دور الدين في الدولة وحياة الفرد والمجتمع الأمريكي

 شبكة النبأ: على العكس من معظم المجتمعات الغربية العلمانية، ظل الدين يمثل قيمة أساسية في حياة الأمريكيين وملمحا مميزا للمجتمع على مدار التاريخ الأمريكي، بل يمكن القول إن المجتمع الأمريكي أسس تاريخيا على أساس ديني. ورغم علمانية الدولة التي تم إقرارها منذ البدايات الأولى لجيل المؤسسين وحرصهم على فصل الدولة الناشئة عن الكنيسة، يظل المجتمع الأمريكي واحدا من أكثر المجتمعات العلمانية محافظة وتدينا.

تقرير واشنطن نشر تقريرا واسعا عن دور الدين في حياة الفرد والمجتمع الأمريكي  والعلاقة بين الدولة والدين في أمريكا  نستعرضه فيما يلي:

الشعب الأمريكي المتدين

تشير نتائج استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة إلى أن معظم الأمريكيين يعتبرون أنفسهم مؤمنين ومتدينين، ففي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب Gallup في منتصف التسعينيات أعرب 96% من عينة الدراسة عن إيمانهم بالله، كما أن 71% قالوا إنهم منتمون إلى كنيسة أو معبد يهودي، كما أكد 45% من العينة أنهم يمارسون العبادات والطقوس بصورة منتظمة. ما يزيد عن 56% من الأمريكيين يصفون أنفسهم بأنهم بروتستانت، بينما 27 % يعتبرون انفسهم كاثوليكا و2% يهود.

وتلفت الانتباه زيادة معدلات نمو الكنائس الإنجيلية Evangelicals من حيث زيادة عدد أعضائها وزيادة نفوذها وتأثيرها في المجتمع والسياسة الأمريكية، (30% بروتستانت بيض أنجيليون محافظون طبقا لإحصاء غالوب 2003 مقابل 20% من البروتستانت الليبراليين العلمانيين).

وتؤيد إحصاءات مؤسسة بيو PEW نتائج استطلاعات الرأي لغالوب Gallup. كما يؤمن معظم الأمريكيين بالوقائع والمعجزات الدينية والتاريخية المذكورة في الكتاب المقدس، مثل قصة الخلق وطوفان نوح وشق موسى البحر بعصاه ومعجزات السيد المسيح وغيرها بصورة حرفية. ويضاف إلى ذلك الإيمان بعودة المسيح ومعارك آخر الزمان خاصة عند الطائفة الإنجيلية. كما يعتقد معظم الأمريكيين في الغيبيات والجنة والنار والأرواح الشريرة وغيرها.

تتنوع مظاهر التدين في المجتمع الأمريكي من تعميد الأطفال في الكنائس الكاثوليكية وتنشئة الاطفال على الأخلاق المسيحية إلى الحرص على الذهاب إلى الكنيسة بصورة منتظمة. ومن تسمية المدن في مختلف الولايات بأسماء مدن مستقاة من الكتاب المقدس إلى المشاركة في الأنشطة الاجتماعية التي تنظمها وتشرف عليها الكنائس.  

ومن الصلاة عند البدء في تناول الطعام إلى حضور عشرات الآلاف لقداس أو محاضرة في ستاد كرة قدم أو بيسبول في المدن الكبرى، ومن وضع رمز أو شعار ديني على السيارة الخاصة إلى اتخاذ مواقف سياسية لتحقيق معتقدات دينية، ومن قيام أتباع طائفة المورمن بطرق الأبواب للدعوة لأفكارهم إلى مطالبة أولياء أمور الطلاب بوضع الوصايا العشر في حجرات الدراسة، ومن استعمال ألفاظ ذات دلالة دينية (عند تشميت العاطس مثلا) إلى إنتاج أفلام سينمائية تتناول حياة وآلام المسيح. 

جيل الطفرة العددية بعد الحرب العالمية يعود إلى الكنيسة

تختلف التفسيرات والأسباب التى أدت إلى ما نراه الآن في المجتمع الأمريكي من مظاهر العودة إلى الدين وصعود دور الكنيسة في حياة الفرد والمجتمع، ومن بين هذه التفسيرات التي لا يلتفت إليها الكثيرون ظاهرة جيل الطفرة الكمية في عدد المواليد التي اعقبت الحرب العالمية الثانية الذي يسمى في الثقافة الأمريكية بـBaby Boomers، حيث اتجه الأمريكيون بعد الحرب العالمية الثانية وما سبقها من سنوات الإحباط وتدني معدلات النمو الاقتصادي إلى زيادة عدد المواليد بصورة غير مسبوقة ليولد جيل جديد ينشأ في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية مغايرة، أهم ما يميزها أجواء الرخاء والرفاهية.

ويلاحظ الباحثون منذ فترة أن هذا الجيل الكبير الذي يبلغ متوسط أعماره الآن 50 سنة يعود إلى الدين في صورته المؤسسية المنظمة.

الدين في حياة الفرد الأمريكي

رغم كل ما يقال عن تدين المجتمع الأمريكي وأهمية دور الدين في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، لا يزال الدين في اعتقاد وسلوك معظم الأمريكيين شأنا شخصيا لا يتجاوز قناعات الفرد وطريقة معيشته. وذلك نظرا للتوازن الكائن في المجتمع بين الدين والمحافظة من جانب والعلمانية وحرية الاختيار واحترام الحياة الخاصة للآخرين من جانب آخر.

ويضاف إلى جملة الأسباب التى تجعل الدين شأنا شخصيا وأقل تأثيرا في حياة المجتمع ثقافة الفردية والتمحور حول الذات التي تميز الثقافة المادية الرأسمالية وتجعل الفرد لا يهتم كثيرا يما يجري خارج حدود بيته إلا بما يعود عليه من مصلحة شخصية، حتى إن الفرد الأمريكي في علاقته بالدين والكنيسة يعتبر انتقائيا إلى حد بعيد، حيث يأخذ منها ما يتوافق مع رؤيته واحتياجاته. ولعل ظاهرة سهولة الانتماء والتنقل بين الكنائس المختلفة تكون قد نتجت بسبب هذه الطبيعة.

من الأمور التي حالت كذلك دون أن يفرض فرد أو جماعة بعينها ما تؤمن بها من أفكار دينية على بقية أفراد المجتمع الحدود الفاصلة بين الحياة الخاصة والحياة العامة في الثقافة الأمريكية أن المحكمة الأمريكية العليا كانت ولا تزال تكبح جماح من يحاول أن يتجاوز هذه الحدود من الجانبين سواء كان المحافظ أو الليبرالي.

انقسام المجتمع وقضايا الخلاف

 المشهد الثقافي العام للمجتمع الأمريكي يقوم على منظومة من الثنائيات المتقاربة والمتطابقة في بعض الأحيان، مثل ثنائية المحافظين/ الليبراليين، المتدينين/ العلمانيين، الجمهوريين/ الديمقراطيين، الولايات الحمراء/ الولايات الزرقاء، ثقافة الجنوب والغرب الأوسط/ ثقافة الشمال والمدن الكبرى، وبين هذه الثنائيات هناك أطياف مختلفة من الاتجاهات والمواقف ولكنها تظل محدودة على مستوى الكم والتأثير.

من أهم القضايا التي تثير الانقسام بين الأمريكيين القضايا الأخلاقية التي تتعلق بالفرد والأسرة والمجتمع مثل قضايا الإجهاض، وتدريس الدين في المدارس العامة، وحقوق الشواذ جنسيا والتجارب العلمية على الأجنة وتجارب الخلايا الجذعية، واستخدام الرموز الدينية في الأعياد، والحريات العامة، والهجرة غير الشرعية، والهوية الثقافية.

فعلى سبيل المثال رفض قاض فدرالي أميركي في ولاية بنسلفانيا قبل أشهر قليلة تدريس نظرية "التصميم الذكي" للكون باعتبارها بديلا لنظرية التطور والارتقاء لعالم الأحياء البريطاني تشارلز دارون. واعتبر القاضي أنها نظرية غير علمية. ونص قرار المحكمة على مخالفة الاقتراح للدستور الأمريكي الذي يتبنى الفصل بين الدين والدولة في المؤسسات التعليمية الأمريكية.

المجتمع الأمريكي منقسم إزاء هذا المشهد إلى ثلاث فرق:

الفريق الأول: من المتدينين الذين يؤمنون بالنظرية التي فحواها أنه لا بد أن وراء هذا الكون البالغ التعقيد خالقا وأنه لم يتطور من تلقاء ذاته. ويحاول هذا الفريق الضغط لتدريس النظرية في المدارس العامة.

الفريق الثاني: يرفض بأي شكل مناقشة النظرية ويعتبر أن محاولات الضغط لتدريسها يقوض أسس الدولة العلمانية في الولايات المتحدة.

الفريق الثالث: لا يمانع من تدريس النظريتين جنبا إلى جنب دون إصدار أحكام تقييمية لصحة أو خطأ أي منهما.

غير أنه لم يمنع من أن القانون والثقافة السائدة في أميركا من حيث علمانية الدولة لا تتبنى نهجا دينيا محددا، رغم أن الدين يلعب دورا محوريا كسبب رئيس وراء انقسام المشهد الثقافي في المجتمع الأمريكي. وتظهر الإحصاءات واستطلاعات الرأي كيف أن الاختلافات بين الأمريكيين في القضايا الاجتماعية تقوم غالبا على أساس ديني.  

ففي قضية مثل حق الشواذ في الزواج وطبقا لاستطلاعات بيو PEW في الفترة من 2004 حتى 2006  يعارض 60% من الأمريكيين معظمهم من المتدينين زواج الشواذ. وتستمر قضية الإجهاض في تقسيم المجتمع إلى فئات متباينة، ففي استطلاع لمنتدى بيو في يوليو/ تموز 2006 لا يمانع 30% من الأمريكيين الإجهاض، بينما لا يمانع 24% الإجهاض ولكن بشروط، ويعارض 35% منح الأم حق الإجهاض مع وجود بعض الاستثناءات ولا يوافق ما يزيد على 11% على الإجهاض على الإطلاق. ذلك بينما يعتقد اثنان من كل ثلاثة أميركيين أنه يمكن التوصل إلى حل وسط وأرضية مشتركة لاتفاق حول القضية.

الإنجيليون الأكثر تمسكا

داخل المؤسسات الدينية تعتبر الطائفة الإنجيلية التي تتخذ من الجنوب الأمريكي قاعدة لها من أكثر فئات المجتمع تمسكا باتخاذ مواقف محافظة مقارنة ببقية أعضاء المذهب البروتستانتي وبقية المذاهب المسيحية في الولايات المتحدة بصورة عامة.

ففي استطلاع  لقياس اتجاهات الرأي العام حول الدين ودوره في الحياة العامة أجرته مجموعة مارتيللا Marttila للاتصالات في أكتوبر/ تشرين الأول 2005 أظهرت النتائج أن 76% من الإنجيليين يعتقدون أن المسيحية تتعرض للهجوم والاستهداف داخل الولايات المتحدة، وذلك مقابل 48% من المسيحيين الذين يترددون على الكنيسة بصورة غير منتظمة.

ويوافق 89% من الإنجيليين على ضرورة وضع لوحات في المؤسسات الحكومية والعامة تحتوي على الوصايا العشر، بينما تصل نسبة الموافقة بين المسيحيين الذين يترددون على الكنيسة بصورة غير منتظمة 51%، وكانت النتيجة تقريبا متطابقة في قضايا مثل تنظيم صلوات في المدارس العامة وغيرها.

دور الدين في الحياة العامة

من أكثر الأمثلة وضوحا على دور وتأثير الدين في الحياة العامة والسياسة  الداخلية الأمريكية عملية التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية، فغالبا ما يصوت المحافظون والمتدينون لصالح الحزب الجمهوري، ما يجعل قادة ومرشحي الحزب ينحازون في برامجهم الانتخابية إلى الأفكار المحافظة.

إذا ما أضفنا إلى ذلك محاولات بعض المحافظين التأكيد على أن التراث التاريخي والثقافي الأمريكي قائم على ما يطلق عليه التراث اليهودي المسيحي Judeo- Christian والربط بين المصير المشترك لليهود والمسيحيين والتحالف الإستراتيجي بينهما. واقتناع كثير من الأمريكيين بهذه الفرضية خاصة المتدينين، لأصبح واضحا لماذا يتخذ المواطن الأمريكي العادي مواقف مؤيدة لإسرائيل

العلاقة بين الدولة والدين في أمريكا

دور الدين في الحياة العامة كان دائما موضوعا مثيرا للجدل منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية. واليوم يبدو النقاش محتدما خاصة مع صعود "اليمين الديني" كقوة سياسية في الولايات المتحدة.

وبينما طلبت بعض المجموعات حذف عبارة "بأمر الرب" من ميثاق الولاء للدولة، ينص البرنامج السياسي للحزب الجمهوري في ولاية تكساس للعام 2006 على أن أحد أهدافه هو "تبديد أسطورة فصل الدين عن الدولة". فما حدود وطبيعة وإشكاليات العلاقة بين الدين والدولة في الولايات المتحدة الأمريكية؟

الأصول التاريخية لـ"فصل الدين عن الدولة"

فكرة فصل الدين عن الدولة هي فكرة جديدة نسبيا من الناحية التاريخية، فهي نتاج عصر التنوير والثورة الفلسفية التي حدثت في أوروبا في القرن الثامن عشر.

وكان مجيء عصر التنوير إيذانا بنهاية حقبة حكم الملوك بموجب "الحق الإلهي"، الذي كان يقوم على أساس فكرة أنهم كانوا مختارين من قبل الرب.

وبعد التنوير سعى الناس إلى البحث عن أساس عقلاني غير ديني للقوانين التي تحكمهم، واعتبر الدين مسألة رأي شخصي بدلا من كونه ميدان سباق لقوانين الحكومة. ولم يلهم عصر التنوير الثورة الأمريكية والمؤسسات الفلسفية للأمة الجديدة فقط، ولكنه أثر أيضا في الدساتير والفلسفات السياسية لكثير من دول أوروبا الغربية.

 قامت أول 13 مستعمرة في الولايات المتحدة الأمريكية على أيدي المتطهرين Puritans الذين فروا من الاضطهاد الديني في أوروبا. وكان البيوريتانيون شديدي التدين وكانوا يؤمنون بأن المؤسسات الدينية غرست وحافظت على الفضيلة في المجتمع، لكنهم أيدوا الحرية الدينية بدلا من مؤسسة دينية عالمية ترعاها الدولة.

وابتكرت المستعمرات التي أصبحت النواة الأولى للولايات بعد الثورة الأمريكية مجموعة كبيرة من الحلول لإحداث توازن بين الدين والسلطة وأيدت بعض الولايات مثل ولاية فرجينيا الفصل الكامل بين الدين والسلطة السياسية في دستور ولايتهم. وأدمجت ولايات أخرى بعض المعتقدات الدينية في الحياة العامة.

على سبيل المثال فرضت ولاية بنسلفانيا على مواطنيها الإيمان بالجنة والنار، لكنها لم تفرض عليهم مزيدا من المعتقدات المحددة.

وبعض الولايات أيدت فصل الدين عن الدولة لأنهم كانوا يخشون أن تعمل السلطة السياسية على إفساد المؤسسات الدينية، وليس العكس. 

فصل الدين عن الدولة في السياسة الأمريكية

كان الرئيس توماس جيفرسون أول من أشار إلى "جدار الفصل بين الدين والدولة" في رسائله المتبادلة مع الرئيس جيمس ماديسون. ورغم أن هذين الرئيسين المؤسسين احتفظا بهذه الفكرة في التعديل الأول للدستور، الذي عدل عام 1791 فقد يستغرق الأمر سنوات أخرى طويلة قبل التوصل إلى أي نوع من الإجماع الوطني على الحدود الفاصلة بين الدين والدولة.

ولم يحدث أي تغيير حتى تمرير التعديل الخامس عشر، عام 1868، الذي أصبحت فيه حرية الدين حرية محمية فدراليا وأمكن تطبيق التعديل الأول في الولايات، ولم يحدث أي تغيير آخر حتى العام 1947.

في العام 1947 أصدرت المحكمة العليا قرارات كثيرة مختلفة تتعلق بالمؤسسات الدينية، حيث قضت المحكمة العليا بدستورية قيام الحكومة بتعويض الآباء الذين دفعوا مصاريف نقل أبنائهم بالحافلات إلى المدارس الدينية، بينما حظر قرار العام 1962 الصلاة في المدارس العامة.

وفي العام 2005 نظرت المحكمة العليا في قضيتين تتعلقان بتقديم عرض مسرحي للوصايا العشر في الأماكن العامة، واحدة في مبنى البرلمان بولاية تكساس والأخرى في دار القضاء بولاية كنتاكي.

وقضت المحكمة بأن العرض في مبنى البرلمان كان علمانيا في طبيعته ويمكن أن يستمر، في حين أن العرض في دار القضاء في كنتاكي كان محاولة ترويج للدين ومن ثم يجب نقله من هذا المكان.

ورغم أن عددا من القضايا قد حددت معايير تراعى عند تقييم انتهاك محتمل لعلاقة الدين بالدولة فليس هناك خط واحد يمكن اتباعه، وعموما ترى المحكمة عدم دستورية أي قوانين قد تفرض معتقدا دينيا معينا على المواطنين، يمكن أن تؤول على أنها موافقة حكومية لدين معين.

الدين في الأنظمة السياسية الغربية الأخرى

فيما يتعلق بالدرجة التي يتم بها الفصل بين المؤسسات الدينية والمؤسسات الحكومية فإن فرنسا وإنجلترا مقارنتان شيقتان بالولايات المتحدة.

فليس في إنجلترا فصل بين مؤسسات الكنيسة والدولة، والكنيسة الإنجليزية -أو الانجليكانية- هي الكنيسة الأم ورئيس الدولة -ملكة إنجلترا- هو أيضا رئيس الكنيسة الإنجليزية، ورئيس الوزراء هو الذي يختار بطريرك الكنيسة الإنجليزية، وهذا الاختيار يجب أن يقر من قبل الملك أو الملكة. 

ولكن رغم الحقيقة بأن الحكومة تقر دينا وطنيا، ليس هناك تشريع أو إجراءات حكومية تمنع حرية ممارسة معتقدات دينية أخرى، ورئيس الوزراء الحالي توني بلير نفسه كاثوليكي وليس إنجليكانيا.

أما فرنسا فإنها تهتم أكثر من الولايات المتحدة بالفصل بين الكنيسة والدولة وتصنف على أنها دولة علمانية.

ورغم أن أتباع الكنيسة الكاثوليكية قاموا بأدوار سياسية مؤثرة كمستشارين للملوك في فرنسا ما قبل الثورة -الثورة الفرنسية عام 1789- لم يعد للكنيسة مكان في السياسة.

ووضع قانون العام 1905 مبادئ العلمانية الفرنسية، ونص على أن الحكومة لن تمول أو تدعم المنظمات الدينية ويمنع تدريس الدين في المدارس ويمنع ارتداء الرموز الدينية في الأماكن العامة، في حين أن الناس أحرار في اتباع أي ديانة خاصة، ولا يمكن إلزام أي شخص باعتناق دين ما.

لكن قانون جاك شيراك للعام 2004 السيئ السمعة المؤيد لقوانين العام 1905 بحظر ارتداء الطلبة للرموز الدينية الواضحة في المدارس العامة كالحجاب الإسلامي والقلنسوة اليهودية والصليب المسيحي أثار جدلا واسعا في أنحاء الدولة ورأى كثيرون أنه بدأ يتدخل في حرية ممارسة الدين.

فيم يفكر الأمريكيون؟

لقد بات واضحا أن كثيرا من الأمريكيين لا يوافقون على أن الحكومة يجب أن تظل خارج هيمنة الدين، فالكثيرون يصنفون الولايات المتحدة على أنها دولة مسيحية ويستشهدون بعبارة "أمة واحدة بأمر الرب" الموجودة في قسم الولاء للدولة وعبارة "نثق في الرب" المنقوشة على العملة الأمريكية. كما أن جورج بوش يعتبر من قبل الكثيريين أكثر الرؤساء تدينا خلال عقود مضت.

ويشير استطلاع للرأي أجرته أسوشيتدبرس أن 40% من الأمريكيين يعتقدون أن القادة الدينيين يجب أن يكون لهم رأي في السياسة العامة.

وأشار استطلاع آخر لشبكة التلفزة المحافظة فوكس نيوز إلى أن 77% من الأمريكيين يشعرون بأن المحاكم تمادت كثيرا في إبعاد الدين عن الحياة العامة، كما أوضح نفس الاستطلاع السابق أن 66% يؤيدون عرض الوصايا العشر في المدارس العامة، وصوت 76% لصالح عرضها في المباني الحكومية. وطالبت بعض الجماعات الدينية بعودة الشعائر الدينية إلى المدارس، رغم حظر المحكمة العليا لهذا الأمر منذ أكثر من 40 عاما مضت.

من الواضح إذن أن الحد الفاصل بين الكنيسة والدولة أقل أهمية من الجدار الذي وصفه الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون. ولما كان تشكيل هيئة المحكمة العليا يتغير أو الرأي العام يتبدل فربما تقدم لنا حينئذ أحكام المحاكم اللاحقة تفسيرات مختلفة حول تلك المادة الدستورية المنظمة لعلاقة الدولة بالدين، وإلى أن يحين هذا الوقت فإن الجدل سيستمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 11 آيار/2007 -22/ربيع الثاني/1428