الطفولة في العراق دروع للصراعات ووجه آخر للفواجع والاضطرابات النفسية

 شبكة النبأ: الليل في العراق لا يهدأ ولا يستريح  إلا ان الناظر الى السماء يرى من خلال الدخان الخفيف نجوما هادئة توحي على نحو ما بأن هناك عالما آمنا آخر، لكنه بعيد ربما ابعد من الامنيات التي تجول احيانا بقلب الام التي تنظر الى السماء بصمت وهي تداري غصة تكاد ان تندلق مثل ماء فائر خوفا من الغد على اطفالها.

في هذه الاثناء صرخت الطفلة وقامت من فراشها وهي تستغيث من قاتلها الموهوم (يريد قتلي ..يريد قتلي...)، فتفزع الام المتربصة لحالة طفلتها فتتعوذ الشيطان باسماء الله المباركة.

ثم تتلفت بلا ارادت منها يمينا وشمالا، ربما تبحث بطريقة غريزية عن والد الطفلة الذي قضى قبل شهرين بانفجار.

وهكذا حال الطفولة في العراق في متقاربات المفخخات والقتل والتشويه والاغتصاب وسخرة واستغلال الميليشيات، في هذه الدائرة من العنف وتحت ظل هذه الاوضاع والمنزلقات الاقتصادية ماذا سيكون حالهم في العهد القادم في الزمن المجهول؟.

يرزح اطفال العراق تحت وطأة الحروب والنزاعات الطائفية من جهة والسياسية من جهة اخرى ما يعرضهم الى القتل العشوائي والاصابات بالاعاقة الجسدية فضلا عن الاضطرابات والامراض النفسية بسبب الخوف والرعب الذي يعيشونه يوميا.

وذكرت دراسة اجراها اطباء نفسيون عراقيون عام 2006 بدعم من منظمة الصحة العالمية نقلتها الفرانس برس بتقريرها: ان 30% من الاطفال الذين شملهم الاستطلاع في مدينة الموصل (شمال) يعانون من اضطرابات نفسية فيما تعرض 47% منهم في بغداد الى صدمة نفسية شديدة ادت الى معاناة 14% منهم باضطرابات نفسية شديدة كالاكتئاب والكوابيس والقلق.

ويعاني الاطفال في عموم العراق وفي بغداد خصوصا من اصابات مختلفة.

ففي كركوك ( 255 كلم شمال) ادى انفجار سيارة مفخخة الى بتر الساق اليمنى وقطع اصابع الكف الايسر للطفل الكردي نوزاد محمود ( تسعة اعوام) الذي شهد مقتل اربعة من زملائه في المدرسة.

وقال والده لفرانس برس ان "حالة نوزاد النفسية صعبة ويشعر باحباط شديد خاصة عندما يرى زملاءه في المدرسة التي حرم من مواصلة الدراسة فيها".

وفي حادث اخر قرر الاطباء بتر يد زياد رحيمة كوركيس وهو مسيحي كلداني في الثامنة من عمره بعدما انفجرت سيارة مفخخة استهدفت مبنى محكمة كركوك قبل نحو ستة اشهر.

ولن ينسى كوركيس ذلك الانفجار الذي حرمه من امه وشقيقه اللذين كانا يرافقانه في المنزل القريب من مقر المحكمة ويقول "لا انسى منظر امي واخي ابدا وهما غارقان في الدماء".

واسفرت اعمال العنف وخصوصا انفجار السيارات المفخخة في الاحياء الشعبية عن مقتل واصابة العشرات من الاطفال اصابات قد تؤدي الى اعاقتهم.

وقالت قمر عبد الرحمن المسؤولة في جمعية الهلال الاحمر ببغداد ان "نحو 30 % من الاطفال المعاقين المسجلين لدينا اصيبوا باعمال عنف بينها انفجار سيارات مفخخة وعبوات ناسفة".

واضافت "بين المصابين اطفال ميئوس من حالاتهم واخرون لا يمكن معالجتهم داخل العراق".

وفي سامراء (120 كلم شمال) اصيب الطفل عبد الله محمود (سبعة اعوام) بشظية اثر سقوط عدد من قذائف الهاون خلال اشتباكات مسلحة قبل عام ما ادى الى توقف ذراعه اليمنى عن الحركة وتشوه في منطقة الحوض.

ويقول والده "حرم ولدي من الدراسة واللعب مع الاطفال بسبب عوقه (..) اطفالنا يدفعون ثمن الصراعات غاليا".

ويعاني المرضى في العراق من مشكلة العلاج جراء مغادرة معظم الاطباء المتخصصين من البلاد بسبب العنف الذي طال بعضهم.

وقال الطبيب عبد الحميد رشيد من مستشفى سامراء حيث يتلقى عبد الله العلاج "لا يوجد في مستشفانا كوادر ومعدات طبية تكفي لتغطية حاجة الضحايا".

وبدورها قالت ايمان طه مسؤولة الهلال الاحمر في سامراء "اصيب سبعون طفلا بجروح بالغة في اعمال عنف متفرقة على مدى السنين الاربع الماضية وبعضهم سيعاق حتما".

وفي الرمادي (100 كلم غرب) اصيب ياس خضر (تسعة اعوام) بشلل في اطرافه السفلى جراء تعرضه لاطلاق نار خلال اشتباكات بين مسلحين والجيش الاميركي في حي التحرير (وسط المدينة).

وروى خضر وهو على كرسي خاص بالمعاقين كيف تعرض الى اصابته قائلا "كنت خارجا من المدرسة فوجدت نفسي وسط ساحة قتال اصبت في ظهري وانا الان مشلول اتنقل على الكرسي".

وفي بغداد ادى انفجار سيارة مفخخة وسط مدينة الصدر ذات الغالبية الشيعية الى بتر ساق هدى (عشرة اعوام) وفقدانها لوالديها وشقيقتها.

واكد اقرباؤها الذين اكتفوا بذكر اسمها الاول "انها تعيش الان مع شقيقها في منزل جدتها".

وفي هجوم اخر ادى سقوط قذيفة هاون على مدرسة ابتدائية في وسط كربلاء (110 كلم جنوب) الى اصابة علي مرتضى (عشرة اعوام) في ساقه ما ادى الى شللها.

ووصف الطبيب عبد الرزاق خلف من مستشفى كربلاء حالة علي قائلا "اصابته خطيرة وقد نضطر الى بتر ساقه".

واكد الطبيب انه "لاتوجد محليا امكانيات ولامعدات طبية لانقاذ هذا الطفل".

وفي البصرة (550 كلم جنوب) اكد مصدر طبي "اصابة حسن ناصر (ستة اعوام) بعوق نصفي ايمن في جسده بعد اصابته بشظايا قذائف صاروخية خلال اشتباكات بين مسلحين وقوات بريطانية".

ويؤكد والده الذي يعمل مهندسا "رقد حسن في مستشفى الصدر لاكثر من شهرين دون جدوى ثم تولت القوات البريطانية رعايته في مستشفى خاص بها لمدة شهر ولكن حالة العوق اصبحت واقعا لامهرب منه".

وفي مدينة النجف (160 كلم جنوب) فقدت الطفلة فاطمة كاظم عينها اليمنى جراء سقوط قذيفة هاون على منزلها ما سبب ازمة نفسيه لها.

وكشف باسل العيداني مسؤول منظمة الطفولة في البصرة عن "اصابة نحو 785 طفلا بحالات مرضية وعوق مختلف الدرجات منذ اجتياح العراق عام 2003".

ويؤكد باسم الشمري مدير منظمة الطفولة في الكوت (175 كم جنوب) "اصابة عدد كبير من الاطفال جراء اعمال عنف بينهم 24 طفلا وطفلة اصبحوا معاقين".

يونيسيف: أطفال العراق المصابون بالصدمة يفتقرون للرعاية

وقالت الامم المتحدة إن معظم أطفال العراق عانوا من الصدمة خلال السنوات الاربع منذ غزو الولايات المتحدة لبلادهم وان قلة منهم يحصلون على المساعدة التي يحتاجونها للتغلب على الصعوبات. حسب رويترز.

وقال صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) ان انعدام الامن في بغداد ومناطق أخرى بالعراق تسبب في اغلاق مدارس وصعب الوصول للعيادات والمستشفيات مما أدى الى تراجع معدلات التحصين ضد الامراض.

واضاف أن 30 في المئة فقط من أطفال العراق يمكنهم الحصول على مياه شرب آمنة فيما تزيد شبكات الصرف الصحي المتهالكة من مخاطر انتشار أمراض تنقل عبر المياه مثل الكوليرا.

وتابع الصندوق في تقرير "يتزايد يوميا عدد الاطفال الذين يفقدون أفرادا من اسرهم أو أصدقاء أو جيران أو ايام دراستهم أو صحتهم أو امالهم.. بل وأرواحهم."

وأردف يقول "تعرض معظم الاطفال للصدمة غير أن قلة منهم يحصلون على الرعاية والدعم الضروريين لمساعدتهم على التغلب على هذا القدر الكبير من الفوضى والقلق والضياع."

ويشكل الاطفال نحو النصف بين أربعة ملايين عراقي فروا من منازلهم منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 والاطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين. ودفعت الزيادة في أعمال العنف الطائفي منذ العام الماضي العراق الى حافة الحرب الاهلية الشاملة.

واشار الصندوق الى انه من بين الذين تركوا منازلهم بسبب الصراع بقي نحو 1.9 مليون شخص داخل العراق وشكلوا ضغوطا على مناطق حيث المدارس مزدحمة ويصعب العثور على سكن. وغادر 2.2 مليون اخرين للاردن وسوريا وبلدان أخرى مجاورة وكثيرون منهم فقراء أو يعيشون على مدخرات ضئيلة.

ومضى التقرير يقول "تكافح أسر اللاجئين خاصة تلك التي يعولها نساء بشدة كما أن هناك عددا متزايدا من الاطفال خارج المدارس حاليا ويعملون مما يهدد طفولتهم ويعرضهم لانتهاكات محتملة."

تجنيد الاطفال للقتل وتفجير السيارات المفخخة

على الصعيد ذاته اعلنت المنظمة الدولية للهجرة في شباط/فبراير الماضي ان معلومات تفيد ان اطفالا تتراوح اعمارهم بين 10 و14 عاما في محافظة ديالى المضطربة (شمال شرق) التحقوا بمجموعات المسلحين من اجل كسب لقمة العيش او انتقاما لمقتل احد ذويهم.

ولم يكن اعلان الجنرال مايكل باربيرو نائب قائد العمليات في هيئة اركان القوات الامريكية في العراق استخدام تنظيم (القاعدة) الاطفال في عملية تفجير احدى السيارات المفخخة مفاجئا، فاستخدام الاطفال كدروع بشرية وادوات للقتل والتدمير على يد الميليشيات الشيعية والسنية اصبح ظاهرة سائدة في العراق الديموقراطي الجديد التي كانت الاحزاب التي تنتمي اليها هذه الميليشيات وعدت العراقيين بافضل مستقبل لاطفالهم بعد الاطاحة بالديكتاتورية التي اصبحت ديكتاتوريات متعددة شيعية وسنية وقاعدية والقائمة تطول.

ويشهد العراق الان نزاعا مسلحا عنيفا بين الميليشيات الشيعية والسنية الاسلامية المتطرفة التي ضحاياها مئات الناس العاديين الذين لا يعرفون لماذا يقتلون؟!.. وهو ما جعل نفوس الاطفال تزدحم بالحقد والكراهية لتضييع المستقبل من خلال تسميم عقول الجيل القادم من العراقيين.

سمير فتى طويل ونحيل بدأ ينمو مع انه بلغ قبل ايام 17 عاما، الا انه يحمل السلاح وشعر بالفخر لانه قادر على القتال ضمن خلية تابعة لميليشيا سنّية.

يقول سمير ان والده كان ضابطا كبيرا في الجيش العراقي قبل الاطاحة بصدام حسين وكان كثيرا ما يصطحبه معه الى ميادين الرماية وهو لهذا اعتاد منذ الصغر على سماع صوت اطلاق الرصاص.

سمير يعترف بأنه قتل بالكلاشينكوف التي حصل عليها من (الكبار) اثنين من الشيعة وربما جرح آخرين هاجموا الحي الذي يسكن فيه ويقول: كنت أساعد في غرفة الجامع المخصصة لغسل جثامين القتلى قبل دفنها، وكانت بعض الجثث محروقة بمواد كيماوية وبعضها الآخر قطعت أطرافه وسملت عيناه).. وأضاف: في اليوم الأول ركضت الى الخارج وتقيأت، ثم بعد ذلك قررت الثأر.

نصف سكان العراق هم دون سن الـ 18، وهؤلاء عندما كانوا صغارا ولدوا وترعرعوا في أعقاب الحرب الضارية مع ايران وبعدها عاصروا حربين لاحقتين تخللتهما سنوات من العقوبات، جعلت من العراق الذي كان أغنى بلدا في المنطقة أفقرها وأكثرها بؤسا، هذا جعلهم شديدي التأثر بالمآسي التي يتخبط بها العراق.

اظهرت دراسة اعدتها و زارة العمل والشؤون الاجتماعية ان مليون طفل عراقي على الأقل تأثرت حياتهم سلبا بسبب الحرب، بعد ان فقدوا أهلهم ومنازلهم وشهدوا تمزق مجتمعاتهم جراء القتال الطائفي.

ويؤكد علماء نفس عراقيون، ان اطفال العراق سيصبحون مؤمنين بالقوة والعنف كطريق لحل المشاكل، وهذا كله سيظهر في المستقبل، وهذه النزعة العنيفة ستبقى داخلهم حتى ولو انتقلوا الى دول ومجتمعات اخرى.

يقول جوناثان باورز وهو مسؤول منظمة امريكية تعنى باطفال العراق وكان ضابطا سابقا خدم في الجيش في العراق لمجلة (نيوزويك): ان العنف المستمر يؤدي الى جيل دون المستوى التعليمي المطلوب وعاطل عن العمل، يعاني من صدمات نفسية وشديد التأثر بالدعوات للانتقام التي تطلقها الميليشيات والمجموعات المسلحة المتمردة«.

ويؤكد باورز انه بدلا من تدريبهم على إعادة بناء بلدهم، يتم تدريبهم على استخدام السلاح لتدميره، واذا لم يتغير هذا النمط فسنحارب هؤلاء الشباب انفسهم في المستقبل لإرساء السلام في الشرق الاوسط.

ويحذر الباحث الغربي جيل كيبيل في كتابه »دروب الاسلام السياسي« من ان الكثير من اولئك الاولاد الذين نشأوا محاطين بالغضب والعنف ربما سيصبحون متمردين من دون اهداف واضحة، ثم يتساءل: ضد من سيكون قتالهم؟.. هل سيكبرون ليتحاربوا فيما بينهم ام سيوجهون اسلحتهم ضد الغرب؟.

اضطرابات وامراض نفسية

وفي دراسة اجراها اطباء نفسانيون عراقيون عام 2006 وبتمويل جزئي من منظمة الصحة العالمية ان %30 من الاطفال الـ 1090 الذين شملهم الاستطلاع يعانون الاضطرابات النفسية التي تعقب الصدمات القوية و %47 تعرضوا لصدمة نفسية كبيرة.

وقال نايل صبحي في منظمة (جيل العراق) ان بعض الاطفال يستيقظون ليلا ويعجزون عن النوم مجددا ًقلقين من الذهاب الى المدرسة في الصباح ومتسائلين: هل سيكون هناك من ينتظر في الشارع لقتلهم او اختطافهم.

والحقيقة ان مجموعات التمرد المسلح الاسلامية الاصولية المحسوبة لتنظيم القاعدة والبعثيين لم تستثن الاطفال من عمليات القتل، بل بالعكس جعلتهم هدفا لكي تحرج الحكومة والقوات الامريكية العاجزة عن توفير الحماية لهم ولعوائلهم، كما ان العصابات الاجرامية تختطفهم لكي تطالب بفدية مقابل اطلاق سراحهم، وهذا اصبح ممارسة يومية لم ينج منها حتى العوائل الفقيرة التي اضطرت لبيع بيوتها لدفع المال المطلوب.

وفي دراسة نشرتها جمعية علماء النفس العراقية في 2006 ابدى %92 من الاطفال الذين شملتهم هذه الدراسة مؤشرات خلل في التعليم. وتقدر وزارة التربية ان %30 فقط من أطفال العراق يرتادون المدرسة الان مقارنة بـ %75 السنة الماضية ويقول حسام صبري المسؤول البارز في »اليونسيف«: ان الوضع الحالي خطر تحصيل العلم في السنة الدراسية 2007.

ومع ان الحكومة وضعت برنامجا خاصا للعائلات التي تريد نقل اطفالها إلى مناطق اكثر امنا ومع ان المدارس كلها لا تزال مفتوحة، إلا ان ملايين الاطفال يتلقون تعليما متقطعا. وتؤكد معلمة انه حتى التلاميذ الذين نجحوا في صفوفهم لم يتلقوا %50 من التعليم الذي ينبغي أن يحصلوا عليه في العام الدراسي.

وكالة رويترز في تحقيق صحافي لمراسلها في بغداد عن تأثير العنف اليومي المتواصل دون انقطاع رسمت فيه صورة مفزعة تتراءى للأطفال وتسرق منهم براءة طفولتهم، وقالت عندما يأوي الأطفال العراقيون إلى فراشهم فانهم يحلمون باشرار يلوحون، بسكاكين أو يخطفون ذويهم.

الطفلة زمان البالغة من العمر 13 عاما اصبحت هذه الكوابيس حقيقة واقعة لها، فهي تعرضت للخطف والضرب بل وحتى الاغتصاب.. ويصف الطبيب النفساني في مستشفى ابن رشد في بغداد حيدر عبد المحسن حالة زمان بعد اربع سنوات من الحرب بانها تعاني من الرعشة والعصبية والتلعثم واضطراب النوم.

وكانت زمان اختطفت في بغداد وفي فبراير من العام الجاري عندما كانت في طريق عودتها للمنزل من المدرسة بطريقة مسرحية، تعكس قسوة وضحالة الخاطفين، اذ بدأت عملية الاختطاف، حينما طلبت امرأة عجوز من زمان ان تساعدها في حمل بعض الاكياس البلاستيكية وتعبر معها الشارع لتوقف سيارة اجرة، وبينما كانت العجوز تهم لتسلم الأكياس من زمان، جذبتها عنوة الى داخل التاكسي الذي كان ينتظرها مسبقاً وخدرتها ثم قيدتها واحتجزتها في غرفة مع 15 آخرين لسبع ساعات قبل ان تداهم الشرطة المنزل وتطلق سراحها مع المختطفات الأخريات، زمان كما يقول طبيبها عبد المحسن، تعرضت للضرب على يد الخاطفين الذين ابلغوها انهم سيسلمونها الى المسلمين لتصبح زوجة لأحدهم.

غفران، بنت اخرى عمرها 19 عاماً تواجه هي الأخرى اكتئاباً نفسياً بعد ان وقع امام عينها انفجار ادى الى تطاير اشلاء الضحايا، ورغم انها لم تصب خلاله الا انها تعاني نوبات صرع منذ ذلك الحين. يقول والدها للطبيب عبد المحسن تنتاب غفران كلما رأت مشهداً لتفجير او سمعت صوت انفجار او رأت أناساً يرتدون ملابس سوداء..

تراجيديا اطفال العراق لا تختلف عن تلك التي تعرض لها اطفال البوسنة ابان الحرب الأهلية التي استمرت اكثر من اربع سنوات، وتلك الحروب القاتلة في لبنان والصومال ودارفور في السودان وغيرها في افريقيا وآسيا والهند الصينية وارهاب الاسلاميين في القاعدة وغيرها في واشنطن ونيويورك ولندن ومدريد والمغرب والجزائر والسعودية وغيرها.

تقول نجاة الغراوي وهي مهندسة متقاعدة ان حفيدها البالغ من العمر 6 سنوات قال لها انه رأى في نومه رجلاً ملثماً اختطفه بينما كان يسير مع امه.

نورا البالغة 9 سنوات تقول انها تخاف من الظلام، لانها عندما تخلد للنوم تتخيل شخصاً يحمل سكيناً يطاردها، وتتمنى نورا أن تلعب في حدائق ومنتزهات جميلة وأن تنام كغيرها، ولكنها تعلم ان هذا لن يتحقق لان العراق كما تقول فيه (قنابل واشرار يؤذون الاطفال).

خليل البالغ من العمر 14 عاماً شاهد جثة ملقاة في الطريق بينما كان في السيارة مع والده، يقول والده انه كان في البداية كثير التحدث عنها، ولكن الان تعتريه فترات من الصمت بالاضافة الى انه يمشي أثناء نومه.

التحول من طلب العلم الى العنف والاجرام

وتقول أم خليل وهي استاذة جامعية، ان ابنها واصدقاءه اعتادوا من قبل الحديث عن هواياتهم ورغباتهم في دراسة العلوم او الاداب او ان يصبحوا مخترعين ويبتكروا بعض الاشياء العظيمة، ولكنهم الآن يتحدثون فقط عن قذائف المورتر التي تسقط بالقرب من منزل صديق لهم او مقتل والد صديق آخر أو اختطافه ابنه!

لعل المشكلة الآن هي اننا اقرب إلى بداية حلقة العنف من نهايتها، لان المجموعات الاسلامية المتشددة، تركز على الراشدين الاكثر استعداداً في مجتمعات تمر بتغييرات جذرية عنيفة، والعراق يمتلئ بامثال هؤلاء الأطفال من ايتام الحرب.

وتستغل المليشيات المدارس لترويج ايديولوجيا الحرب للأطفال، إذ جيش المهدي يقوم بتوزيع العاب على شكل أسلحة لأطفال المنطقة. وذكرت جريدة (الصباح الجديد) ان الهدف هو ارسال الاطفال لاستفزاز الجنود الامريكيين لتقتلهم لكي يستخدموا ذلك في حملات اعلامية موجهة ضد (الاحتلال).

وتقدم المليشيات مغريات للأطفال حتى ينضموا إليها ولا سيما اولئك الذين فقدوا اباءهم او اقرباءهم او تعرض احد من عائلاتهم إلى اعمال عنف على ايدي مليشيات مضادة.

يقول محمود هادي البالغ من العمر 14 عاماً وهو انضم للتو الى مليشيا المهدي في مدينة الصدر: لا اريد ان اكون ضعيفا!، في اشارة إلى الاموات من اقربائه، ويؤكد: انا منتم لجيش المهدي الذي جعل مني رجلاً وانا مستعد للقتال الان ضد اليهود والامريكيين!.

محمود تلقى دورة تدريبية على السلاح في صفوف المليشيات لأربعة أسابيع!.

والمال يمثل كما يبدو عنصر جذب للشباب الى الميليشيات التي تحصل على تمويلات من دول اقليمية هدفها تقويض المشروع الامريكي في العراق.

وتدفع الميليشيات بجعل الاطفال ادوات ووسائل للمراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية والقتال. وبحسب معلومات شبه رسمية متداولة فإن الاجر المتعارف لزرع قنبلة متفجرة يبلغ 500 دولار تضاف اليها 1000 دولار عند قتل جندي امريكي.

ويتلقى الاطفال الذين يزرعون المتفجرات في العراق 20 دولارا فقط.. يقول خالد (10 اعوام) انه كان في طريقه الى المدرسة صباح احد الايام عندما ناداه رجل يبتسم وطلب مساعدته عارضا عليه 35 دولارا مقابل حمل كيس من القماش الى مكان مجاور، وما ان قام بالمهمة حتى سقط ارضا بفعل انفجار قوي. وقال قد ذكر ان الحادث امام تلفزيون »العراقية« الرسمي: سقطت على الارض وعلى وجهي صارخا، لم استطع ان اكف عن الصراخ.. في الانفجار اصيب رجل مع طفلة.

يقول مجيد البالغ من العمر 16 عاما انه يمضي ما بين 10 ـ 12 ساعة يوميا في حراسة حاجز مرتجل مع رفاقه الشباب في ميليشيا سنية تقاتل جيش المهدي ويضيف: لا بد من حماية (شعبي) وانا فخور لأنه بفضل راتبي اوفر الطعام، لي واخوتي الصغار!

وتسعى منظمات دولية وامريكية تعمل في العراق في ادارة برامج لانتشال الاطفال من ايدي الميليشيات ويقول بيتر سينغر من معهد (بروكينغز) في واشنطن: ان اعادة دمج هؤلاء الجنود الاطفال في المجتمع غالبا ما يكون في غاية الصعوبة، مضيفا في حديث لـ (نيوزويك): من السهل اغراء الذين تخلوا عن السلاح لمعاودة القتال لأنهم غير متعلمين ومهجرين من مناطقهم).

غير ان اماندا ملفيل من (اليونسيف) تؤكد: ان الاطفال يتمتعون بمرونة كبيرة ويستطيعون تجاوز وضعهم في ما وجدوا شخصا يمكنهم الوثوق به للتحدث والمشاركة في نشاطات اجتماعية ويحسون فعلا ان المجتمع يدعمهم.

وقامت مجموعة بامبرز الامريكية بانشاء مجموعة من مراكز الشباب في انحاء العراق، هدفها توفير العمل للاطفال مثل جمع النفايات والطلاء وغيرها من الاعمال البسيطة، حيث يتلقون في الوقت نفسه تدريبات مهنية.

ويشير تقرير لوزارة التعليم العراقية ان نحو 10 آلاف تلميذ و400 حارس استفادوا من برامجها لنقل الاطفال الى مناطق آمنة.

قالت صحفية امريكية زارت وعملت في بغداد: اذا سألت أي فتى في العراق عن كرة القدم أو العاب الكمبيوتر فستنفرج اساريره ويبتسم لدقائق متخيلا بصعوبة واقعا يحمل له عالما آخر اكثر اشراقا وفرحا وبهجة من العالم الذي يعيش فيه الآن!!

حذرت خمس منظمات دولية في تقارير لها بالشهرين الماضي والحالي، من المشاكل التي تعاني منها الطفولة في العراق خلال الأعوام الأربعة الماضية من جراء العنف والاحتلال والمتمثلة بارتفاع نسب الوفيات وسوء التغذية وانتشار الفقر والحرمان وتفشي الأمراض النفسية والشذوذ الاجتماعي وفقدان الوالدين، حتى بات من المرجح أن يتحول العراق إلى أكبر دولة للأيتام.

فقد أكد التقرير الذي أعدته منظمة أنقذوا الأطفال الأميركية بحسب ما نقلته الشرق الاوسط، على أن طفلا من بين كل ثمانية أطفال في العراق يموت قبل أن يبلغ سن الخامسة، نتيجة الأمراض والعنف. وتوجه التقرير بالنقد اللاذع لحكومة بغداد التي اتهمها بإهمال القيام بأي جهود في سبيل تحسين أوضاع الأطفال.

وقال التقرير إن العراق عانى منذ عام 1990 من قصور في الإمدادات الصحية والكهربائية،

ومن نقص كبير في الخدمات الاستشفائية وتأمين المياه النظيفة، وقد شهد العام  2005 وفاة 122 ألف طفل عراقي.

وكشف التقرير الصحي الدولي عن نسبة بقاء الأطفال على قيد الحياة في العراق حتى ما بعد سن الخامسة، قد تراجع بشدة منذ عام 1990، ليحتل هذا البلد ذيل الترتيب العالمي خلف مجموعة من أفقر دول العالم مثل بوتسوانا وزمبابوي، بعدما تضاعفت وفيات الأطفال فيه بنسبة 150%.

وحذرت المنظمة الدولية من ظاهرة تجنيد الأطفال في تنفيذ أعمال عنف بالعراق، ويعتقد أنّها المرة الأولى التي تشير فيها إلى هذه الظاهرة، بعد أن درجت على الإشارة إلى وجود مثلها في دول أفريقية إبان عقد التسعينات، مثل أوغندا وسيراليون وليبيريا.

وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى أنّ 20%من ضحايا العنف في العراق هم من الأطفال والنساء، وأضاف أنّ أطفال العراق تأثروا سلبا وعلى نحو خطير بالعنف هناك.

وقال تقرير المنظمة الدولية إن هناك أطفالا قتلوا في تفجيرات غير تمييزية، ومن إطلاق غير مباشر للنيران، مشيرا إلى أنّ عددا كبيرا من الأطفال في العراق، فقدوا امّا واحدا أو كلا الوالدين، وكذلك أعضاء مقربين من عائلاتهم.

ووفقاً لتقرير أصدرته الشبكة الموحدة للإعلام الإقليمي حول الشؤون الإنسانية، التي تعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة جاء فيه "يعاني أطفال الشوارع في العاصمة العراقية، بغداد، الجوع كما يتعرضون للاستغلال الجنسي خلال سعيهم الدؤوب لتحصيل لقمة العيش، ويعزى ذلك إلى انتشار الفقر المدقع وارتفاع معدلات البطالة. وكشف تقرير الشبكة عن مئات العائلات التي وجدت في تجارة جنس الشذوذ لدى الأطفال مورد معيشة، لها في ظلّ انسداد الآفاق وتردي الوضع الأمني بالعراق.

وأكدت دراسة نرويجية حديثة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، على أن حالات سوء التغذية بين أطفال العراق قد تضاعفت تقريباً منذ الغزو الأميركي بالرغم من الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في هذا المجال. ورجحت الدراسة التي شملت 22 ألف أسرة عراقية خلال الفترة بين أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، أن حوالي 400 ألف طفل يعانون من حالات سوء التغذية، وهي أرقام أكدتها الحكومة العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 25 آيار/2007 -7/جمادي الأول/1428