بين الشورى والديمقراطية

عقيل عبد الخالق ابراهيم اللواتي

الشورى وعلاقتها بالديمقراطية، قضية لم تحسم بعد، فهناك من يعتقد بأن المفهومين متساويان، بل إن هناك من يذهب إلى أن الديمقراطية أفضل من الشورى.

 والذين لهم موقف إيجابي من  الديمقراطية منقسمون على أنفسهم، ففريق منهم يقول إن الشورى الإسلامية غير ملزمة، وإن النظام السياسي الإسلامي غير واضح عبر التاريخ.

وهناك طائفة أخرى تقول لابد أن نفرق بين الظرف التاريخي في حد ذاته وبين طبيعة الإسلام ومراميه وأهدافه التي تفوق كل الديمقراطيات. والجدل بين هذين المفهومين لا يزال قائم، ومنبع الإشكالية بينهما مثار جدل صاخب مستمر.

ولو سألتني لقلت ان المفاضلة بين الشورى والديمقراطية مقارنة عبثية لا تقوم على نهج قياسي صحيح، وهي تشبه المقارنة بين الهدف والطريق إليه أو بين مبدأ دستوري عام وبين أحد القوانين التي تفصله وتنظمه. فالشورى مبدأ والديمقراطية واحدة من تطبيقاته المختلفة. الشورى ثقافة وقيم ومبادئ، والديمقراطية مشروع وخطة. الشورى هي من الثوابت الانسانية التي لا يختلف عليها إثنان، كالحرية والمشاركة والمساواة والتعددية، واحترام الرأي الآخر، وما الى ذلك من القيم الانسانية، والديمقراطية هي مجموعة الوسائل والتكتيكات والأدوات التي يسخرها شعب من الشعوب لبناء نظامه، ولهذا السبب تعددت أنواع الأنظمة الديمقراطية، وتنوعت هياكلها ووسائلها، حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية في هذا العالم، بل وعلى مر التاريخ.

في الشورى، لا تجوز المحاججة والمجادلة ولا حتى المجاملة، لأنها قيمة استراتيجية ثابتة، من المستحيل الاستعاضة عنها بأي بديل آخر. انها حجر الزاوية في الديمقراطية، ذلك لان الديمقراطية في الحقيقة انما هي آلية تهدف في الأساس إلى الوصول لتطبيق صحيح للشورى ولذلك هي في تغيّر وتطوّر مستمر حسب اختلاف الظروف، وتطور مستوى المجتمع، وقضايا الحياة... والا فلا معنى لها بدون الشورى.

إن مضمون مبدأ الشورى كما جاء به القرآن لا يعدو توجيها ربانيا تتم من خلاله عملية صناعة القرار في إطار جماعي، ولم تتضمن النصوص الربانية أية إرشادات أو تفصيلات أو صيغة سياسية حول كيفية تطبيقه. وهو ما يؤكد أن الشورى توجيه رباني والطريق إليها اجتهاد بشري، وبهذه النتيجة فإن المطالبة بالشورى وحدها دون تبيان نهجها شعار مضلل، وأن اعتبار الديمقراطية نهج يتحقق من خلالها مبدأ الشورى هو أمر من صميم الإسلام. ان الشورى هي روح الديمقراطية.

ما يحدث في مجتمعاتنا العربية والاسلامية هو أننا نخلق المؤسسات الديمقراطية قبل ان ننشر ونعمم روح وثقافة الديمقراطية. ومن هنا نجد تعارضاً بين الثقافة الجماهيرية وطريقة التعاطي   مع قضايا الحياة من جهة، وثقافة الديمقراطية من جهة أخرى.

ان مجرد مظهر الديمقراطية لا يؤدي إلى الديمقراطية. فالديمقراطية ليست مجرد حقوق وقوانين مدونة في دستور، أو مؤسسات سياسية وانتخابات برلمانية وبلدية، او لجنة لحماية حقوق الانسان، وانما هي بالدرجة الأولى روح وثقافة اجتماعية حية، وايمان قويم، وسلوك ومنهاج حياتي يفترض فيه ان تذوب النزعة الفردية امام النزعة الجماعية، من اجل تحقيق هدف كبير لصالح جماعة ما، أو أمة ما، كما يفترض القبول بمبدأ اختلاف الأفكار وتباين المصالح بين الناس أفراد المجتمع الواحد، والاعتراف بحقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم و أفكارهم والسعي لحماية مصالحهم.

 بل هي أيضاً تحولات عميقة في بنية المجتمع وفي الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة وبالتالي فالديمقراطية هي عملية بناء وتأسيس تبدأ بالإنسان أولاً، وهذا يعني أن الديمقراطية لا تقتصر على التمظهرات الخارجية للمؤسسات السياسية، بل يجب الغوص داخل البنى العميقة للمجتمع وقواه الفاعلة للتعرف عما إذا كانت قد تمثل قيم وروح الديمقراطية أم لا.

هذا التساؤل قد  يبدو من شكله بسيطا، ولكنه في الحقيقة عميق عمق مشكلة الثقافة السائدة في وسطنا العربي بالذات. فاللديمقراطية في وسطنا العربي ربما لها رنين ساحر.. وهي حاضرة في نشاطاتنا الإعلامية سواء على مستوى الندوات أو المحاضرات أو اللقاءات المرئية أو صفحات الجرائد.. وهي حاضرة ايضا في دساتيرنا ومجالس الشورى او انتخابات برلمانية وبلدية، او لجان لحماية حقوق الانسان..

 ولكن ما مدى حضورها كثقافة نابضة وحية في واقعنا الاجتماعي..؟ هل هي حاضرة في اسرنا، ومدارسنا، وفي العمل، وفي الطريق..؟ وهل لها اي صدى على عرفنا القبلي المتخلف الذي ما زال يحكم حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية باسم شيخ القبيلة او العمدة..؟

ان مجتمعاتنا العربية بحاجة ماسة لدخول بوابة التجديد من أوسع أبوابه. هذا التجديد لا يختص بمعالجة الظواهر وتغليف البنى والنظم التقليدية بأغلفة الديمقراطية والمؤسسات على طراز الدولة الغربية (لا لشي سوى للتظاهر بالديمقراطية) فهذه التحديثات لا جدوى منها إذ ستعود بطريقة وأخرى لقواعدها المجتمعية القديمة، وستمارس تحت مظلتها أسوء أنواع التمييز والطبقية والطائفية والاستبداد.

المطلوب تحديدا استحداث ثقافة وروح جديدة تبني لنفسها نهجا جديدا يقوم على احترام انفسنا واحترام الآخرين.

* كاتب عماني

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 27 آيار/2007 -9/جمادي الأول/1428