بعد ان تبؤ مقعده من النار من سيكتب تاريخ الطاغية

جاسم فيصل الزبيدي

 يقولون ان المؤرخ جزء الحاضر،بينما الحقائق التاريخية تنتمي الى الماضي، ذلك ان المؤرخ ووقائع التاريخ هما ضروريان لبعضهما البعض،فالمؤرخ بلا وقائع هو بلا جذور وعقيم والوقائع بلا مؤرخ عديمة الحياة والمعنى.

ان فهم الانسان للحوادث التاريخية ’’ والوقوف على حقيقة سير التاريخ،تجعله يتلمس التشابه بين مامضى،وماهو حادث من الوقائع،لكي يخرج بشيء يمكنه من التعرف على مسار الاحداث ومغزاها،ولو على وجه التقريب’’ فالانسان بجميع مراحله لن يستطيع تجاهل التاريخ الا عن طريق واحدة هي دفن رأسه في الرمال.

ان الذين دونوا التاريخ سواء العربي او الاسلامي لم يكونوا على درجة من الحيادية والامانة التاريخية فاغلب المؤرخين ـ إن لم نقل اجمعهم ـ اما ان يتجاهلوا طائفة او يتعرضوا لها بشيء من التشوية وتزيف الحقائق.

وبرأيي الشخصي،  ان ماتتعرض له الامة العربية والاسلامية من حروب ودمار واقتتال، إنما هو ثمرة من ثمار ذلك التاريخ المدون على اساس (انتصار فئة على اخرى) كما لا ننسى ان للسياسة الدور الابرز في تبني هذا المنهج العدائي.. الغرض منه عدم افساح المجال للبسطاء من الامة في النظر الى الحكم والراعي.

اتذكر ان مروان ابن الحكم لما سُئل : هل علي بن ابي طالب قتل عثمان؟ قال: لا ؟ فقيل له: أذن لماذا تشهرون بالرجل؟! فقال: الحكم لا يسير الا هكذا؟؟.

لقد لعبت السياسة ومؤرخو البلاط دوراً على درجة عالية من الدقة في تمزيق دول العالم،واحد هذه الدول هو العراق الذي مر بعدة فترات متباينة ودرجات مختلفة من الظلم والاضطهاد وكلما دخلت امة لعنت اختها وكل حزب بما لديهم فرحون،واخاسر الاكبر في هذه القضية هو المواطن البسيط والخاضع اصلاً الى نظرية (نحن مع من غلب)و(الياخذ امي يصير عمي)كما يقول المثل الشعبي العراقي.

ان من بين تلك الفترات التي مر بها العراق هي فترة نظام البعث وتسنم طاغية العصر وفرعونه دفة الحكم بعد مسرحية(احمد حسن البكر) واتذكر وقتها كلام لاحد كبار السن يوم كنا جالسين في احدى المقاهل في مدينة النجف الاشرف القديمة وأُذيع بيان تسنم الطاغية ادارة شؤون العراق قائلا:سترون الويلات من هذا الرجل)؟؟

لقد حاول طاغية العصر المقبور ابان فترة حكمة ان يُعيد كتابة التاريخ بما يتناسب وآيدلوجيته وأفكاره واهدافه(لا بد ان يكون لنا في النظر الى التاريخ وكتابته منهج يُعبر عن نظريتنا،  وينسجم مع خصةصية فكرنا)كما نص في كتابه (حول كتابة التاريخ).

فقد انبرى من ابنرى وكتب من كتب جاعلين من الضحايا مجرمين ومن المجرمين ضحايا مثلهم مثل السفسطائية الذين ينكرون الحقائق المحسوسة والملموسة، فاثمرت تلك الجهود الشيطانية فكراً مدمراً احرق الاخضر واليابس والمؤسف ان شعوبنا العربية والاسلامية (الراقصة مع كل طبال) و(الحُبلى) اصلاً بعقدة عبادة الملوك والطغاة قد صدقت وخضعت مذعنتٍ لايدلوجية الطاغية فيما يخص تحرير فلسطين.

ان فكراً كهذا قادر على تحريك التاريخ لا ان يعود اليه لانه وجد الارض الخصبة لنمو افكاره مستغلاً الانشقاق الطائفي والعقائدي والفكري كنموذج لتحركاته العدوانية.

هذا الوجه الاول..اما الوجه الثاني فيتمثل في (التمجيد الديني) من خلال (المغالطات الدينية والتاريخية)و(الالتفاف حول النص) لاضفاء الشرعية على حكم الطغاة واستعبادهم الناس في المستقبل القريب. وهذا الوجه ينطلق من مبدأ الطائفية والقومية لان الممجدين للطغاة لا يستطيعون ان يقولوا خلاف ذلك.

فلو قالوا خلاف ذلك لسحب بساط الشرعية من تحت اقدام حكام العرب وقد تمتد عملية سحب البساط الى حكام الدول الاسيوية والاسلامية، عندها ستكتشف الامة مدى انخداعها بهولاء الطغاة وفقهاء البلاط وكتاب السلاطين.

ان كتابنا مدعوون لكتابة تاريخ الطاغية وكشف جرائمه بالوثائق والادلة والبراهين في كل محفل من المحافل الدولية وايقاظ فكر الامة التي تنظر فارس احلامها بعد ان ادركها قطار الزواج،والنائمة كمنام اهل الكهف.ليُدركوا ان الطغاة غير صادقين في دعواهم وغير واقعيين في اطروحاتهم حول قضايا الامة، فان فلسطين لم تحرر وبقى فيها الاسرائيليين وبقيت تلك التهريجات والعنتريات الفارغة هواء في شبك ولهذا سقطوا وخسروا وانحسروا لانهم خدعوا الشعب فخدعهم الله..

ورحم الله شاعر العرب الكبير نزار القباني حين قال

اذا خسرنا الحرب.. لا غرابة

لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه

لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابه

بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه

فلا النصال انكسرت على النصال

ولا الرجال نازلوا الرجال

ولا رأينا مرة آشور بانيبال

فكل ما تبقى لمتحف التاريخ

اهرام من النعال !!

sunsetaa@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية - الاثنين 15/كانون الثاني/2007 - 24 /ذي الحجة /1427