معدل الاعمار والعامل الطبقي

شبكة النبأ: من المسائل غير المسلط عليها الضوء في الادبيات والدراسات البشرية التي تعني بالبيئات الانسانية هي مسالة العامل الطبقي ومدى تاثيره في متوسط العمر الذي يحياه ذلك الصنف من البشر الذين تفتقر حياتهم البائسة الى المستلزمات الصحية والغذائية والرفاه، والواقعين في مأساة الحياة بخضم احلام مستحيلة تطرا على خواطرهم ثم تموت في طبقات الياس المظلمة والرجاء الخائب.

ويعيش الملونون في امريكا حياة تقصر وسطيا ما يقارب 7 سنوات عن حياة البيض ومعنى ذلك ان حوالي 25 مليون نسمة من الاحياء الآن لهم اعمار اقصر من اعمار مجتمعهم بـ 7 سنوات.

ولو لم يكن في امريكا تطورات اقتصادية واجتماعية جوهرية لكان من المحتمل ان يكون للجيل التالي من الملونين الذين سيكونون احياء بعد عشرين عاما من الآن متوسط اعمار افضل لكنه بالتاكيد سيكون اقصر بكثير من متوسط اعمار معاصريهم البيض.

ويشكل كل من الملونين في امريكا والعمال غير المهرة وعائلاتهم في بريطانيا شرائح كبيرة ضمن افقر مجموعة في كلا المجتمعين.

هناك إذا علاقة سببية بين واقع اقتصادي ما وبين واقع يتعلق بالاعمار، ليس هذا امرا يثير الدهشة، فحقيقة وجود الناس في اسفل سلم الثروة والدخل هو السبب الرئيسي ومعه جملة اسباب اخرى لقصر حياتهم.

وبالنسبة للمجتمعات غير المتطورة فان معدل الحياة المرتقبة بينهم وبين مجتمعات متطورة هو بون واسع وكبير.

فالذكور المولودون في الغابون لهم متوسط اعمار يقدر: 25 سنة والذكور المولودون في بريطانيا 69 سنة وهذا رقم يقارب اضعاف الرقم السابق بثلاثة اضعاف، فوسطيا يموت الذكور في الغابون عن عمر اقصر بكثير مما يعتبر بمنتصف العمر في بريطانيا.

وبحسب الاحصائية التي اوردها تيد هند ريش في كتابه الموسوم: العنف السياسي:

·        الذكور الغابون 25  غينيا 26  نيجيريا 37  الهند  42 كولومبيا  44 

·        الإناث    =     45  =  28    =     37   =    41    =     46

·        الذكور  فرنسا  69 المانيا الغربية 67 امريكا 67  انكلترا 69

·        الإناث    =   76       =        73   =   75    =    75

إن متوسط العمر للذكور والإناث معا في كل المجتمعات الاقل تطورا وبتقدير عام واحد لهذه المجتمعات حوالي: 42 سنة بينما العمر المتوسط للذكور والإناث معا في البلدان المتطورة وبتقدير عام حوالي: 71 سنة.

ونستنتج من كل ما ورد في اعلاه ان الانسان الاوربي المترف يعيش حياتين من حياة الطبقة المسحوقة أي انه يكون بامكانه ان يستثمر حياتين في مقابل حياته الطويلة الرغيدة.

هذا الافتراض يمكن اعتماده لو ان الظروف الصحية ظلت سوية طيلة هذه الحياة كذلك انتفاء المخاطر، لكن الواقع ان افراد المجتمعات وهم يتعرضون في نضالهم من اجل العيش اكثر عرضة للامراض المتنوعة لإفتقادهم الى الوقاية والامن الصناعي وكذلك تحت احتمال الاصابة بمخاطر العمل، وعدم وجود بيئة متلازمة ومستمرة تساعد على تخطي العوامل الوراثية التي استصحبوها من بطن تاريخهم وجذوره البعيدة.

فيما يكون افراد الطبقة المتوسطة على الاقل، اقل عرضة لهذه المخاطر والامراض وتمتعهم ببيئة متصاعدة ومستمرة لتحسين العامل الوراثي.

هذه المقارنة تنطبق على المجتمعات الغربية بما فيها من عروق بشرية تهجنت ضمن المجتمع الحاضن ثم توالدت في ظروف هي غير الظروف التي في البيئات في دول العالم الثالث،او ما يعرف بالدول النامية.

وهي على كل حال فان المجتمعات الفقيرة في العالم الغربي افضل من جوانب عديدة من تلك البيئات التي يعيشها افراد الطبقات الفقيرة في العوالم الشرق اوسطية.

وليس من المناسب ان نظهر مقارنة لمستوى الدخل المتوسط الذي يحصل عليه العامل في انكلترا او في دول اوربا عموما ونقارنه بمستوى الدخل الذي يحصل عليه العامل في الدول الفقيرة او بتعبير اصح وحقيقي: المحكومة بالفقر، (والحكم بالفقر انما هو التعبير الحقيقي لواقع حال سلوك الحكومات المستبدة، وإلا كيف يعتمد الغرب كله على الثروات المطروحة في هذه الدول)؟.

فالشعوب هنا تعاني من بيئة متردية مناخا واقتصادا وتعليما وسياسة، وتفتقر الى ابسط مقومات الصحة والعيش فهي إذن في بيئة خانقة سلبية تدعو الى الضمور جيلا بعد جيل.

ويتوقع بحسب الافتراض بالعامل الطبقي فان متوسط الاعمار سوف يتراجع خلال المئة سنة القادمة، بما معدله عشر سنوات وذلك بعد اربعة اجيال فيكون معدل عمر الغابون مثلا 15 الى 17 سنة وغينيا 18 الى 19  نيجيريا  29 الى 30 الهند 35 الى36 كولومبيا 36 الى 37.

وفي فترة ما تعهد عدد من البلدان المتطورة إقتصاديا بان يساهم كل بلد بنسبة مئوية من ناتجه الوطني الصافي للبلدان الاقل تطورا في المستقبل وتتضمن المساهمة القروض والاستثمارات وكان كل الرقم الذي اتفق عليه هو واحد بالمائة! ومنذ ذلك الحين فشل عدد من البلدان في تجاوز هذه النسبة.

والجدير بالملاحظة ان هناك مثلا يتداوله العراقيين حول حقيقة الامر الصارخ وعن وجود الشئ بنفسه، والدعوى بترك الدلائل المشكوك فيها: ( يقال له هذا الاسد .. يقول هذا اثرهّ)

فالدول النامية تمتلك كل الثروة وخزائن المواد تملأ اراضيها بحيث ان الغرب قد جّيش الجيوش من اجل السيطرة عليها واستغلال مواردها وكنوزها الثمينة، فلم هي تحتاج الى المساعدات والمنح والاكراميات والصدقات وهي المال وراسه ورجليه اليس الاجدى ان يسرّح الحراس القائمون الحاكمون المستبدون الغاشمون والحائلون دون الثروة الغزيرة لتصل الى الجياع والمحتاجين وان ينهلوا من العدالة الانسانية ورفع الظلم والاجحاف؟.

فهذا هو الاسد الذي يواجه في الواقع هذه هي الآفة الديناصور، فعندما تغادر الغابة تغرد الكناري ويهدل الحمام وتملأ الاجواء زافات العصافير وهي تتمرغ في شفاف السماء العالية التي تنث الندى النعسان على اديم الارض المعطاء.

اما الاثر الذي يتركه الاسد وندقق به من خلال المكبرة الزجاجية فهو التعلق على الامال المزيفة والمنح المشروطة التي تمن بها الدول العابدة  للمال وماكنته الرهيبة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 8 حزيران/2007 -20/جمادي الأول/1428