قراءة في كتاب: عولمة الاسلام

 

 الكتاب: عولمة الإسلام

المؤلف: اوليفيه روا

الترجمة: لارا معلوف

الطبع والنشر: دار الساقي

عدد الصفحات: 222 قطع كبير

عرض: عدنان عباس سلطان

 

 

 

شبكة النبأ: امتازت مؤلفات اوليفيه روا في قضية التطرف منحاً توثيقيا مستندا الى تحليلات واقعية وجهد مثابرعلى خلفية تخصصه في دراسة الراديكالية الاسلامية وتنظيم القاعدة بوجه خاص.

 وقد اثار كتابه تجربة الاسلام جدلا بين الاوساط السياسية والثقافية وذلك لإطروحته المتمثلة بالدولة الافتراضية المصنوعة خياليا في عالم الانترنيت.

وموضوع كتابه الذي نعرضه الآن هو في النقاط الحيوية من موضوعة الراديكالية التي انقلبت طبيعيا الى فعل تدميري والاشتباك مع الواقع الراهن لا من اجل تحسينه وانما من اجل اكتساحه وتحطيمه نهائيا واستبداله عنوة بواقع آخر جديد.

ويرى روا ان الراديكالية الاسلامية قد نشأت جذوتها من المهاجرين من الدول العربية والدول الآسيوية ممن كانوا ياملون بحياة افضل مما في بلدانهم الفقيرة، وقد تحصل لهم ما ارادوا ومن ثم تآلفوا مع تلك المجتمعات المضيفة واندمجوا بالواقع الجديد، الا انهم حجموا انفسهم من الجانب الثقافي، أي بمعنى انهم لم ينخرطوا في ثقافة الآخر، مما جعل لهم جغرافيات صغيرة محددة ضمن الحي او المكان الذي يحوي تشابههم الديني.

 في حين تعارض ذلك مع جوانبهم القومية كونهم يتحدرون من جنسيات عدة، ففيهم الهندي والباكستاني والعربي والتركي والايراني، عموما فان الجامع الوحيد هو الرباط الديني، وهو تجمع تعرض للتقشير ولم تعد الامتيازات القومية او العرقية الا شئ شخصي ذاتي فرداني، وهناك تقشير آخر يتمثل بالثقافة ايضا وهو المنحى الخطير في المسالة.

حيث وجود الثقافات المتنوعة التي لا يعترف بها من قبل البلد المضيف الا بكونهم من المهاجرين من العالم الثالث وبكونهم ايضا اسلاميون ليس الا، ومن جهة اخرى لايمكن ان يستند التفاعل بين هؤلاء بعضهم مع بعض وفق معايير ثقافة معينة من جانب الجزء عمليا، ولذ فان الثقافة واللغة انما هي سلوك ذاتي يتضاءل يوما بعد آخر تحت ضغط الانتماء الجمعي للمهاجرين، ولعل رواد الهجرة الاولين هم من ذاقوا اشكالية ثقافتهم وتقنين لغتهم او انهم حاولوا التعويض عنها بالاندماج في ثقافة الآخر ولغته بحدود معينة اثناء البحث عن الهوية المفقودة.

الموئل الذي تستند اليه هذه التجمعات انما يتمثل بالجامع او المركز الديني المسيطر عليه من قبل احد الدعاة او المبشرين الذين يشكلون مركز الالتفاف وبهذا تتكون وحدات اجتماعية تسعى الى تغييب ذواتها عن المجتمع المضيف وتنغلق طوعا الا من طرف الجانب العملي وهي تجمعات مزدوجة المعايير، وتنزع الى نفي ثقافتها تحت طائلة الاندماج مع بعضها البعض.

والمهم في هذه الدراسة التي قدمها اوليفيه روا ان قضية المهاجرين الاسلاميين بدات تنحى منحا حادا مع الجيلين الذين ولدوا لدى الدول المضيفة فهؤلا قد شبوا ضمن الاجواء الغربية ابان فترة الشباب وتصرمحوا في المواخير والحانات ومصاحبة الفتيات والمواعدات وممارسة الشذوذ بكل انواعه ولم تكن لهم علاقة بصيغ وتعاليم الاسلام الا بكونهم يعرفون على نحو ما ان آبائهم منحدرين من دول اسلامية.

ورغم عدم الاهتمام الظاهر الا انهم يعانون من هاجس فقدان الهوية ويغذي ذلك الاهمال الذي منوا به لدى التفاعلات الحكومية لاسباب كونهم تجمعات فشلت في الاندماج ووضعت لفائف شرنقية حول نفسها وهي لم تجد أي من الحلول للتوفيق او المرونة في نسيج المجتمعات المضيفة.

كل هذه الظروف جعلت من المهاجرين مدركين تماما من انهم لايغيرون الواقع المحيط إضافة الى يأسهم من تغيير الدول التي هاجروا منها، حيث يعدونها دولا غير اسلامية رغم العنوان الاسلامي الذي يبرز بوضوح عبر دساتيرها ومجمل القوانين المرعية فيها.

ويعتقد المهاجرين ان الثقافات هي من الاسباب الكبيرة التي يصطدم بها الاسلام الحقيقي في البلد الام.

ولا بد والحالة هذه ان يتم القضاء على الثقافة اولا ولكن ليس عن طريق ثقافة مغايرة وانما يتم ذلك من خلال القوة وتدمير المؤسسات التي تعني بها وآلياتها وعد الجانب البشري من احد هذه الآليات لايشفع له الا ان يكون احد المنتمين للدولة الافتراضية الآتية من الخيال حيث ان لا مكان جغرافي يحتمل ان تكون عليه الدولة الاسلامية المتخيلة ولعل السبيل الوحيد المتوفر هو ايجاد انسان آخر وهو جمع المؤمنين الملتزمين بهذه النظرية.

ونتيجة لهذا الوضع فان السعي اتخذ موقف الاقصاء لكل الثقافات بما فيها ثقافة الآخر وثقافة المنبع الاصلي الذي جاءت منه تلك الهجرات واصبح الكل مستهدفون ويضاف الى هذا عامل آخر ويتمثل هذا العامل بالتفاف الارادات الدولية التي تتمتع بسلطة مالية كبيرة جدا ولها مؤسساتها المكينة في بقاع الارض المهمة ويقصد بها الطائفة السعودية أي الوهابية على وجه التحديد.

لقد قام السعوديون بدور رئيسي في توسيع رقعة الاصولية الجديدة، فبغية قطع الطريق على القومية العربية او الشيعية الايرانية او الشيوعية، سعوا الى تشجيع تيار سنّي محافظ على المستوى العقائدي وشديد المعاداة للغرب على صعيد ديني بحت.

وينخرط هذا التفرع الثنائي في تاريخ الوهابية التي ولدت من تحالف آل سعود مع الداعية الديني محمد عبد الوهاب 1703 ـ 1792 ما ولد سلالة دينية من الشيوخ منفصلة عن السلالة الحاكمة والنظام الديني في السعودية مستقل بشكل كبير عن اسرة آل سعود.

فالاول يثبت العقيدة الدينية والثاني يثبت سياسة المملكة، وهذا ما يؤدي في احيان كثيرة الى حالة من الفصام فالمملكة تتحالف مع الامريكان وتدعم في الوقت عينه إسلاما معاديا بشدة للمسيحية واليهودية.

وقد تمكنت السعودية بفضل البترو دولار من لعب دور اكبر في شبكات التعليم الديني في العالم الاسلامي عبر تاسيس مدارسها ومعاهدها الخاصة في دول الغرب الامريكي والاوربي.

وعلى هذا فقد احتوت الوهابية تلك التجمعات المهاجرة وانشات لها مؤسسات فرعية في فرنسا وامريكا والمانيا والنرويج ويطاليا ودول اخرى كثيرة، واسندت لها برامج مختلفة للتثقيف وفق نظرتها الراديكالية للدين، واخذت تجند الشباب باتجاه افغانستان وتدير الشبكات الارهابية الموجودة هياكلها اصلا في الدول الاجنبية في اوربا وامريكا إضافة لتجهيزها بالقيادات المتطرفة من موئل الوهابية.

يقول اوليفيه روا: ندرس مسالة التحول الراديكالي الإسلامي لدى الشبيبة، ولكن يجدر بنا ذكر ملاحظة قبل ذلك، فالحالات المتناولة تتعلق ببضع مئات من الشبان ضمن شريحة عمرية في الجيل الثاني تعّد عشرات آلاف الاعضاء ومن جهة اخرى لا تظهر الحركات التضامنية مع الراديكاليين الشباب التي تنشا لدى وفاتهم او لدى توقيفهم إلا في اوساط محصورة للغاية ـ بين المناضلين الاسلاميين او ضمن الحي الذي نشأوا فيه ـ أي على المستوى المحلي اكثر منه المستوى الايديولوجي، وفي النهاية تتم اعادة الاسلمة بطريقة طائفية ـ مسجد حول قائد يتمتع بالكاريزما وبالانقطاع عن شبيبة الاحياء الاخرى فتعزز هوية الانطواء.

وما نشهده في الضواحي التي تتميز بالعنف يتعلق اكثر من وسم منطقة ما بعرق معين من اجل الاستبعاد الاجتماعي اكثر منه تأسيسا لغيتو ثقافي او ديني.

ثقافة الشباب المغاربة في فرنسا هي ثقافة فرعية غربية وليست استيرادا من الشرق الاوسط فعبر لغتهم ـ اللغة العامية الفرنسية الموروثة وقبعات الباسبول وقمصان لاكوست واحذية ناكي الرياضية وموسيقاهم هوب والراب وطعامهم الفاست فود وحبهم الاستهلاكي ـ يعتبر الشبان المغاربة اقرب الى نظرائهم الفرنسيين والسود الامريكيين منهم الى اهل بلادهم الاصلية.

كما ان تصرفاتهم في نواح معينة مناهضة لما يعتبر وجها ثقافيا إسلاميا ـ مثل تربية الكلاب.

ان الموضوع الذي يطرحه اوليفيه روا موضوع كبير وشائك ويحتوي على استطرادات ضرورية.

بصورة عامة فان الكتاب الذي بين ايدينا الآن من المؤلفات التي لازالت تثير جدلا واسعا في العالم ولا يفيه هذا التقديم حقه ابدا كونه يستند الى مراجع وثيقة واحصاءات معول عليها وقد سبق للمؤلف ان طرح كتابه المهم جدا ( تجربة الاسلام السياسي).

والكتاب نراه مهما وضروريا جدا لكل باحث ومثقف للاستفادة من اطروحاته ووثائقه وتعزيزاته التي لايرقى لها في المصداقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17 آيار/2007 -28/ربيع الثاني/1428