شبكة النبأ: قبل ثلاثين عاما، وصل عدد
سكان المدن إلى ثلث سكان العالم، وما زال عددهم يتزايد ليصل، حسب
تقديرات الإحصائيين، عام 2025 إلى ثلثي السكان كلهم، وبذلك سيحدث لأول
مرة في تاريخ البشرية أن يفوق عدد سكان المدن عدد سكان الريف.
كيف يمكن شرح هذا التسارع الرهيب؟ بتوسع حركة المجتمع الصناعي
وارتفاع مستوى المعيشة المصاحب للتضخم والنمو الديمغرافي التي تعد
المدينة محركها الرئيس، ويدل على هذا أن البلدان التي عرفت نموا حضريا
كبيرا هي البلدان الصناعية الغنية، والتي تصل نسبة سكان المدن في بعضها
إلى 75%.
ويتمتع سكان المدن بأجور أعلى، ويستفيدون من خدمات صحية أرقى ومن
أنظمة تعليمية أفضل ووسائل نقل جماعية أسرع وبتعدد و تنوع أطر ثقافية
أحسن، هذه الأسباب كلها تدفع الهجرة الريفية إلى الزيادة بمعدل يناهز
4% سنويا بالبلدان النامية.
وكانت النتيجة أن تضاعف استهلاك الإسمنت 6 مرات منذ الستينيات ما
أحدث تغييرات جذرية في الإوساط الطبيعية.
وأخذت المدن أبعادا مفرطة تصـل في بعض الأحيان إلى عشرات
الكيلومترات، كما هو الحال بالنسبة لبعض المدن العملاقة التي يتجاوز
عدد سكانها ثمانية ملايين ساكن.
ولم يكن عدد هذا النوع من المدن يتجاوز الاثنين في الخمسينيات (
لندن ونيويورك )، وقد وصل هذا العدد إلى 29 في البلدان النامية، وستصل
إلى ثلاث وثلاثين عام 2015.
إن هذه العملقة المدنية، لا تحدث من دون أضرار بالغة بمستوى ونوعية
الحياة، فقد أخذت بعض المشكلات البيئية أبعادا خطيرة ومقلقة، ومن بينها
تلوث الهواء، وارتفاع نسبة الضجيج وتراكم النفايات وارتفاع مستوى
المياه المستعملة وغيرها.
ومن بين الأرقام المخيفة التي يجب معرفتها أن حوالي 200 مليون من
سكان المدن لا يمتلكون مصدرا للمياه، وان ما يقارب 400 مليون ليس لهم
معرفة أو إدراك بقواعد الصرف الصحي، وحسب تقديرات المنظمة العالمية
للصحة يعيش أكثر من مليار نسمة من سكان المدن في اوساط غير ملائمة
بيئياً و صحياًً.
فعلى سبيل المثال تقول التقارير بأن ما يعادل الـ 30% من أطفال
مدينة مكسيكو مصابون بالتسمم بمادة الرصاص، بينما لا توجد تقديرات
بالنسبة لغيرها من المدن الكبرى كمدينة بومباي بالهند أو مانيلا
بالفلبيين أو القاهرة بمصر أو جاكرتا بأندونيسيا، حيث تتجاوز نسبة
التلوث البيئي المعايير الصحية في أغلب أيام السنة.
أما فيما يخص النفايات، فتصل النسبة التي لا يتم جمعها وتترك في
مكانها إلى أكثر من الثلث مع ما ينتج عن ذلك من مشكلات صحية و بيئية لا
حصر لها.
هذه الأوضاع تغذي من الناحية الاجتماعية، ظاهرة استبعاد أو عزل
الطبقات الفقيرة، ففي أكبر المدن العالمية ابتداء بريودي جانيرو ولوس
انجلوس مرورا بكلكتا ودكار، يتعايش البذخ مع البؤس، و القصور الفخمة
المحمية مع بيوت الصفيح.
لذلك ينبغي الاعتراف بأن المدنيين الفقراء هم الذين سيبقون يعانون
من التدهور البيئي للمدن، ولهذا تم إطلاق برامج عديدة من طرف البنك
العالمي والأمم المتحدة والمنظمة العالمية للصحة لتطويرالمحيط المدني،
ليس لأسباب بيئية أو ديموغرافية أو صحية، ولكن لأنه بدا من الواضح أن
مشاركة المجتمع الدولي هي الحل الوحيد الذي قد يمنع الانفجارالاجتماعي
الذي يهدد بحروب وأوبئة ومعاناة قد تطول الجميع. |