أمريكا والسنيورة..من المحب ما قتل!

بقلم : محمد مصطفى علوش

 الجسر الجوي الذي بنته الولايات المحتدة الأمريكية مع لبنان عقب تفجر الأزمة بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام لم يكن وليد الساعة ، وإنما يعود لبرنامج واتفاق مشترك قد وقعه لبنان مع الولايات المتحدة الأمريكية فالمساعدات الأمريكية العسكرية للجيش اللبناني تأتي بموجب برنامج الدعم الأمريكي للجيش اللبناني الذي أقرّ بعد معارك تموز الماضي، حيث يشمل البرنامج الذي تقدر قيمته بـ 40 مليون دولار، تقديم عربات من طراز "هامفي"، وشاحنات لنقل الجند وقطع غيار للمروحيات وما وصل اليوم من معدات عسكرية أمريكية للبنان ليس إلا القليل مما هو موقع بين البلدين إلا أن ما هو ملاحظ في هذا الموضوع ما يلي:

•       أن الولايات المتحدة وعلى لسان الناطق باسمها توني سنو كان صرح قبل يومين بان الحكومة اللبنانية طلبت من الولايات المحتدة الأمريكية تقديم مساعدات عسكرية ، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء اللبناني إلى نفي هذا المطلب.

•       بالغت الولايات المتحدة الأمريكية في إظهار الدعم الأمريكي للحكومة اللبنانية على لسان أكثر من مسئول فلم يكف أن يأتي تصريح السفير الأمريكي في لبنان بتقديم الدعم للحكومة اللبنانية عقب لقائه رئيس جهاز  قوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء أشرف الريفي بل تعدى ذلك لسفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة زلماي خليلزاد قال أمس البارحة : "إن الحكومة اللبنانية طلبت مساعدة الأمم المتحدة، "وأنا اعتقد انه ليس من مصلحتنا أو مصلحة المجلس أن نخذلها".

•       الاتفاق العسكري الأمريكي والموقع عقب حرب تموز لم ينفذ منه شيء إلا أثناء تفجر الأزمة بين تنظيم فتح الإسلام والجيش اللبناني. وخصوصاً في اليوم الذي يصادق عيد المقاومة والتحرير الواقع في الخامس والعشرين من أيار.

•       أن الأزمة الأمنية الحالية جاءت عقب زيارة المبعوث الأمريكي للبنان دفيد ولش والذي  حذر من عمليات أمنية أو تحركات لجماعات أصولية قبيل إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمان تحت الفصل السابع ، ما يؤكد أن الرجل كان يملك معلومات استخباراتية-إن أحسنا الظن به-ولم يقم بتقديم هذه المعلومات للأجهزة الأمنية اللبنانية لمحاولة قطع الطريق على هذه الحركات قبل اللعب بأمن لبنان واستقراره بل ترك الأمور للتفجر ولا يمكن أن نفهم لما لم يفعل إذا كان حريصاً على استقرار لبنان وأمنه؟.

لا يمكن لنا حقيقة أن نربط بين هذه الأفعال أو أن نجد تفسيراً واقعياً وعملانياً لها عدا هذين التفسيرين، فإما أن الولايات المتحدة لا تفهم حقيقة الوضع اللبناني المعقد وكيف ينظر الشعب اللبناني لها وبالتالي تتخبط في التعامل مع ملفه وهذا أمر مستبعد حيث لا يعقل أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية بما تملك من أجهزة استخبارات ومراكز أبحاث لا تملك إستراتجية واضحة في التعامل مع الملف اللبناني أو لا تملك مقاربة دقيقة لوضعه ، وإما أن الولايات المتحدة تحيط بالملف اللبناني وتعقيداته الداخلية والخارجية إلا أن أجندتها تجاهه غير ما تظهره للعلن، فما تظهره للعلن هو تقديم الدعم الكامل المعنوي والمادي لحكومة فؤاد السنيورة بالمطلق في مقاربتها لكل الملفات التي فرضت نفسها أثناء فترة حكومته إلا أنها لا تفعل ذلك تدعيماً لحكومته ورغبتها في البقاء بقدر بما هو إحراج لحكومة السنيورة وإظهارها بمظهر الحكومة الخانعة والعميلة للمشروع الأمريكي في المنطقة الذي يزيد من خصومها السياسيين ويسهل على المعارضة اللبنانية عناء البحث عن أدلة للتدليل على صحة مذهبهم في توصيف حكومة السنيورة وربطها بالمشاريع المشبوهة للإدارة الأمريكية في المنطقة.

هذا التفسير ، إن بدا غريباً جداً ، إلا أنه أكثر الاحتمالات واقعية لقدرته على فهم وربط بين أفعال الإدارة الأمريكية في التعامل مع الحكومة اللبنانية منذ وصولها للسلطة وحتى اليوم ، ففي حرب تموز على سبيل المثال نجحت الإدارة الأمريكية في جمع القيادات الحزبية المشكلة لحكومة السنيورة مع وزيرة خارجيتها الآنسة رايس في مقر السفارة الأمريكية في عوكر يتناولون الوجبات السريعة – على الطريقة الأمريكية- في الوقت الذي كانت فيه قذائف وصواريخ الآلة العسكرية الإسرائيلية تدق لبنان من جنوبه إلى عاصمته وتقطع أوصال مناطقه ، بعيد ساعات من رفض الإدارة الأمريكية على لسان الآنسة رايس من الضغط على إسرائيل لتوقف قصفها على لبنان ، معلنة في الوقت نفسه عن ولادة الشرق الأوسط الجديد من لبنان الذي يلقى ولادة عسيرة لهذا الشرق الجديد.

وها هي الآن وفي وقت تعيش الحكومة اللبنانية حالة طوارئ حيث تفتقر لرؤية واضحة وسليمة في التعامل مع ملف فتح الإسلام الذي جاء على غير موعد في وسط الظروف والعراقيل التي تمر بها لا سيما أنها تعاني خللاً في توزن تركيبتها الطائفية، وفي حال توصف به من قبل المعارضة بالتبعية والعمالة يأتي الدعم الأمريكي وبطريقة مريبة وكأن الهدف من ورائه زيادة الشرخ بين المعارضة والحكومة أو توفير المزيد من الإحراج للحكومة اللبنانية !

اليوم وفي فصل جديد ، يأتي هذا الدعم الأمريكي للبنان تحت ذريعة حماية الحكومة اللبنانية من السقوط على يد أزلام النظام السوري الذي وضع بحسب ما يقول أحد أنصار الولايات المحتدة في لبنان نقلاً عن مصادر دبلوماسية أجنبية في لبنان، " خطتين لإعادة نفوذه إليه: خطة سياسية لم تنجح في إسقاط حكومة "السنيورة" بواسطة الخيم في وسط بيروت التجاري، وخطة أمنية بدأ تنفيذها في مخيم نهر البارد والتفجيرات".

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الوضع.. ترى لما تريد الولايات المتحدة الأمريكية إحراج الحكومة اللبنانية أمام شعبها وإظهارها بمظهر التبعية أو على الأقل توفير الغطاء الإيديولوجي لتنظيم فتح الإسلام وتنظيم القاعدة وللجماعات الأصولية في لبنان في تبرير حربهم على الحكومة اللبنانية وجيشها على اعتبار أنها حكومة عميلة خانعة تنفذ أجندة أمريكية في لبنان؟

يبدو أن هذا ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية بالضبط، أي بلد ممزق وهش ومكشوف امنياً يستقطب عناصر القاعدة من العراق وغيرها لتخفف من الضغط عن جنودها في العراق من جانب ، ولتجر لبنان إلى مزيد من التبعية الأمنية والسياسية لها عبر تفعيل الأزمة الداخلية وشل قيام حكومة فاعلة وقوية قادرة على حماية لبنان والنهضة به، الأمر الذي يشغل اللبنانيون ببعضهم ويستنزف قدرات حزب الله داخلياً حتى تستقر شمال إسرائيل تحت رعاية القوات الدولية ، فضلاً عن أن لبنان بات ورقة رابحة لها في توفير أوراق كثيرة للتفاوض مع كل من إيران وسوريا بما يصب في مصلحتها العامة في الشرق الأوسط.

*كاتب ومحلل سياسي لبناني

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 30 آيار/2007 -12/جمادي الأول/1428