صراع  الجولة الأخيرة نحو قصر الإليزيه

الدكتور محمد مسلم الحسيني- بروكسل

 تميزت عملية الإنتخابات الفرنسية في جولتها الأولى التي جرت في الثاني والعشرين من شهر آذار الفائت  بمميزات إستثنائية وخصائص غريبة على الطابع الإنتخابي الروتيني العام في فرنسا.

ومن أبرز هذه المميزات هو ظهور طرف ثالث حصد من الأصوات نسبة كبيرة قد تقارب الى حد ما نسبة الأصوات التي حصل عليها  القطب المنتصر الثاني في هذه الجولة ! فقد كان نصيب فرانسوا بايرو مرشح حزب "الإتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية"  أكثر من 18 في المائة من أصوات الناخبين، وهذا الكم "العائم" والكبير من الأصوات قد يقلب معادلة ومسار إنتخاب أي من القطبين المتنافسين في الجولة النهائية .

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه رغم نتائج الإستطلاعات التي أجريت قبيل الجولة الأولى والتي أشارت بأن 40 في المائة من الفرنسيين لا يعرفون الى من يدلون بأصواتهم ، فإن ما يقارب الـ (84) في المائة من الفرنسيين قد أدلوا بأصواتهم في يوم الإنتخابات وهذه نسبة تأريخية ورقم قياسي تصلها نسبة المشاركة في الإنتخابات الفرنسية منذ تأريخ إنتخابات الرئاسة  عن طريق التصويت الشعبي!       

ومن المميزات  الأخرى لهذه الإنتخابات أيضا هو أفول نجم حزب أقصى اليمين المتطرف جون ماري لوبان، حيث هبط الى المركز الرابع بعدما كان قطبا من قطبي المرحلة النهائية في إنتخابات 2002م . وهذا ما سيزيد التساؤل حول مستقبل لوبان السياسي على ضوء هذا الفشل، علما بأنه قد بلغ اليوم 78 عاما من عمره!

أن وصول سيغولين روايال مرشحة الحزب الإشتراكي الفرنسي الى المرحلة النهائية من هذه الإنتخابات،يعني وصول إمرأة فرنسية لأول مرة في تأريخ الإنتخابات الرئاسية الفرنسية الى هذا الدور. وقد تصبح، إن خدمتها الظروف، أول رئيسة للجمهورية في فرنسا  الحديثة. وهذا أيضا حدثا مميزا لهذه الإنتخابات. كما يمكن أن نظيف الى مميزات هذه الإنتخابات الأخرى هو العدد الكبير للمرشحين في الجولة الأولى الذي وصل الى 12 مرشح وهو عدد إستثنائي في تأريخ فرنسا الإنتخابي. كما أن عمر رئيس فرنسا الجديد(ساركوزي أو روايال) سيكون في الخمسينات بعدما كان حكام فرنسا يتجاوزون الستينات أو في الستينات من أعمارهم.

وفي ظل هذه المستجدات فأن السؤال الذي يطرح نفسه هو من الذي سيعتلي سدّة الحكم في فرنسا من بين القطبين المتنافسين؟ وأعني بين سيغولين روايال ونيكولا ساركوزي مرشح حزب" الإتحاد من أجل حركة شعبية".

 وللإجابة على هذا السؤال المحيّر كان لابد للمراقبين أن يستعينوا بأراء أصحاب "الأصوات العائمة" وأبرزهم فرانسوا بايرو وجون ماري لوبان والذين حصلوا على 18 و 11 في المائة من أصوات الناخبين وعلى التوالي. حيث أن توجيه هؤلاء الزعماء لأنصارهم وإرشادهم الى المرشح المطلوب ربما  يقرر مسار النتيجة النهائية لعملية التصويت.

 إلاّ أن تصريحات فرانسوا بايرو النهائية والتي أكد فيها عدم دعمه لأي طرف من طرفي المعادلة وترك الخيار لمناصريه في إختيار مرشحهم قد أخرج دوره من تغيير المسار النهائي لهذه الإنتخابات.      

 ورغم حساسية الموقف وإمكانية التغيير في أي لحظة وحتى صبيحة يوم السادس من أيار سواء في الأحداث أو المناظرات والتصريحات أو في رؤى الناخب المتردد فإن المراقب لأحداث الإنتخابات ومسيرتها يستطيع أن يرجح كفة ساركوزي بالفوز وعلى ضوء الموجودات الحالية وذلك للأسباب التالية:

1- أن الخطاب  الإنتخابي العام  لساركوزي كان موجّها طبقا لنبض الشارع الفرنسي وأحاسيسه وهواجسه.         

   لقد عرف ساركوزي كيف يجيد العزف على آلة الإنتخابات العامة وقد استفاد من عبر الماضي ودروسه وضرب على الأوتار الحساسة في تطلعات المجتمع الفرنسي، التي تركزت في معالجة شؤون الغرباء والهجرة غير الشرعية ومشاكل العنف والأمن المتخلخل من جراء ذلك. وهكذا فقد رفع شعارات نارية وملتهبة ضد الهجرة غير الشرعية وضد العنف القادم من الأجانب والغرباء، ووعد في تصفية أمور الأجانب غير الشرعيين وترتيب حال الشرعيين منهم وتحديد شروط الهجرة وتنظيم مساراتها. 

2- رغم أن الزعيم  المتطرف جون ماري لوبان قد أظهر غضبه من السيد ساركوزي واتهمه بسرقة خطابه الإنتخابي العام بشأن الأجانب، فأنه ليس من المنطق أن يدعو أتباعه الى التصويت لصالح سيغولين روايال المنتمية الى حزب اليسار الغريم الأكبر لليمين المتطرف . لذلك فقد يرى المراقب أن يقوم جون ماري لوبان اما بدعوة أنصاره الى التصويت لساركوزي أو ترك الخيار لهم اسوة بما قام به فرانسوا بايرو، أو يدعوهم لعدم التصويت لأي منهما، وهذا ما سوف يدعم الكفة لصالح ساركوزي . إذ أن أصوات أقصى اليمين لا يمكن أن تهدى الى مرشحة اليسار.     

3- مرشحة الحزب الإشتراكي الفرنسي السيدة روايال ورغم سحرها والتفاف الكثيرين حولها فانها تفتقد الى البرنامج الإنتخابي الواضح ، وهذا ما جعلها محطة لإنتقاد أعضاء من حزبها قبل إنتقاد الآخرين لها. كما أن مشروعها الإقتصادي قد سبب لها كثيرا من الإنتقادات والحرج في الأوساط السياسية الفرنسية. وفوق هذا وذاك فأن الحزب الإشتراكي الفرنسي قد فقد الكثير من شعبيته خلال السنين الأخيرة الى درجة أن انتصر عليه حزب اليمين المتطرف في  إنتخابات عام  2002م  وأصبح في المرتبة الثالثة في سلّم خيار الناخب الفرنسي! مما يبعد إحتمالية إنتقاله الحاد من المركز الثالث الى المركز الأول في سلم السياسة الفرنسية وفي مرة واحدة!.       

4-إستطلاعات الرأي المختلفة والتي تجري على الأراضي الفرنسية المختلفة تشير جميعها الى تفوّق ساركوزي على روايال بنسبة تترواح بين 4 الى 8 في المائة .

هذه الرؤى التحليلية تبقى تخمينيّة الى حدّ هذه الساعة، إذ أن تأريخ الإنتخابات وخبرها مليء بالتغيرات والمفاجآت التي تذهل الأفكار والعقول في بعض الأحيان! وسيبقى باب المفاجآت والأحداث، التي ربما تقلب كل الحسابات، مفتوحا حتّى صبيحة السادس من شهر أيار الحالي.    

شبكة النبأ المعلوماتية- االجمعة 4 آيار/2007 -15/ربيع الثاني/1428