التخلي عن الأمان لمضاعفة الربحية

متى سينتهي الرعب البيئي العالمي؟

محمد يوسف العرادي

 الأمن والأمان ركيزتان أساسيتان في حياة الإنسان،فبدونهما يفقد الإنسان جانب أساسي من سلم أولويات حياته، فهما من ثوابت هرمية معيشة الإنسان وسعادته، ومتى تحقق الأمن والأمان انعدم الخوف والحزن، فعلى مر التاريخ والإنسان يبحث عن مصادر السكينة والاطمئنان، لكي يشبع حاجته النفسية للأمن والأمان، ويختلف البحث من عصر لعصر آخر، فربما يفقد الإنسان حياته من اجل ان يحصل على الأمان فينقلب المقصود إلى ضده وتتحول حياته بعد ان كان في أمان  لخوف وفزع وهذا ما يعيشه العالم الان !!

لقد تمّلك الخوف و القلق قلوب سكان القرن الواحد والعشرين، وهم يقرأون التقارير الصادرة من الاجتماعات السنوية، للدول الكبرى المعنية بالمحافظة على بيئة العالم، فقد كانت التنبيهات البيئية الصادرة خلال انعقاد مؤتمر ريو دي جانيرو العام 1992، قد حذرتهم من المخاطر التي يتعرضون لها، جراء نهب الكون ثرواته الطبيعية، ولم يكن ذلك أول واخر مؤتمر من هذا القبيل، فقد تبعه مؤتمرات أخرى تحذر من الدمار الحاصل، وخير شاهد على ذلك مؤتمر كيوتو في اليابان، الذي عقد في كانون الأول ( ديسمبر ) من العام 1997 وحضره ممثلون عن مئة وخمسين بلداً في كيوتو، وقد تم تسليط الضوء على الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة احترار الأرض، الناجم عن انبعاثات الغاز الدفيئة..

إلى متى ستعقد هذه المؤتمرات؟؟ التي ظاهرها كبير وباطنها خاوي ومعدوم، والى متى سيتم التركيز على المادة ومضاعفة هامش الربحية؟

وكل ذلك على حساب الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى،(( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) الإسراء 70

فبدل ان تسعى الحكومات لوقاية الإنسان قبل علاجه، نراها تهيئ له الأرضية المرضية وتبعد عنه وسائل العلاج، لا بل أكثر من ذلك صارت صناعة الدواء صناعة تضاعف هامش الربحية على مصلحة الإنسان، ودخلت في تركيباتها الكثير من المواد الكيميائية التي تعجل بفناء الإنسان، بدل ان توفر له أسباب البقاء، فأصبح البحث عن الدواء الناجع من المشاكل التي يواجهها الإنسان في هذا العصر، فقد أصبحت تلك الأدوية لها مضاعفات وآثار جانبية خطيرة على حياة الإنسان، فعلى سبيل المثال أدوية المهدئات التي يزداد التعلق بها من قبل الإنسان، خصوصا مع ما يعيشه من مشاكل اقتصادية وسياسية وطبيعية كالفقر والحروب وما أشبه ذلك..

ولو بحثنا عن السبب وأعملنا العقل، لأرجعنا سبب ذلك للسياسة العالمية ونظرتها للإنسان، فهي لا تبحث إلا عن الربح ولا شيء غيره، فهي تجسد الأنانيات وتعمل على تدمير مقومات الإنسان، وإذا سألتها لماذا كل هذا الدمار لردت قائلة كل ذلك لمصلحة الإنسان فأي مصلحة مقدمته فاسدة «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون»(البقرة:11-12) ومن المقدمات تعرف النتائج.

ولم يتوقف مسلسل الأمراض المرعب، الذي بدأ لكي لا ينتهي إلا بحصد الملايين من البشر، بل أصبحت تلك الأمراض أوبئة يصعب التحكم بها، ولو أرجعنا الذاكرة قليلا لعام 2001  حيث انتشر في أوروبا مرض الحمى القلاعية، وبشكل سريع وكانت جرثومة هذا المرض اكتشفت في العام 1898م وبدل ان تتخذ الحكومة البريطانية مبدأ الاحتراس أبدلته بمبدأ أخر وهو مبدأ الربحية، فقد ضربت حكومة مارغريت تاتشر في الثمانينات من القرن العشرين  بعرض الحائط مبدأ الاحتراس، وبلغ غياب حرصها على صحة المواطنين أن ألغت الشبكة الوطنية للأطباء البيطريين، وأعقبته بقرار مشئوم آخر في العام 1991 يقضي بحظر التلقيح للحيوانات، مما يوفر عليها ملياراً واحداًُ من اليورو ويشجع التصدير بكميات كبيرة.

 أن ما وصفه (( انطوان آرتو )) عندما تكلم عن الطاعون واصفا إياه بقوله (( إنه بمثابة انكشاف لقرار من القساوة الكامنة ومن خلالها تتمركز في الفرد أو في شعب من الشعوب كل الإمكانيات المنحرفة التي تنطوي عليها النفس )) ان هذا الوصف ينطبق بشكل فعلي على ما حصل في أوروبا ويكشف ما يحصل في عصرنا الراهن من تغليب الانانية وحب الذات على كل مقدرات الانسان ومنجزاته..

لقد كانت انعكاسات هذين الإجرائين أن هيآ الظروف للجائحة السابق ذكرها، والغريب في الأمر ان الحكومة هي من يأتي بالداء ويكون مجبراً بالبحث عن الدواء بعد ذلك، بعد ان سبب المفاسد للإنسان تحت عنوان مصلحة الإنسان ؟

ما زالت المؤتمرات تعقد تحت عنوان مصلحة الإنسان، ولا نرى أي تقدم سوى تمديد مدة الاتفاقيات ولا علاج يذكر، ولا ندري أيكون هناك تغير نحو الأفضل في المؤتمرات القادمة، وخصوصا مع المؤتمر الذي سيعقد في ألمانيا والتي دعت إليه دول الثمانية الصناعية، لمناقشة عدة أمور تهم البيئة وعلى سلم أولوياتها مسألة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وسبل إيجاد بديل لاتفاقية كيوتو المناخية التي تنتهي صلاحيتها عام 2012 وسيكون هذا المؤتمر كسابقه لا يهدف لوضع حلول عمليه، ودليل ذلك ما جاء على لسان وزير البيئة الألماني سيغمار غابرييل حيث اعتبر ان الاجتماع لن يخرج بنتائج عملية، لكنه سيكون فرصة لمناقشة أمور عديدة منها العقبات التي حالت حتى الان دون التوصل إلى اتفاق في مجال التغير المناخي.

ومن جانب آخر كان رؤساء دول الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20 بالمئة بحلول 2020 !!

وهل سينتظر المرض ان يجتاح العالم خلال الثلاث عشرة سنة المقبلة؟! والذي سيسببه تشبع الغلاف الجوي بثاني أكسيد الكربون، وهل الحكومات توفر الوقاية للجيل المقبل بعد عام 2020 وتضرب الأجيال الحالية عرض الجدار ؟

ألم يأمنوا مكر الله (( أفامنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )) الأعراف 99 بلا شك ان النعمة والعيش فيها شيء لابد منه، ولكن النعمة تزول اذا لم يحافظ عليها، وتحل بدل منها النقمة، قال أمير المؤمنين عليه السلام (( فاتقوا سكرات النعمة واحذروا بوائق النقمة )).

نحن في انتظار ما تسفر عنه المؤتمرات المتلاحقة، وتقفز إلى الأذهان التساؤلات الملحة إلى متى سيظل الرعب البيئي العالمي؟ وهل سيكون له نهاية تذكر ؟ هل ستظل آثاره المدمرة على الأجيال المقبلة؟ اما نحن من سنضحي بأرواحنا وسنكون الجسر الآمن للأجيال المتلاحقة التي تزداد على حساب الموارد وهل نحن أفضل منهم أم هم أفضل منا.

alaradimohd@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس22 آذار/2007 -2/ربيع الاول/1428