
الكتاب: نظرية اللاعنف عند الإمام الشيرازي
المؤلف: د. اسعد الإمارة
الناشر: مركز الإمام الشيرازي للبحوث
والدراسات. بيروت
الطباعة والنشر: دار العلوم
عدد الصفحات: 174
عرض: عدنان عباس سلطان
شبكة النبأ: تتقاذف عالم اليوم كثير
من النظريات المشوهة والتوجهات المفرطة في نظرتها لواقع الحياة بما
فيها من رؤى سياسية او اجتماعية وتقدم نفسها في العالم الاسلامي باسم
الدين منطلقة من كونها جماعات اسلامية، وكأن العنوان الذي اتخذته كافيا
تماما من ان تسلك وتسوق خطابها السياسي او الاقليمي او الطائفي
بالطريقة التي نشاهدها اليوم والتي تتجلى بمظاهر العنف وهي تتخذ شعارا
حربيا قد اتخذته الحروب الطاحنة القديمة ( موتك حياتي ) او موتك يعني
استمرار المسيرة لخطابي بغض النظر عن ماهية هذا الخطاب والطريقة التي
يعبر بها الخطاب عن نفسه في الميدان الواقعي!.
وهذا قطعا لا يعبر عن النظرية الاسلامية في كون الاسلام لم يأت
ليستنبط من التزاحم البشري احكام يفرزها هذا الواقع، ولو كان ذلك فعلا
لكان الاسلام مجرد حالة تجريبية تفتقر الى المبدأ كذلك الى المنهجية
فضلا عن كونه يمكن الطعن به ولا يعد صادرا من قوة وجودية فوق المادة،
ولكان نظرية من تلك النظريات التي تنهزم بمجرد افول عصرها وزوال اسباب
وجودها الموضوعية.
وتبعا لهذا القول فان تلك التوجهات المغالية بالعنف او التي ترى في
العنف طريقا لتحقيق مآربها أي كانت تلك المآرب فانها تمر على جسد
الاسلام الفكري والمنهجي والمبدأي وتفقده الركيزة الانسانية ابتداءا،
وتطيح ببنائه وتشييداته الاساسية قبل كل شئ آخر ومن ثم العبور الى
الضفة المزعومة للنضال.
ويعد ذلك تحريفا عمليا لفحوى الرسالة الربانية، إضافة الى ادراجها
في مربع العنصرية في كونها تآزر وتساند وتختص بطائفة او شعب او قومية
دون غيرها.
وبذا تفقد بعدها الانساني والروحي وتبرزها على ساحة الصراع في الوسط
الاجتماعي الاسلامي او المجتمع العالمي، على هيئة التفاعلات الارهابية
والعنفية الموجودة مثالاتها في مقاربات عصرنا الراهن كالهتلرية النازية
التي ادينت اجتماعيا وسياسيا وكذلك الصهيونية التي تعيش عظمتها تحت
الرعاية وسلطة القوة المهيمنة في راهن الزمن.
رغم التطور الحضاري وابداعات الانسانية العلمية في كافة المجالات
الا ان الانسانية اليوم تقف على مفترق الطريق في كون العالم اليوم هل
يستطيع تجاوز ذاته ويتوافق مع ابداعاته
باتجاه الكمال ام انه يختار النكوص محتذيا الانانية وتحقيق اهدافه
عبر الغاء الآخر وتصفيته بذات الوسائل بكونها ذات استخدامين مختلفين
كالمفاعلات الذرية وغيرها؟.
الصراع البشري كان على جهتين منذ الازل وسيستمربهذه الوتيرة ولكن
الاشكالية تبرز منذ الازل في جانب المتصدون للشر، وهم امام السؤآل
التالي: هل ثمة حكمة ما يتسلح بها المتصدون للشر، ام ان الشر لايجبره
على التراجع إلا الشر نفسه؟.
وامام الاجابة البديهة التي تقول ان العنف هو الرد الاكثر فاعلية في
تحطيم العنف، واذا اخذنا بهذا المبدأ فان بنو الانسان سيظلون يتبادلون
العنف الى ملا نهاية حتى تتحطم الحياة ذاتها بعد تحطم اسسها المعنوية
وركائزها المعرفية.
التفت الى هذا الخلل او لنقل ان المصلحون والدعاة الانسانيون تنبهوا
الى هذا الخرق في سفينة الحياة ورأوا ضرورة النضال من اجل اصلاح الخرق
المتوسع يوما بعد آخر فهبوا الى تنبيه الناس وتحذيرهم من مغبة التمادي
بالسكوت عن الخطر الداهم وهؤلاء قد نعدهم بالانسانيين كامثال غاندي
ومارتن لوثر كينج، المستندين اصلا الى الفكرة الدينية بشكل عام بكونها
النبراس الذي استضاءوا به لأفكارهم واطروحاتهم الإنسانية.
ومن الراجح لدى العقلاء اذن في ان نتبع المضان الحقيقي، ونستقي من
المنبع الاساس في ديننا الحنيف، ديننا الانساني الذي لم يختص ولم ينطوي
في دائرة محددة ولم يتقوقع في مضائق القومية او الجغرافية او
المناطقية، ظل على مدى العصور كما لو كان هواء يمر في كل الشعوب
والمفازات يرسل النور والمحبة ويدعو الى التسامح والاخاء بين بنو
الانسان.
ان القرآن يدعو الى حوار عقلي حضاري لحل المشكلات الانسانية
المتعددة واهمها في عالمنا الحاضر مشكلة العنف بكل اشكاله ويطرح مبدأ
اللاعنف، والدراسة التي بين ايدينا تعد منهجا علميا ودعوة إنسانية نحو
العالمية في انتهاج مبدأ اللاعنف المطلق بكل آلياته واساليبه ومكوناته
في الرؤية والتطبيق، وهو فتح علمي جديد لجعل المسلمات الاساسية في
الفكر الاسلامي حقيقة ميدانية واقعة، عبر التعامل في السلوك اليومي
المعاش والحياة الاجتماعية لجميع البشر.
لقد كان الإمام الشيرازي داعية مجدداً ورائداً في مجال اللاعنف ونبذ
العنف في حل المشكلات الإسلامية والقضايا السياسية المعاصرة، وكل ما
تعانيه البشرية من سلوكيات منحرفة، فانتشار الأساليب والآليات التي
يدعو إليها في حل الصراعات الفردية والجماعية والدولية في طريقها إلى
التطبيق والتنفيذ، وما زالت دعواته تجد صداها في عالم اليوم وهي نابعة
من الفكر الإسلامي المتجدد، وما زالت كل دعواته إلى اللاعنف تجد طريقها
إلى التطبيق الميداني، فقوله للفلسطينيين في ثورتهم بالحجارة: إن
التظاهرات الحالية لو تحولت إلى مظاهرات سلمية لكانت أقرب إلى النجاح،
لأن الاستناد إلى قوة الروح أمضى وأنفع.
إن الإمام الشيرازي حينما يرفض العنف والعدوان كأسلوب لحل المشكلات
باعتبارهما من الظواهر التي تؤثر في حياة الفرد والجماعة، إنما يستند
في ذلك إلى فكره الإسلامي القائم على جانب السلام بقوله: إن السلام يصل
بصاحبه إلى النتيجة الأحسن، والمسالمون يبقون سالمين مهما كان لهم من
الأعداء، وإزاء ذلك عندما يطرح آراءه ونظرياته كاتجاهات حديثة تواكب
السياق الدولي في رفض التسلط والعنف والتعسف بكل أشكاله على الأفراد أو
على الشعوب أو على الدول إنما يستمد رؤيته من القرآن الحكيم حيث قول
الله سبحانه وتعالى: ((ادخلوا في السلم كافة))(البقرة/208). الذي يقول
الإمام الشيرازي إزاءه: إن الأصل في الإسلام: السلم واللاعنف.
فالإمام الشيرازي حينما يطرح هذه الرؤى ينطلق من استخدام العقل
وقوته في قدرة التمييز بين الخير والشر، وهذه الرؤية هي رؤية الإسلام،
الذي يدعو إلى التفاهم والحوار وحل النزاعات كافة مهما اختلفت الأزمنة
أو تغيرت الأحوال والأماكن، لا سيما أن الإنسان هو المخلوق الذي اصطفاه
الله بين الكائنات الحية الأخرى لنشر تعاليم الأديان كافة وحمل
الرسالات وإشاعة الصفاء والمحبة بين الجميع.
ويؤكد الإمام الشيرازي ذلك بقوله: إن منطق الرسل والأنبياء، هو منطق
السلم واللاعنف والاحتجاج العقلاني من اجل إنقاذ البشرية، حيث يقول
الله تعالى في كتابه الكريم حول استخدام السلم واللين والابتعاد عن
العنف والغلظة، واستخدام سياسية العفو، والاعتماد على منهج الشورى
كأسلوب في الإقناع الحر والحوار السلمي والمشاركة في اتخاذ
القرار:((فبما رحمة من ربك لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب، لانفضوا
من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل
على الله، إن الله يحب المتوكلين)) (آل عمران/159).
وكتاب نظرية اللاعنف عند الإمام الشيرازي للكاتب الدكتور اسعد
الإمارة يقع في اربعة فصول:
1 ـ منهجية البحث
2 ـ الأدبيات
3 ـ الإطار النظري
4 ـ نتائج البحث
ففي الاطار النظري يسطر يراع الكاتب الباحث اسعد الامارة تحت عنوان
العنف واللاعنف:
ان للدين تاثيرا واضحا على السلوك والفكر والشعور تجلى هذا التاثير
واضحا في التراث الاسلامي وكذلك التاثير في الحياة اليومية للمسلمين
فهو منهج حياتي وميثاق شرف ونظام قانوني يتخلل حياة المسلم، ومفهوم
العنف كظاهرة انتشرت بين المجتمعات الانسانية بشكل واسع رافقت البشرية
منذ بداياتها الاولى لذا فقد كانت الدعوة الاسلامية تنبذ هذه الظاهرة
ولا تقرها وتنحو باللائمة على كل متعصب او متطرف تماما كرفضها
للدكتاتورية وتضع محلها التفاهم والحوار والمسامحة والشورى وتبادل
الرأي.
ان الاديان السماوية انقذت البشر من ضلالة الجهل وادخلت في القلوب
الايمان والطمأنينة وكان واضحا في الدين الاسلامي الذي بنى دعوته على
السلم والسلام بقول الله سبحانه وتعالى (ادخلوا في السلم كافة).
وعليه فإن التأريخ والتشريع والفقه الاسلامي زاخرة بمواقف الرسول
والأئمة الصالحين والصحابة الابرار تؤكد ذلك.
فعندما بعث الامام علي عليه السلام بالاشتر النخعي واليا على مصر،
وكتب له عهد الولاية تبدّت بجلاء نظرة الاسلام لمسائل دقيقة ومهمة فيما
يخص تعامل الوالي مع رعيته ولو كانوا غير مسلمين، بان اختلاف الرعية في
المعتقد لن يكون مسوغا ابدا للتمييز بينهم في الحقوق او الواجبات
السياسية والاجتماعية والإنسانية، وكما يقول الإمام:
فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين، او نظير لك في الخلق.
ان الاختلاف في الرأي او العقيدة او المذهب او الدين او الافكار او
الاتجاهات لا يوجب الحاق الضرر او النبذ او استخدام العنف ضد الآخرين،
فالله سبحانه وتعالى منح الإنسان حرية الاختيار وجعل له لغة التواصل
والتآلف والاتفاق لا لغة العنف والقسوة والعدوان، (فمن شاء فليؤمن ومن
شاء فليكفر).
وفي موضوع الامام الشيرازي واطروحته اللاعنفية، يسهب الكاتب في هذه
الموضوعة المهمة والخطيرة ويمكن القول بانها الموضوعة الستراتيجية التي
كان الشيرازي رائدا في التاكيد عليها عبر كم هائل من المؤلفات
والتفاعلات الميدانية التي يمكن استعلامها من الاطلاع على السيرة
الشخصية للامام الشيرازي لفترة حياته ومواقفه من الاحداث في الميدان
السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتقاءه مع الحكام بذات الطريقة
اللاعنفية جاعلا الحوار الدرع الواقي لنيل المكاسب او المطالبة بها.
فالإمام الشيرازي يشير في مبدأ اللاعنف الى عدة محاور فكرية وسياسية
واجتماعية ويؤكد من خلالها على درجة نجاح الفرد في سلوك مسلك اللاعنف،
فكرا وسياسة ونفسا واجتماعا مع الآخرين.
ثم كتب الدكتور اسعد الامارة مؤلف هذا العمل الكبير، وهو يعرض اوجه
المقارنة التي احتملها الكتاب قبل الخاتمة وفي الصفحة 158 :
إن الامام محمد الحسيني الشيرازي تناول مبدأ اللاعنف في نظريته
وآراءه الفكرية المستمدة من القرآن الكريم اساسا رغم ان المتغيرات التي
طرحت للمقارنة اعتمدت على اتجاهات متفاوتة في الرؤية من دينية سماوية:
إسلامية مسيحية يهودية.
وغير سماوية: بوذية هندوسية كونفوشيوسيه.
وكذلك الى مذاهب سياسية معاصرة: غاندي مارتن لوثر كينج.
وهذه الآراء حملت اطرها النظرية والفكرية الاسلامية التي تتفق مع
طرح سماحته لهذا المبدأولكن برؤى مذهبية متفاوتة.
والكتاب القيم الذي بين ايدينا الآن هو جوهرة في الفكر الاسلامي نحو
تبليغ وتوضيح واقامة الحجّة لمن سولت له نفسه ان يسئ الى الدين القويم
وان يجتهد على وفق المصالح الحقيرة من الانانية المقيتة التي تمحق حق
الآخرين وتشيع الظلم وتحّرف الرسالات الربانية.
الكتاب ينطلق من رؤية اساسية تجد في الامام الشيرازي رائدا لنظرية
اللاعنف المعاصرة حيث تمثل عنده الفكرة نظرية وفلسفة متكاملة اخلاقيا
ودينيا واجتماعيا ونفسيا وسياسيا. |