كتّاب.. ولكن؟!

حسن آل حمادة

 تتفتّح أساريرك وأنت ترى مجموعة من أبناء وطنك، وهم يُدبجّون سطورهم على صفحات الجرائد والمجلات، أو مواقع الانترنت، ولا تتمكن أن تُخفي فرحك عندما تراهم يتحدثون عبر الشاشة الفضية؛ في قضايا الدين والثقافة والأدب والمجتمع، و...إلخ.

ولكن، بإزاء هذه الصورة الإيجابية، قد لا تتمكن أيضاً؛ أن تُخفي تدمرك وأنت تستمع لأحاديث بعضهم، التي يوحون لك من خلالها؛ كأنهم أصحاب الفتوحات العلمية والمعرفية الوحيدة، التي لا يجاريهم فيها أحدٌ من الناس!

ذات مرة جلست مع أحد هؤلاء المثقفين، وسمعته وهو يوجه نقداً قاسياً لزميل له، بعد أن علم بأن صاحبه قد عمد لجمع مجموعة من مقالاته المتنوعة في كتاب، وقال بتندر: للأسف كتابات هذه الأيام مجرد جُماع مقالات، رحم الله زمان المؤلفين العظام الذين يعطون جُلَّ وقتهم للكتابة والتأليف!

لن أطيل عليكم.. بعد مضي سنوات قليلة، رأيت الناقد البصير، وهو يلملم بعض مقالاته؛ لينشرها بين دفتّي كتاب، ولم يكتفِ بذلك، بل ادعى أنها ليست مقالات عادية، بل هي مقالات تندرج في تسلسل محكم، بحيث لو رفعت واحدة منها لتساقطت الحروف من الكلمات، والكلمات من العبارات، والعبارات من السطور، والسطور من الصفحات، والصفحات من الكتاب، كما تساقط برجي التجارة العالمية في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م!

وفي مناسبة ثانية، استمعت لأحدهم وهو يتبنى وجهت نظر تقول: إن الكاتب الحقيقي لا يكتب في الصحافة المحلية أو العربية؛ المقالات السيّارة، وإنما يكتب البحوث والدراسات المُعمّقة في المجلات الرزينة، وبعد فترة وجيزة تناهى إلى مسمعي أنه يسعى بخطوات مكوكية للبحث عن صحيفة تأذن له بالكتابة في زاوية تحتوي على صورته، وبعض الكلمات الكسولة؛ فالمهم لديه أن توضع صورته الوقورة بجنب حروفه!!

وفي مناسبة ثالثة، جلست مع مُعلمٍ أصيب بحرجٍ شديد؛ لأنه يُسأل دائماً من قبل طلابه عن اهتماماته الكتابية، وعن الصحف أو المجلات التي ينشر فيها، وتحت وابل الأسئلة التي تنهمر عليه، كان يبرر تقصيره قائلاً: إنني لا أود أن أتسرع في النشر، فما أعده خلف الأضواء؛ يصلح أن يكون مرجعاً ومصدراً يُرجع إليه من قبل المختصين، وعامة المثقفين.. وفاجأنا هذا الفاتح العظيم، بجمعه لكلمات وحكم! نجدها موزعّة في التقويم السنوي للشهور والأيام؛ إلا أنه أصرّ على أنه اقتنصها في سنوات من بطون الكتب والمجلدات التي كانت تتمزق بين يديه!!

وفي مناسبة رابعة.. تبادلت أطراف الحديث مع صديق لتوِّه ينفتح على الكتابة في مواقع الانترنت، ولأنني وجدته مهتماً بالشعر والشعراء؛ اقترحت عليه حينئذٍ أن يتناول بصورة نقدية مجموعة شعرية لشاعر من شعراء المنطقة؛ لتتعرف المحافل الأدبية على مبدعينا، فرد عليّ قائلاً: من منطلق موقعي النقدي، واهتمامي بالحركة الشعرية؛ فلا أعتقد بوجود قامة شعرية حقيقية لدينا!!

أدهشتني إجابته الألمعية، واكتفيت بابتسامة لا تخلو من الرثاء لحاله، وقلت في نفسي: يا عيني على النقد! يا عيني على الوعي!  

وفي مناسبة سادسة.. معذرة لن أذكرها هذه المرة؛ لأنني لا أرغب في اغتياب المزيد من الكتّاب والكاتبات المشخبطين والمشخبطات، رحم الله الأحياء منهم والأموات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21 آيار/2007 -3/جمادي الأول/1428