مجازر ديالى... كان يمكن تجنبها

محمد علي جواد

 بين جموع الزائرين لخيمة اعتصام اهالي ديالى في منطقة ما بين الحرمين الشريفين في كربلاء المقدسة، كان ثمة احد الزائرين الايرانيين يتنقل بين الصور المعلقة في المعرض تعود لشباب واطفال ونساء شيعة قتلوا على الهوية في مناطق مختلفة من ديالى؛ لم يتوقف الزائر الايراني عند اي صورة من صور الشهداء فقد ملّ الوقوف امام الاف الصور المشابهة في ايران، لكن صورة واحدة استوقفته لانها نقلت له احد مشاهد حزّ الرؤوس عندها تساءل عن مكان واسباب الحادث.

كل من حضر مكان الاعتصام ومعرض صور الشهداء الذي انهى نشاطه بعد عشرين يوماً، تساءل عن السبب والدافع وراء تعرض اهالي ديالى لكل هذه الدموية والتهجير والتنكيل، ولعلهم يرددون الهتاف السماوي: "باي ذنب قتلت؟" انه سؤال نجح في اثارتة منظمو المعرض قبل ان يرفقوه بمطالب المعتصمين الى الحكومة بالعمل على انقاذهم مما هم عليه.

إن من يسمع عن ديالى يتبادر الى ذهنه امران يميزان هذه المحافظة؛ الاول النسيج الاجتماعي المتكون من شيعة وسنة واكراد، والامر الثاني هو الخصوبة العالية في  الارض ولها نهر عذب زلال يحمل اسمها ينحدر من اعالي الجبال المتاخمة للحدود مع ايران، وكانت لفترة من الزمن تنافس كربلاء في انتاج الحمضيات وايضا التمور، وقد تذكرنا بساتينها المكتظة باشجار البرتقال ببساتين الدجيل التي كانت يوماً مكتظّة بالنخيل وقام صدام وباعترافه الشخصي بتجريفها وابادتها لانه تعرض لاطلاق رصاص من بين تلك البساتين عام 1982.

هذه الصورة الايجابية التي كانت تبعث على التفاؤل تضم ايضا حقائق سياسية في مقدمتها ان محافظة ديالى كانت في نظر النظام البائد تعد الاكثر ولاءً بين محافظات الوسط والجنوب، والامر الاخر وجود معسكر او مجمع ضخم يضم عدة آلاف من عناصر منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة والمحمية حالياً من قبل القوات الامريكية، والامر الاكثر اهمية مجاورتها لايران، لكن هل تكون هذه الحقائق سبباً في استشهاد 11 الف مواطن وتهجير 9500 عائلة وهدم 66 مرقداً لاحفاد الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟...

فيما مضى من الزمن كانت اقضية - مثل بهرز او هبهب وغيرها في ديالى - تواكب مسيرة المواجهة ضد القوات الامريكية والتي ابتدأتها الفلوجة ومدن اخرى في الانبار ومحيط العاصمة بغداد، ولم يكن للعنف الطائفي اي رقم في معادلة الصراع الدامية هناك، إلا ان الحسم العسكري الامريكي لم يكن حاضراً كما كان في الفلوجة التي شهدت حملتين عسكريتين عنيفتين تعرضت فيه المدينة الى شبه عملية إبادة وكان الهدف المعلن طرد جماعة الزرقاوي من المدينة، وقد حصل ذلك بعد سيطرة الجيش الامريكي عليها ومعها قوات الحكومة العراقية برئاسة اياد علاوي، ومن تلك النقطة تحديداً بدأت عملية تسوية المشكلة بين ابناء محافظة الانبار عموماً وبين القرار السياسي في بغداد، لكن يلفت نظرنا الفارق الكبير بين التعامل مع الزرقاوي في الانبار وبين التعامل ذاته في ديالى، فالاخير تمت تسوية امر وجوده في الفلوجة ضمن صفقة تضمنت السلاح مقابل المناصب الحكومية، إلا انه – الزرقاوي – وهو مختبئ في ديالى فقد تم انهاء حياته دون انهاء المقاومة العنيدة للقوات الامريكية هناك.

ليس هذا وحسب بل ان المقاتلين والانتحاريين العرب الذين تستقطبهم الجماعات الصدامية داخل العراق، وجدت مرتعها الخصب ليس في مناطق الانبار المتاخمة للحدود مع كل من سوريا والاردن والسعودية، وانما في ديالى الواقعة في الجانب الشرقي من العراق، اي ان على المتطوعين العرب قطع مسافة بعيدة من الغرب الى الشرق املاً في الوصول الى مدينة الاحلام التي رسمها في اذهانهم شيوخ ومفكرون في بعض الدول العربية؛ ومن محافظة ديالى المتاخمة للحدود مع ايران أعلنت ما يسمى بتنظيم القاعدة في العراق عن تشكيل (دولة العراق الاسلامية).

وتشير الدلائل الى ان اعمال القتل والتهجير بلغت ذروتها في ديالى في اعقاب الغارة الجوية الامريكية التي اسفرت عن مقتل ابو مصعب الزرقاوي، كما لو ان المقاتلين العرب ارادوا بذلك الانتقام من الامريكيين بقتل  الاطفال والنساء العراقيين هناك، طبعا هذا الاستنتاج عرفت عنه الفضائيات الموالية للجماعات الارهابية حتى لا يبين أستهلاكها بعد ان امعنت كثيرا في اتهام الشيعة بالتسبب بل والضلوع في قتل المدنيين في الفلوجة.

قد يتساءل اهالي ديالى وتحديدا ضحايا الارهاب الطائفي عن سبب قصور الحكومة في تكرار تجربة (مجلس انقاذ الانبار) ليتم انقاذ ديالى، فقد نجحت مؤسسات الدولة باتفاق جميع القوى السياسية وبمباركة امريكية في تحييد عشائر الانبار بداية ليتم فيما بعد توجيهها لمحاربة القاعدة وعناصرها العربية الوافدة، لكن في ديالى حيث تتم صناعة بذور الحرب الطائفية والاهلية التي طالما حذر من مغبتها مسؤولون امريكيون واخرون عراقيون، فان الجماعات الوافدة ليست فقط تحركت بحرية لتصفية الشيعة وانما تقدمت خطوة نحو الاعلان عن نفسها للرأي العام العربي والعالمي.

إلا ان الحكومة لم تكن متفرجة على ما جرى في ديالى، بل اتخذت موقفا لكن ليس لاحلال الامن والاستقرار لأبناء هذه المحافظة وانما لتحقيق مصالح سياسية، فقد اعلنت منذ فترة ليست بالقصيرة مطالبتها باخراج عناصر مجاهدي خلق واغلاق معسكرها وقاعدتها الضخمة في ديالى وعدّها منظمة ارهابية؛ هذه الخطوة المطالبة جاءت مع علم الحكومة بحقيقتين لا غبار عليهما: الاولى ان وجود عناصر المنظمة الايرانية المعارضة للجمهورية الاسلامية في ايران انما هو برعاية امريكية صرفة، والقضية تعود الى ايام النظام البائد، اذا لم يكن لنظام صدام واجهزته المخابراتية اي علاقة استراتيجية مع هذه المنظمة، اما الحقيقة الثانية فهي عدم وجود هذه المنظمة في قائمة المخاطر الماحقة المهددة لمصير الجمهورية الاسلامية، فمنذ ان غادرت هذه المنظمة ايران عام 1981 فانها خرجت والى الابد من معادلة الصراع على النفوذ والسلطة في ايران، بل ان القيادة الايرانية تشعر بالاهانة اذ قيل ان فلول منظمة مجاهدي خلق المحجوزين في معسكر على شكل دار للعجزة، يهددون الاستقرار والامن في ايران، فها هي ايران تضع اقدامها على عتبة النادي النووي وقيل انها دخلت بالفعل وحجزت لها مكاناً مرموقا كعضو شرق اوسطي سيقف مستقبلاً بالند للكيان الصهيوني.

ان ايران وبالرغم مما يقال عن سلوكها السياسي على الصعيد الاقليمي والدولي إلا انها تحسن صناعة الامن والاستقرار على اراضيها الفسيحة، فقد كانت في مرحلة من الزمن تضغط على صدام وتساومه لطرد عناصر هذه المنظمة من الاراضي العراقية، وهي تعلم يقيناً بأنه فاقد للقرار والارادة في هذا الخصوص، فكرست لدى الرأي العام المحلي بأن من تبقى من عناصر ومؤيدي مسعود رجوي وزوجته مريم ما برحوا يعيشون في كنف عدوهم اللدود لينطلقوا من بين يديه كالسهام المسمومة محاولين تهديد امن واستقرار الشعب الايراني.

ولنا ان نتساءل: هل يا ترى كان عصّياً على الحكومة بمفكريها ومستشاريها وخبرائها تجاهل هذه المنظمة بعد ان استهلكتها الدعاية الايرانية واستنفذت واشنطن اغراضها منها، وعدم اثارة مخاوف وهواجس لا حاجة للعراقيين بها؟...

 والسؤال الاخر هو هل كان الاجدى والاجدر المطالبة بطرد عناصر رجوي لتكون النتيجة التقاء المواقف بينهم وبين عشائر ديالى وايضا الجماعات الارهابية، ام استيعاب هذه العشائر كما حصل في الانبار ليقوموا هم بأنفسهم بمهمة طرد هؤلاء بل والمشاركة يداً بيد مع بقية العراقيين الغيارى لاغلاق منافذ العراق امام كل متسلل يتأبط الشر والعدوان لهذا البلد العظيم؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 1 حزيران/2007 -13/جمادي الأول/1428