
شبكة النبأ: لم تعد تتملكنا الدهشة
حين نعلم بجريمة كُشِفَ عن خباياها، أو نسمع عن لص مراوغ قُبِض عليه
بعد فترة من الزمن. فهذا أمر ألفناه في ظل التقدم المثير للعلم
والتكنولوجيا الحديثة، لكن ما يثير الدهشة حقاً هو الاكتشافات الحديثة
لآثار مصرية قديمة ظلت مطمورة تحت الرمال آلاف السنين، وأخرجت إلى
النور بواسطة أحدث الأساليب التكنولوجية للبحث والتنقيب.
إن تاريخ الآثار المصرية القديمة يعود إلى حقب متباينة ضاربة في عمق
الحضارة الإنسانية، وإن كان بعضها قد اكتشف في مراحل مختلفة من العصر
الحديث فإن كثيراً منها لا يزال مدفوناً لم يفض الغموض عنه بعد، لكنها
سواء كانت تحت الرمال أو فوقها فإنها لا تخلو من سحر ورهبة، ولا تزال
محاطة بكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام.
في ملف هذا العدد (الحضارة المصرية.. آثار قديمة وحقائق جديدة)
يحاول أن يميط اللثام عن بعض ما اكتنف تلك الحقبة من غموض، فمقال (هل
عرف المصريون القدماء التضحية بالبشر؟) يستعرض اكتشافات مثيرة لمقابر
جديدة هائلة، تضم قوارب غير مستعملة أعدت خصيصاً للدفن لكي يستخدمها
الفرعون بعد مماته للعبور إلى الحياة الأخرى. وفي مواقع أخرى اكتشفت
مقابر جماعية يعتقد أنها لأفراد حاشية الفرعون، الذين كانوا يدفنون
أحياء معه عند وفاته ليقوموا بخدمته في الحياة الأخرى، فيما يناقش مقال
(توت عنخ آمون.. أسرار الحياة والموت) ما إذا كان الملك الشاب قد مات
مقتولا، ويقدم البراهين والأدلة المستقاة من أحدث ما توصلت إليه
تكنولوجيا علم الآثار لتقديم رؤية أفضل لما حدث قبل آلاف السنين.
أما مقال (الكشف عن وجهه الحقيقي) فيحاول حل لغز (أبو الهول) ومعرفة
هويته الحقيقية، ومَنْ من الفراعنة الذي أمر بنحته ولماذا، ويستعرض
المقال مجموعة من الملوك الفراعنة في محاولة لمعرفة أوجه الشبه بينهم
وبين (أبو الهول)، وأي منهم قد يكون بالفعل هو صاحب هذا التمثال.
الحضارة المصرية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، لا تزال تكشف
أسرارها التي هي محل تساؤل وإعجاب في آن واحد... وسوف تظل كذلك لسنوات
عدة مقبلة، كلما تقدمت التكنولوجيا وقدمت لنا الجديد في هذا المجال.
بقية موضوعات العدد جاءت على الشكل التالي:
الصدع العظيم بقلم: تشاكرافارتي رام
– براساد
السينما والأدب وأوجه أخرى من الثقافة الغربية منفتحة على التأثير
الآسيوي على نحو متزايد. لكن الفلسفة الغربية ليست كذلك، فهي لا تزال
محكمة الإغلاق تقريباً في وجه التقاليد الشرقية، لماذا؟ ضيق أفق منهجي
من جانب الفلسفة الغربية ونقص في الجرأة في أوساط المفكرين الشرقيين.
يدّعي كوماريلا Kumarila أن هناك شيئاً ما يدعى (أنا) تأسس على
حقيقة أن (أنا) موجودة في التفكير على نحو دائم، إلا أن سانكارا
Sankara يحتج بأن هذا يشير فقط إلى وجود (ذاتية) ما – حضور الوعي – ولا
يعني أن هناك شيئاً اسمه (أنا)، فالوجود الظاهر (للذات) الموضوعية هو
مجرد وهم خلقه منطق استعمال (أنا) نحوياً في اللغة.
أسماء غريبة، من دون ريب. أفكار غريبة؟ أي شخص كان قد قرأ فلسفة في
الغرب لن يعتقد بصحة ذلك – شريطة أن يستبدل كوماريلا (القرن السابع
بديكارت Descartes (القرن السابع عشر) وسانكارا (القرن الثامن) بكانط
Kant (القرن الثامن عشر). النقطة الأساسية ليست بالمناظرة حول ما إذا
كان الهنود أم الأوروبيون هم الذين أتوا بهذه الأفكار أولاً (مفكرو
قدماء الإغريق والمسلمون الأوائل لهم أمل بالفوز في هذا السباق أيضاً)،
كما أن النقطة الأساسية ليست بأن الهنود يستحقون الدراسة لأنهم فكروا
مثل الأوروبيين. المسألة ببساطة أن المفكرين الهنود، ولاسباب عديدة،
غير معروفين للفلسفة الغربية المعاصرة، وعلى الأرجح سيشعرون كذلك.
ينطبق الشيء نفسه على المفكرين الصينيين.
إن مجرد مسح وجيز للفكر الهندي والصيني سيظهر أن هذه التقاليد
تتعامل مع سلسلة واسعة من الموضوعات، التي تثير اهتمام أي شخص معني
بالسؤال الكبير حول الوجود الإنساني، إلا أن مجرد فكرة (فلسفة شرقية)
بحد ذاتها محفوفة بالمشاكل سواء اتفقت مع تلك التي تم السؤال عنها في
الفلسفة الغربية أم لا.
أولاً تفتقر الفلسفة الشرقية للميزة البسيطة التي تتمتع بها الفلسفة
الغربية، كونها قد ظهرت من تقاليدها الذاتية في الممارسة الفكرية.
الأسئلة حول وحدة وهوية الفلسفة الغربية غالباً ما سئلت، لكن الذين
يطرحون مثل هذه الأسئلة ينظر إليهم بشكل عام على أنهم قد أتوا من داخل
التقاليد ذاتها. وحدة هذا الفرع من فروع المعرفة – وغربيته – تبقى
سليمة في الدراسات التمهيدية الشعبية وفي معظم الدوائر الجامعية، رغم
الاختلاف التام بين بعض الاهتمامات الأكثر أساسية عند الفلاسفة الإغريق
واهتمامات الفلسفة الغربية على مدى الخمسمائة سنة الماضية.
ومع أن دوائر الدراسات الدينية، والأدب، والجغرافيا، والعلوم
السياسية، وغيرها في العلوم الإنسانية تعترف بشكل متزايد بأن العالم
ليس محصوراً بالغرب، إلا أن الفلسفة الغربية تعتبر بقية العالم كأنه لم
يخلق بعد. التعاليم الآسيوية تميل لأن تكون محصورة في الدراسات الدينية
أو دراسات أحوال المناطق، حيث تنافس الفلسفة علم الإناسة،
(الانثروبولوجيا) والمقاربات السياسية والتاريخية لدراسة التعاليم
الآسيوية – هذا على الرغم من وجود تحول ما في طريقة تدريس الفلسفة
نفسها، بعيداً عن الكتّاب المعترف بهم canonical writers الذين
يتناولون المفاهيم الأساسية.
على مدى معظم القرن العشرين، سلّم المفكرون الآسيويون ببساطة بهذه
الحقيقة، فبدلاً من القيام بتفكير أصيل، انغمس كثير من المفكرين الهنود
في نقاش لا ينتهي حول ما الذي يمكن أن يجدوا في الفكر الهندي والذي
يمكن أن يقع ضمن خارطة الفلسفة الغربية. هل هي دارسانا Darsana (وجهة
نظر)، الاسم التقليدي الذي أطلق على مجموعات المفكرين المختلفة وعلى
النصوص المرتبطة مع بعض العقائد الشائعة؟ أم هي أنفيكسيكي anvilsiki
(مجاز أو استعارة أخرى من (البصري) أي (رؤية خاصة))، مصطلح يستعمل من
قبل بعض المفكرين لوصف السبر التحليلي للأسئلة العامة؟ عانت الفلسفة
الهندية من أزمة وجودية حادة في التساؤل عما إذا كانت موجودة أصلاً.
كذلك عانى التفكير الصيني أيضاً، من أجل إعادة مفهوم وجوده، خاصة بعد
أن هدد جنون (ماو Mao) بأن يمحو كل ذاكرة الفلسفة الصينية في وطنها
الأم.
وكتب تامي ديفز بردل (تمحيص غبار
درسدن):
في بواكير العام 1945، كانت مدينة درسدن الألمانية تقع في طريق سيلٍ
عارم من اللاجئين الفارين أمام الجيش الأحمر الزاحف على طول الجبهة
الشرقية، وقد كافحت السلطات الالمانية بشدة، وهي التي تعاني نضوباً
حاداً في الموارد في الأشهرة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، من
أجل استمرار حركة هذا السيل المتدفق من التعساء، حتى لا يعيق حركة
الآلة الحربية الألمانية، لكن قبل أن تتمكن السلطات من نقل اللاجئين
البالغ عددهم نحو 100 ألف إلى المدينة، جرت مهاجمتها بموجتين من قاذفات
القنابل البريطانية والأمريكية طوال يومين متصلين، مشعلة عاصفة من
الحرائق التي اكتسحت قلب المدينة.
تكونت الغالبية من اللاجئين، مع ما تبقى من سكان المدينة من النساء
والأطفال والمسنين. أثناء سقوط القنابل ازدحم عشرات الآلاف في المخابئ
والطوابق تحت الأرضية، بينما فر آخرون إلى الطوابق السفلية من البنايات
الحكومية، بما فيها محطات القطارات المكتظة بالبشر. لكن الكثيرين منهم
لم يجدوا ملاذاً آمناً أبداً، فقد امتصت عاصفة النار الأوكسجين من
المخابئ واستبدلته بثاني أوكسيد الكربون، مسببة حالات اختناق جماعية.
الجموع التي هرعت هرباً من النيران، واجهت الدخان والغازات الضارة،
والمباني المنهارة، وكابلات الكهرباء المقطوعة، ورذاذاً من الجمر
الملتهب، وهبّات قاتلة من الهواء الملتهب المندفع في مقدمة النيران.
نزعت الرياح العاتية المصاحبة للعاصفة النارية أسقف البيوت، وألواح
المعادن، بل وحتى إنها اقتلعت أشجاراً ضخمة من جذورها، حيث سقطت في
الهواء بقوة أشبه بالإعصار. نزع القطران الذائب الأجزاء السفلية من
أحذية الناس معرضاً أقدامهم العارية للحرق. وسيروي أحد الناجين لاحقاً
ما حدث في شارع شمينتزر: (كان هناك أناس أمسكوا من شدة ما أصابهم من
قنوط بالأسلاك الشائكة، فاحترقوا وشُوهوا، لم يكونوا من الراشدين فقط،
بل كان من بينهم أطفال من مختلف الأعمار).
وحتى خزان مياه المدينة الضخم لم يقدم أي حماية عندما أصبح الهواء
من السخونة بحيث تعذر تنفسه، حتى إن الذين بحثوا لهم عن ملاذ في المياه
أجبروا على الفرار، ومات الكثيرون منهم عند محاولتهم عبثاً تسلق
الجدران الإسمنتية الملساء.
على الرغم من الاستخدام المكثف للقنابل الحارقة خلال الحرب العالمية
الثانية، إلا أن العواصف النارية كانت نادرة الحدوث. ولا تتطلب هذه
النيران التي يستحيل السيطرة عليها سوى التركيبة المناسبة من الحالة
الجوية، وكثافة الهجمة، وتنوع الأسلحة، ووضعية المباني. وأثناء الهجوم
على درسدن كانت هذه العوامل متوفرة، كما لم يكن المدنيون وموظفو مكافحة
الحرائق، المستنزفة قواهم، مجهزين بشكل جيد لمكافحة النيران، وقعت أسوأ
تلك العواصف النارية في ساعات الصباح الأولى من يوم 14 فبراير، لكن
النيران ظلت مشتعلة طوال اسابيع، أما في مركز المدينة فلم يبق منتصباً
فيه سوى بقايا ضعيفة ومتهالكة من بعض البنايات.
على مر السنين كانت أعداد الضحايا في درسدن موضعاً لجدل مؤثر ومكثف
حيث اضاف تعدّد الذين لجأوا إلى المدينة، والاضطراب الذي تلا الغارة
المدمرة، إلى صعوبة تحديد رقم نهائي لضحايا الغارات. انطلق الادعاء
بوقوع ما يصل إلى 250 ألف ضحية من قبل المؤرخ البريطاني ديفيد آيفرنغ –
الذي نال شهرة في وقت لاحق بصفته واحداً من الذين أنكروا وقوع المحرقة
(الهلوكوست) – بعد نشر كتاب له في العام 1963 بعنوان (دمار درسدن) الذي
اعتمد على تقرير أعد زمن الحرب من قبل وزارة الدعاية الألمانية.
بالنسبة لروايات شهود العيان الذين تذكروا رؤية مركز مدينة درسدن تغطيه
جثث الضحايا، لا بد أن ينتبه المرء إلى أن مركز المدينة هذا يُعد منطقة
محدودة نسبياً، ولا تزيد مساحته على ثمانية أميال مربعة؛ وحتى وجود 10
آلاف جثة في مثل هذه المساحة لا بد وأن يبدو مشهداً مريعاً. واستناداً
إلى أكثر الأرقام المتوفرة مصداقية، من المنطقي الاستنتاج بأن الحصيلة
النهائية للقتلى في ذلك المكان هو نحو 25 الف قتيل، مع إصابة عشرات
الآلاف غيرهم، أو تشريدهم من بيوتهم.
وبمشاركة كل من جاريت ميهل وهيذر ويبفلي وبيتر وينتش نقرأ (مكافحة
التبغ.. الدور الحيوي للمجتمعات المحلية).
التبغ هو السبب الرئيسي للوفيات التي لا يمكن منعها في العالم، فهو
يقتل أكثر من خمسة ملايين إنسان كل سنة، وإذا ما استمرت الاتجاهات
الحالية، فمن المتوقع أن يقتل التبغ عشرة ملايين شخص سنوياً بحلول
العام 2020، وسيحدث 70 في المائة من تلك الوفيات في العالم النامي.
توحي هذه الأرقام بأن حوالي 500 مليون إنسان الآن قد يُقتلون في نهاية
الأمر إذا استمروا في التدخين.
إستجابة لهذه الاتجاهات، قامت الدول الأعضاء في منظمة الصحة
العالمية World Health Organization (WHO) بالتفاوض وتبنت حالياً
اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ WHO
Framework Convention (FCTC) on Tobacco Cotrol تمثل الاتفاقية FCTC
المرة الأولى التي تستخدم الدول الأعضاء في الصحة العالمية حق المنظمة
في وضع اتفاقية دولية مُلزمة لتعزيز الصحة العامة العالمية، كما تمثل
الاتفاقية أيضاً المرة الأولى التي تتعاون فيها الدول على نطاق عالمي
لتشكيل رد جماعي على سبب لمرض مزمن يمكن تفاديه.
لقد تم تطوير الاتفاقية الإطارية كمقاربة علمية، مبنية على الأدلة
من أجل المكافحة العالمية للتدخين. النص النهائي للاتفاقية يلزم الدول
الأعضاء تنفيذ الإجراءات التي ثبتت فاعليتها في مكافحة التدخين، مثل
رفع الأسعار والضرائب، وفرض حظر على الدعاية والترويج والرعاية، وكشف
مكونات منتجات التبغ، وفرض معايير لوضع ملصقات مع تحذيرات صحية، وتعزيز
حملات التثقيف والتوعية العامة، وإنشاء برامج للبحث والترصد.. في 29
نوفمبر 2004، أصبحت بيرو الدولة الأربعين التي تصادق على الاتفاقية؛
ونتيجة لذلك، أصبحت أول معاهدة دولية للصحة العامة سارية المفعول
اعتباراً من 28 فبراير 2005.
توفر الاتفاقية Fctc منبراً قانونياً لتبني وتنفيذ استراتيجيات
فعالة لمكافحة التدخين في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، تذهب آثارها
لأبعد من إنتاج التبغ وتسويقه وتعاطيه، حيث الاتفاقية في جوهرها محاولة
لتطوير نوع من الحاكمية للصحة العالمية تكون قادرة على تنظيم الشركات
متعددة الجنسية بفعالية.
تضمنت مفاوضات الاتفاقية صراعاً لإجابة الأسئلة الأساسية حول الآثار
الاجتماعية للعولمة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالعلاقة بين التجارة والصحة
كما سلطت المفاوضات الضوء على الدور الهام والمتنامي للدول ذات الدخل
المتدني والمتوسط والمنظمات غير الحكومية Non – Governmental (NGOs)
Organizations في تحديد مستقبل واتجاه سياسات الصحة العامة الدولية.
ونقرأ لجيمس ويتس (الإنسان السوبر).
وأخيراً كتب جيفري ساتشز (تحدي
التنمية):
كشأن من شؤون السياسة المتفق عليها، ليس هناك شك في أن واشنطن معنية
بدعم التنمية الاقتصادية في الدول الفقيرة، وقد شاركت مع الأمم المتحدة
في سبتمبر 2000 في إصدار إعلان الألفية Millennium Declaration الذي
تعهد فيه العالم بتخفيض الفقر المدقع إلى النصف وتقليل وفيات الأطفال
بنسبة الثلثين خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة (تم اعتماد هذه الأهداف
لاحقاً كجزء من الأهداف الإنمائية للألفية Millennium Development
Goals.
وفي مارس 2002 تبنت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي اتفاق مونتيري
Monterrey Consensus الذي أرسى استراتيجية متعددة الأوجه لإنجاز تلك
الأهداف عن طريق تشجيع القطاع الخاص في الدول النامية وفتح طرق التجارة
معها وزيادة المساعدات الرسمية للتنمية، وفي تلك السنة وعدت استراتيجية
الأمن القومي الأمريكي U.S National Security Strategy بأن (تؤمن الصحة
العامة) (وتؤكد على أهمية التعليم) و (تستمر في إعانة التنمية
الزراعية) في الدول منخفضة الدخل، وقد أقرت الوثيقة أن (الولايات
المتحدة ودولاً متقدمة أخرى يجب أن تضع لها هدفاً محدداً وطموحاً، أن
تضاعف من حجم اقتصادات أكثر الدول فقراً في العالم خلال عشر سنوات).
معظم الأمريكيين، وربما معظم كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية
يعتقدون أن الولايات المحدة كانت الرائدة في مثل تلك التعهدات. إن
الاستجابة الأمريكية، العامة والخاصة، لكارثة تسونامي في المحيط الهندي
بدت وكأنها تؤكد كرم الأمة المعهودة مع هؤلاء الذين يحتاجون إليه، ومن
المثير للسخرية – رغم ذلك – أن هذا التدفق في الاهتمام قد يجعله غير
مفهوم أكثر مما يفسر حقيقة أكثر عمقاً، فباستثناء الاستجابة للكوارث –
المجاعات والفيضانات والزلازل – تأتي مساعدات الولايات المتحدة لأكثر
الدول فقراً في العالم غير كافية بالمرة، فهي تتخلف كثيراً جداً عن
الوفاء باحتياجات الدول المتلقية، وتفشل في استيعاب قدرة الولايات
المتحدة على تقديم المعونة، ولا تفي بالكثير من وعود واشنطن بتمويل
التنمية على نحو كاف، وهي تمثل جزءاً صغيراً مما يعتقد الأمريكيون أن
بلادهم تقدمه بالفعل.
دون منهج جديد، تخاطر واشنطن بإضعاف أهم أهداف التنمية الدولية التي
قبلها العالم وتدفع بالمجتمع الدولي إلى دوامة من الاتهامات المتبادلة،
ودون إصلاح قوي ومؤثر سوف توصم الولايات المتحدة بأنها دولة مستعدة
للاستثمار في الحرب، وربما في الإغاثة العاجلة، ولكن ليس في التنمية
السلمية، وسوف يرتفع عدد الدول الفاشلة ناشراً الفوضى ومهدداً الأمن
العالمي والوطني. ولا شيء غير استراتيجية أمريكية جديدة للتنمية
الدولية يمكن أن يتجنب هذه النتائج عن طريق إنجاز الأهداف الواردة على
نحو مفصل في إعلان الألفية واتفاق مونتيري واستراتيجية الأمن القومي.
إن البدء في اتخاذ مسار جديد وعملي للمساعدات قد يكون مكلفاً على المدى
القصير، ولكن فوائده على المدى الطويل سوف تفوق تكاليفه، بينما استمرار
الفشل – من ناحية أخرى – سوف يكون أكثر تكلفة بكثير مما يمكن أن يحتمل. |