالم المفوضية السري، اعتراني قلق لا حد له وانا ارى نفسي محاط بثلاثة من حرس المفوضية، بمجرد ان قلت انني اريد ان اجري حوارا مع مدير المفوضية او حتى المسؤول الاعلامي، وتطلب الامر وقتا كي اشرح لهم ان الامر لا يتعدى اسئلة بسيطة بشأن اوضاع اللاجئين وكيفية التعامل مع توطين العراقيين في دولة ثالثة.

وأوضح: فكان ان تلقيت اجابات بسيطة هي الاخرى، فالمدير تم استبداله وترك عمله اليوم، والمدير الجديد لن يصل قبل شهر، والمسؤولة الاعلامية مجازة لمدة شهر وتبدأ اجازتها منذ اللحظة التي القيت فيها سؤالي على مسؤول الاستعلامات.

وتابع انه وبعد تحقيق سريع من الحراس الثلاثة، تركز حول الاسباب التي دعتني الى تقديم طلب المقابلة، خرجت من مبنى المفوضية الى حيث تمكنت ذاكرتي من الاحتفاظ بصورة واضحة المعالم لتلك اللهفة الغريبة التي تظلل وجوه طالبي اللجوء, أولئك الذين ضاق بهم العراق وضاقوا هم به، بعد ان انتظروا طويلا وملوا الصبر الذي لا ينتهي واشياء اخرى قد لا يعيها سواهم.

وعلى باب المفوضية، كانت شابة في اوائل الثلاثينيات تنتظر ردا على محاولات (لم شملها) مع زوجها الذي غادر العراق قبل أربعة اعوام متجها الى استراليا، قائلة: رفضوا طلبات زوجي المتكررة بلم الشمل معه، وانا وابنتي  ذات الاعوام الخمس نحاول ان تساعدنا المفوضية في عمان  في ذلك دون جدوى.

وأضافت: فلا انا زوجة ولا انا مطلقة ولا استطيع العودة الى العراق، خشية عدم الدخول الى الاردن مرة اخرى لتضيع آخر فرصة بلّم شمل عائلتي.

شاب مسيحي في نهاية العقد الثالث، فرح بحصوله على لجوء في دولة ثالثة غير الاردن؛ الا ان فرحته سرعان ما تبددت، اذ تزوج خلال فترة انتظاره  للّجوء التي تجاوزت السنوات الثلاث من احدى قريباته، ليكتشف ان عليه اما ان يسفّرها وينتظر من جديد أو يسافر وتنتظر هي لعدة سنوات حتى يتمكن من لم شمله بها، وهما امران كلاهما مر، فهو لم يتصور ان يقتصر طلب اللجوء على شخص واحد فقط، وكان يظن ان الزوجة ستنظم اليه تلقائياً.

وكانت الاسباب الرئيسة لرغبة العراقيين في التوطين ببلد ثالث، تتراوح بين ضيق ذات اليد وضعف الاجور التي يشتكي الكثيرين من تدني مستوياتها وعدم تناسبها مع غلاء المعيشة في الاردن وعدم منح تراخيص عمل للوافدين والخوف من الترحيل بسبب او بدونه.. فضلا عن رفض المملكة الاردنية اعتبار العراقيين النازحين الى الاردن، لاجئين حقيقيين.

وعلى الرغم من حاجتهم للحماية؛ الا انهم لا يندرجون ضمن التعريف العام الذي وضعته الأمم المتحدة لتعرف من هو اللاجيء، كما ان الاردن نفسه ليس من ضمن الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، ولا في بروتوكول 1967 الخاص بوضع اللاجئين وليس هناك اي قانون محلي للاجئين ولا اي اجراءات معتمدة للبت بطلبات اللجوء.

ومع هذا تعتبر الكثير من المنظمات الدولية ان الاردن هو المتعاون الاول في مجال حماية اللاجئين العراقيين، أكثر بكثير مما تفعله حتى الدول التي كتبت القوانين الدولية نفسها.

فحين اطلقت مفوضية اللاجئين عام 2003 نظام الحماية المؤقت في الاردن والمنطقة، كانت الاردن اول من استجاب لهذا النظام الذي يهدف الى منع ابعاد العراقيين المسجلين لديه واعادتهم الى العراق.

وطبقا لهذا النظام لا تقوم المفوضية بدراسة طلبات اللجوء بل تكتفي بمنحهم بطاقة لجوء مؤقت بدون وضعية اللاجئين بحد ذاتها، او حق الاقامة الدائمة في الاردن، والسبب في ذلك حسب قول المفوضية انها لاتمتلك الموارد اللازمة للبت في العدد الضخم من طلبات اللجوء.

أما عن الكيفية التي يتم بها منح العراقيين لبطاقة اللجوء المؤقت تقول (ام محمود) ان على من يراجع المفوضية للمرة الاولى ان يأتي في وقت مبكر من الصباح يتراوح ما بين السابعة والنصف والحادية عشر صباحا، وان يتقدم بطلب حجز موعد لمناقشة اسباب طلبه للجوء (علما ان الموافقة على الطلب تعني ان الشخص سيحضى بفرصة توطين في بلد ثالث بموجب مذكرة التفاهم لعام 1998 التي تلزم المفوضية بالبت في طلبات اللجوء وبالعمل على توطين من يعترف به لاجئاً في بلد ثالث) ويكون هذا الموعد في خلال شهرين او ثلاثة اشهر على اقل تقدير.

وتشرح ام محمود لمراسلة (أصوات العراق) في عمان خلاصة تجربتها في البحث عن لجوء، قائلة: "غالبا يكون التعاطف أكبر مع النساء واصحاب العوائل ممن جلبوا اطفالهم معهم الى الاردن، وأكثر طالبي اللجوء هم من الهاربين من العنف الطائفي او من الموظفين المتعرضين للتهديد بسبب عملهم مع الحكومة والعاملين مع القوات الاجنبية."

امرأة في الاربعين لجأت الى الاردن مع عائلتها منذ عامين تحدثت عن بطاقة اللجوء المؤقت، قائلة انها قدمت طلب للحصول عليها لان زوجها عمل لفترة في احدى القواعد الأمريكية في بداية دخول القوات الامريكية الى العراق، وبعد توجيه التهديدات للعاملين في القواعد الأمريكية ترك عمله وجلس في بيته؛ لكن التهديدات لم تنقطع  مما اضطرنا جميعا الى ترك العراق خوفا عليه من القتل.

ويذكر ان الانباء التي نشرتها وسائل الاعلام الاردنية عن توجه عدد من الشخصيات العراقية والعاملة في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الى عمان منتصف شهر حزيران يونيو الجاري لبحث اوضاع اللاجئين، تزامنت مع زيارة المفوض السامي لشؤون اللاجئين انتونيو جوتيريس الاردن، ويبدو ان تطورات ما ستلحق بملف اللاجئين العراقيين خلال الايام القادمة كما يعتقد البعض هنا في عمان، خصوصا بعد ان اكد غوتيريس خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده حال وصوله: ان زيارته للمنطقة تأتي بهدف رفع الوعي حول الاوضاع الماساوية التي  يعاني منها العراقيون، وبهدف مناصرة وكسب التأييد لهم داخل البلدان التي لجأوا اليها.

وحول مساعدة العراقيين بالتوطين في بلد ثالث ودور الولايات المتحدة على وجه التحديد، اجاب جوتيريس انه "تلقى التزاما امريكيا في زيادة اعداد العراقيين واعادة توطينهم في الولايات المتحدة الامريكية، مشيرا الى رقم يقدر بحوالي 20 الف عراقي التزمت الولايات المتحدة باعادة توطينهم العام الحالي، داعيا دول العالم للقيام بمبادرات اعادة توطين العراقيين في بلد ثالث.

يشار الى ان خبراء في الاقتصاد تحدثوا نهاية عام 2006 عن تأثير رؤوس الاموال العراقية التي دخلت الى السوق الاردنية وساهمت في دفع معدل النمو الاقتصادي في النصف الاول من عام 2006 بنسبة تقارب 8% وهي تعادل ضعفي نسبة النمو قبل الحرب،  فيما كانت صحيفة "جوردان تايمز" قد نشرت في آذار مارس 2005 تقريرا عن ان وصول 50 الف اسرة عراقية الى الاردن ادى الى ضخ ملياري دولار في الاقتصاد الاردني، وهو ما ساهم في تسريع دورة الاقتصاد بشكل واضح، مؤكدة انه " رغم وجود عراقيين واسعي الثراء ممن وظفوا استثمارات كبيرة في الاقتصاد الاردني، فإن معظم العراقيين يعيشون على الهامش ويشقون لتأمين عيشهم من غير تراخيص عمل ومن غير مدخرات."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11 حزيران/2007 -23/جمادي الأول/1428