قراءة في كتاب: الدين والسياسة والعلمانية

 

 الكتاب: الدين والسياسة والعلمانية

المؤلف: د. متعب مناف

الناشر:  مركز المستقبل للدراسات والبحوث

عدد الصفحات: 140 قطع متوسط

عرض: عدنان عباس سلطان

 

 

 

 

شبكة النبأ: موضوعة الدين والعلمانية والسياسة هذه المصفوقة هي من اكثر المواضيع التي اثارت جدلا ولا زالت تثيره في الاوساط الثقافية وحتى الشعبية، وهي منطوية على مفاهيم ادت وتؤدي الى الاشكالية الفكرية في انسجامها وترجيحاتها وكأنها مضادات لبعضها البعض، فقد تشكل مفهومها كوحدة غير متجانسة لايمكن ان تسير في عملية واحدة إلا ان تتشظى ويبقى الاختيار هو اصطفاء واحدة لتكون المذهب الذي ينّسق الحياة السياسية.

فأما ان يكون الدين هو الحاكم للامور او العلمانية، وطبقا للتجربة الغربية التي اندفعت بخطوات متسارعة في التطور الاقتصادي والتكنولوجي والتقني فان العلمانية التي كانت مذهبه وهي السبب الذي ادى الى هذا التطور قد اثرت على كثير من العلماء والمفكرين وولدت لديهم

قناعات شبه باتة في ان الدين لا يعدو كونه معرقلا من المعرقلات الكبيرة التي تقف عثرة كأداء في طريق التطور، ويكون لزاما على الاقل فصل الدين عن السياسة، واعتبار الدين مذهب فرداني يرتبط به الشخص ذاتيا دون ان يتدخل وفق نظرته الدينية في الموقف السياسي أي لا ينسحب المعتقد على القرار السياسي.

وطبعا هذه الرؤية لا تمس الجانب العقائدي او الثقافي الديني بل تعترف بالكيانات الدينية وبكل ما يلحق بها من فعاليات، بمعنى صيانة كياناتها وتمكينها من تأدية الرسالة الاخلاقية.

ولا يقتصر الامر على مؤسسة دينية بعينها وانما يتطلب الامر رعاية جميع المؤسسات الدينية على تنوعها.

ونخلص الى ان الدولة العلمانية انما تكون حاوية وراعية لكنها ليس بالضرورة منتمية لمن ترعاه، فانها كما تحافظ على استقلالية الدين عن الدولة وتحجيمه بالمقابل فالدولة لها مربعها الخاص الذي تتفاعل به بمنأى عن الدين حتى وان اتخذت عنوانها او في دستورها الصفة الدينية.

من جهتهم المؤمنون يرون بان الدين هو المؤهل لأن يلعب الدور الفعال في الدولة والسياسة يقفون ضمن التيار المعاكس للتوجهات العلمانية، ولكنهم ليس بالحّدة نفسها وانما يبدون المرونة في انهم ياخذون من العلمانية كثير من المفاهيم كالديمقراطية .. الانتخابات .. المجالس النيابية ..الخ.

فيما يعتبر العلمانيون هذه المرونة عملا تكتيكيا يمتص القناعات المتزايدة في تأييد العلمانية.

فاذن تكون الاشكالية كبيرة ومعقدة وتحتمل كما هائلا من الطروحات المتنوعة في هذا السجال الفكري حول الدين والسياسة والعلمانية.

يقول الدكتور عامر حسن الفياض: ان المطالبة بمقبولية التجوهر السياسي العام للمرجعية وعدم مقبولية التبرقع بالدين عند السياسي، هي دعوة للتمايز الوظيفي بين الديني والسياسي، وهذا التمايز لا يقر ولا يعني الفصل والقطيعة بين الدين والسياسة، ولا يقر ولا يعني الدمج والتماهي بين وظائفهما، إنما يقر ويعني فقط رفع ومنع التدخل القائم على الهيمنة المتبادلة بينهما .. فلا السياسي يهيمن على وظيفة الديني ولا الديني يهيمن على وظيفة السياسي، لأن كل طرف يدرك وظائفه وتكاليفه التي ينبغي عليه تأديتها دون التهيمن من احدهما على وظائف وتكاليف الآخر.

والدراسة التي بين ايدينا الآن للدكتور متعب مناف، تخصصت في هذه الاشكالية بطرحها القضية بصيغتها العلمية العقلانية استنادا الى التوثيق والشرع الديني والتجربة الانسانية واستلال التجربة العلمانية من تأريخها الخاص التي نمت من ترابه، إضافة الى دراسة النمو المذهبي في الفكر الاسلامي وكيفية تحصله على الادارة السياسية بصورة طبيعية وبصورة غير مباشرة، أي دون الدخول بصراع مباشر وهو الامر الذي سلكته مرجعية النجف العراقي الاشرف على مدى تاريخها الديني.

كذلك تسّيد الاصوليين للمسار التنويري الإحيائي النجفي وتقوية سلطة حملة المعرفة الدينية الفكرية التي تحولت الى اكاديميات إسلامية، سميت بالحوزات العلمية وهي المؤسسات العرفانية التي من خلالها تمر سلطة المجتهدين.

والبحث الذي يباشره الدكتور متعب مناف انما هو تنوير لحالة احيائية الارتباط بين الدين والسياسة في الاسلام بالمعنى الاعم المتعدي لسلوك الإنسان الى المجتمع السياسي أي السلطة الحاكمة، كمحرك فكري تجديدي ومواجهة عقلانية فاعلة وليست تبريرية في السياق الاحتوائي للعلاقة بين الدين والعلمانية.

وقد احتوى الكتاب على 21 مبحث منها:

1ـ النجف ودورها في ابراز الصلة بين الدين والسياسة.

2ـ الأصوليون والمجتمع الشيعي في العراق.

3ـ الفقه الامامي والحالة العراقية.

4ـ العلمانية مفهوما وواقعا سياسي او اجتماعي.

5ـ نحن والعلمانية.

6ـ الحوزات في الافتاء للحياة والسياسة.

7ـ الدين، الحوزة، العلمانية، العولمة.

8ـ صراع الحضارات.

وقد اشتمل البحث عدة مواضيع اخرى غنية بذاتها، بما فيها من استدلالات وتحليل.

ونجتزئ منها:

لقد ركزت غاية جهود الفقه الإمامي على حل إشكالية، تتخذ غاية في الاهمية هي:

ان الشرع الهي، أما عمل الشورى فينحصر في إمكانية تأثره في الادارة السياسية، إلا التشريع الذي هو خارج عن إطار الرغبات والمتطلبات والمصالح.

اذن فان هناك ثابت هو شرعة الله التي فوق كل اعتبار لإنها تتجاوز الشورى وديمقراطية الراهن. والحل الفقهي الجعفري تولي المعصوم السلطة، عندها يمكن ان يكون العدل كاملا.

إلا ان في غياب المعصوم لا يمكن ان تترك الساحة السياسية من رأس مدبر وضياع الفاصل والفيصل من الامور. ولذا فإن الفقه الجعفري حاول سد هذا الفراغ إنتظارا لظهور الامام المنتظر(عج).

واكد العلامة النائيني على دولة لها سلطان مقيد بدستور، مع حضور الفقهاء، للحفاظ على سير السلطة والرقابة على عدم خروج السلطان على تكليف الامة وتجاوزها بالفعل تحقيقا لإنفراده بالسلطة.

لقد بدأت الحوزات الجمع بين تدريس فقهها وإعداد طلبتها وفق آلية التدريس الحوزوية التي تجمع بين المقدمات والسطوح وبحث الخارج وبين الانشغال بالقضايا ذات الشان العام ـ السياسة ـ التي اخذت إيقاع العصر وتأثره وخصوصا عندما وجد نفسه مطالب بالدخول هذه الساحة المتحركة وتقديم الحلول للامة في السياسة بالذات وفق المفردات المستوردة للثقافة السياسية الاوربية الغربية التي قامت على التباعد بين السياسة والديانة او بين الدين والدولة ـ العلمانية ـ .

والكتاب اخيرا جهد متميز في الفكر العراقي الرصين من لدن مؤلفه الدكتور متعب مناف.

وهو من الكتب الضرورية التي درست بتفصيل هذه القضية الخطيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7 حزيران/2007 -19/جمادي الأول/1428