قراءة في كتاب: استراتيجية العمل اللاعنفي وحركة العصيان المدني

 

 الكتاب: استراتيجية العمل اللاعنفي

المؤلف: جان - ماري مولّر

ترجمة: ماري طوق

إصدار: حركة حقوق الناس

عدد الصفحات: 303

عرض: عدنان عباس سلطان

 

 

 

شبكة النبأ: مما لا شك فيه ان للعنف طبيعة اجرامية على الدوام وذلك لأن وجهة العنف والغاية التي يصبو اليها بشكل مضمر او علني، مباشر او غير مباشر، هي موت الآخر، موته على الاقل او شئ ما اسوأ من الموت.

ولكن ليس ما يميز العنف ينحصر فقط بطابعه الاجرامي، فالدعوة الى العنف يمكن ان تتوجه الى الجانب الافضل في الانسان من خلال العنف، والعنف جديرا بتقديرنا واعجابنا على اية حال.

فان التقاليد المجتمعية نفسها التي قلنا انها تمجد العنف، ثم ان هذه المجتمعات نفسها التي بررت جميع انواع العنف، واوجدت بالمقابل المحاكم لمقاضاة هؤلاء الذين لجأوا الى العنف وادانتهم!.

وغالبا ماكانت مقاضاة هؤلاء اشد قسوة من عنفهم، ولذلك يمكن القول ان اشكال العنف التي يجب ان تسترعي انتباهنا هي التي اعتدنا على اعتبارها شرعية.

ان تجاهل اللاعنف واحتقاره لا يزالان منتشرين على نطاق واسع وهذا صحيح، لكنهما لا يرتكزان إلا على التباس وسوء فهم وتشويش، وبالرغم من ذلك كله يمكن ان نلاحظ في السنوات الاخيرة تطورا محسوسا في تقبل فكرة اللاعنف واهتماما بمقولاته في الاوساط الاكثر اختلافا، بحيث ان اللاعنف صار قابلا للجدال، أي انه جديرا بالنقاش، ويجدر بنا ان نعترف في هذا السياق بان هولاء الذين ينادون باللاعنف لم يكونوا مؤهلين دائما لخوض هذا الجدال، ثم ان الخلل الكبير الذي يصيب اللاعنف مرده الى انه لم يستند حتى الآن إلا الى بعض البديهيات وبعض الوقائع دون ان يقدم نفسه في هيكلية عقيدة متماسكة.

وهكذا يفترض باللاعنف الا يغفل إطلاقا التفكير المنهجي فبفضله يمكن الولوج الى صميم الحدث وتركيز المفاهيم.

يقولون دائما ـ دعوا الوقائع تتكلم ـ والمصيبة هي انها لا تملك القدرة الذاتية على النطق.

ولعل من المفيد لقدرتنا على اظهار الدلائل الحقيقية للوقائع الميدانية، واستخلاص النتائج الضرورية لتجنب (في وقت لاحق) الوقوع في اخطاء اسلافنا، وبهذه الطريقة يمكن الافادة من تجاربهم، وهنا تكمن وظيفة البحث النظري والعقائدي.

واللاعنف بصورة عامة يتطلب استعداد المرء لتقبل العذاب، أي يتطلب بان نتحرر من خوف مواجهة العذاب، وبان تكون لدينا الشجاعة لتحمله، الا انه يفعل ذلك في سبيل ترجيح كفة الحق والعدالة، فالشجاعة الحقة والرجولة لا تقومان على ان نقتل، بل نخاطر بحياتنا.

إن عظمة البطل وان يكن محاربا تكمن تحديدا في انه انتصر على خوفه من العذاب، وتجرأ على مواجهة الاخطار الكبرى، واستخف بالموت في سبيل الدفاع عن هولاء الذين لا نصير لهم، او في سبيل استعادة المضطهدين لحقوقهم، انطلاقا من وجهة نظر اللاعنفية.

يتخذ هذا التقبل غير المتحفظ للعذاب، وهذا الرفض لرد الضربة بالمثل.

وهكذا يعرف عن الانسان اللاعنفي في كثير من الاحيان على انه الانسان الاخلاقي الذي لا يهمه العمل بقدر ما يهمه حماية نفسه من قذارات العمل.

واستراتيجية اللاعنف لجان - ماري  مولر يتوزع على 12 عنوانا:

ـ الضرورة الاخلاقية.

ـ محبة، ضغط، عنف.

ـ مبادئ العصيان المدني.

ـ البرنامج البّناء.

ـ الدينامية الثورية.

ـ اهمية التنظيم.

ـ المراحل والوسائل.

ـ  العنف سلاح الاغنياء.

ـ العمل اللاعنفي وعزل الثورة.

ـ مصالحة الثورة والعقل.

ـ العمل اللاعنفي في مواجهة القمع.

ـ خطر الوقوع في العنف.

يتحدث الكاتب في مسالة (العصيان المدني) قائلا:

ان الامتثال للقانون يلزم المواطن بتحمل مسؤلياته مما يعني ان من يمتثل لقانون ظالم يتحمل بالتالي جزءا من مسؤولية هذا الظلم، وقد كتب غاندي: نكون مسؤولين عن سيئات الحكومة من خلال تعاوننا معها، وفي جعل هذا الشر ممكنا، لذا يتوجب علّي سحب دعمي لهذه الحكومة ليس بدافع الانتقام بل لكي لا اشارك في تحمل مسؤولية الشر.

ان ظاهرة هتلر لم تكن ممكنة لولا مشاركة السواد الاعظم من الالمان ـ كل مجرمي الحرب الذين حوكموا بعد انتهاء الحرب ـ اعترضوا مدافعين عن انفسهم بان كل ما فعلوه كان امتثالا لأوامر سلطة قائمة بشكل شرعي، لكن الضمير العالمي وبالرغم من ذلك اعتقد ان من واجبه رفض هذه الحجج وادانة هؤلاء المجرمين.

كيف يجب ان يكون موقف ذلك الذي يعصي قانونا ظالما حين يواجه العقاب تفرضه عليه المحاكم؟ كان لغاندي رأي ثابت بهذا الخصوص: ان يتقبل الخضوع للعقوبات المتوجبة عليه، لأن تقبل هذه العقوبات هو البرهان على ان العصيان كان مدنيا وليس اجراميا.

المجرم ينتهك القوانين خلسة ويسعى للافلات من العقاب، اما الذي يقاوم مدنيا فهو يعمل بشكل مختلف فهو يظهر بمظهر المحترم لقوانين الدولة التي ينتمي اليها، لاخوفا من العقاب بل لإعتباره ان هذه القوانين ضرورية لخير المجتمع، وان المخالفة كانت في سبيل تفعيلها وليس الغائها.

حين حوكم غاندي 1922 لعصيانه قوانين الامبراطورية البريطانية ودعوته مواطنيه للاقتداء به، ( اني هنا مستعد لأن اخضع اراديا وبقلب فرح  للعقاب الاشد صرامة الذي ينزله القانون بي وكانني تعمدت ارتكاب جريمة وانا اعتبر هذا الخضوع الواجب الاول للمواطن، ايها القاضي ليس لديك الخيار اذا كنت تعتبر ان القانون الذي اوكل اليك تطبيقه غير صالح وانني برئ حقا، فيجب عندئذ ان تستقيل من منصبك وتتوقف عن التعامل مع الشر، اما اذا كنت تعتقد ان النظام والقانون الذين تطبقهما في صالح الشعب وان تحركي هو الضار فان من الواجب ان تنزل بي العقاب الاشد صرامة!.

وفي عنوان (الدينامية الثورية) يتحدث الكاتب جان ماري  مولر:

لقد تعلمنا الا ننظر الى ظلم وكانه حالة معزولة تتطلب معالجة معزولة وانطلاقا من تحليل موضوعي للاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ان نكشف العوامل الحقيقية الكامنة وراء هذا الظلم لأن الظلم ليس في غالب الاحيان الا عارضا من اعراض المرض الذي يصيب الجسم الاجتماعي ككل، والعمل الخيري رغم ضرورته إلا انه لا يمنع التنظيم والنضال السياسي ليعيد النظر بالنظام الاجتماعي برمته.

وقد اثبت بان المضطهدين غير قادرين على تحقيق العدالة دون ان يضطروا الى احداث تغيير شامل في النظام الاقتصادي والسياسي.

وفي عنوان( المراحل والوسائل) ، ناخذ من مؤلف الكتاب مولر رسالة نموذجية للنزاهة والشجاعة في مجابهة العنف باللاعنف البطولي.

الرسالة من الجنرال جاك باري دو الذي اعتقل في قاعدة هاو في المحيط الهادئ على اثر قيامه بالاعتراض على سياسة الحكومة في مجال التسلح1973 بعد ان اعاد اشارته كضابط كبير في جوقة الشرف الى رئيس الجمهورية الفرنسية جورج بومبيدو وقد جاء فيها:

ان ثلاثين عاما من حياتي كجندي بالإضافة الى العمليات الحربية التي قمت بها في اوربا وآسيا وافريقيا اقنعتني تماما باهمية اعادة نظر نقدية وجذرية في العنف، ولدّي قناعة تامة الآن بان العنف المسلح غير مجد في حل التواترات والنزاعات بطريقة انسانية.. وصممت اكثر من أي وقت مضى على تكريس السنوات الباقية لي بالدفاع عن فرنسا عن طريق حمايتها من نفسها في البداية، إذ انها تميل الى الاستسلام لخيارات سياسية دفاعية لا تقيم اعتبارا لوقائع العالم المعاصر وتؤدي الى عواقب خطيرة، مثل اختيار اهداف بشرية وتصدير الاسلحة الى العالم اجمع، تلك هي الحوافز التي جعلتني اشعر بضرورة التعبير عن قناعاتي العميقة من خلال عمل لا عنفي اتحمل مسؤوليته بشكل كامل.

(العمل اللاعنفي في مواجهة القمع)  وهو المحطة الاخيرة في هذا الاستعراض المفيد، حيث يقول الكاتب فيه:

ان لجوء هؤلاء الذين يريدون إحداث تغيير في المجتمع إلى العنف سوف يشكلون باستمرار حجة تسمح للسلطات القائمة بالتنصل من مسؤلياتها وتبرر بدورها استعمال العنف محافظة منها على النظام، من هنا فان حركة المقاومة الملتزمة بمبادئ اللاعنف ووسائله لن تفسح المجال اصلا لمثل هذه الحجة، لأنها ترفض اعطاء الخصم الحجج التي يحتاجها، ليرفض الاعتراف بها كمحاورمشروع.

 اللجوء الى العمل اللاعنفي إذا يسمح بالغاء تبادل الحجج الذي لا ينتهي بين المتمسكين باللاعنف من اجل العدالة والمتمسكين بالعنف من اجل النظام، هذه الحجج التي باتت اكثر من شعارات مستهلكة لكثرة ما استخدمت على كل نطاق، اما اللاعنف فانه ينقل الجدال على مستوى آخر ويرغم الخصم بالقبول به ويتخذ موقف الدفاع ليبرر الظلم الذي يؤخذ عليه.

ولا نرغب في عرض المواضيع التي احتواها هذا الكتاب القيم والاكاديمي في قضية العنف واللاعنف وطرق تحصيلها واقعيا على الساحة والميدان الحقيقي للتجربة، فالكتاب بقيمته الفنية كمبادئ يقترحها الكاتب على رجل الاصلاح والثوري ومن له توجهات ثقافية او سياسية او اجتماعية فانه من الضروري عليه ان يطلع على هذا المؤلف الكبير والموسوم بـ (استراتيجية العمل اللاعنفي) ـ  لكاتبه جان - ماري مولر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 27 آيار/2007 -9/جمادي الأول/1428