التحالف غير المقدس بين النفط والدكتاتوريين ينشر الفساد ويقوض الديمقراطية

 شبكة النبأ: قبل عقد مضى كانت الحكومات السلطوية ذات الحكم الشمولي تتخذ مواقف دفاعية الى حد كبير في مسالة الحرية وحقوق الانسان خاصة، حيث شهد عقد السبعينات تزايدا كبيرا في انتشار الديمقراطية بانحاء العالم.

وقال محللون لـ(شبكة النبأالمعلوماتية)، لكن ما جرى من فوضى تبعت ازالة الديكتاتورية في افغانستان والعراق قوّض مساعي احلال الامن والاعمار لتظهر للعيان فوائد الديمقراطية تلك، وجعل العالم يصب جام غضبه على طريقة التغيير، مما ساعد الانظمة الشمولية الاخرى كثيرا في ان تثق بنفسها بصورة اكبر، وتعمل على ترسيخ فكرة ان التغيير يجب ان لا يكون بالقوة من الخارج، وبالمقابل هي تعلم(الانظمة الشمولية) ان التغيير لن يتم من الداخل طالما يبقى تمسكها بالسلطة واستعمالها الحديد والنار ضد شعوبها.

واضاف المحللون، هذه التداعيات الخطيرة اعطت قوة اضافية بالنسبة للدول الغنية ذات الانظمة الشمولية حيث تقمع بقدراتها الامنية من يعلوا صوته بحجة الاخلال والسعي للفوضى، وبالمقابل تشتري بالنفط اصوات من يعارض دولاً كانت ام افراد، والخطر الداهم الان هو ان الولايات المتحدة باتت  بحاجة للحكام الديكتاتوريين اكثر من حاجة هؤلاء اليها، وهذا ما يجعلها اقل قدرة في دفعهم للاصلاح.

يقول الكاتب بيتر بينارت في مقال نقلته صحيفة(الوطن)، في عام 1999 فعل النيجيريون شيئا رائعا بانتخابهم رئيساً بطريقة ديموقراطية، فبعد 16 سنة من الحكم العسكري وأربعة عقود من الاضطراب السياسي والفشل الاقتصادي، تمكنت هذه الدولة، الاكثر سكاناً في افريقيا، من عقد انتخابات حرة لاختيار رئيس للبلاد.

في ذلك الوقت أبلغ احد سكان حي فقير في العاصمة لاغوس صحيفة »نيويورك تايمز« قائلا: ثمة تحرك واضح في العالم اليوم نحو الديموقراطية، ونحن نريد ان نكون جزءاً منه.

والحقيقة ان نسبة الدول الديموقراطية بالعالم كانت قد تضاعفت منذ السبعينيات بأكثر من %60، وكان على ما تبقى من دول سلطوية أو منبوذة، مثل كوريا الشمالية، بورما وايران، ان تعيش على وقت مستقطع، كما يقال في عالم الرياضة، غير ان الواقع يبدو مختلفاً اليوم، فمن بنغلاديش الى تايلاند الى روسيا تشهد الحرية السياسية في العالم تراجعاً.

ويلاحظ العالم السياسي لاري دياموند من معهد هوفر في كتابه الجديد، الذي سيصدر في الخريف المقبل، اننا دخلنا فترة انحسار للديموقراطية على مستوى العالم.

ويتعرض الكاتب الى ما آلت اليه الامور في العراق من مشاكل حقيقية حيث يقول، لقد كانت

حرب الولايات المتحدة على الارهاب دائما نعمة مختلطة بالنسبة للديموقراطية، فبينما يقول الرئيس بوش ان نشر الحرية أمر اساسي لمنع الهجمات الارهابية في المستقبل جعلت سياساته عملية الاصلاح صعبة جدا.

فما حدث بالعراق كان نعمة من السماء عن حكام الشرق الاوسط الدكتاتوريين الذين يعتبرون الديموقراطية مرادفة للفوضى.

ومع اشتداد حالة الفوضى، التي أصبحت تهدد المنطقة كلها، باتت الولايات المتحدة بحاجة للحكام الدكتاتوريين فيها الآن اكثر من جاحتهم هم اليها، وهذا ما يجعلها اقل قدرة في دفعهم للاصلاح.

فحينما توجهت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس الى القاهرة في يونيو 2005، جعلت الديموقراطية في مصر محورا اساسيا لزيارتها، لكن عندما تولى روبرت غيتس وزارة الدفاع الشهر الماضي رفض اطلاقا حتى مجرد مناقشة هذا الموضوع.

ولاحظ الكاتب السياسي توماس فريدمان ان سعر النفط الخام ومد الحرية يتحركان باتجاهين مختلفين. فقبل 9/11 كان سعر برميل النفط يتقلب بين 20 و 30 دولارا، لكنه يتراوح اليوم ما بين 50 و 65 دولارا.

وليس هناك ما يشير الى ان هذاالسعر سيتغير قريبا اذا ما أخذنا بعين الاعتبار الطلب المتزايد من جانب الصين والهند.

وهذا يؤمن للدول السلطوية المنُتجة للنفط مثل روسيا، ايران، فنزويلا، السودان ونيجيريا وبعض دول الخليج، الآن المزيد من المال لسحق أو شراء المعارضة الداخلية.

كما يجعل هذا المال الأمر سهلاً اكثر امام مثل هذه الدول لكسب الاصدقاء والتأثير على الناس في العالم.

فقبل عقد مضى كانت الحكومات االسلطوية تتخذ مواقف دفاعية الى حد كبير، لكن الرئيس الفنزويلي هو غوشامنيز أخذ ينسخ نفسه اليوم في بوليفيا والاكوادور.

وتقف ايران الآن على أهبة الهيمنة على الشرق الأوسط.

واذا كانت مثل هذه التطورات تشكل مشكلات حقيقية أمام مستقبل الديموقراطية، الا ان ثمة مشكلة اكبر ايضاً.. فالديموقراطية لم تعد و سيلة لتحسين حياة الناس على ما يبدو، اذ فرح الكثيرون في بنغلاديش، التي تُعتبر واحدة من أكثر بلدان العالم فساداً، عندما تولى العسكر السلطة فيها في يناير الماضي.

ومن الواضح بكافة المعايير ان الروس يحبون الطريقة التي يحكم بها الرئيس فلاديمير بوتن البلاد، وبالرغم من ان شافيز أقل زعماء أمريكا اللاتينية ديموقراطية، الا انه من أكثرهم شعبية.

بل ولم تتراجع مستويات الفساد، العنف والفقر في العديد من البلدان التي تبنت الديموقراطية والانتخابات الحرة منذ انتهاء الحرب الباردة والى الآن.

فعندما يقوم ضباط الجيش بالاحاطة بالحكومات الديموقراطية، أو عندما يقوم حكام سلطويون مثل بوتن وشافيز بوأد الديموقراطية من الداخل، فانهم يفعلون ذلك باسم الاستقامة والاصلاح، ويبدو هذا شيئا طيبا لدى شعوبهم التي عاشت سنوات طويلة بلا أي منهما.

ويضيف بيتر بينارت، الحقيقة ان الحل ليس بالتخلي عن الديموقراطية.. بل بمساعدتها على النجاح، لقد تحدثت ادارة الرئيس بوش طويلاً حول الحرية، لكن وكما ادرك الجيل الأسبق من القادة الأمريكيين سيقبل الناس بحكم الطغاة اذا لم توفر لهم الحرية لقمة العيش.

وهذا في الواقع ما جعل ادارة الرئيس ترومان تتبنى خطة مارشال لمساعدة الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية في تحسين ظروف معيشة شعوبها.

وهذا ما يتعين على عالم الأغنياء فعله اليوم ايضا اذ عليه اعفاء الدول الفقيرة من ديونها، فتح الاسواق امامها ومساعدتها.

وقبل نحو اسبوعين، فتح مرشح الرئاسة الديموقراطي باراك أوباما الطريق أمام مثل هذا التوجه باقتراحه مضاعفة مقدار المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة للخارج بحلول عام 2012 .

واذا كان الجمهوريون يريدون حقاً نشر واستمرار الديموقراطية، عليهم اذن اللحاق بأوباما.. لقد قال هذا الرجل: ان ما يصبو اليه الناس في كل مكان من العالم ليس فقط العيش بحرية بل وايضا بكرامة وأمن وبشيء من العدالة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22 آيار/2007 -4/جمادي الأول/1428