
شبكة النبأ: العسكريون في تركيا يجابهون بتصلب التطلعات التي تحاول
الاحزاب الاسلامية ايجادها في تركيا من خلال اثبات الجدارة البرلمانية
والمحتوى الديمقراطي العام الذي يكون مقبولا كاستمرار لما حققه الحكم
من تحديث لتركيا على يد الاسلاميين، ولذا فان اردوغان مرشح حزب العدالة
والتنمية ذو الميول الاسلامية يحاول ان يخفف الانطباع القائم والمعارض
للاسلاميين بأن العلمانية لا تتعارض مع الاسلام.
فقد قال رجب طيب اردوغان تعليقا على مظاهرات العلمانيين الحاشدة ضد
حكومته ذات الجذور الاسلامية انه من الخطأ تصوير الدين والعلمانية على
انهما في صراع في تركيا. حسب تقرير لرويترز.
وقال اردوغان اثناء مؤتمر بث على شاشات التلفزيون عن حرية الصحافة
"من الخطأ ان نضع العلمانية في مواجهة الاسلام."
واضاف اردوغان وهو رجل ورع لا تثق به النخبة العلمانية القوية بسبب
ماضيه الاسلامي "انا علماني بمعنى انني ادافع عن دولة علمانية."
وتخوض حكومة اردوغان معركة مع خصومها العلمانيين بسبب اختيار
عبدالله جول وزير الخارجية مرشحها لمنصب الرئيس وهو اسلامي سابق ترتدي
زوجته غطاء رأس اسلاميا.
وفي ظل ضغوط من المؤسسة العلمانية بما فيها جنرالات الجيش وكبار
القضاة وايضا احزاب المعارضة اضطرت الحكومة الى ارجاء انتخاب الرئيس
ودعت الى انتخابات برلمانية مبكرة في 22 من يوليو تموز.
واستمرارا للضغوط على حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه اردوغان
انضم نحو مليون شخص الى مظاهرة مناوئة للحكومة في ازمير التي تطل على
بحر ايجة وهي احدث حلقة في سلسلة من الاحتجاجات الحاشدة.
ولاحظ اردوغان ان المتظاهرين حملوا لافتات كتب عليها "لا للانقلاب
العسكري لا للشريعة الاسلامية" وقال ان حكومته تدعم تماما هذه المشاعر.
وهددت قيادة اركان الجيش التركي في الاونة الاخيرة بالتدخل في
السياسة كما فعلت اربع مرات من قبل خلال الخمسين سنة الماضية اذا ما شعرت ان النظام
العلماني معرض للخطر.
ونفى اردوغان مزاعم خصومه بان الحزب ذو توجه ديني وقال ان اولويته
هي تحديث اقتصاد تركيا وقوانينها ومجتمعها.
وحقق حزب العدالة والتنمية المتوقع ان يفوز في انتخابات يوليو نموا
اقتصاديا كبيرا وشهد بدء محادثات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي
منذ اتي الى السلطة في نوفمبر 2002.
اردوغان ينبّه ساركوزي
ونبّه رئيس الوزراء التركي اردوغان الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا
ساركوزي الى ان معارضته انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي ستغذي شعورا
مناهضا لاوروبا لدى الاتراك وستنعكس سلبا على العلاقات الثنائية. بحسب
الفرانس برس.
وقال اردوغان في اسطنبول خلال مؤتمر الجمعية السنوي للمعهد الدولي
للصحافة "على ساركوزي ان يتجاوز افكاره المسبقة، اذا كنا نريد توحيد
حضارات داخل الاتحاد الاوروبي واذا كنا نقول ان الاتحاد ليس ناديا
مسيحيا فعلى ساركوزي ان يعيد النظر في آرائه".
ويعارض ساركوزي بشدة انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي معتبرا ان
القسم الاكبر من الاراضي التركية موجود في اسيا.
ويرى ايضا ان مشروع اقامة اوروبا سياسية موحدة سيصبح مستحيلا مع
توسيع مبالغ فيه لحدود الاتحاد.
واضاف اردوغان "لدى شعبي مخاوف حيال الاتحاد الاوروبي، فالموقف
السلبي لبلد (ازاء انضمام تركيا) يؤدي هنا (في تركيا) الى موقف سلبي
حيال هذا البلد".
واكّد ان توجيه "رسالة يساء فهمها في هذا الصدد ستبدل موقف الاتراك
حيال فرنسا" معتبرا ان "على ساركوزي ان يأخذ هذا الامر في الاعتبار".
النظام الانتخابي يشوه التمثيل النيابي
وأصاب الديمقراطية التركية شلل مفاجئ وغير متوقع، يشبه الرعد في
سماء صافية، فتدخّل العسكر والدولة التركية العميقة (الديبلوماسية
والشرطة والقضاء والجهاز الجامعي) في سياق ازدهار اقتصادي وسلم أهلي،
سابقة أولى في بابها، وكان حزب العدالة والتنمية أفلح في التحول حزباً
محافظاً أوروبياً، «ديموقراطياً – إسلامياً»، فخال أن في وسعه بلوغ
الرئاسة الأولى الرمزية، وإنجاز تربّعه في سلة الهيمنة على المجتمع
التركي، من غير حاجز يحول دون بلوغه غايته. بحسب الـ(الحياة).
ولكن الجنرال بيوكانيت (رئيس الأركان) شلّ الانتخابات الرئاسية في
البرلمان، وامتنع من التورط المباشر، فخدع خصومه، وهم على يقين من
استحالة إقدام الجيش على سد الباب بوجه دخول تركيا الاتحاد الأوروبي من
طريق انقلاب عسكري.
ولكن هذا اليقين أعمى حزب العدالة والتنمية عن تنازع الرأي العام
التركي، فالعلمانيون هم الكثرة الغالبة، وفوق نصف ناخبي حزب العدالة
والتنمية لا يقرون فرض الشريعة، و60 في المئة من الأتراك اقترعوا
لأحزاب مدنية، حال بينها وبين غلبتها على البرلمان وتخبُطها وانقسامها
المزمنان، وسنُ قانون مناوئ للأكراد يحظر تمثيل الحزب الذي يحظى بأقل
من 10 في المئة من أصوات الناخبين.
فما كان على العسكريين إلا تقطيب الحاجب حتى ملأ المتظاهرون الشوارع
والساحات، ولم يبق لحزب العدالة والتنمية إلا اللجوء الى صناديق
الاقتراع، ولا يبعد أن تخرج من الانتخابات الوشيكة معادلة برلمانية
افضل من المعادلة السابقة، فيضطر حزب العدالة والتنمية الى التحالف مع
حزب ليبرالي ومحافظ حقيقي، ويعجل تحالفه ولاءَ المسلمين للدولة
الكمالية، واندراجهم فيها، وحين تبلغ الأزمة التركية خاتمتها، فقد يسفر
دور السعي التركي في دخول أوروبا، منذ 15 عاماً، عن خدمته
الديموقراطية.
بين القومية والأزمة الإقليمية
وقد تؤدي مماشاة قيادة حزب العدالة والتنمية الموجة القومية
المتعاظمة في تركيا الى إحراج الحزب، ففي السنتين المنصرمتين تردت
مساندة الأتراك الانضمام الى الاتحاد الأوروبي من 70 في المئة الى 30
في المئة، والحزب أرسى استراتيجيته على دخول تركيا أوروبا، واستعجال
المفاوضة على العضوية الأوروبية، وعليه اليوم أن يقارع تحفّظ الجيش
والقوميين المتشددين، وبعض الهيئات العلمانية الأخرى، عن دور الاتحاد
الأوروبي في السياسة التركية الداخلية. بحسب (الحياة).
ويرد رجب طيب أردوغان (رئيس الوزراء) وعبدالله غل (وزير الخارجية)
على النهج القومي والعلماني بالمزاودة على النهج هذا، فهما يهددان
الحزب الكردستاني مثير القلاقل في جنوب شرقي البلاد برد ساحق، وأيد
أردوغان دعوة الجيش الى تجريد حملة عسكرية كبيرة على شمال العراق في
الربيع، فاشتكى وزير الخارجية من استخدام الكردستاني «متفجرات يتحكم
فيها من بعد»، عزاها الى الجيش العراقي، وأعلن رئيس الوزراء نفاد صبر
بلاده من «شلل الحكومة العراقية».
والحق أن الاستعداد الميداني على قدم وساق، فالجيش التركي يزيل
الألغام على الحدود التركية – العراقية، ويمهد الطريق لمسير مدرعاته،
وتوغلت قوات خاصة تركية 25 ميلاً في الأراضي العراقية، وهي تتربص
بمقاتلي الكردستاني، وتحاصر طرق تراجعه، وحشدت القيادة العسكرية
التركية 200 ألف من القوات غير بعيد من الحدود المشتركة، وألغت اجازات
الجنود والضباط.
وبعدما طلب رئيس الأركان التركي الى حكومة حزب العدالة والتنمية
الاذن بشن الحرب على الحزب الكردستاني، تتحاشى الحكومة عشية انتخابات
عامة، إظهار التساهل والاعتدال والضعف، فهذه فرصة لن يفوتها الجيش
للاضطلاع بدور حامي الأمن التركي وضمانته القوية، ولكن مماشاة الحكومة
خطة الجيش التركي قد تنجم عنها مجابهة رأسية مع واشنطن وبغداد، وتثير
الاضطراب في صفوف الجماعات الكردية في تركيا، والأمران مغامرة لا تؤمن
تداعياتها.
في الدولة والمجتمع التركيين معاً
وعلى رغم ابتداء عهد تركيا بالعلمانية في 1923، حين أرسى مصطفى كمال
أتاتورك أسس الفصل بين الديانة والدولة، حظي حزب «العدالة والتنمية»
الإسلامي بشعبية في أوساط المسلمين المحافظين الأتراك، في السنوات
الماضية، ورجح المحافظون كفة الحزب في الانتخابات الأخيرة، في 2002.
ولا شك في أن تركيا العلمانية بلد مسلم، فهي تجمع بين مؤيدي
العلمانية الأتاتوركية، ومعظمهم من الطبقة الوسطى والموظفين
البيروقراطيين وسكان المدن الساحلية على غرار اسطنبول وإزمير، ومؤيدي
الحزب الحاكم الإسلامي، وجمهور هذا الحزب، في غالبيتهم، من فقراء
الداخل التركي الأناضولي، أو من النازحين من المدن الداخلية الى المدن
الساحلية.
وعلى خلاف مزاعم العلمانيين، وتحذيرهم من سعي الإسلاميين الى إطاحة
النظام العلماني، تدنت نسبة الأتراك الذين يميلون الى تحكيم الشريعة
الإسلامية، وتطبيقها بتركيا، من 21 في المئة، في 1999، الى 8.9 في
المئة، في 2006، ويقابل هذا التدني ارتفاع نسبة الأتراك الممتعضين من
فرض قيود على المسلمين المحافظين، ومصادرة، تالياً، حرية ممارسة
شعائرهم على ما يشتهون، واقتصرت نسبة الأتراك الذين يحسبون أن المسلمين
المحافظين يتمتعون بحرية ممارسة شعائرهم على 14 في المئة، وكانت تبلغ
31 في المئة، في 1999.
ولا شك في أن سياسات «حزب العدالة والتنمية» الحاكم أنجزت أموراً
كثيرة، ففي سنوات
ولايتها الأربع، انتشلت الحكومة الحالية تركيا من أزماتها
الاقتصادية المتتالية، ويعود الفضل في ازدهار الاقتصاد التركي، وبلوغه
معدل نمو يناهز 7 في المئة، الى إصلاحات الحزب الحاكم الضريبية
والاقتصادية، ويرى مسؤول في الاتحاد الأوروبي أن حكومة رئيس الوزراء
التركي، رجب طيب أردوغان، أسهمت في تحديث النظام التركي أكثر من
الحكومات العلمانية السابقة.
ولكن الإسلاميين أثاروا حفيظة العلمانيين مرتين على التوالي في
البرلمان، ونفخوا في مخاوفهم، فأردوغان أراد تعيين خبير في المصارف
الإسلامية يفتقر الى خبرة في أسواق الفائدة، في منصب مدير المصرف
المركزي، ثم طرح على الاقتراع مشروع قانون يجرم العلاقة بين الرجل
والمرأة غير المتزوجين، والصحف التركية تترى بأخبار مساعي الإسلاميين
الى تقويض النظام العلماني التركي، فغالباً ما تنشر الصحف الوطنية
أخباراً عن سعي الحزب الى فصل الرجال والنساء في المسابح، والى منع
الشراب في الأماكن العامة. ويأخذ العلمانيون على أردوغان قوله، قبل
تكليفه رئاسة الحكومة، أن الديموقراطية قطار يركبه المرء ليبلغ آخر
محطة من محطات السكة الديموقراطية، ثم يترجل منه.
انقلاب عسكري الكتروني
واستندت طريقة الانتخاب التي لم تنجح الى نقاش يدورعلى اقتضاء حضور
367 نائباً لاجراء الاقتراع على الرئيس في البرلمان، ونقل حزب الشعب
الجمهوري المسألة الى المحكمة الدستورية، وهذه أصدرت قراراً يلزم بهذا
العدد، ما قطع الطريق على انتخاب عبدالله غول رئيساً للجمهورية، وبعدها
شهدت تركيا انقلاباً الكترونياً على موقع قيادة الأركان (الالكتروني)،
واختنقت الحياة السياسية فجأة، فالبرلمان لم يحضر اليه 367 نائباً
لانتخاب الرئيس، ولكن 458 نائباً اقترعوا على إجراء انتخابات مبكرة في
22 تموز (يوليو) المقبل. بحسب الـ(الحياة)،
وكفى هذا دليلاً على تسارع الاحداث وغرابتها في تركيا، فليست
الانتخابات المزمع إجراؤها انتخابات عادية غرضها اختيار نجاح الاحزاب
السياسية، أو تفاعلها مع الناس. فهي اقتراع على إعادة الحياة
الديموقراطية الى مسارها، وعلى انتخاب الرئيس بالاقتراع المباشر.
فنحن شهدنا، قبل قليل انقلاباً عسكرياً في تركيا، والقول إن أخطاء
الحكومة الحالية أوصلتنا الى هذا الوضع، متسرع، فهذه الحكومة ارتكبت
اخطاء لا حصر لها، والتفكر في سبب خروج مئات الآلاف من العلمانيين الى الشارع، ضروري وملح، فهؤلاء كان
يفترض في الحكومة طمأنتهم على سلامة النظام العلماني قبل كل شيء، ولكن لا يجوز، تحت
أي ذريعة، تسويغ الانقلاب او التدخل العسكري.
وجرت العادة على ان تسبق الانقلاب العسكري قلاقل سياسية وذرائع شتى،
وعندما يعلن الجيش انقلاباً عسكرياً في أي بلد يفترض انه ديموقراطي، لم
يجز أن يحاول الكتّاب والصحافيون، أو السياسيون والمفكرون، الافادة من
الاخطاء التي أدَّت الى الانقلاب العسكري، أو البناء عليها، وعليهم
جميعاً، ان يتَّحدوا، ويقفوا بوجه الانقلاب، مهما كانت الاخطاء التي
دعت اليه او مهدت له.
امتحان تركيا لا يزال قائماً، والامتحان الأول هو يوم الاقتراع في
الانتخابات المبكرة، ويتوقع ان يعاقب الشعب المتعطش للديموقراطية من لم
يقفوا في وجه الانقلاب، او سعوا للإفادة من نتائجه، فتعتبر القوى
والاحزاب مما حدث، وعليه، يجب ألا تكون انتخابات 22 تموز انتخابات
عادية، فهي مناسبة اختيار تركيا هويتها، واذا لم نثبت في تلك
الانتخابات ان العلمانية والديموقراطية أمران متلازمان، بل توأمان،
يمكنهما التعايش في سلام، فستستمر الحياة الديموقراطية تحت رقابة
العسكر ووصايتهم، ولن يكون استقرار سياسي ولا استقرار اقتصادي.
والقول إن انتخاب عبدالله غل، رئيساً للجمهورية كان ليعني نهاية
النظام العلماني في تركيا، أمر مضحك، وما قد ينطوي عليه من صواب فالرد
عليه، وجبهه، لا يكونان من طريق الانقلاب العسكري، بل بالاحتكام الى
صناديق الاقتراع، وسبب الأزمة هو تآكل الدستور الذي سنه الانقلابيون
العسكر في 1982 وآية الحال اجتهاد المحكمة الدستورية الذي يستحيل معه،
بعد اليوم، انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان، ومدار المسألة على قدرة
النظام الديموقراطي العلماني على المصالحة مع هوية الشعب التركي
الاسلامية، فالديموقراطية والعلمانية مفهومان يكمل واحدهما الآخر في
أوروبا والغرب، ويتناغمان معاً، ولكن الديموقراطية والعلمانية
التركيتين دخلتا في سباق ومنافسة، حتى بدا ان علينا ان نختار واحدة من
الإثنتين، ولا ننسى أن نظام صدام حسين في العراق، كان علمانياً، ولكنه
كان بعيداً من الديموقراطية، ولذا فنحن نقول ان الديموقراطية تتقدم ما
عداها، وهذا معنى انتخابات 22 تموز الحقيقي القادم. |