حزيران وخريف فلسطين

سامي الأخرس

يحتفي شعبنا الفلسطيني بذكرى حزيران النكبة والهزيمة وسط صمت ونسيان من الأمة العربية التي وجدت ضالتها في حالة التناسي والغيبوبة التي تعيشها علاجا لقضاياها القومية والمصيرية المشتركة، فلم تعد القومية تبعث الروح في التضامن والتكافل بين الأمة العربية، وأصبحت أجيالنا العربية بعموميتها تردد بلا خجل أو حياء أن الشعب الفلسطيني ترك أرضه وهرب، مقولة بدأت تغزو عالمنا العربي.

 ويبدو أن شركات تكرير النفط العملاقة التي تعمل في الوطن العربي لم تقتصر مهمتها على تكرير النفط فقط من شوائبه وتحويله لمواد استهلاكية، بل اضطلعت بمهمة أكثر حيوية ألا وهي تكرير العقول العربية بتواز مع تكرير النفط، فإن سرق النفط العربي تحت مرآى ومسمع هذه الأجيال المثقفة بثقافة التكرير فليس من الغريب سرقة عقولهم وانتمائهم لعروبتهم وقوميتهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، وهو ما يتكرر مع العراق أيضا، حيث يطالب الأخوة العراقيين بعدم التدخل من الأجانب بشؤون المقاومة ومناهضة المحتل، والأجانب هنا يقصد بهم العرب الذين أرادوا مقاومة المحتل الأمريكي الغربي.

إن هذا التكرير لم ينال من فلسطين فقط بل عمم على جميع القضايا العربية، وأصبح الشعور بجراح الأخوة وآلامها تدخل أجنبي مرفوض، وتسللت لدينا " أذهب أنت وربك فقاتلا " ومن هنا آتت الهزيمة والنكبات التي تسربت لعقول الأجيال الجديدة المتسلحة بهامشية الثقافة وطفولية التفكير، حتى أصبح التعصب الحدودي سمة لاندفاع المراهقين وحنقهم.

فحزيران النكبة يحييه شعبنا الفلسطيني بمذاق خاص مختلف عن السنوات السابقة، حيث تأتي النكبة والهزائم تتوالي بمشاهد الموت والقتل والفتنة المصورة في غزة، وانتهاك حرمة وشرف هذا الشعب بيد الأخوة، والمشهد العكسي الآتي من قتل وخطف اللاجئ الفلسطيني في العراق وسط صمت القبور من الجميع. حيث تعيش قضيتنا بذكري النكبة مرارة الهزيمة وعنفوان النكبة، التي أنقلب خلالها ربيع الثورة وما حققته من انتصارات إلى خريف عاصف خماسيني يكاد أن يعصف بالوطن.

تأتي الذكري والرياح والزوابع الخماسينية تتقاذفنا تحت عجلات القطار الهادر الذي يأبي الوقوف على أحدى المحطات ليعيد تقييم اتجاهه وسرعته وطاقته، وإجراء إصلاح شامل لحالته، بل يتواصل بسرعة جنونية دون إدراك أين يتجه وما هي محطته النهائية التي يصبو إليها.

ولا زال قطارنا الفلسطيني بسرعته الجنونية يتجاوز المحطة تلو الأخرى في ظل، غياب التضامن العربي والمسؤولية العربية تجاه قضيتها الأساسية، وحالة التمزق السياسي والوطني وإذكاء نيران الفتنة والقتل، والفلتان الأمني والأخلاقي والسياسي الذي يكسو فلسطين وخاصة غزة، وتفسخ النسيج الاجتماعي والوطني للجاليات الفلسطينية وهو ما عبر عنه مؤتمر هولندا وردات الفعل المعاكسة، والفساد بكل مسمياته ومعانيه على الصعيدين العام والخاص، والتدخلات الإقليمية في الساحة الفلسطينية وفق مصالحها وغاياتها.

ففلسطين وشعبها يحيوا ذكري نكبة من نكبات حلت بهم، ومعركة غزة لا زالت متواصلة بين ذوي القربى، معركة لا منتصر فيها سوى الاحتلال، معركة أدواتها الهزيمة والنكبات، وسلاحها القتل المجاني لخدمة العدو.

 فذكرى النكبة لهذا العام نحيها بنكبات تتوالي يوميا، نكبات نعيشها بعيدا عن انتمائنا وعشقنا لفلسطين تحت هول انفجارات التعصب والتحزب، وموت الضمائر.

ومن ذكرى لذكرى... ومن نكبة لنكبة يتواصل نزف الوريد ليرسم اسم فلسطين والوطن على ترابه المجبول بدماء الأوفياء....

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 18 آيار/2007 -29/ربيع الثاني/1428