باتت الحكومة العراقية تواجه تحديات كبيرة، على المستويين الشعبي
والسياسي وصارت الانتقادات توجه لها من مختلف الجهات،الأمر الذي يشير
إلى بوادر أزمة حقيقية تواجه العملية السياسية لايمكن التكهن بمساراتها
على وجه الدقة ولكن ربما تؤدي هذه الأزمة الى انهيار الحكومة وإجراء
انتخابات برلمانية مبكرة وهو المطلب الذي تردد على السنة سياسيين
عراقيين عديدين كان بعضهم يساند الحكومة الحالية حتى وقت قريب..
حكومة التوافق
الخطأ الواضح الذي ارتكب في تشكيل الحكومة الحالية هو اعتمادها على
التوافق السياسي الذي اتسم بالطابع المذهبي، وإذا كان التوافق يعني من
حيث المبدأ مشاركة الجميع في حكومة الوحدة الوطنية، فالأمر لم يجر على
هذا النحو مطلقا، ليس لأن الجميع لم يمثلوا في هذه الحكومة، بل لأن
أطرافا مهمة لاتشعر إنها جزء من حكومة الوحدة الوطنية وإن مثلت فيها
بشكل واضح.
فالشعور بالشراكة في الوطن وفي إدارة الدولة لم يميزا أداء بعض
الاحزاب والحركات السياسية التي دخلت في إطار الحكومة بدعوى أنها يجب
أن تمثل فيها طالما البلد يعيش ظروفا غير طبيعية، فبعد الانتها من
تشكيل الحكومة بدأت أطراف معروفة بالعمل وفق أنظمتها الداخلية واجندتها
الخاصة بمن تدعي تمثيلهم، ولم تعمل انطلاقا من دوافع وطنية، والكل
يحتفظ بمواقف هذه الحركات والاحزاب السياسية التي هددت مرارا بالانسحاب
من الحكومة والبرلمان إذا لم تلب مطالبها، وبعضها انسحب بالفعل، مايكشف
بوضوح سيادة المزاجية في العمل السياسي لدى هذه الأطراف، فالتهديد
بالانسحاب يعني انها تشعر بعدم الانتماء الجاد للعملية السياسية، فضلا
عن عدم اكتراثها بمخاطر المنزلق الخطير الذي سيدخله العراق في حال
انهارت العملية السياسية، لا بل إن بعض هذه الأطراف تنتظر الساعة التي
تراها مناسبة لإدخال العراق في هذا المنزلق..
الراهن السياسي في العراق يكشف عن أزمة انتماء وطني وازمة نضج
سياسي، كما يكشف عن تدني قيمي يطبع أداء بعض السياسيين العراقيين الذين
أضحت دماء الناس وسيلتهم لحصد مكاسب سياسية..
الموقف الدولي
المصالح الاقتصادية هي التي ترسم علاقات الدول الحرة ببعضها،وهذه
الحقيقة يمكن ملاحظتها بجلاء اليوم، فطالما ظل الوضع العراقي يشكو من
ازمة أمنية ظلت الدول الصناعية غير معنية كثيرا بمايجري في العراق،
ولايمكن إجبارها على إقامة علاقات حميمة مع حكومة تراها غير قوية، وإن
جاءت عن طريق الانتخاب، وإن مثلت جميع العراقيين، فالمواقف السياسية
المساندة لاتستجدى بالقبلات والزيارات والابتسامات بل هي تكسب حين
تتوفر ظروف اقتصادية مناسبة تستثمر فيها الدول المهمة في العراق وتحصد
مكاسب اقتصادية فيه، وهذا ما لم تتمكن الحكومة العراقية الى الان من
تحقيقة، ربما بسبب الفوضى الأمنية، أو لأن هذه الحكومة مبنية على
التوافق وبالتالي فيها من يتقاعس عن كل مايحقق نجاحا للعملية السياسية.
وقد رأينا كيف تقوم اطراف مهمة في الحكومة بقضاء أسابيع خارج
العراق وبأموال طائلة تنفق من ميزانية الدولة لتهديم صورة العراق
عالميا ورسم صورة قاتمة للاوضاع فيه تسهم بشكل جدي في منع الشركات
العالمية من الاستثمار..
الاقتصاد هو اساس السياسة اليوم، والغريب أن المجاميع الارهابية
تدرك هذه الحقيقة اكثر من بعض السياسيين فحين نشطت الحركة الاقتصادية
في كردستان استهدف الاقليم بأكثر من عملية ارهابية لإخافة أصحاب رؤوس
الأموال الاجنبية ومن ثم حرمان هذا الاقليم من علاقات سياسية متينة مع
الدول الاخرى..
أما فيما يتعلق بالدول الإقليمية فما يحكم العلاقات بها يختلف عما
يحكم علاقات العراق بالدول الحرة.. في هذه المنطقة تتحكم الايدولوجيا
والتاريخ.. وتقام العلاقات بين الحكومات بعد الانتهاء من الاجابة على
العديد من الأسئلة الدينية والمذهبية، فالناس في منطقتنا مازالوا
يتصارعون حول التاريخ والدين المسيسين..
نعم.. الحكومات في المنطقة علمانية في أغلبها حتى تلك التي ترفع
شعارات دينية، ومايحدث في قصور الحكومات يؤكد الجفوة بين معظم الساسة
والدين. ولكن الأخير أصبح وسيلة هؤلاء للسلطة أو للبقاء فيها، وبالتالي
فهو يشكل حلقة جوهرية من صراع قوى وإرادات في المنطقة، وربما تشكل
الحكومة العراقية التي تمتنع معظم حكومات المنطقة عن الاعتراف الجدي
بها خروجا عن المألوف السياسي الذي يسود منذ قرون، ولاتوجد رغبة لدى
حكومات المنطقة لتغييره، لذا لن تجد الحكومة العراقية الحالية ولا التي
تأتي بعدها إن جاءت بالأكثرية الشيعية، لن تجد اعترافا حقيقيا بها من
قبل حكومات المنطقة..
الناس والحكومة
إذا كان الاقتصاد يصنع علاقات العراق بالدول الصناعية، فقوة الدولة
العراقية تفرضها على محيطها العربي وغير العربي..أما كيف يكون العراق
قويا، فيبدو أن تشكيل الحكومة فيه هو الخطوة الاولى التي تاتي بالقوة،
فحكومات التوافق لن تحقق له القوة في المرحلة الراهنة والأسباب معروفة
إذن يجب أن تشكل في العراق حكومة من لون واحد يديرها شخص حازم، كما
يصنع القوة العراقية الظهور القوي لسياسييه واتخاذهم قرارات صعبة
وجريئة... التفاف العراقيين حول حكومتهم وإيمانهم بالعملية السياسية
يشكل أهم ركائز القوة، ولكن كيف للعراقيين ان ينصاعوا لحكومة انتخبوها
وباتوا يشعرون بخيبة امل تجاهها؟
من ابرز الايحاءات التي ارادت أطراف سياسية عراقية مشاركة في
العملية السياسية ترسيخها في الذهن الشعبي العراقي، هي (شيعية
الحكومة)، فبينما اصرت تلك الاطراف على أن تكون الحكومة حكومة توافق
بعد فرز الاصوات في الانتخابات الاخيرة بحجة أن الوقت لايسمح بتفرد
كتلة سياسية بالسلطة، سرعان ما بدات تلك الأطراف بترديد تصريحات تشيع
شعورا لدى الناس بأن الحكومة شيعية أو طائفية، فصارت كل إخفاقات
الوزارات وحتى غير الشيعية تنسحب على كتلة الاتلاف، لابل حتى انسحاب
بعض الأطراف الشيعية من الحكومة فسر على انه تنصل من تحمل مسؤولية
الفشل والنأي بالنفس بعيدا عن دائرة اللوم، والغريب أن رئيس الوزارء
الذي يتحمل بدرجة اساسية وزر من في حكومته لايمكنه تغيير أي منهم لأنهم
مدعومون من قوائمهم التي سرعان ماتصور إقالتهم أو محاسبتهم بشكل طائفي
وتؤجج الشارع ضد أي اجراء من هذا القبيل..
إقناع الناس بقبول الواقع السياسي أمر غاية في الأهمية والصعوبة في
آن معا، ولكن هذا لم يكن على قائمة أولويات الحكومة، أو بتعبير أدق هي
(أخطأت) في انتهاج الطريق الذي تصورته يوصلها للناس ويقدم لهم خدمات
أفضل، وباختصار لم تكن الحكومة موفقة بتخصيص مليارات الولارات لإعمار
الاقاليم، لان المواطن لن يجن من هذا الإعمار نفعا حقيقيا في ظل شيوع
فساد مالي غير مسبوق، والواقع يصدق كل مايقال بهذا الصدد، إذن كان على
الحكومة أن تخصص أجزاء مهمة من ميزانية هذا العام لــ( إعمار الجيب
العراقي) من خلال تقسيمها على العراقيين الذين يعانون من أزمات لاتخفى
على أحد، فماجدوى ( إتلاف) هذه المليارات في الشوارع والمجاري والجزرات
الوسطية بحجة الاعمار، بينما تتحول في الحقيقة إلى فلل وقصور وحسابات
مصرفية في الخارج سرعان مايتبعها أصحابها من مسؤولين ومقاولين بعد أن
يكونوا قد (اكتفوا) من سرقة قوت العراقيين الفقراء.. |