
الكتاب: الادب الموجه
المؤلف: الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي
الناشر: مؤسسة البلاغ
الصفحات: 315 من القطع الكبير
عرض وتقديم: عدنان عباس سلطان
شبكة النبأ: رغم الكثير من الدراسات
والرؤى والبحوث التي توالت على المشهد الادبي في العراق وغيره من الدول
العربية الا انه لم تنبثق عنها نظرية نقدية موحدة تعني الادب العربي
وفق الخصائص الثقافية وتميزاتها الخاصة التي تحمل السمات والطبائع
وكينونة الافكارالناتجة والمنتجة في الاطار العربي الاسلامي، بل كانت
النهوج والاحتكام والقياسات تجري وفق نظريات مدمجة مع النص قسرا وهي
تحمل افتراضاتها وسبل اوزانها من التاثيرات الاوربية على وجه الخصوص،
حتى يبدو ان الواقع المنتج واقع هجيني فاقد للهوية والخصوصية، وبالتالي
فان ذلك ينسحب على الابداع اذ كان متاثرا ومنتميا من جانبه الفني،
وبالمحصلة طرح على الساحة الثقافية كما هائلا من الكتابات الغير واقعية
او في اقل الاوصاف قساوة نتاج مغترب عن الواقع العربي الاسلامي.
فالادب العربي لم ينتج نظرية نقدية تنطلق من ثقافة عربية اصيلة، وظل
في لهاثه وراء نظريات انتجت في ظروف تاريخية خاصة جدا لدى الغرب، وهي
محصلة صراعات سياسية ودينية ادت الى نتاج ادبي معين يتسم بسمات المراحل
التاريخية ويعبر عنها، ولا تعني المحصلة التي ذكرناها ان تتكرر في بلد
آخريسري على مسارها خطوة بخطوة، وبطبيعة الحال لم تحدث تلك الظروف في
بلاد العرب حتى يكون التاثر صادقا ومعبرا عن واقع متازم، انما يكون
تقليدا عقيما ومزيفا بدرجات كبيرة، ومن هنا فان هناك قطيعة ثقافية بين
المتلقي ومرسل الخطاب الادبي في الوسط العربي.
وكانت النتيجة تدني المنتج النهائي الى مستوى الافلاس الفكري والفني
معا، لافتقاره الى الفكر والمبادئ والفن الصادق المعبر عن الثقافة الام
وعن التاريخ الام وعدم تواصله مع المنبع الثقافي التاريخي بالدرجة التي
توصله للعمق ومن ثم المتكأ الرصين.
وقد حدث العكس من هذا تماما اذ الغى كل ما يمثل البعد الثقافي
والعقائدي وعاش على ماتبقى من اشلاء الصراعات الغربية، او ما طغى من
صرعات تكنيكية وتمردات باسم الخروج عن المألوف كخروج معني بذاته وليس
لامر فني جديد.
عندما ترجمت كتابات كافكا تمثل وكانه رسول لا يرد له قول في حين
كانت مكانته لدى الغرب مكانة اعتيادية وربما كان من وجهة نظرهم خطوة
متخلفة عن الخطوات التي افرزتها مراحل اخرى.
وحدث الشئ نفسه في الواقعية الاشتراكية ومن ثم التجريدية والرمزية
وبعدها الوجودية التي سموها بعاصفة على العصر.
وهكذا حدث مع جميع المدارس التي قذفها الغرب في وجه الكاتب العربي،
ثم استلمها الاخير بانبهار وصل في احيان كثير الى ما يشبه الغباء.
وقد التفت بعض الكتاب العرب والعراقيين الى هذا الخطأ الجسيم
وتداركوا الامر وطرحوا نتاجا يعبر بدرجة كبير عما يحفل به المجتمع
العربي وما يتميز به من خصائص ثقافية،
على نطاق الرواية والقصة مثلا:
طه حامد الشبيب.. عبد الخالق الركابي.. احمد خلف.. جاسم عاصي..
وغيرهم ممن يحفل بهم المشهد الادبي في العراق كذلك في النطاق العربي
على شاكلة نجيب محفوظ ومجايليه ممن خلقوا ادبا معبرا عن هموم وتطلعات
شعوبهم منطلقين من تراث وتاريخ عظيم.
والكتاب الجميل الذي بين ايدينا هو قبل كل شئ تحفة ادبية نادرة..
شحنة من تعاليم الانبياء وحكم الفلاسفة تتسربل بسكبة البدور ونداء
المجاريف ونشيد الطيور تغلفها عذوبة ساحر حتى كان العصافير التي اذابت
لهاتها في كرة الشمس وضحاها إستغاثت بالشاعر اليعيشها في شعره صورا
ورؤيا.
ورغم ان الكتاب يجنح الى التعليمية في اغلب فصوله ومراده العام، الا
انه اتخذ صفة ابداعية عن كيفية الانسجام بين التعليم كما هو متعارف،
وبين ان يحول الى خطاب ادبي رصين باعلى الصور الفنية والتكنيكية، ثم
يصل الى مبتغاه بيسر.
مغريات المتلقي فيه لا تقف عند الفوائد المتوخاة من كونه درسا،
وانما جعل الكاتب اعظم مغرياته لاستدراج القارئ، الروح الشفافة التي
صبها مثل عسل مصفى او نغمات روحية ليشد فيها اسماع القارئ ويمارس سلطة
الخطاب وهو مطمئن الى الاستيعاب والتفاعل بين قطبي النص وايجاد الشراكة
الحميمة بين طرفين يجمعهما الحب والمودة والتواصل.
ومواضيع الكتاب 36 عنوانا منها:
*رسالة الشاعر: نقتطف منها:
الادب ليس في اقتطاف الافياء والالوان لحشرها في مقطوعة تائهة تجهل
نفسها ورسالتها
فتدور في حلقة مفرغة لا تنتهي الا الى كلمات مرهقة خائبة تترسب
كالمياه المزمنة مهما لامستها النسائم فلن توقظ فيها النبوغ ولا تبدع
الدرر ولا تتفتق عن الربيع.
وانما الادب الحي يقظة الاستغراق المتفتح تتغلغل في طيات اللاشعور(
المقفلة على الواعين النابهين) لتنبش ذخائر وكنوز، انطلاقة عن جمود
اليقظة، وتجرد من سدود الابعاد والمسافات، اطياف حالمة تحطم سياج هذا
العالم، وتاخذنا في رحلات بعيدة المدى، عوالم حافلة لا تفتحها المجاهر
والعلوم، كجلوة الاعجاز التي تفتح اروقة المستحيل، تتلاشى دونها المادة
ويتوتر الشعور الثاقب الرهيف.
ومهمة الادب تختصر في اكتشاف داء المجتمع ودوائه ثم قولبة الدواء
المر في كبسولات خلابة تغري من يتجرعها.
*لا تكذب:
الأديب عندنا كأي مثقف آخر يقاسي من هذا التناقض الحاد بين الداخل
والخارج إذ يجد في الداخل العقم والجدب والشعور بالحاجة الى القدرة على
الاخصاب، ويجد في الخارج النتاج الخلاب الذي يغريه الى الاستهلاك دون
توقف او تأمل، ويجدر بمثل هذا التناقض ان يعقم مواهبه الذاتية عن ابداع
اية فكرة كبيرة طالما الانسان بطبيعته ميال الى الراحة، وهكذا اسفرت
المقاسات عن الاستسلام للتقليد، ومن ثم تبني المواقف الاجنبية عن
واقعنا بشكل إرتجالي معيب.
فمثلا وجد ادباؤنا ( سيتويل ) قلقا على الانسانية من تهديد اسلحة
الابادة فجعلوا يتظاهرون بالقلق على مصير الانسانية من الوحش ذي
المخالب الذرية.
وسمعوا ( جيمس جويس ) يتحدث عن ضغط المدنية وعقدها الغامضة ومشاكلها
التي سلبت السعادة من كل من ارتطم بها، فاخذوا يضجرون من كثافة السكان
والصناعة ودخان المعامل.
وراوا( كافكا) ثائرا على الخطيئة الاصلية في المسيحية، استرسالا مع
عقدة اليهود، ومتذمرا من غموض العالم، انطلاقا من رموزعقيدته الغامضة،
فبدأوا يتهمون كل الاديان بعقدة الخطيئة، ويرددون الحديث المكرر الجامد
عن غرابة العالم.
*اكتب شعورك:
اذا كان الشعر ترجمان الانسان في التعبير عن واقعه فعلى الشاعر ان
يكتب شعوره لا كلامه فالكلام الموزون ليس شعرا وان انسجمت فيه
التفعيلات وانتظمت قوافيه، وانما الشعر ارادة موحية ومهجة مانحة تنز
لتخصب الارض وتلون السماء، واشواق تنفض الكرى من رؤوسها لتورق حولها
العاطفات البيض، فلا تجد الى الحياة سبيلا اقدر على تجسيدها من الشعر.
فكلما رايت نفسك فجاة تتهزهز على ارجوحة معطرة، تفنى المسافات، او
وجدت نفسك تسبح على شرفات النجوم حيث يدغدغك الف خاطر اشقر: وصدع راسك
حلم انبياء كانه يضطرب
لينتزع منك إرادتك ويتركك هشيما خائرا فاعلم انك في موسم الخصب
والعطاء.
*اكتب للتأريخ
اذا اردت ان تكون اديبا فاكتب للاجيال والتاريخ لا لصديقك ويومك
فليس من الضروري ان تبرهن على ادبك انما المهم ان تبدع وتقدم للبشرية
خدمة جارية وترفع تحية اجلال وتقدير الى المبادئ العالمية لإسعاد
الانسان.
لاتكدس اوراقا بلا معنى، إلا ترى ان فصاً من الالماس خير من آكام
التراب؟.
تثقل كاهل الارض، اليس مفكرا واحدا هو خير من شعب تافه؟.
والبطل الواحد خير من الف جبان؟.
وتاكد من ان العمل الفني والعمل الادبي في الروائع الخالدة لا في
الصفحات الطوال وان البيت الواحد الجيد يبقى عبر القرون بينما تفنى
الملحمة الرديئة في يومها.
وكتاب الادب الموجه قد احتوى على شذرات ودرر ومصابيح وكشافات تعاضدت
كلها وهي تغزل الاضواء والالوان القزحية وتقدم لنا هذا الطبق السحري
الجميل على صورة مؤلفه الرائع الموسوم بالادب الموجه. |